الدليل
على أن الوقوف بعرفة ركن:
والدليل على أن
الوقوف بعرفة ركن من
أركان الحج قول الله تعالى: "وَلِلّهِ
عَلَى النَّاسِ
حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ
اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً". ثم
فسر النبي -صلى الله
عليه وسلم- بقوله:
"الْحَجُّ عَرَفَةُ"؛ أي: الحج
هو الوقوف بعرفة، لأن الحج
فعل وعرفة
مكان، فلا يكون حجًا، فكان الوقوف
بعرفة مضمرًا فيه فكان تقديره:
الحج
هو الوقوف بعرفة. والمجمل إذا استحق
به التفسير يصير مفسرًا من
الأصل،
وحيث إن الحج فرض بنص الآية الكريمة،
وإن الحج هو الوقوف بعرفة، فيكون
هذا
الوقوف فرضًا، وهو ركن الحج. وفي سنن
ابن ماجه عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ
يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قَال:َ
شَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ
وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ وَأَتَاهُ
نَاسٌ
مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَقَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ
الْحَجُّ؟
قَالَ: "الْحَجُّ عَرَفَةُ"،
فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ
صَلاةِ
الْفَجْرِ لَيْلَةَ جَمْعٍ فَقَدْ
تَمَّ حَجُّهُ أَيَّامُ
مِنًى
ثَلاثَةٌ، فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي
يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ،
وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ
عَلَيْهِ، ثُمَّ أَرْدَفَ
رَجُلا
خَلْفَهُ فَجَعَلَ يُنَادِي
بِهِنَّ".
مكان
الوقوف
بعرفة:
أما
مكان الوقوف بعرفة فعرفات كلها موقف؛
لما
أخرجه أحمد عَنْ جُبَيْرِ بْنِ
مُطْعِمٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
"كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ
وَارْفَعُوا عَنْ
بَطْنِ عُرَنَةَ".
وحدّ
عرفة من الجبل المشرف على عرفة إلى
الجبال
المقابلة له إلى ما يلي حوائط
بني عامر. وليس وادي "عرفة" من
الموقف، ولا
يجزئ الوقوف فيه عن
الوقوف بعرفة، قال ابن عبد البر: أجمع
العلماء على أن من
وقف به لا يجزئه.
وحكي عن مالك أنه يهريق دمًا وحجه
تام، والحديث الذي أخرجه
ابن ماجه
وذكرناه لا يساعد على قبول قول مالك
بل يدفعه، فالصواب هو ما قاله
ابن عبد
البر.
والمستحب
أن يقف عند الصخرات وجبل الرحمة،
ويستقبل
القبلة لما جاء في حديث جابر
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل بطن
ناقته
القصواء إلى الصخرات واستقبل
القبلة.
وقت
الوقوف
بعرفة:
وقت
الوقوف بعرفة من طلوع الفجر يوم عرفة
إلى طلوع
الفجر من يوم النحر. قال ابن
قدامة -رحمه الله تعالى-: لا نعلم
خلافًا بين
أهل العلم في أن آخر الوقت
-وقت الوقوف بعرفة- طلوع فجر يوم النحر.
قال
جابر:" لا يفوت الحج حتى يطلع
الفجر من ليلة جمع "مزدلفة"، قال
أبو الزبير:
فقلت لجابر: أقال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك؟ قال:
نعم" رواه
الأثرم. وأما أول وقت
الوقوف بعرفة فمن طلوع الفجر يوم
عرفة، فمن أدرك عرفة
في شيء من هذا
الوقت وهو عاقل فقد تم حجه.
وقال
مالك والشافعي: أول وقفة زوال الشمس
من يوم
عرفة. وبهذا قال الحنفية، فقد
قال الإمام الكاساني: وأما زمان
الوقوف بعرفة
فمن حين تزول الشمس من
يوم عرفة إلى طلوع الفجر الثاني من
يوم النحر، حتى لو
وقف بعرفة في غير
هذا الوقت كان وقوفه وعدم وقوفه سواء؛
لأنه فرض مؤقت فلا
يتأدَّى في غير
وقته.
واحتج
ابن قدامة الحنبلي لمذهبه من أن وقت
الوقوف
بعرفة من طلوع فجر يوم عرفة
بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
"من شهد
صلاتنا هذه ووقف معنا حتى
ندفع، وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلاً أو
نهارًا، فقد
تم حجه، وقضى تفثه"،
كما احتج بأن من طلوع فجر يوم عرفة إلى
الزوال يعتبر من
يوم عرفة، فكان وقتًا
للوقوف كبعد الزوال. وترك الوقوف قبل
الزوال لا يمنع
كونه وقتًا للوقوف
كبعد الزوال. وإنما وقفوا في وقت
الفضيلة، ولم يستوعبوا
جميع وقت
الوقوف.
الوقوف
بعرفة إلى غروب
الشمس:
ويجب
الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس من يوم
عرفة
-وهو اليوم التاسع من ذي الحجة-
ليجمع بين الليل والنهار بعرفة؛ لأن
النبي
-صلى الله عليه وسلم- وقف بعرفة
حتى غابت
الشمس.
فإن
دفع
-أي خرج- من عرفات قبل الغروب فحجه
صحيح في قول جماعة الفقهاء إلا
الإمام
مالكًا قال: لا حج له. قال ابن عبد البر:
لا نعلم أحدًا من فقهاء
الأمصار قال
بقول مالك.
وحجة
الإمام مالك ما رواه ابن عمر أن النبي
-صلى
الله عليه وسلم- قال: "من أدرك
عرفات بليل فقد أدرك الحج، ومن فاته
عرفات
بليل فقد فاته الحج فليحل بعمرة
وعليه الحج من قابل". ولكن يرد على
هذا
الاحتجاج ما جاء بالحديث الذي
أخرجه ابن ماجه، واحتج به ابن قدامة
في
"المغني" وذكرناه في الفقرة
السابقة، وفيه جواز الوقوف بعرفة
نهارًا أو
ليلاً، وإنما ذكر الليل في
الحديث الذي احتج به الإمام مالك؛ لأن
الليل آخر
الوقت، وفوات الحج يتعلق
بفواته، وهذا يشبه قول النبي -صلى
الله عليه وسلم-:
"مَنْ أَدْرَكَ
رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ
تَطْلُعَ الشَّمْسُ
فَقَدْ أَدْرَكَ
الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ
رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ
أَنْ
تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ
الْعَصْرَ". ثم إن الحديث الذي
احتج
به الإمام مالك ليس فيه أن من لم
يدركها بليل لم يدرك
الحج.
من
لم
يقف بعرفة إلى غروب الشمس.. ماذا
عليه؟
ومن
دفع -أي غادر عرفات- قبل غروب الشمس
فحجه صحيح
ـ كما قلنا ـ ولكن عليه دم،
أي ذبح شاة، كفارة تركه واجب البقاء
بعرفة إلى
غروب الشمس، وهذا في قول
أكثر أهل العلم منهم: عطاء، والثوري،
والشافعي، وأبو
ثور، وأصحاب الرأي،
وهو مذهب الحنابلة. ولكن لو رجع من
عرفات قبل الغروب ثم
عاد نهارًا فوقف
حتى غربت الشمس فلا دم عليه، وبهذا
قال الحنابلة، ومالك،
والشافعي.
وقال
فقهاء الكوفة وأبو ثور: عليه دم؛
لأنه
بمغادرته عرفات قبل غروب الشمس لزمه
الدم فلا يسقط عنه برجوعه إلى
عرفات،
كما لو عاد إليها بعد غروب الشمس.
واحتج
الحنابلة لقولهم بأنه أتى بالواجب،
وهو
الجمع بين الوقوف في الليل
والنهار، فلم يجب عليه دم كمن تجاوز
الميقات غير
محرم ثم رجع إلى الميقات -مكان
الإحرام- فأحرم منه فليس عليه شيء. فإن
لم
يرجع إلى عرفات حتى غربت الشمس
فعليه دم؛ لأن عليه الوقوف حال
الغروب، وقد
فاته بخروجه من عرفات قبل
الغروب.
من
جاء عرفات ليلاً فحجه صحيح ولا
شيء
عليه:
ومن
جاء عرفات ليلاً ووقف بها ولم يدرك
جزءاً من
النهار فحجه صحيح ولا شيء
عليه، ولا خلاف في ذلك بين أهل العلم؛
لقول النبي
-صلى الله عليه وسلم-: "من
أدرك عرفات بليل فقد أدرك الحج"؛
ولأنه لم يدرك
جزءاً من النهار حتى
يجب عليه الوقوف إلى الليل -أي إلى
غروب
الشمس.
مقدار
الوقوف بعرفة
وصفته:
والقدر
المفروض من الوقوف بعرفة هو كينونته
بعرفة
في أي جزء من وقت الوقوف الذي
بينّاه؛ سواء كان عالمًا بهذا الوقوف
ومكانه أو
جاهلاً، نائمًا أو يقظان،
صاحيًا أو مغمى عليه، وقف بها أو مر
بها مجتازًا،
ماشيًا كان أو راكبًا أو
محمولاً، ناويًا الوقوف بعرفة أو غير
ناوٍ؛ لأنه أتى
بالقدر المفروض عليه
وهو حصوله كائنًا بعرفة. ودليل ذلك
عموم قوله-صلى الله
عليه وسلم-: "من
وقف بعرفة فقد تم حجه"، وقوله صلى
الله عليه وسلم: ".. وقد
أتى عرفات
ليلاً أو نهارًا". وقال أبو ثور: لا
يجزئه الوقوف بعرفة إلا إذا
كان وقوفه
بإرادته واختياره وعلمه بأنه يقف
بعرفة. وقد ردّ على قول أبي ثور
بعموم
الحديثين المذكورين، وبأنه حصلت له
الكينونة بعرفة في زمن الوقوف
وهو
عاقل فأجزأه، كما لو علم بذلك وأراده.
وقوف
الحائض والجنب
بعرفة:
ولا
يشترط لمن يقف بعرفة الطهارة ولا
استقبال
القبلة. قال ابن المنذر: أجمع
كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن من
وقف
بعرفة غير طاهر فوقوفه صحيح، وهو
مدرك للحج ولا شيء عليه. وفي قول النبي
-صلى
الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله
عنها- وهي حائض: "افْعَلِي كَمَا
يَفْعَلُ
الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لا
تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى
تَطْهُرِي" دليل على
أن وقوف
الحائض وكذا الجنب جائز. وروى الإمام
البخاري في "صحيحه" عن عطاء،
عن
جابر قال: حاضت عائشة فنسكت المناسك
غير الطواف بالبيت ولا تصلي.
دليل
أيضًا على أن وقوف الحائض بعرفة جائز
ولا شيء
الموضوع : أحكام الحج المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: حاملة الدعوة توقيع العضو/ه:حاملة الدعوة |
|