حكم الدخول الى الخلاء بخاتم فيه إسم الله تعالى من أبحاث هيئة كبار العلماء


قال الحطاب رحمه الله: يكره أن يدخل بيت الخلاء بخاتم فيه اسم الله تعالى أو يصر الدراهم في خرقة منجوسة والخلاف في هذا كله. انتهى. وقال في [الطراز] لما تكلم على آداب الاستنجاء: وجوز مالك أن يدخل الخلاء ومعه الدينار والدرهم وإن كان مكتوبا عليه اسم الله تعالى، وقال عنه ابن القاسم في العتبية، إنه يستخف في الخاتم الاستنجاء به، قال: ولو نزعه كان أحب إلي وفيه سعة ولم يكن من مضى يتحفظون من هذا. قال ابن القاسم : وأنا أستنجي به وفيه ذكر الله تعالى، قال ابن حبيب : أكره له ذلك وليحوله في يمينه وهذا حسن، وقد كره مالك أن يعامل أهل الذمة بالدنانير والدراهم التي فيها اسم الله تعالى، وفي الترمذي عن أنس
سنن الترمذي اللباس (1746) ، سنن النسائي الزينة (5213) ، سنن أبو داود الطهارة (19) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303). أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه ]. انتهى. ونقله في [الذخيرة] وفي [رسم الشريكين] من سماع ابن القاسم من كتاب الطهارة، وسألت مالكا عن لبس الخاتم فيه ذكر الله تعالى يلبس في الشمال وهل يستنجي به؟ قال مالك : أرجو أن يكون خفيفا .
قال ابن رشد : قوله: أرجو أن يكون خفيفا يدل على أنه ضده مكروه وأن نزعه أحسن وكذلك فيما يأتي في رسم مساجد القبائل من هذا السماع وفي رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب ومثله لابن حبيب في
الواضحة، ووجه الكراهية فيه بين ؛ لأن ما كتب فيه اسم الله تعالى من الحروز يجعل له خرقة، وقد قال مالك رحمه الله تعالى في كتاب التجارة إلى أرض الحرب: إني لأعظم أن يعمد إلى دراهم فيها ذكر الله تعالى فيعطاها نجسا وأعظم ذلك إعظاما شديدا وكرهه، وقال ابن القاسم في رسم مساجد القبائل: وأن أستنتجي بخاتمي وفيه ذكر الله تعالى. ليس بحسن من فعله ويحتمل أن يكون إنما فعله؛ لأنه عض بأصبعه فيشق عليه تحويله إلى اليد الأخرى كلما دخل الخلاء واحتاج إلى الاستنجاء فيكون إنما تسامح فيه لهذا المعنى وهو أشبه بورعه وفضله. انتهى. والذي في رسم مساجد القبائل قيل له: استنجي به وفيه ذكر الله تعالى؟ فقال: إن ذلك عندي خفيف ولو نزعه لكان أحسن، وفي هذا سعة وما كان من مضى يتحفظ في مثل هذا ولا يسأل عنه، قال ابن القاسم : وأنا أستنجي بخاتمي وفيه ذكر الله تعالى. قال ابن رشد : قد مضى الكلام عليه في [رسم الشريكين]، وقال في أواخر رسم الوضوء والجهاد من سماع أشهب : سئل مالك عن الخاتم فيه ذكر الله تعالى منقوش من الاستنجاء، فقال: إن نزعه فحسن، وما سمعت أحدا انتزع خاتمه عند الاستنجاء فقيل له: فإن استنجى وهو في يديه فلا بأس، قال ابن رشد : قد مضى الكلام عليه في رسم الشريكين وفي آخر سماع سحنون من كتاب الصلاة .
د- قال الشيرازي في [المهذب] رحمه الله[المجموع] (2\ 80، 81). :
إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء عليه ذكر الله تعالى، فالمستحب أن
ينحيه؛ لما روى أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم
سنن الترمذي اللباس (1746) ، سنن النسائي الزينة (5213) ، سنن أبو داود الطهارة (19) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303). كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه، وإنما وضعه؛ لأنه كان عليه محمد رسول الله .
وقال النووي رحمه الله : (الشرح) حديث أنس هذا مشهور، رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي وغيرهم في كتاب الطهارة، والترمذي في اللباس، والنسائي في الزينة، وضعفه أبو داود والنسائي والبيهقي، قال أبو داود: وهو منكر، وإنما يعرف عن أنس أن النبي صلى الله عليه
سنن الترمذي اللباس (1746) ، سنن النسائي الزينة (5213) ، سنن أبو داود الطهارة (19) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303). اتخذ خاتما من ورق ثم ألقاه . وقال النسائي : هذا الحديث غير محفوظ، وخالفهم الترمذي فقال: حديث حسن صحيح غريب .
وقوله: وإنما وضعه -إلى آخره- هو من كلام المصنف لا من الحديث ولكنه صحيح، ففي [الصحيحين ]،
الله عليه وسلم كان محمد رسول الله، ويقال: خاتم، وخاتم بكسر التاء وفتحها وخاتام وخيتام أربع لغات، والخلاء: بالمد وهو الموضع الخالي، وقوله: كان إذا دخل الخلاء، أي: أراد الدخول. أما حكم المسألة فاتفق أصحابنا على استحباب تنحية ما فيه ذكر الله تعالى عند إرادة دخول الخلاء ولا تجب التنحية، وممن صرح بأنه مستحب المصنف وشيخه القاضي أبو الطيب في تعليقه، والمحاملي في كتبه الثلاثة، وابن الصباغ، والشيخ نصر المقدسي في كتبه الثلاثة: [الانتخاب] و[التهذيب] و[الكافي]، وآخرون .
قال المتولي والرافعي وغيرهما: لا فرق في هذا بين أن يكون المكتوب عليه درهما أو دينارا أو خاتما أو غير ذلك، وكذا إذا كان معه عوذة، وهي الحروز المعروفة- استحب أن ينحيه صرح به المتولي وآخرون، وألحق الغزالي في [الإحياء] و[الوسيط] بذكر الله تعالى اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال إمام الحرمين: لا يستصحب شيئا عليه اسم معظم ولم يتعرض الجمهور لغير ذكر الله تعالى، وفي اختصاص هذا الأدب بالبنيان وجهان، قال الشيخ أبو حامد في تعليقه: يختص، وقطع الجمهور بأنه يشترك في البنيان والصحراء، وهو ظاهر كلام المصنف وصرح به المحاملي وغيره وإذا كان معه خاتم فقد قلنا: ينزعه قبل الدخول فلو لم ينزعه سهوا أو عمدا ودخل فقيل: يضم عليه كفه لئلا يظهر. قال ابن المنذر : إن لم ينزعه جعل فصه مما يلي بطن كفه، وحكى ابن المنذر عن جماعة من التابعين: ابن المسيب والحسن وابن سيرين، الترخيص في استصحابه. والله أعلم .
وقال أحمد بن إبراهيم الدمشقي الشهير بابن النحاس :
فصل في بعض ما يشاهد في المساجد من البدع: قال: ومنها: كتابة القرآن في جدران المسجد، ومذهبنا أنه مكروه؛ لأنه تعريض له لوقوع الغبار عليه وقد صرح الحليمي في منهاجه أن من تعظيم الله تعالى وتعظيم رسوله صلى الله عليه وسلم أن ننفض الغبار عن المصحف وكتب السنن وألا يوضع عليها شيء من متاع البيت، وكذلك يكره كتابته في جدار غير المسجد، فإن كان في جدار يصعد فوقه إلى غرفة ونحوها كانت الكراهة أشد وربما حرم. والله أعلم [تنبيه الغافلين]ص 326. .
هـ - قال ابن قدامة رحمه الله [المغني] (1\ 167). :
إذا أراد دخول الخلاء ومعه شيء فيه ذكر الله تعالى استحب وضعه .
وقال أنس بن مالك : ]
سنن الترمذي اللباس (1746) ، سنن النسائي الزينة (5213) ، سنن أبو داود الطهارة (19) ، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (303). كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه . رواه ابن ماجه وأبو داود، وقال: هذا حديث منكر .
وقيل: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعه؛ لأن فيه: محمد رسول الله ثلاثة أسطر، فإن احتفظ بما معه مما فيه ذكر الله تعالى واحترز عليه من السقوط أو أدار فص الخاتم إلى باطن كفه- فلا بأس .
قال أحمد : الخاتم إذا كان فيه اسم الله يجعله في باطن كفه ويدخل الخلاء. وقال عكرمة : اقلبه هكذا في باطن كفك فاقبض عليه، وبه قال إسحاق، ورخص فيه ابن المسيب والحسن وابن سيرين . وقال أحمد في الرجل يدخل الخلاء ومعه الدراهم: أرجو أن لا يكون به بأس .
و- قال المرداوي رحمه الله [الإنصاف] (1\ 94، 95). :
قوله: (ولا يدخل بشيء فيه ذكر الله تعالى) الصحيح من المذهب: كراهة دخوله الخلاء بشيء فيه ذكر الله تعالى ، إذا لم تكن حاجة. جزم به في [الوجيز]، و[مجمع البحرين]، و[الحاوي الكبير]. وقدمه المجد في [شرحه]، و[ ابن تميم ]، و[ ابن عبيدان ]، و[النظم]، و[الفروع] و[الرعايتين]، وغيرهم. وعنه: لا يكره. قال ابن رجب في [كتاب الخواتم]: والرواية الثانية: لا يكره. وهي اختيار علي بن أبي موسى، والسامري، وصاحب [المغني]. انتهى. قال في [الرعاية]: وقيل: يجوز استصحاب ما فيه ذكر الله تعالى مطلقا، وهو بعيد. انتهى. وقال في [المستوعب]: تركه أولى. قال في النكت: ولعله أقرب. انتهى .
وقطع ابن عبدوس في [تذكرته] بالتحريم، وما هو ببعيد. قال في [الفروع]: وجزم بعضهم بتحريمه، كمصحف، وفي نسخ: لمصحف.
قلت: أما دخول الخلاء بمصحف من غير حاجة فلا شك في تحريمه قطعا، ولا يتوقف في هذا عاقل .
تنبيه: حيث دخل الخلاء بخاتم فيه ذكر الله تعالى، جعل فصه في باطن كفه، وإن كان في يساره أداره إلى يمينه، لأجل الاستنجاء .
فائدة: لا بأس بحمل الدراهم ونحوها فيه. نص عليهما، وجزم به في [الفروع] وغيره. قال في [الفروع]: ويتوجه في حمل الحرز مثل حمل الدراهم. قال الناظم: بل أولى بالرخصة من حملها .
قلت: وظاهر كلام المصنف هنا، وكثير من الأصحاب أن حمل الدراهم في الخلاء كغيرها في الكراهة وعدمها، ثم رأيت ابن رجب في ذكر كتاب الخواتم: أن أحمد نص على كراهة ذلك في رواية إسحاق بن هانئ . فقال في الدرهم: إذا كان فيه (اسم الله) أو مكتوبا عليه سورة الإخلاص الآية قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ يكره أن يدخل اسم الله الخلاء. انتهى .
وسئل شيخ الإسلام أحمد بن تيمية رحمه الله عن جندي قال للصائغ: اعمل لي حياصة من ذهب، أو فضة، واكتب عليها (بسم الله الرحمن الرحيم) فهل يجوز ذلك ثم لا بد من إعادتها إلى النار لتمام عملها. وهل يجوز لأحد أن يلبس حياصة ذهب أو فضة ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين. أما حياصة الذهب فمحرمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
الذهب والحرير هذان حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها
وأما حياصة الفضة، ففيها نزاع بين العلماء: وقد أباحها الشافعي وأحمد، في إحدى الروايتين. وأما كتابة القرآن عليها: فيشبه كتابة القرآن على الدرهم والدينار. ولكن يمتاز هذا بأنها تعاد إلى النار بعد الكتابة، وهذا كله مكروه. فإنه يفضي إلى ابتذال القرآن وامتهانه، ووقوعه في المواضع التي ينزه القرآن عنها. فإن الحياصة ]الحياصة: سير في الحزام [لسان العرب]. ، والدرهم والدينار ونحو ذلك. هو في معرض الابتذال، والامتهان .

وإن كان من العلماء من رخص في حمل الدراهم المكتوب عليها القرآن، فذلك للحاجة، ولم يرخص في كتابة القرآن عليها. والله أعلم ][مجموع فتاوى ابن تيمية] (25\ 66، 67).