21- وسئل فضيلة الشيخ: عن التسمي بالإمام ؟ .
فأجاب قائلاً : التسمي بالإمام أهون بكثير من التسمي بشيخ الإسلام لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، سمي إمام المسجد إماماً ولو لم يكن معه إلا واحد ، لكن ينبغي أن لا يتسامح في إطلاق كلمة ( إمام) إلا على من كان قدوة وله اتباع كالإمام أحمد وغيره ممن له أثر في الإسلام ، ووصف الإنسان بما لا يستخدمه هضم للأمه ، لان الإنسان إذا تصور أن هذا إمام وهذا إمام ممن يبلغ منزلة الإمامة هان الإمام الحق في عينه .
22- سئل فضيلة الشيخ: عن إطلاق بعض الأزواج على زوجاتهم وصف أم المؤمنين ؟ .
فأجاب فضيلته بقوله : هذا حرام ، ولا يحل لأحد أن يسمي زوجته أم المؤمنين ، لأم مقتضاه أن يكون هو نبي لأن الذي يوصف بأمهات المؤمنين هنّ زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وهل هو يريد أن يتبوأ مكان النبوة وأن يدعو نفسه بعد النبي ؟ بل الواجب على الإنسان أن يتجنب مثل هذه الكلمات ، وأن يستغفر الله – تعالى – مما جرى منه .
23- سئل فضيلة الشيخ: ما حكم قول ( يا عبدي) و ( يا أمتي) ؟ .
فأجاب : قول القائل : (يا عبدي) ، ( يا أمتي) ، ونحوه له صورتان :
الصورة الأولى : إن يقع بصيغة النداء مثل : يا عبدي ، يا أمتي ؛ فهذا لا يجوز للنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم ، : " لا يقل أحدكم عبدي وأمتي " .
الصورة الثانية : أن يكون بصيغة الخبر وهذا على قسمين :
القسم الأول : إن قاله بغيبة العبد ، أو الأمة فلا بأس فيه .
القسم الثاني : إن قاله في حضرة العبد أو الأمة ، فإن ترتب عليه مفسدة تتعلق بالعبد أو السيد منه وإلا فلا ، لأن القائل بذلك لا يقصد العبودية التي هي الذل ، وإنما يقصد أنه مملوك له وإلى هذا التفصيل الذي ذكرناه أشار في ( تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد) في باب يقول عبدي وأمتي . وذكره صاحب فتح الباري عن مالك .
24- وسئل فضيلة الشيخ: عن قول الإنسان أنا حرّ ؟ .
فأجاب بقوله: إذا قال ذلك رجل حر وأراد أنه حر من رق العبودية لله – عز وجل – فقد أساء في فهم العبودية ، ولم يعرف معنى الحرية ، لأن العبودية لغير الله هي الرق ، أما عبودية المرء لربه – عز وجل – فهي الحرية، فإنه إن لم يذل لله ذل لغير الله ، فيكون هنا خادعاً نفسه إذا قال: إنه حر يعني إنه متجرد من طاعة الله ، ولن يقوم بها .
25- سئل فضيلة الشيخ: عن قول العاصي عند الإنكار عليه (أنا حر في تصرفاتي) ؟ .
فأجاب بقوله: هذا خطأ ، نقول : لست حراً في معصية الله ، بل إنك إذا عصيت ربك فقد خرجت من الرق الذي تدعيه في عبودية الله إلى رق الشيطان والهوي.
26- سئل فضيلة الشيخ: عن قول الإنسان : (إن الله على ما يشاء قدير) عند ختم الدعاء ونحوه ؟ .
فأجاب بقوله : هذا لا ينبغي لوجوه :
الأول:أن الله – تعالى – إذا ذكر وصف نفسه بالقدرة لم يقيد ذلك بالمشيئة في قوله – تعالى-:) ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شئ قدير((1). وقوله:) ألم تعلم أن الله على كل شئ قدير ((2) . وقوله : ) ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض ( (3). وقوله : ) ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شئ قدير ( (4). فعمم في الملك والقدرة ، وخص الخلق بالمشيئة ، أما القدرة فصفة أزلية أبدية شاملة لما شاء وما لم يشأ ، لكن ما شاءه سبحانه وقع وما لم يشأ لم يقع والآيات في ذلك كثيرة .
الثاني : أن تقييد القدرة بالمشيئة خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم،وأتباعه فقد قال الله عنهم :) يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شئ قدير ( (1). ولم يقولوا (إنك على ما تشاء قدير ) ، وخير الطريق طريق الأنبياء وأتباعهم فإنهم أهدى علماً وأقوم عملاً .
الثالث : أن تقييد القدرة بالمشيئة يوهم اختصاصها بما يشاؤه الله – تعالى – فقط ، لا سيما وأن ذلك التقييد يؤتي به في الغالب سابقاً حيث يقال: (على ما يشاء قدير) وتقديم المعمول يفيد الحصر كما يعلم ذلك في تقرير علماء البلاغة وشواهده من الكتاب والسنة واللغة ، وإذا خصت قدره الله – تعالى – بما يشاؤه كان ذلك نقصاً في مدلولها وقصراً لها عن عمومها فتكون قدرة الله – تعالى ناقصة حيث انحصرت فيما يشاؤه ، وهو خلاف الواقع فإن قدره الله – تعالى- عامة فيما يشاؤه وما لم يشاءه ، لكن ما شاءه فلابد من وقوعه ، وما لم يشأه فلا يمكن وقوعه .
فإذا تبين أن وصف الله – تعالى – بالقدرة لا يقيد بالمشيئة بل يطلق كما أطلقه الله – تعالى – بالقدرة لا يقيد بالمشيئة يعارضه قول الله – تعالي - : ) وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ( (1) . فإن المقيد هنا بالمشيئة هو الجمع لا القدرة، والجمع فعل لا يقع إلا بالمشيئة ولذلك قيد بها فمعنى الآية أن الله تعالى قادر على جمعهم متى شاء وليس بعاجز عنه كما يدعيه من ينكره ويقيده بالمشيئة رد لقول المشركين الذي قال الله – تعالى – عنهم : ) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين ، قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون ( (1). فلما طلبوا الإتيان بآبائهم تحدياً وإنكاراً لما يجب الإيمان به من البعث ، بين الله – تعالى – أن ذلك الجمع الكائن في يوم القيامة لا يقع إلا بمشيئة ولا يوجب وقوعه تحدي هؤلاء وإنكارهم كما قال الله – تعالى - : ) زعم الذي كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما تعملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ( (2). والحاصل أن قوله – تعالى - : ) وهو على جمعهم إذا يشاء قدير ( . لا يعارض ما قررناه من قبل لأن القيد بالمشيئة ليس عائداً إلى القدرة وإنما يعود إلى الجمع . وكذلك لا يعارضه ما ثبت في صحيح مسلم في كتاب(الإيمان ) في (باب آخر أهل النار خروجاً ) من حديث ابن مسعود ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:( آخر من يدخل رجل ) فذكر الحديث وفيه أن الله – تعالى – قال للرجل : " إني لا استهزئ منك ولكني على ما شاء قادر " وذلك لأن القدرة في هذا الحديث ذكرت لتقدير أمر واقع والأمر الواقع لا يكون إلا بعد المشيئة ، وليس المراد بها ذكر الصفة المطلقة التي هي وصف الله – تعالى – أذلا وأبدلاً ، ولذلك عبر عنها باسم الفاعل ( قادر) دون الصفة المشبهة ( قدير )
على هذا فإذا وقع أمر عظيم يستغرب أو يستعبد قالوا قادر على ما يشاء ، يجب أن يعرف الفرق بين ذكر القدرة على إنها صفة لله – تعالى – فلا يقيد بالمشيئة ، وبين ذكرها لتقدير أمر واقع ولا مانع من تقيدها بالمشيئة ، لأن الواقع لا يقع إلا بالمشيئة ، والقدرة هنا ذكرت لإثبات ذلك الواقع وتقدير وقوعه ، والله – سبحانه – أعلم .
27- سئل فضيلة الشيخ: قول القائل ( أنا مؤمن إنشاء الله ) يسمى عند العلماء ( مسألة الاستثناء في الإيمان ) وفيه تفصيل:
أولا : إن كان الاستثناء صادرا عن شك في وجود أصل الإيمان فهذا محرم بل كفر ؛ لأن الإيمان جزم والشك ينافيه .
ثانيا: إن كان صادراً عن خوف تذكية النفس والشهادة لها بتحقيق الإيمان قولا وعملا واعتمادا ، فهذا واجب خوفا من المحذور .
ثالثاً : إن كان المقصود من الاستثناء التبرك بذكر المشيئة، أو بيان التعليل وأن ما قام بقلبه من الإيمان بمشية الله، فهذا جائز التعليق على هذا الوجه – أعني بيان التعليل – لا ينافي تحقيق المعلق فإنه قد ورد التعليق على هذا الوجه في الأمور المحققة كقوله – تعالى - : ) لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ( (1). والدعاء في زيارة القبور ( وإنا إنشاء الله بكم لاحقون ) وبهذا عرف انه لا يصح إطلاق الحكم على الاستثناء في الإيمان بل لابد من التفصيل السابق .
28- سئل فضيلة الشيخ: عن قول ( فلان المرحوم ) . و( تغمده الله برحمته ) و( انتقل إلى رحمه الله ) ؟ .
فأجاب بقوله : قول (فلان المرحوم ) أو ( تغمده الله برحمته ) لا بأس بها ، لأن قولهم ( المرحوم ) من باب التفاؤل والرجاء ، وليس من باب الخبر ، وإذا كان من باب التفاؤل والرجاء فلا بأس به .
وأما ( أنتقل إلى رحمه الله ) فهو كذلك فيما يظهر لي إنه من باب التفاؤل، وليس من باب الخبر ، لأن مثل من أمور الغيب ولا يمكن الجزم به ، وكذلك لا يقال ( انتقل إلى الرفيق الأعلى ) .
29- سئل فضيلة الشيخ: عن عبارة ( لكم تحياتنا ) وعبارة ( اهدي لكم تحياتي) ؟
فأجاب قائلا : عبارة (لكم تحياتنا ، وأهدي لكم تحياتي ) ونحوهما من العبارات لا بأس بها قال الله – تعالي ) إذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ( (1) . والتحية من شخص لآخر جائزة ، وأما التحيات المطلقة العامة فهي لله ، كما أن الحمد لله ، والشكر لله ، ومع هذا فيصح أن نقول حمدت فلان على كذا وشكرته على كذا قال الله – تعالى- : ) أ ن أشكر لي لوالديك ( (2) .
30- سئل فضيلة الشيخ: يقول بعض الناس:(أوجد الله كذا)، فما مدى صحتها؟ وما الفرق بينها وبين : (خلق الله كذا ) أو ( صور الله كذا ) ؟ .
فأجاب بقوله : أوجد أو خلق ليس بينهما فرق ، فلو قال : أوجد الله كذا كانت بمعنى خلق الله كذا ، وأما صور فتختلف لأن التصوير عائد إلى الكيفية لا إلى الإيجاد .
31- سئل فضيلة الشيخ: عن حكم التسمي بالإيمان ؟ .
فأجاب بقوله : الذي أرى أن اسم إيمان فيه تذكية وقد صح عن النبي صلي الله عليه وسلم ، أنه غير اسم ( بره ) خوفا من التذكية ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن زينب كان اسمها بره فقيل تذكي نفسها فسماها رسول الله صلي الله عليه وسلم ، زينب ( 10 / 575 الفتح ) ، وفي صحيح المسلم ( 3/1687 ) عن ابن عباس – رضي الله عنهما قال كانت جويرية اسمها بره وحول النبي صلي الله عليه وسلم اسمها جويرية وكان يكره أن يقال خرج من عند بره ، وفيه أيضا ص 1638 عن محمد بن عمر ابن عطاء قال سميت بنتي بره فقالت لي زينب بنت أبي سلمة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، نهي عن هذا الاسم وسميت بره فقال النبي صلي الله عليه وسلم : " لا تذكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم " فقالوا : بمن نسميها ؟ قال : ( سموها زينب ) فبين النبي صلي الله عليه وسلم وجه الكراهة للاسم الذي فيه التذكية وإنها من وجهين :
الأول : أنه يقال خرج من عند بره وكذلك يقال خرج من بره .
والثاني : التذكية والله أعلم منا بمن هو أهل التذكية .
على هذ ا ينبغي اسم إيمان لأن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عما فيه تذكية ، ولا سيما إذا كان اسما لامرأة لأنه للذكور أقرب منه للإناث لأن كلمة ( إيمان ) مذكرة ..
32- سئل فضيلته : عن التسمي بالإيمان ؟ .
فأجاب بقوله : اسم إيمان يحمل نوعاً من التذكية وبهذا لا تنبغي التسمية به لأن النبي صلي الله عليه وسلم ، غير اسم بره لكونه دالا على التذكية ، والمخاطب في ذلك هم الأولياء الذين يسمون أولادهم بمثل هذه الأسماء التي تحمل التذكية لمن تسمي بها ، أما من كان علما مجردا لا يفهم منه التذكية فهذا لا بأس به ولهذا نسمي بالصالح والعلي وما أشبهما من الأعلام المجردة التي لا تحمل معنى التذكية .
33- سئل فضيلة الشيخ : ما حكم هذه الألقاب ( حجة الله) ( حجة الإسلام) ( أية الله) ؟ .
فأجاب بقوله : هذه الألقاب ( حجة الله) ( حجة الإسلام) ألقاب حادثة لا تنبغي لأنه لا حجة لله على عباده إلا الرسل . وأما (آية الله ) فإني لا أريد المعنى الأعم وهو يدخل في كل شئ :
وفي كل شئ له آية .. تدل على أنه واحد .
وإن أريد لانه آية خارقة بهذا لا يكون إلا على أيدي الرسل ، لكن يقال عالم ، مفتي ، قاضي ، حاكم ، إمام ، لمن كان مستحقا لذلك .
34- سئل الشيخ : عن هذه العبارات : ( باسم الوطن ، باسم الشعب ، باسم العروبة ) ؟ .
فأجاب قائلا : هذه العبارات إذا كان الإنسان يقصد بذلك أنه يعبر عن العرب أو يعبر عن أهل البلد فهذا لا بأس به ، وأن قصد التبرك والاستعانة فهو نوع من الشرك ، وقد يكون شركا أكبر بحسب ما يقوم في قلب صاحبه من التعظيم بمن استعان به .
35- سئل فضيلته : هل هذه العبارة صحيحة ( بفضل فلان تغير هذا الأمر ، أو بجهدي صار كذا ) ؟ .
فأجاب الشيخ بقوله : هذه العبارة صحيحة إذا كان للمذكور أثر في حصوله ، فإن الإنسان له الفضل على أخيه إذا احسن إليه ، فإذا كان الإنسان في هذا الأمر أثر حقيقي فلا بأس أن يقال : هذا بفضل فلان ، أو بجهود فلان، أو ما أشبه ذلك ، لأن إضافة الشيء إلى سببه المعلوم جائزة شرعا وحساً ، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال في عمه أبي طالب : " لو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار " . وكان أبو طالب يعذب في نار جنهم في ضحضاح من نار ، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه ، وهو أهون أهل النار عذاباً – والعياذ بالله – فقال صلي الله عليه وسلم : " لو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار " .
أما إذا أضاف الشيء إلى السبب وليس بصحيح فإن هذا لا يجوز ، وقد يكون شركا ، كما لو أضاف حدوث أمر لا يحدثه إلا الله إلى أحد من المخلوقين ، أو أضاف شيئا إلى أحد من الأموات أنه هو الذي جلبه له فإن هذا من الشرك في الربوبية .
36- سئل فضيلة الشيخ:عن حكم قول : ( البقية في حياتك ) ، عند التعزية ورد أهل الميت بقولهم:( حياتك الباقية) ؟ .
فأجاب فضيلته بقوله : لا أرى فيها مانعاً إذا قال الإنسان ( البقية في حياتك ) لا أري فيها مانعا ، ولكن الأولى أن يقال إن في الله خلق من كل هلاك ، أحسن من أن يقال ( البقية في حياتك ) ، كذلك الرد عليه إذا غير المعزي هذا الأسلوب فسوف يتغير الرد .
37- وسئل حفظه الله تعالي:عن حكم ثناء الإنسان على الله تعالي بهذه العبارة ( بيده الخير والشر ) ؟ .
فأجاب بقوله : أفضل ما يثني به العبد على ربه هو ما أثنى به سبحانه على نفسه أو اثني به عليه أعلم الناس به نبيه محمد صلي الله عليه وسلم ، والله – عز وجل – لم يثن على نفسه وهو يتحدث عن عموم ملكه وتمام سلطانه وتصرفه أن بيده الشر كما في قوله تعالي - : ) قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( (1) . فأثنى سبحانه على نفسه بأن بيده الخير في هذا المقام الذي قد يكون شرا بالنسبة لمحله وهو الإنسان المقدر عليه الذل ، ولكنه خير بالنسبة إلى فعل الله لصدوره عن حكمة بالغة ، ولذلك أعقبه بقوله ) بيدك الخير ( وهكذا كل ما يقدره الله من شرور في مخلوقاته هي شرور بالنسبة لمحالها ، أما بالنسبة لفعل الله – تعالى – لها وإيجاده فهي خير لصدورها عن حكمة بالغة ، فهناك فرق بين فعل الله – تعالى – الذي هو فعله كله خير ، وبين مفعولاته ومخلوقاته البائنة عنه ففيها الخير والشر ، ويزيد الأمر وضوحا أن النبي صلي الله عليه وسلم ، أثنى على ربه تبارك وتعالى بأن الخير بيده ونفي نسبة الشر إليه كما في حديث علي ، -رضي الله عنه - ، الذي رواه مسلم وغيره مطاولاً وفيه أنه ، صلي الله عليه وسلم ، كان يقول إذا قام إلى الصلاة : " وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض " إلى أن قال : " لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك والشر ليس إليك " فنفي صلي الله عليه وسلم أن يكون الشر إلى الله تعالى ، لأن أفعاله وأن كانت شراً بالنسبة إلى محالها ومن قامت به ، فليست شراً بالنسبة إليه – تعالى – بصدورها عن حكمة بالغة تتضمن الخير ، وبهذا تبين أن الأولى بل الأوجب في الثناء على الله وأن تقتصر على ما أثنى به على نفسه وأثنى به عليه رسوله صلي الله عليه وسلم ، أعلم الخلق به فنقول : بيده الخير ونقتصر على ذلك كما هو في القرآن الكريم والسنة .
38- سئل فضيلة الشيخ : عن قول العامة ( تباركت علينا؟ ) ( زارتنا البركة ؟ ) .
فأجاب قائلا : قول العامة ( تباركت علينا ) لا يريدون بهذا ما يريدونه بالنسبة إلى الله – عز وجل – وإنما يريدون أصابنا بركة من مجي ، والبركة يصح إضافتها إلى الإنسان ، قال أسيد إلى حبير لما نزلت آية التيمم بسبب عقد عائشة الذي ضاع منها قال : " ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر " .
وطلب البركة لا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون طلب البركة بأمر شرعي معلوم مثل القرآن الكريم قال الله – تعالى - : ) وهذا كتاب أنزلناه مباركاً ( (1) فمن بركته أن من أخذ به وجاهد به حصل له الفتح ، فأنقذ الله به أمما كثيرة من الشرك ، ومن بركته أن الحرف الواحد بعشرة حسنات وهذا يوفر للإنسان الجهد والوقت .
الأمر الثاني :أن يكون طلب البركة بأمر حسي معلوم ، مثل العلم فهذا الرجل يتبرك به بعلمه ودعوته إلى الخير، قال أسيد ابن حبير ( ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) فإن الله قد يجري على أيدي بعض الناس من أمور الخير ما لا يجريه على يد الآخر .
وهناك بركات موهومة باطلة مثل ما يعزم به الدجالون أن فلاناً الميت الذي يذعمون أنه ولي أنزل عليكم من بركته وما أشبه ذلك ، فهذه البركة باطلة لا أثر لها ، وقد يكون للشيطان أثر في هذا الأمر لكنها لا تعدوا أن تكون آثاراً حسية بحيث أن الشيطان يخدم هذا الشيخ فيكون في ذلك فتنة .
أما كيفية معرفة هل هذه من البركات الباطلة أو الصحيحة ؟
فيعرف ذلك بحال الشخص ، فإن كان من أولياء الله المتقين المتبعين للسنة المبتعدين عن البدع فإن الله قد يجعل على يديه من الخير والبركة ما يحصل لغيره ، أما إن كان مخالفا للكتاب والسنة ، أو يدعو إلى الباطل فإن بركته موهومة ، وقد تضعها الشياطين له مساعدة على باطله .
39- سئل فضيلة الشيخ : عن إطلاق عبارة (كتب التراث) على كتب السلف ؟ .
فأجاب بقوله : الظاهر أنه صحيح ، لأنه معناهم الكتب الموروثة عن من سبق . ولا أعلم في هذا مانعاً .
40- سئل فضيلة الشيخ : هل في الإسلام تجديد تشريع ؟
فأجاب بقوله : من قال : إن في الإسلام تجديد تشريع في الواقع خلافهم ؛ فالإسلام كمل بوفاة النبي صلي الله عليه وسلم ، والتشريع انتهى بها . نعم الحوادث والوقائع تتجدد ، ويحدث في كل عصر ومكان ما لا يحدث في غيره ، ثم ينظر فيها بالتشريع ، ويحكم عليها على ضوء الكتاب والسنة . ويكون هذا الحكم من التشريع الإسلامي الأول، ولا ينبغي أن يسمى تشريعا جديدا ؛ لأنه هضم للإسلام ، ومخالف للواقع ، ولا ينبغي أيضاً أن يسمى تغيير للتشريع ، لما فيه من كسر سياج حرمة الشريعة ، وهيبتها في النفوس أو تعريضها لتغير لا يسير على ضوء الكتاب والسنة ولا يرضيه أحد من أهل العلم والإيمان .
أما إذا كان الحكم على الحادثة ليس على ضوء الكتاب والسنة ، فهو تشريع باطل ؛ ولا يدخل تحت التقسيم في التشريع الإسلامي .
ولا يرد على ما قلته إمضاء عمر – رضي الله عنه – لطلاقه الثلاث ، مع أنه كان واحدة لمدة سنتين من خلافته، ومدة عهد النبي صلي الله عليه وسلم ، وعهد أبي بكر ، لأن هذا من باب التعذير بإلزام المرء مع التزامه لذا قال عمر – رضي الله عنه - :(أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت له فيه إناء فلو أمضيناه عليهم ). فإمضاءه عليهم ، وباب التعذير واسع في الشريعة ، لأن المقصود به التقويم والتأديب .
الموضوع : المناهي اللفظية .........للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: حاملة الدعوة توقيع العضو/ه:حاملة الدعوة |
|