تأمُّل الحياة غنيمة الأذكياء والنبهاء، لكننا وفي زحمة الحياة قليلا ما ننتبه إلى تلك الممارسة المفيدة، ننسى ونحن نمضي أن نفكر لبعض الوقت، ونقف في تدبّر عميق قبل أن نخطو.
إن للحياة نواميس وقوانين ثابتة، والفشل والنجاح يتبعان معادلات محددة، يستطيع من سمح لعينه وذهنه وفكره أن يسبح ويتدبر في بحر الحياة أن يعي جيدا تلك النواميس والقوانين.
وهذه الطريقة قد أفادت كثيراً من العباقرة والعظماء، فتتبّعوا الأثر، وحاكوا الناجحين حتى صاروا معهم..
ما زال يدأب في التاريخ يكتبه حتى غدا اليوم في التاريخ مكتوباً
ولعل المندهش من تلك النهضة الكبيرة التي حقّقها مهاتير محمد - رئيس الوزراء الماليزي- لبلاده، ستزيد دهشته كثيرا حينما يدرك أن أحد عوامل هذه النهضة الشاملة أن هذا الرجل استخدم آلية "المحاكاة"، والتعلّم من دروس الحياة، وتسجيل التجارب الناجحة وكيف حدثت، كان الرجل يتوقف ليراقب ويتأمل.. ثم يسجّل!.
يقول مهاتير محمد: (ليس أمر النهضة صعبا، مع المراقبة والتسجيل!، لقد كان معي دفتر صغير في جيبي، وكلما ذهبت إلى مكان فيه شيء أعجبني كنت أكتب ملاحظاتي عنه في هذا الدفتر، فإذا قيل لي مثلا وأنا أزور سنغافورة إن فيها ثاني أكبر مطار في العالم أكتب في دفتري كيف بنوه، وإذا أخبروني وأنا أزور اليابان أن فيها ثاني أكبر مصنع سيارات في العالم كتبت هذا.. وأنا على يقين من أن بلادي سيكون فيها أكبر مطار.. وأطول ناطحة سحاب.. وأفضل طرق، إننا وإن كنا لم نصل إلى أن نكون الأوائل في كل شيء حتى الآن، إلا أننا اقتربنا من ذلك إلى حد كبير).
إن هذا العبقري تتبّع مدرسة المراقبة، وتسجيل الملاحظات، فعادت عليه وعلى وطنه بفائدة كبيرة.
وفي كتابه (كيف تصبح ثريا بطريقتك الخاصة) يرى بريان تراسي -الكاتب والمحاضر الأبرز في مجال تنمية الشخصية- أن تقليد الأفضل في المجال الذي تخصصت فيه أمر بالغ الأهمية، وينصح المرء بأن يبحث عن الأفراد الناجحين من حيث الطرق التي يستخدمونها في التفكير والأداء ثم محاكاتهم.
ويؤكد أن هذا السلوك سمة رئيسية من سمات الناجحين والمتفوقين في دنيا الأعمال.
هناك فئة من البشر لا تتعلم حتى تذوق ألم التجربة، وهناك فئة أخرى أشدّ ذكاء يتعلمون من صروف الدهر وتقلباته وحوادثه التي يرونها في كل ركن وزاوية من أركان وزوايا هذا العالم.
أضف إلى ذلك فائدة عظيمة وهي أن مهارة مراقبة الآخرين والتعلم من تجاربهم وحياتهم، تخلق لدينا احتراما للآخر، وتقديرا لكل البشر.
إن صائد الحكمة يعلم جيدا مقدار الصغير والكبير، ولا يستصغر كائنا؛ فربما أجرى الله الحكمة على لسانه وألهمه التوفيق والسداد، وحرم ذلك مَن هم ملء السمع والبصر.
هل المراقبة والمحاكاة تعني التقليد الأعمى؟ سؤال أملاه الاستطراد والإجابة عنه بـ"لا"..
الحكماء من يلتقطون الحكمة ويحاكون العظماء بدون أن ينغمسوا في شخصياتهم انغماسا يُذهب هويتهم، أو يتعدّى من قريب أو بعيد على استقلالهم.
الذكي هو من يستفيد من ثبوت خطوات النجاح، والنواميس التي لا تتغير، في التقاط الجميل والتعلم منه، وصيد الجيد ومحاكاته.
والسعيد من اتّعظ بغيره..
إشـــراقة: التفكير من أكثر الأعمال صعوبة.. ولذلك فإن القليل هم الذين يقومون به... (هنري فورد)
بقلم: الاستاذ كريم الشاذلي
الموضوع : مدرسة التأمل ... المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya