الرد على موضوع :
الشيطان والرجل الذي ذهب يصلي صلاة الفجر




السؤال:

نرجو الإفادة في صحة هذه الرواية ( سمعتها من أحد الوعاظ )
استيقظ
الساعة الرابعة والثلث ليجهز نفسه لأداء صلاة الفجر , قام وتوضأ ولبس ثوبه
وتهيأ للخروج من المنزل والذهاب إلى المسجد , كان معتاداً على ذلك فمنذ
صغره اعتاد أن يصلي صلواته جماعة في المسجد حتى صلاة الفجر , خرج من منزله
وأخذ طريقه إلى المسجد ,

وبينما
هو في طريقه إليه تعثّر وسقط وتمزّق جزء من ثوبه , فعاد إلى المنزل يغيّر
ثوبه ويلبس ثوباً آخر , لم يغضب ولم يسب ولم يلعن ، فقط عاد إلى منزله
وغيَّر ثوبه بكل بساطة , ثم عاد مرة أخرى يسلك طريق المسجد وإذ به يتعثّر
مرة أخرى ويسقط وانقطع جزء من هذا الثوب أيضاً , عاد إلى منزله وقام بتغيير
ثوبه , لقد تمزّق كلا ثوبيه ومع ذلك لم يعقه ذلك عن رغبته في أداء الصلاة
جماعة في المسجد ,

عاد
مرة أخرى يأخذ طريقه إلى المسجد ، وإذا به يتعثر للمرة الثالثة , ولكن شعر
فجأة أنه لم يسقط ، وأن هناك أحداً أسنده ومنعه من أن يسقط على الأرض ,
تعجب الرجل ونظر حوله فلم يجد أحداً , وقف حائراً لحظة ثم أكمل طريقه إلى
المسجد ،

وإذا
به يسمع صوتاً يقول له أتدري من أنا ؟ فقال الرجل : لا ، فرد الصوت : أنا
الذي منعك من السقوط , فأعقبه الرجل وقال : فمن أنت ؟ فأجاب : أنا الشيطان ،
فسأله الرجل : ما دمتَ الشيطان لم منعتني من السقوط ؟ فرد الشيطان : في
المرة الأولى عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله لك كل ذنبك
، وفي المرة الثانية عندما تعثرت وعدت إلى منزلك وغيَّرت ثوبك غفر الله
لأهل بيتك , وعندما تعثرت في المرة الثالثة خفت أن تعود إلى المنزل وتغير
ثوبك فيغفر الله لأهل حيّك , فأسندتك ومنعتك السقوط ! .

ما يحيرني في القصة أنه هل يمكن للشيطان أن يكلم الإنسان وأن يمسك يده ويمنعه من السقوط كما ورد في القصة ؟.

الجواب:
الحمد لله
أولاً :
هذه القصة لا أصل لها في كتب السنة والحديث والتاريخ ، وهي مخالفة للشرع مخالفة صريحة ، وذلك من وجوه :
1.
المحادثة بين الرجل والشيطان ، فمن الممكن أن يوسوس الشيطان للإنسان ، وهو
على هيئته الحقيقية ، وأما أن يكلمه فهذا غير ممكن ، إلا أن يكون الشيطان
متشكلا على هيئة البشر.


2.
قول الشيطان إنه أسند الرجل عندما تعثَّر ، وهذا الأمر لا يصدَّق وليس في
مقدور الشيطان أن يفعله ، وقد جعل الله تعالى الملائكة حافظة وحارسة
للإنسان من ضرر الجن وأذيته ؛ لأنهم يروننا ولا نراهم ، قال تعالى : ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ
) الرعد/11 ، وواضح من القصة المكذوبة أن الشيطان له قدرة على حفظ الإنسان
مما يمكن أن يؤذيه ، أو أن الشيطان قادر على المنع من قدر الله تعالى .




3.
والأخطر في القصة المكذوبة هو في قول الشيطان إن الله تعالى في المرة
الأولى غفر للإنسان كل ذنبه ، وأنه في المرة الثانية غفر الله لأهل بيته ،
وزعْمه أنه لو سقط في المرة الثالثة لغفر الله لأهل حيِّه ! وهذا كله من
الكذب على الله تعالى وادعاء علم الغيب ، وليس جرح المجاهد في المعركة مع
الكفار بموجب لمثل هذه الفضائل ، فكيف تُجعل للذاهب للمسجد ، وهي ليست لمن
تعثر وسقط في الدعوة إلى الله أو في طريقه لصلة الرحم وغيرها من الطاعات ،
فكيف تُجعل هذه الفضائل لمن سقط في ذهابه للمسجد ؟! .


ثم
إنه ليس في السقوط والتعثر شيء يوجب هذه الفضائل ، وقد سقط وتعثر وجرح
كثير من الصحابة في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأتِ حرف في السنة في
مثل هذه الفضائل بل ولا في جزء منها ، ولا يغفر الله تعالى لأهل البيت أو
الحي أو المدينة لفعل واحد من الصالحين أو طاعته ، فضلاً عن سقوط لا يقرِّب
إلى الله وليس هو طاعة في نفسه ، ولو كان أحدٌ ينتفع بفعل غيره لانتفع
والد إبراهيم عليه السلام بنبوة ابنه ، ولانتفع ابن نوح بنبوة أبيه ،
ولانتفع أبو طالب بنبوة ابن أخيه محمد صلى الله عليه وسلم .


ثم من أين علم الشيطان بذلك كله حتى أخبر هذا الرجل ، وهل يملك الشيطان أن يمنع رحمة أرادها الله تعالى بأحد من عباده ؟

كلا ؛ قال الله تعالى : ( مَا
يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا
يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
) فاطر/2


ثانياً :
لا
شك أن هذه القصص المكذوبة الباطلة هي مما يروج عند من لم يفهم دينه ، ولا
يعرف توحيد ربه تعالى ، ويروجها أساطين الكذب من الخرافيين المفترين على
شرع الله تعالى ، وقد توعد الله تعالى هؤلاء الكاذبين بأشد الوعيد ، فقال
تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ
الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ
بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ
سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ
) الأعراف/33 .


والواجب
على الخطباء والمدرسين أن ينزهوا أنفسهم أن يكونوا من القصَّاص الذين
يقصون على العامة ما يخالف الشرع والعقل ، وقد حذَّر سلف هذه الأمة من
هؤلاء القصَّاص أشد التحذير لما فيه كثير من قصصهم من آثار سيئة على العامة
ولما فيها من مضادة لشرع الله .

وقد جاء في حديث حسَّنه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1681 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لمَّا هَلَكُوا قَصُّوا ) .

قال الشيخ الألباني – رحمه الله - :
قال في " النهاية " : ( لما هلكوا قصوا ) : أي : اتكلوا على القول وتركوا العمل ، فكان ذلك سبب هلاكهم ، أو بالعكس : لما هلكوا بترك العمل أخلدوا إلى القصص .

وقال الألباني – معقِّباً - :
ومن
الممكن أن يقال : إن سبب هلاكهم اهتمام وعاظهم بالقصص والحكايات دون الفقه
والعلم النافع الذي يعرف الناس بدينهم ، فيحملهم ذلك على العمل الصالح ؛
لما فعلوا ذلك هلكوا .

" السلسلة الصحيحة " ( 4 / 246 ) .
وهذا
هو حال القصَّاص : الاهتمام بالحكايات والخرافات ، وسردها على العامة ،
دون الفقه والعلم ، ويسمع العامي كثيراً ولا يفقه حكماً ولا يستفيد علماً .


قال ابن الجوزي في " تلبيس إبليس " ( ص 150 ) :
والقصاص لا يُذمون من حيث هذا الاسم لأن الله عز وجل قال : ( نَحْنُ نَقصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَص ) وقال : ( فَاقْصُص القَصَص ) .
وإنما
ذُمَّ القصاص لأن الغالب منهم الاتساع بذكر القصص دون ذكر العلم المفيد ،
ثم غالبهم يخلط فيما يورد وربما اعتمد على ما أكثره محال .

انتهى
وعن
أبي قلابة عبد الله بن زيد قال : ( ما أمات العلم إلا القصاص ، يجالس
الرجلُ الرجلَ سنةً فلا يتعلق منه شيء ، و يجلس إلى العلم فلا يقوم حتى
يتعلق منه شيء ) .

" حلية الأولياء " ( 2 / 287 ) .

وكم
أحدث هؤلاء القصاص من آثار سيئة على العامة ، وسردهم لتلك الخرافات جعلت
لهم منزلة عند العامة الذين يصدِّقون كل ما يسمعون حتى أصبحوا مقدَّمين على
العلماء وطلبة العلم .


قال الحافظ العراقي – رحمه الله - :
ومن
آفاتهم : أن يحدِّثوا كثيراً من العوام بما لا تبلغه عقولهم , فيقعوا في
الاعتقادات السيئة , هذا لو كان صحيحاً , فكيف إذا كان باطلاً ؟! .

" تحذير الخواص " للسيوطي ( ص 180 ) نقلاً عن " الباعث على الخلاص " للعراقي .

يقول ابن الجوزي :
والقاص
يروي للعوام الأحاديث المنكرة , ويذكر لهم ما لو شم ريح العلم ما ذكره ,
فيخرج العوام من عنده يتدارسون الباطل ، فإذا أنكر عليهم عالم قالوا : قد
سمعنا هذا بـ " أخبرنا " و " حدثنا " ، فكم قد أفسد القصاص من الخلق
بالأحاديث الموضوعة , كم لون قد اصفر من الجوع , وكم هائم على وجهة
بالسياحة ، وكم مانع نفسه ما قد أبيح , وكم تارك رواية العلم زعماً منه
مخالفة النفس في هواها ، وكم موتم أولاده [ يعني : جعلهم يتامى ] بالزهد
وهو حي ، وكم معرض عن زوجته لا يوفيها حقها ؛ فهي لا أيم ولا ذات بعل " اهـ
. الموضوعات " ( 1 / 32 ) .


ومن هنا جاء الذم لهؤلاء القصاص في كلام كثير من السلف :
قال ميمون بن مهران - رحمه الله - :
القاص ينتظر المقت من الله ، والمستمع ينتظر الرحمة .
قال الألباني رحمه الله - تحت حديث رقم ( 4070 ) من " السلسلة الضعيفة " - :
رواه ابن المبارك في كتابه " الزهد " بسندٍ صحيحٍ .

وقال الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - :
أكذب
الناس القُصَّاص والُّسوَّال ، وما أحوج الناس إلى قاص صدوق ؛ لأنهم
يذكرون الموت وعذاب القبر ، قيل له : أكنت تَحضر مجالسهم ؟ قال : لا .


" الآداب الشرعية " لابن مفلح الحنبلي ( 2 / 82 ) .
فنسأل الله أن يصلح أحوال الأئمة والخطباء ، وأن يهديهم لما فيه صلاحهم وإصلاح غيرهم .

والله أعلم .
يتبـــــــــــع :
أنظر للرد التالى للشيخ : عبد الرحمن السحيم