باب صَلاة التَّطوُّع من الشرع الممتع على زاد المستقنع للعلامة العثيمين - رحمه الله

باب صَلاة التَّطوُّع .....

قوله: «صَلاة التَّطُّوع» مِنْ باب إِضافةِ الشَّيء إلى نوعه؛ لأَنَّ الصَّلاةَ جِنسٌ ذو أنواع، فصلاةُ التَّطوُّع، أي: الصلاة التي تكون تطوُّعاً؛ أي: نافلة.

والتَّطوُّعُ: يُطلق على فِعْلِ الطَّاعة مطلقاً، فيشمل حتى الواجب، قال الله تعالى: {{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ *}} [البقرة] مع أَنَّ الطَّوافَ بهما رُكنٌ من أركان الحَجِّ والعُمْرة.

ويُطلق على المعنى الخاص في اصطلاح الفقهاء، فيُراد به كُلُّ طاعةٍ ليست بواجبة. ومِنْ حِكمةِ الله عزّ وجل ورحمتِهِ بعبادِه أَنْ شَرَعَ لكلِّ فَرْضٍ تطوُّعاً من جنسه؛ ليزداد المؤمن إيماناً بفعل هذا التَّطوُّع، ولتكمُلَ به الفرائض يوم القيامة، فإنَّ الفرائضَ يعتريها النَّقصُ، فتكمُلُ بهذه التَّطوُّعاتِ التي مِنْ جنسها، فالوُضُوء: واجبٌ وتطوُّعٌ، والصَّلاةُ: واجبٌ وتطوُّعٌ، والصَّدقة: واجبٌ وتطوُّعٌ، والصيام: واجبٌ وتطوُّعٌ، والحَجُّ: واجبٌ وتطوُّعٌ، والجهاد: واجبٌ وتطوُّعٌ، والعِلْمُ: واجبٌ وتطوُّعٌ، وهكذا.

وصلاة التَّطوُّع أنواع:

منها ما يُشرع له الجماعةُ، ومنها ما لا يشرعُ له الجَماعةُ.

ومنها ما هو تابعٌ للفرائض، ومنها ما ليس بتابعٍ.

ومنها ما هو مُؤقَّتٌ، ومنها ما ليس بمُؤقَّتٍ.

ومنها ما هو مُقيَّدٌ بسبب، ومنها ما ليس مقيَّداً بسبب.

وكلُّها يُطلق عليها: صلاةُ تَطوُّعٍ.

وآكدُ ما يُتطوَّعُ به من العبادات البَدنية: الجِهَاد.

وقيل: العِلْم.

والصَّحيح: أنه يختلف باختلاف الفاعل؛ وباختلاف الزَّمن، فقد نقول لشَخصٍ: الأفضلُ في حَقِّك الجِهادُ، والآخرُ: الأفضلُ في حَقِّكِ العِلْم، فإذا كان شُجاعاً قويًّا نشيطاً؛ وليس بذاك الذَّكيِّ؛ فالأفضلُ له الجِهاد؛ لأنه أَليقُ به. وإذا كان ذكيًّا حافظاً قويَّ الحُجَّة؛ فالأفضلُ له العِلْم، وهذا باعتبار الفاعل.

وأما باعتبار الزَّمن؛ فإننا إذا كُنَّا في زمن تَفَشَّى فيه الجهلُ والبِدعُ، وكَثُرَ مَنْ يُفتي بلا عِلم؛ فالعِلمُ أفضلُ من الجهاد، وإنْ كُنَّا في زمن كَثُرَ فيه العُلماءُ؛ واحتاجتِ الثُّغور إلى مرابطين يدافعون عن البلاد الإسلامية؛ فهنا الأفضل الجهاد. فإنْ لم يكن مرجِّحٌ، لا لهذا ولا لهذا؛ فالأفضلُ العِلم.

قال الإمام أحمد : العِلمُ لا يَعْدِلُهُ شيء لِمَنْ صَحَّت نيَّتُهُ. قالوا: كيف تصحُّ النيَّةُ؟ قال: ينوي بتواضع، وينفي عنه الجهل. وهذا صحيح؛ لأنَّ مَبْنَى الشَّرعِ كُلِّه على العِلم، حتى الجهاد مَبْنَاهُ على العِلم، ويدلُّ لهذا قوله تعالى: {{وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ}} [التوبة: 122] فَنَفَى الله أَنْ يَنْفِر المسلمون كلُّهم إلى الجهاد، ولكن يَنْفِرَ طائفةٌ ويبقى طائفةٌ لتتعلَّم؛ حتى إذا رجع قومُهم إليهم أخبروهم بما عندهم من الشَّرع، ولكن يجب في الجهاد وفي العِلم تصحيحُ النِّيَّةِ؛ وإخلاصُها لله عزّ وجل، وهو شرطٌ شديدٌ؛ أعني: إخلاصَ النِّيَّة، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: شَرْطُ النِّيَّةِ شَديد؛ لكنه حُبِّبَ إليَّ فجمعتُه.



آكَدُهَا كُسُوفٌ ..........

قوله: «آكدها كسوف» أي: أن آكدَ صلاة التَّطوُّع صلاةُ الكسوف؛ لأَنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها[(1)]، وخَرَجَ إليها فَزِعاً[(2)]، وصَلَّى صلاةً غريبةً، وعُرِضت عليه في صلاتِهِ هذه الجنَّةُ والنَّارُ[(3)]، وخَطَب بعدها خُطبةً بليغةً عظيمةً[(4)]، وشَرعَ لها الجماعةَ، فأَمَرَ مناديًا أن يُنادي «الصلاةُ جامعةً»[(5)] ، فهي آكدُ صَلاةِ التطوُّع.

وفُهِمَ من كلام المؤلِّف : أَنَّ صلاة الكُسُوفِ نافلةٌ من باب التطوُّعِ، وفيها خِلاف بين أهل العلم.

والصحيح : أَنَّ صلاة الكُسُوف فرضٌ واجب، إِمَّا على الأعيان؛ وإِمَّا على الكفاية، وأَنَّه لا يمكن للمسلمين أن يَرَوا إنذارَ الله بكسُوف الشمسِ والقمرِ، ثم يَدَعوا الصَّلاةَ؛ مع أنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم أَمَرَ بها، وأَمَرَ بالصدقة والتكبير والاستغفار والعتق والفزع إلى الصلاة، وحصل منه شيءٌ لم يكن مألوفاً مِنْ قبلُ، فكيف تقترنُ بها هذه الأحوالُ مع الأمر بها، ثم نقول: هي سُنةٌ؛ لو تركها المسلمون لم يأثموا. فأقلُّ ما نقول فيها: إنها فرضُ كفاية.



ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ، ........

قوله: «ثم استسقاء» . يعني: أنَّ صلاة الاستسقاء تلي صلاةَ الكسوفِ في الآكدية، وعَلَّل الأصحاب ذلك بأنها تُشرع لها صلاةُ الجماعة، فجعلوا مناطَ الأفضلية الاجتماعَ على الصَّلاة، فما شُرع له الاجتماعُ فهو أفضلُ مما لم يُشرع له الاجتماعُ، فالاستسقاء عندهم أفضل من الوِتر مثلاً؛ لأن صلاة الاستسقاء تُشرع لها الجماعةُ بخلاف الوِتر، وما شُرعت له الجماعةُ فهو آكد من غيره.

ولكن؛ في هذا نَظَرٌ.

والصواب : أَنَّ الوِترَ أوكدُ مِن الاستسقاء؛ لأن الوِترَ داومَ عليه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وأَمَرَ به فقال: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلاتِكُمْ باللَّيلِ وِتْراً» [(6)] وقال: «إِذا خَشِيَ أحدُكُمُ الصُّبْحَ صَلَّى ركعةً واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» [(7)] وقال: «يا أهلَ القُرآن، أوتِرُوا...» [(8)].

وأما صلاةُ الاستسقاء؛ فإنه لم يَرِدِ الأمرُ بها، ولكنها ثَبتتْ مِنْ فِعْل الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم، ولم يكن يقتصرُ في الاستسقاء على الصَّلاة، فقد كان يستسقي بالدُّعاء في خُطبةِ الجُمُعةِ وفي غيرها.

والاستسقاء هو : أَنَّ النَّاسَ إذا أجدبتِ الأرضُ، وقَحِطَ المطرُ، وتضرَّروا بذلك؛ خرجوا إلى مُصَلَّى العيدِ؛ فصَلُّوا كصلاة العيدِ، ثم دعوا الله عزّ وجل. وستأتي مفصَّلة في بابٍ مستقلٍّ إن شاء الله.



ثُمَّ تَراوِيْح، ثُمَّ وِترٌ .........

قوله: «ثم تراويح، ثم وتر» أي: أَنَّ التراويحَ تلي الاستسقاءَ في الآكدية، فهي في المرتبة الثالثة، فقدَّمَ التراويحَ على الوِتر بناءً على أنَّ مَنَاطَ الأفضليَّة هو الجماعة، والتراويحُ تُشرعُ لها الجماعةُ بفعل الرَّسولِ صلّى الله عليه وسلّم، فإنه عليه الصَّلاة والسَّلام صَلَّى بالناس في رمضان ثلاث ليال، ثم تخلَّفَ في الثالثة أو في الرابعة، وقال: «إِنِّي خَشيتُ أَن تُفْرَضَ عليكم» [(9)] فبقيت الأُمَّةُ الإسلاميةُ لا تُقَام فيها صلاةُ التراويح جماعةً، حتى جمعهم أميرُ المؤمنين عُمرُ بنُ الخطاب على تَمِيمٍ الدَّاريِّ وأُبيِّ بنِ كعب[(10)]، فالمؤلِّفُ يرى أن التراويحَ مقدَّمةٌ على الوِتر.

والصَّحيحُ: أَنَّ الوِترَ مقدَّمٌ عليها، وعلى الاستسقاء؛ لأنَّ الوِتر أَمَرَ به وداوم عليه النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم، حتى قال بعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّ الوِترَ واجبٌ.

وقال بعضُ العُلماء: إنَّهُ واجبٌ على مَنْ له وِرْدٌ مِن اللَّيل. يعني: على مَنْ يقومُ اللَّيل.

وقال آخرون: إنه سُنَّةٌ مطلقة.

وصلاةٌ هذا شأنها في السُّنَّةِ، وعند أهل العِلم، كيف تُجعل التراويحُ التي اختُلِفَ في استحباب الجماعة لها أفضلُ منها؟

إذاً؛ فترتيب صَلاة التطوُّع: الكسوف، ثم الوِتر، ثم الاستسقاء، ثم التراويح، هذا هو القول الراجح؛ لأن الاستسقاء صلاة يقصد بها رَفْع الضرر، فالناس في حاجة إليها أكثر من التراويح.

والتراويح: هو قيامُ اللَّيلِ في رمضان، وسُمِّيَ تروايحُ؛ لأن النَّاسَ كانوا يُطيلون القيامَ فيه والرُّكوعَ والسُّجودَ، فإذا صَلُّوا أربعاً استراحوا، ثم استأنفوا الصَّلاةَ أربعاً، ثم استراحوا، ثم صَلُّوا ثلاثاً، على حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لا يزيدُ في رمضانَ ولا غيره على إحدى عَشْرَة رَكْعةً، يُصلِّي أربعاً؛ فلا تسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهنَّ، ثم يُصلِّي أربعاً؛ فلا تسألْ عن حُسْنهنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يُصلِّي ثلاثاً» [(11)]، وهذه الأربع التي كان يُصلِّيها أولاً؛ ثم ثانياً؛ يُسلِّمُ فيها من ركعتين؛ كما جاء ذلك مفسَّراً عنها رضي الله عنها قالت: «كان النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي في الليل إِحدى عَشْرَة رَكْعة، يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتين» [(12)]، وبه نعرف أنَّ القائِلَ بأنّ هذه الإحدى عَشْرة، تُجمعُ الأربعُ فيها في سَلامٍ واحدٍ، والأربعُ في سَلامٍ واحدٍ لم يُصِبْ، ولعلَّه لم يَطَّلعْ على الحديث الذي صَرَّحتْ فيه بأنَّه يُسلِّمُ من كُلِّ رَكعتينِ.

وعلى فَرَضِ أَنَّ عائشةَ لم تُفصِّلْ؛ فإنَّ قولَ الرَّسول صلّى الله عليه وسلّم: «صلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى» [(13)] يَحْكم على هذه الأربع بأنَّهُ يُسلَّم فيها مِن كُلِّ رَكعتين؛ لأنَّ فِعْلَ الرَّسولِ المُجْمَلَ يفسِّرُه قولُهُ المفصَّلُ.

أما الوِتر؛ فإنَّه سيأتينا ـ إنْ شاء الله ـ أَنَّ أقلَّهُ رَكْعة، وأكثره إحدى عَشْرة رَكعة، ويأتي بيان صِفته أيضاً.

والوِترُ سُنَّةٌ مؤكَّدةٌ، وهو ـ عند القائلين بأنه سُنَّةٌ ـ مِن السُّنَنِ المؤكَّدةِ جداً، حتى إنَّ الإمامَ أحمدَ رحمه الله قال: «مَنْ تَرَكَ الوِترَ فهو رَجُلُ سُوءٍ لا ينبغي أن تُقبل له شَهادة» ـ فَوَصَفَه بأنه رَجُلُ سُوءٍ، وحَكَم عليه بأنه غيرُ مَقبول الشَّهادة، وهذا يدلُّ على تأكُّدِ صَلاة الوِتْرِ.



يُفْعَلُ بَيْنَ العِشَاءِ وَالفَجْرِ، .........

قوله: «يفعل بين صلاة العشاء والفجر» ، هذا وقته بين صلاة العشاء والفجر، وسواء صَلَّى العشاء في وقتها، أو صلاها مجموعة إلى المغرب تقديماً، فإن وقت الوِتر يدخل من حين أن يصلي العشاء لما يُروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «إنَّ اللهَ أَمَدَّكُم بصلاةٍ هيَ خيرٌ لكم مِنْ حُمْرِ النَّـعَـمِ، صلاة الوِتْرِ، ما بين صلاةِ العِشَاء إلى أَنْ يَطْلُع الفَجْرُ» [(14)]. والسُّنة الصحيحة تشهد له، ولأن صلاة الوِتر تُختم بها صلاة الليل، وإذا انتهت صلاة العشاء فقد انتهت صلاة الليل المفروضة، ولم يبق إلا صلاة التطوع، فللإنسان أن يوتر من بعد صلاة العشاء مباشرة، ولو كانت مجموعة إلى المغرب تقديماً.

قوله: «والفجر» يعني: طلوع الفجر؛ لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «فإذا خَشِيَ أحدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى واحدةً، تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» [(15)] فإذا طَلَعَ الفجرُ فلا وِتْرَ، وأما ما يُروى عن بعضِ السَّلفِ؛ أَنَّه كان يُوتِرُ بين أذانِ الفَجرِ، وإقامةِ الفَجرِ[(16)] فإنَّه عَمَلٌ مُخالفٌ لما تقتضيه السُّنَّة، ولا حُجَّةَ في قولِ أحدٍ بعد رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم.

فالوِتْرُ ينتهي بطُلوعِ الفَجرِ، فإذا طَلَعَ الفجرُ وأنت لم تُوتِرْ؛ فلا تُوتِر، لكن ماذا تصنعُ؟

الجواب : تُصلِّي في الضُّحى وِتراً مشفوعاً بركعة، فإذا كان مِن عادتك أن توتر بثلاث صلَّيتَ أربعاً، وإذا كان مِن عادتك أن توتر بخمس فصل ستاً؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «كان إذا غَلَبَهُ نومٌ أَو وَجَعٌ عن قيامِ اللَّيلِ؛ صَلَّى من النَّهارِ ثِنْتَي عَشْرَةَ رَكْعةً» [(17)].

ولم يتكلم المؤلِّفُ ـ رحمه الله ـ هل الأفضل تقديمه في أول الوقت أو تأخيره؟ ولكن دلَّت السُّنَّةُ على أن مَنْ طَمِعَ أن يقوم من آخر الليل فالأفضل تأخيره؛ لأن صلاة آخر الليل أفضل وهي مشهودةً، ومن خاف أن لا يقوم أوتر قبل أن ينام.



وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشرَة رَكْعَةً،..........

قوله: «وأقله ركعة» يعني: أقل الوتر ركعة؛ لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «الوِتْرُ رَكْعَةٌ من آخرِ اللَّيلِ» أخرجه مسلم[(18)]، وقوله : «صَلاةُ اللَّيلِ مَثْنَى مَثْنَى، فإِذا خَشِيَ أحدُكُم الصُّبْحَ صَلَّى ركعةً واحدةً تُوتِرُ له ما قد صَلَّى» وهو في «الصحيحين»[(19)] فقوله: «صَلَّى ركعةً واحدةً» يدلُّ على أن أقل الوتر ركعة واحدة، فإذا اقتصر الإنسان عليها فقد أتى بالسُّنَّةِ.



مَثْنَى، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ، وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ لَمْ يَجْلِسْ إِلاَّ فِي آخِرِهَا، وَبِتِسْعٍ يَجْلِسُ عَقِبَ الثَّامِنَةِ فَيَتَشَهَّدُ وَلاَ يُسَلِّم، ثُمَّ يُصَلِّي التَّاسِعَةَ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ........

قوله: «مثنى مثنى» أي: يصليها اثنتين اثنتين.

قوله: «ويوتر بواحدة، وإن أوتر بخمس أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وبتسع يجلس عقب الثامنة فيتشهد ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويتشهد ويسلم» لقول عائشة: «كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يُصَلِّي باللَّيلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكعةً، يُوتِرُ منها بواحدةٍ» وفي لفظ: «يُسلِّمُ بين كُلِّ رَكعتين، ويوتِرُ بواحدةٍ»[(20)].

فيجوزُ الوِترُ بثلاثٍ، ويجوزُ بخمسٍ، ويجوزُ بسبعٍ، ويجوزُ بتسعٍ، فإنْ أوترَ بثلاثٍ فله صِفتان كِلتاهُما مشروعة:

الصفة الأولى : أنْ يَسْرُدَ الثَّلاثَ بِتَشهدٍ واحدٍ[(21)].

الصفة الثانية : أنْ يُسلِّمَ مِن رَكعتين، ثم يُوتِرَ بواحدة[(22)].

كلُّ هذا جَاءت به السُّنةُ، فإذا فَعَلَ هذا مرَّةً، وهذا مرَّةً فَحَسَنٌ.

أمَّا إذا أوتَرَ بخمسٍ؛ فإنَّه لا يَتَشَهَّدُ إلا مرَّةً واحدةً في آخرها ويُسلِّمُ[(23)].

وإذا أوتَرَ بسبعٍ[(24)]؛ فكذلك لا يَتَشَهَّدُ إلا مرَّةً واحدةً في آخرها[(25)]. وإن تَشَهَّدَ في السَّادسة بدون سلام ثم صَلَّى السَّابعةَ وسَلَّمَ فلا بأس[(26)].

وإذا أوترَ بتسعٍ؛ تَشهَّدَ مرَّتينِ، مرَّةً في الثَّامنةِ، ثم يقومُ ولا يُسلِّمُ، ومرَّةً في التاسعة يتشهَّدُ ويُسلِّمُ[(27)].

وإنْ أوترَ بإحدى عَشْرَة، فإنه ليس له إلا صِفةٌ واحدةٌ؛ يُسلِّمُ من كُلِّ ركعتين، ويُوترُ منها بواحدة[(28)].



وَأَدْنَى الكَمَالِ ثَلاَثُ رَكَعَاتٍ بِسَلاَميْنِ يَقْرَأُ فِي الأُولى «سَبِّح»، وَفِي الثَّانِيَةِ «الكَافِرُونَ»، وَفِي الثَّالِثَةِ «الإِخْلاَصِ» ...........

قوله: «وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين» أي: أدنى الكمال في الوِتْرِ أنْ يُصلِّيَ ركعتين ويُسَلِّمَ، ثم يأتي بواحدة ويُسلِّمَ[(29)].

ويجوز أن يجعلها بسلام واحدٍ، لكن بتشهُّدٍ واحدٍ لا بتشهُّدين؛ لأنه لو جعلها بتشهُّدين لأشبهت صلاةَ المغربِ، وقد نهى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أن تُشَبَّهَ بصلاةِ المغربِ[(30)].

قوله: «يقرَأُ في الأُولى «سَبِّح»، وفي الثَّانيةِ «الكافرون» وفي الثالثة «الإخلاص» أي: يقرأ في الرَّكعة الأُولى مِنَ الثَّلاث سورةَ «سَبِّحِ اسمَ ربك الأعلى» كاملة، وفي الثانية «الكافرون»؛ وفي الثالثة «الإخلاص»[(31)].

وذلك بعد الفاتحة، ولم يذكره المؤلّفُ لأنَّه معلومٌ، فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكتابِ.

وقوله: «الكافرون» بالواو على وَجْهِ الحِكاية؛ لأن لفظ «الكافرين» نفسِهِ لا يُقرأ، ولا يُمكن أنْ يُسَلَّطَ الفعلُ عليه. إذن؛ يُسلَّطُ الفعلُ على اسمِ هذه السُّورةِ، وهذه السُّورةُ تُسمَّى: سورةُ «الكافرون» على الحِكاية.

وقوله: «وفي الثالثة الإخلاص» وهي: «قل هو الله أحد» وسُمِّيتْ بالإخلاصِ؛ لأنَّ اللهَ أخلَصَها لنفسِه، ليس فيها شيءٌ إلا التحدُّث عن صفات الله، ولأنها تُخلِّصُ قارِئَها من الشِّرك والتَّعطيل؛ لأن الإقرارَ بها يُنافي الشِّركَ والتعطيل.

يتبع - إن شاء الله