بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
**********************************
من إحدى المقالات اخترت لكم ما شعرت أننا فعلا ننسى أو نغفل عن بعض ما جاء بها ؛إن لم يكن عن جلـّها ،،أسأل الله الثبات لي ولكم ،،بعد رمضان وتوفيق اللهِ العبدَ المؤمنَ للطاعة والعمل الصالح من أعمال المغفرة والعتق من النار، خرج المرء محبًّا لله تعالى؛ أن وفقه إلى ذلك وأحسن إليه سبحانه وتعالى، وأفاء عليه برحمته وفضله وكرمه وغفرانه، في الوقت الذي يرى فيه الفسقة والفجرة والكفرة بعيدين عن الله تعالى لا يعرفون طريقه جل وعلا، لذلك كان شكر الله تعالى هو المطلوب الأول لمن أراد الاستقامة
على طريقه، لأن شكرَ النعم له عواقبُ حسنةٌ كثيرة؛ منها:
1ــ2ــ العاقبة الأولى والثانية: ثباتُ النعمة وزيادتها
فبشكر النعمة تثبت هذه النعمة التي أخذتَها من الله تعالى، وبشكر النعمة تزداد النعم، كما قال الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم: 7)، فمَن وفَّقه الله للسير في طريقه فهذه نعمة عظيمة ويكون شكرها سبب تثبيت ما كان من هذه النعمة وأيضًا في زيادتها بالمسابقة في السير في هذا الطريق، وعلى العكس فإن كفر النعم يمحقها، ويذهب بها، وكفر النعم معناه ترك شكرها ؛ لأنه قال : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم: 7) والمرء بعد رمضان يحتاج إلى قضية الشكر تلك ؛ لأن الله تعالى قد بيَّن خطورتها في قوله تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)(سبأ : 13)، وكأن الشيطان علم ذلك، وهي قصة الشيطان التي بينها قوله تعالى : (قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (الأعراف: 16-17) .فقضية الشكر هي القضية المهمة التي يحاول الشيطان أن يفسدها على المؤمنين، حتى لا يكون أهلُ الإيمان شاكرين لله تبارك وتعالى على الحقيقة؛ وأنه لا بد أن يقف لهم هذه الوقفة ويقطعهم هذه القطيعة كما قال: (فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(الأعراف: 16)يعني : ما إن ينتهى رمضانُ وقد بدأ المؤمنون فيه السيرَ إلى الله تعالى حتى يقف لهم الشيطانُ بعرض الطريق حتى لا يمرَّ أحدٌ! ولكنْ هناك من يمرُّ...... فمَن هم؟ الشاكرون فقط هم الذين يمرُّون.أي هؤلاء الذين ثبتوا على الشكر، وفي نفس الوقت بذلوا لله البذل الذي يمكن أن يكون سببًا لثبات النعمة، وأن يكون سببًا لزيادة النعمة من الله تعالى ؛ الذين قال الله تعالى فيهم: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ : 13) هم فقط الذين يمرّون من كيد وحواجز الشيطان التي يضعها على طريق المؤمنين المُوصّل إلى الله تعالى ويصلون إليه جلّ وعلا.
3ــ العاقبة الثالثة: قبول الاعمال الصالحة
وهو أن استمرارَ وبقاءَ أعمال الإيمان والطاعة بعد رمضان دليلٌ على أنه قد قُبلتْ في رمضان ؛ لأن المرء بعد رمضان إذا وُفِّق للطاعة دلَّ ذلك أنه في رعاية الله تعالى، وأن الله سبحانه وتعالى حفظه، وأن الله تعالى وفقه، وقَبل عبادته في رمضان أمّا إذا لم تُقبل هذه العبادات في رمضان فإن دليل الرفض و الحرمان أنه بعد رمضان يُحرم هذه العبادات مرة أخرى.
كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً صلـى الله عليه وسلم
وكانت أعمال النبي دِيمة كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها في الحديث المتفق عليه «كَانَ عَمَلُهُ دِيمَةً»، أي كانت أعماله صلى الله عليه وسلم في شعبان وفي رمضان وفي غيرهما من الشهور أعمالاً لا تنقطع، فإذا جاءت مواسم المغفرة ازداد في الاجتهاد صلى الله عليه وسلم.
وإن كـان النبــي صلى الله عليه وسلم قد قال: «فَإِنَّ لِكُلِّ عَابِدٍ شِرةٌ وَلِكُلِّ شِرةٍ فَتْرَةٌ؛ فَإِمَّا إِلَى سُنَّةٍ وَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّةٍ فَقَدِ اهْتَدَى، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ هَلَك»وفي رواية: «إن لكل عمل شرة»[1]يعني: كأن النبي صلى الله عليه وسلم يُبيّن للمؤمنين أن أعمال رمضان لن تتأتى لهم بعد رمضان، وأن أعمالَ رمضان أعمالٌ عالية ولا يمكن أن يستديم عليها إلا من رحم الله أو من اجتبى الله تبارك تعالى، وهؤلاء لا شك أنهم سيَنْزِلون عن تلك الأعمال بعد رمضان وسيفترون عنها، ولكن لا ينبغي أبدًا أن ينزلوا عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد رمضان: في دوام الذكر، والقيام، وفي أخذهم بحظ وافر من القرآن، و الصدقة، وفي صلتهم بالله تعالى... إلخ
>>> آثار الشكر <<<

فإذا كان قد خرج المرءُ بالمغفرة من رمضان فإن هذه المغفرة كما أشرنا تستوجبُ أوَّل ما تستوجب هذا الشكرُ، فإذا كان قد حَصَّل المرء العتقَ من النار، وحَصَّل رحمة الله تعالى ومغفرته له فلا بد أن يظهر عليه آثار هذا الشكر، وهي الآثار التي يسعى الشيطان لإفسادها حتى يخرج بالمؤمنين عن طريق الله تعالى. فما هي هذه الآثار ؟
1ــ الأثر الأول: قيام الليل والوفاء بعهد الله تعالى
وأول الآثار التي يسعى الشيطان لإفسادها على المؤمنين ليخرجهم من طريق الشكر..هو قيام الليل وليكن المرء على حذر من هذه النقطة لأنها مرتبطة بالوفاء بعهده الجديد مع الله تعالى: فالمصيبة الأولى التي يصاب بها في قلبه وعمله والتي تكون سببًا لنكص العهد... ترك القيام
مبدأُ العبد المؤمن بعد رمضان ألا ينام حتى يوتر، وأن يقوم شيئًا مما كان يقوم به لله تبارك وتعالى، يستشعر به العودة إلى الله تعالى، ويستشعر به حلاوة الإيمان التي كان فيها ويستشعر بها أنه صار بها من أصحاب قيام الليل لله تبارك تعالى، الذين لهم ليلهم مع ربهم في التضرع والمناجاة والدعاء والذكر والإقبال على الله تبارك وتعالى كما ذكرهم سبحانه وتعالىواجب ضروري بعد رمضان Frownتَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) (السجدة:16) أو كما قال (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ) (الذاريات: 17)
إذا صلحتْ هذه النقطة بالذات بعد رمضان سينصلح معها بقية الأحوال ؛ لأن من كان ليله صالحاً كان نهاره صالحاً، ومن كان نهاره صالحًا ظهر على ليله، فلما كان ليل المرء سيئًا دل على أنه كان في نهار سيىء كما يقول العلماء
2ــ الأثر الثاني للشكر: الإقبال على تلاوة القرآن
ولأن ترك القرآن يأتي في المرحلة المصاحبة لقيام الليل، لذلك فهي الأثر التالي من آثار الشكر التي يسعى الشيطان لإفسادها على أهل الإيمان.وهما المصيبتان اللتان يحس بهما المرء بعد رمضان، بأن ينشغل عن القرآن ويضعف ورده فيه، وتكاد علاقته أن تنقطع يوما بعد يوم إن قرأ شيئا اليوم فلعله لا يستطيع غدًا وهكذا ؛ لذلك كانت القضية الثانية والمرتبطة بإصلاح القلب والعمل هي قضية القرآن.هذا الورد من القرآن الكريم سواء تقوم به في ليلك أو تقرأه في نهارك لا بد أن يتحقق ..لا تُفَرِّطْ فيه أبدًا
3ــ الأثر الثالث للشكر:إدمان ذكر الله تعالى
الأثر التالي الذي يبيّن شكرَ نعمة السير في طريق الله هو إدمان ذكر الله تعالى؛ فكان الأمر التالي الذي تواجه به هذه الحالة من حالات الغفلة التي تنتاب المرءَ بعد رمضان أن يرى الربُّ عزّ وجلّ أنك من الذاكرين له كثيرا والذاكرات.
ومِن أكثر ما ينبغي أن يذكر المرء به ربه :
لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي تحميه من كيد الشيطان، وكذلك تحافظ عليه من وساوسه وتعينه على ما يريد ويأمل من أعمال الخير والقربات والطاعات، فبعد الأذكار التي يأتيها المرء من التسبيح والتهليل والتكبير لله تبارك وتعالى، ومن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يُكثر من قول "لا حول ولا قوة إلا بالله" فتجمع عليه قلبه وحالة إدمان ذِكر الله تعالى من الحالات التي نهتم بها لأمرين:
الأمر الأول: إن هذا الذكر يحفظ القلب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عن نبي الله يحيى عليه السلام: « وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ؛ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ الْعَدُوُّ فِى أَثَرِهِ سِرَاعاً، حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ الْعَبْدُ لاَ يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلاَّ بِذِكْرِ اللَّهِ» (4)يعني: كذلك المرء يُحصِّن نفسه من الشيطان بذكر الله تعالى . .
حالكُ إذن بعد رمضان هو كثرة الذكر وإدمانه، حتى لو كان شعارا للسان وحلية له فقط، فهذا أخفّ من أن يكون المرء غافلاً قلبًا ولسانًا عن الله تعالى، وربما من كثرة ذكر اللسان يتواطأ القلب مع اللسان ويستشعر القلبُ واللسانُ معًا الذكرَ وحلاوته، وحلاوة الإقبال على الله تبارك وتعالى فترتفع درجة المؤمن، ويكون ذلك سبب تحصينه الذي يطلبه من الله تعالى كعدو خرج في أثره سراعا حتى إذا أتى إلى حصن حصين حصن نفسه منه
الأمر الثاني : الوقاية من التشتت وانفراط القلب وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم : « من أصبح وهمه الآخرة جمع الله تعالى عليه شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي راغمة» (5)
وهذا الذِّكر - وهو قول: لا حول ولا قوة إلا بالله - من الذكر الذي يجتمع به القلب ويلم به شمله ويقبل به على قلبه ويجعل همه هما واحدا هو هم الآخرة. .ولترى الحال التي أنت فيها ، وهي من أصبح وهمه الدنيا فإن الله تبارك وتعالى يشتت عليه شمله ويجعل فقره بين عينيه ولا يؤخذ من الدنيا إلا ما كتب الله له، وهذا الحال الذي يبين لك السبب لماذا قد تشتت عليك الشمل، ووجدت فقرك بين عينيك، وخوفك من الغد واليوم، ويُبيِّن لك هذا الذهول الذي يُصيب المؤمنين فيلهيهم عن آخرتهم، وعن ربهم، وعن ذكرهم، وعن صفاء قلوبهم وأذهانهم لتلقي هذه المعاني من نور الله تبارك وتعالى الذي يقذفه في هذه القلوب المحبة المؤمنة كما ذكر الله تبارك وتعالى : (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (الشورى 052-053).

والحمد لله رب العالمين

 ~~~~~~~~~~~~~~~
[1]رواه الإمام أحمد فى مسنده (2/ 158 ط. الميمنية) وقال الشيخ شعيب في التحقيق: إسناده صحيح على شرط الشيخين. اهـ ، و بنحوه ابنُ خزيمة (1974) وابن حبان (11) فى صحيحيهما.
[2]رواه الطبراني في الكبير (1990) وأبو يعلى في مسنده (5789) وصححه ابن حبان في صحيحه (410).
[3]رواه الإمام البخاري في صحيحه (1178) ومسلم (721) كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
[4]رواه الإمام الترمذي في سننه (2863) وقال : هذا حديث حسن صحيح .

[5]رواه الإمام أحمد في مسنده (21080) والترمذي في سننه (2465) وقوى الحافظ العراقي إسناده في تخريج الإحياء (4/271).