موضوع: حصريا ً:التفسير المبسط لجزء عَمَّ من القرآن الكريم "مصحوب بتلاوات للشيخ أحمد العجمى" الجمعة 22 أكتوبر 2010 - 3:35
الحمد لله رب العالمين الذى بعث نبينا محمداً عليه الصلاة والسلام بدعوة تملأ القلوب نوراً، وتشرف بها العقول ، وأنزل عليه كتابا ً لم يجعل له عوجا ً قرآنا ًعربيا ً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وتكفل بحفظه إلى يوم الدين فقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 والصلاة والسلامعلى سيدنا محمد رسول الله الذى تلقى الأمانة وحافظ عليها وأداها خير أداء وتركنا على المحجة البيضاء وأمرنا بدوام قراءته وحثنا على دراسته وحفظه فقال عليه الصلاة والسلام : " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه ويتعتع فيه و هوعليه شاق له أجران " الراوي: عائشة - المحدث: الألبانى - المصدر:صحيح الجامع - لصفحة أو الرقم: 6670 - خلاصة حكم المحدث: صحيح
أما بعد فهذا تفسير مبسط لجزء " عَمَّ " الجزء الثلاثون من القرآن العظيموهو من آخر المجلد الثانى لكتاب " التفسير المنهجي " لفضيلة الدكتور أحمد نوفل
* نبذة عن المؤلف : الاسم : أحـمد إسماعيل إبراهيم نوفل . المولد : يــافـا – فلسطين 12 / 3 / 1946 م . الدراسة الثانوية : نابلس / 1965 م . البكالوريوس : الجامعةالأردنية - عمان / 1969 م . الماجستير : تفسير وأصول الدين ، جامعةالأزهر - مصر / 1973 - 1975 م . الدكتوراة : تفسير وأصول الدين ، جامعةالأزهر - مصر / 1978 م . العمل : معيد في الجامعة الأردنية ( 1970 - 1972 م ) ، ومحاضراًفيها عام 1976 ، ومدرساً ( 1978 م إلى الآن ) برتبة : أستاذ مشارك . الدراسات والبحوث والمؤلفات : له عدة دراسات وبحوث فى الثقافة والتربية الإسلامية وله بحوث فى القصص القرآنى وله عدة مؤلفات أشهرها :الحرب النفسية بيننا وبين العدو الإسرائيليمناهج البحث والتأليف في القصص القرآني– وعدة مؤلفات فى تفسير بعض سور القرآن الكريم وغيرها ومنها الكتاب الذى نعرضه بين أيديكم " التفسير المنهجى " ويشمل الأجزاء الستة الأخيرة من القرآن الكريم : هذا التفسير من إصدار دار المنهل : عمان – الأردن ، عام 2004م ، وهو مكون من مجلدين : - المجلد الأول : يتضمن تفسير الأجزاء ( 25 ، 26 ، 27 ) . - المجلد الثاني : يتضمن تفسير الأجزاء ( 28 ، 29 ، 30 ) . وكل مجلد يقع في أربعمائة صفحة تقريباً ، ومما جاء في مقدمة هذا التفسير : " وميزة هذا التفسير أنه أعد ليكون منهاجاً للتدريس في المدارس التي تلتزم في منهاجها تدريس الطلبة تفسير القرآن الكريم كاملاً ". وفيما يلي أهم النقاط التي تم الالتزام بها في هذا التفسير : - اختيار العبارة السهلة الواضحة . - تبيين معاني المفردات والتراكيب . - التعريف بالسورة بإيجاز قبل تفسيرها . - تفسير السورة بعبارة قريبة مباشرة . - الالتزام بمنهج السلف في تفسير آيات الصفات . - إتباع كل درس بعدد من العبر والدروس . - ختم كل درس بعدد من الأسئلة المتنوعة .
وإن شاء الله نبدأ بالمشاركة التالية بـ " سورة النبأ " والتى يسميها بعض مشايخنا الأفاضل بـ "عَمَّ يَتَسَاءلُونَ "
ملحوظة هــــــــامة : يسعدنا أن نقدم لكم مع تفسير كل سورة تلاوة مباركة للسورة " يوتيوب " للقارئ الشيخ : أحمــــــــــــد العجمــــي " حفظه الله "
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
تعريف السورة : سورة النبأ مكية، وعدد آياتها أربعون آية، وترتيبها في المصحف رقم (78)، ويبتدىء الجزء الثلاثون من القرآن بهذه السورة، ولهذا سُمي باسمها جزء عم او النبأ. ومعظم موضوعات الجزء عن القيامة، وكذلك هذه السورة.
علاقة السورة بما قبلها وسبب النزول : ختمت السورة السابقة، وهي سورة المرسلات، بالحديث عن المكذبين بيوم الدين، وأنتهت بسؤال : فبأي حديث بعده يؤمنون؟. لتبتدئ سورة النبأ بالسؤال عن الموضوع ذاته الذي خُتمت به سورة المرسلات فتقول ((عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ (1) عَنْ النَّبَإِ الْعَظِيمِ (2) )). فالكافرون أخذوا يتساءلون فيما بينهم استهزاءً وتكذيباً وإنكاراً لما جاء به رسول الله .
معاني المفردات: عم يتساءلون : عن ماذا يسأل بعضهم بعضا النبأ العظيم : القيامة، والنبأ هو الخبر المهم مختلفون : بعضهم مؤمن وبعضهم كافر مهادا : فراشا ممهداً - أوتاداً : جمع وتد، وهو ما تشدُ به حبال الخيمة، وهي هنا الجبال التي تثبِّت الأرض سباتا ً: انقطاعا عن الحركة، راحة للأبدان - لباساً : ساترا ً سراجا وهاجا : الشمس تعطي النور والحررة المعصرات : السحاب - ثجاجا : متدفِّقاغزيرا ً- ألفافا : مجتمعة ملتفة الفصل : الحكم بين الناس والخلائق - ميقاتا:موعدا محددا فتحت السماء : انشقت وانفطرت وسيرت الجبال فكانت سرابا : نُسِفت الجبال وذهبت وأصبحت لا وجود لها - لابثين فيها أحقابا : مخلدين فيها أزمنة لا تنتهي مرصادا : مكانا معدا للكافرين - مآبا : مرجعا - لابثين : ماكثين أحقابا : أزمنة لا تنيتهي - حميما : الماء الحار جدا ً عساقا : شراب أهل النار، وهو كريهٌ جدا جزاءا وفاقا : جزاءا موافقا لأعمالهم - كذابا : تكذيبا شديدا مفازا : نجاة - حدائق : بساتين كواعب أترابا : نساء في سن واحد دهاقا : مليئة - لغوا : مالا فائدة فيه من كلام عطاءً : إحسانا وتفضيلا - الروح : جبريل عليه السلام
تبتدئ السورة بالأمر الذي يسأل عنه الكافرون بعضهم بعضا ويسألون المؤمنين، ثم بين القرآن أنهم مختلفون في يوم القيامة. ولذلك يسألون عن لشكهم فيه. ثم يهددهم القران بأنهم سوف يرون القيامة التي ينكرونها بأعينهم، ثم يكرر التهديد ((كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلاَّ سَيَعْلَمُونَ (5)))
ثم يتركهم القرآن عند هذا وينتقل بهم إلى رحلة في رحاب الكون؛ ليريهم فضل الله عليهم في هذه الحياة وقدرته على خلقهم وبعثهم يوم القيامة فيعدد عليهم تسعا من النعم منها: 1- أن جعل لهم الأرض مُهيأةً ممهدةً كالفراش المهيأ المُعد للنوم. 2- وأنه جعل لهم الجبال مثبِّتات للأرض، كما تُثبت الخيمة بالأوتاد اتي تربط بها حبال الخيمة. 3- وأنه خلقهم سبحانه أزواجا ذكرا وأنثى ليتم تكاثرهم وتستمر الحياة 4- وجعل لهم النوم راحة وانقطاعا عن العمل لتجديد نشاطهم 5- وجعل لهم الليل سترا وغطاءا يغشاكم بعتمته وظلمته، كما يغطي اللباس اللأبس. 6- وجعل لهم النهار منيرا ليعتاشوا ويعملوا فيه. 7- ورفع فوقكم سبع سماوات قوية. 8- وجعل فيها شمسا تنير أرضهم. 9- وأنزل من الغيوم المشبعات بالماء مطرا غزيرا فيه حياة الأرض ومن عليها، ولنخرج بهذا المطر الحب َّ والنبات والجنات الملتفة.
" إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتاً (17) يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً (18) وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً (19) وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً (20) " بعد أن ذكر الله تسعة أدلة على كمال قدرته على أحياء الموتى للحساب، قال في هذه الآيات: إن هذا اليوم هو يوم الفصل بين الخلائق، وسُمي يوم الفصل لأن الله يفصل فيه بين خلقه، ويحكم بينهم بالعدل، وقد جعل الله وقتا وميعادا محدودا معلوما عنده سبحانه لا يتقدم ولا يتأخر، ويكون ذلك اليوم يوم ينفخ في الصور نفخة القيام من القبور، فتحضرون جماعات وتحشرون للحساب والجزاء، وفي ذلك اليوم تتشقق السماء فتصبح كأن فيها أبوابا، وتننسف الجبال وتقلع من أماكنها فتصبح كأنها غير موجودة.
هذه الآيات العشر في عذاب أهل النار، تقول الآيات: إن جهنم تترقب الظالمين الطاغين، ليعودوا إليها ويرجعوا إليها، حيث سيمكثون فيها أزمانا لا تنتهي، وإذا دخلوها فسوف لا يذوقون فيها طعما للراحة ولا يشربون، إلا الماء المغلي وما يسيل من جروح أهل النار، جزاءا عدلا على أعمالهم موافقا لها ومن جنسها، فجزاء السيئة سيئة مثلها، إنهم كانوا لا يتوقعون الآخرة ولايؤمنون بها، وكذبوا بكل آيات الله، تكذيبا شديدا، والله كان يحصي عليهم كل شيء في كتاب لا يخطئ ، وفي النار يقال لهم: ذوقوا العذاب، فإنا لن نزيدكم إلا من هذا العذاب.
" إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً (31) حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً (32) وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً (33) وَكَأْساً دِهَاقاً (34) لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً (36) رَبِّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً (37)" هذه الآيات السبع في وصف أهل الجنة. تقرر أولا أن للمتقين عند ربهم فوزا عظيما، حيث الحدائق والأعناب، والنساء الجميلات في سن واحد، والشراب الطيب يملأ الكؤوس، وحيث لا يسمعون فيها الكلام الباطل ولا الكذب، جزاءا من الله وعطاء وتفضلا يكون كافيا وافيا من رب السماوات والأرض وما بينهما،الرحمن الذي لا يملك الناس في حضرته أن يتكلموا إلا بإذنه.
هذه الآيات في ختام السورة وهي تصف القيامة. يوم يقوم جبريل – اعظم الملائكة – والملائكة صفوفا لا يتكلمون إلا بإذن الرحمن، ولا يقولون إلا الحق والصواب، ذلك هو اليوم الحق الذي لا شك فيه، فمن أراد أن يتخذ إلى مرضاة ربه سبيلا، فليسلك طريق الحق. وقد أنذرناكم في هذه السورة وغيرها عذابا قريبا، وكل آت قريب، يوم يرى كل إنسان ما عمل، ويتمنى الكافر لو لم يخلق أو أنه ظل ترابا مدفونا في القبر، ولم يبعث من هول مايرى.
دروس وعبر ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها: 1- الكافرون مختلفون في موضوع البعث بعد الموت بين مُنْكر وشاك 2- كل ما في الوجود يدل على قدرة الله على بعث الخلائق. 3- يوم القيامة له أجل محدود عند الله لا يتقدم ولا يتأخر. 4- جهنم تنتظر وترصد الظالمين والكافرين، وهم مخلدون فيها. 5- الجزاء في الآخرة جزاء عدل على الأعمال، فمن أحسن فله الجزاء الحسن، ومن أساء فله الجزاء السيء 6- جزاء أهل النار الحميم الغساق، وهي أنواع من الشراب الكريه والمؤذي. 7- المتقون فائزون عند الله ، ثوابهم الحدائق والفواكه والشراب والنساء الجميلات 8- الله عظيم لا يتكلم في حضرته سبحانه إلا من أذن له الله، والملائكة لا يتكلمون إلا بأذنه. 9- القيامة حق، والسعيد بحق من أتخذ سبيلا إلى مرضات الله الحق.
تلاوة مباركة رائعة لسورة النبأ "عم يتسألون" للقاري الشيخ أحمد بن علي العجمي
تعريف بالسورة سورة النازعات مكية، وعدد آياتها (46) آية، وترتيبها في المصحف رقم (79)، وموضوعها يوم القيامة. تبتدئ السورة بالقسم بخمسة أصناف من الملائكة على أن القيامة حق. ثم انتقلت السورة بعد هذه الأقسام إلى مشاهد يوم القيامة، واستغرضت كيف كان الكافرون يكذبون بالآخرة، ثم عرضت بإجاز قصة موسى عليه السلام وفرعون، وكيف أخذه الله بسبب تكذيبه وكفره. ثم استعرضت السورة قوة الله المتمثلة في خلق السماء والأرض ومن فيهن، ثم عادت إلى القيامة من جديد للتذكير بأن كل إنسان مجزي بعمله، وأن الدنيا في الآخرة ليست إلا ساعة من النهار أو جزءاً من اليوم. والآخرة هي الحياة الباقية الممتدة.
معاني المفردات
النازعات: الملائكة التي تقبض أرواح الكافرين غرقا: بشدة وقوة وعسر - الناشطات : الملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين نشطا: برفق وسهولة - السابحات: الملائكة التي تنزل من السماء لتنفيذ أمر الله سبحا: مسرعة - السابقات سبقا: الملائكة التي تتسابق مسرعة لتنفيذ أمر الله. المدبرات أمر: الملائكة التي تنفذ أمر الله في تدبير شؤون الكون يوم ترجف الراجفة: يوم تضطرب الأرض وتتزلزل - الراجفة:النفخة الأولى تتبعها الرادفة: النفخة الثانية تتبع النفخة الأولى - واجفة: خائفة مضطربة خاشعة: ذليلة حزينة - الحافرة: الحياة بعد الموت - عظاما نخرة: عطاما بالية متفتتة - زجرة واحدة: صيحة واحدة أو نفخة واحدة . الساهرة: وجه الأرض ( أرض المحشر) - طوى: اسم الوادي المقدس الآية الكبرى: معجزة موسى عليه السلام العصا التي تنقلب إلى حية نكال: عذاب - رفع سمكها: رفع جرمها،وأعلى سقفها فوقكم . والسَّمكُ : غلظ الشيء، وهو الارتفاع الذي بين السماء الأسفل الذي يلينا، وسطحها الأعلى الذي يلي مافوقها - أغطش الليل: أظلم الليل دحاها: بسطها ومدها - الطامة الكبرى: القيامة، وهي الداهية العظيمة التي تم بأهوالها كل شيء - طغى: ظلم واستكبر وتجاوز الحد في الكفر والعصيان آثر الحياة الدنيا: فضل الحياة الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، ولم يستعد لها بالعمل الصالح - خاف مقام ربه : خشى ربه، وخاف حسابه، وعذابه نهى النفس عن الهوى: كف نفسه عن الشهوات والمعاصي التي تهوي بها إلى المهالك - الساعة: القيامة - أيان مرساها: متى موعدها فيم أنت من ذكراها: ليس علمها إليك حتى تذكرها لهم إلى ربك منتهاها: لا يعلم وقتها إلا الله
تبتدئ السورة بعدة أقسام متوالية من الله تعالى: -أقسم بالملائكة التي تقبض أرواح الكفار بشدة وقوة وعسر -أقسم بالملائكة التي تقبض أرواح المؤمنين بسهولة ويسر -أقسم بالملائكة التي تنزل بأمر الله ووحية من السماء مسرعين لتنفيذ أمر الله -أقسم بالملائكة التي تتسابق لتنفيذ أمر الله -أقسم بالملائكة التي تنفذ أمر الله في تدبير شؤون الدنيا أقسم سبحانه بهذه الأصناف الخمسة من الملائكة على أن القيامة حق، وجواب القسم محذوف تقديره لتبعثن ولتحاسبن ثم انتقلت السورة إلى الحديث عن هذا اليوم العظيم ( يوم القيامة) وما يقع فيه، ففي ذلك اليوم تزلزل الأرض زلزالها،وترتجف من هول النفخة الأولى، فتموت الخلائق كلها بأمر الله، ثم تتبعها النفخة الثانية، فتبعث كل الخلائق وتحيا بعد موتها بأمر الله في ذلك اليوم تضطرب القلوب وترتجف من الخوف وهول الموقف، وتخشع الأبصار ويذل أصحابها. ثم ينتقل السياق الكريم إلى حال هؤلاء المكذبين كيف كانوا في الدنيا ينكرون الآخرة والبعث بقولهم: هل سنرد بعد أن نموت ونقبر في حفرنا، ونكون عظاما بالية مفتتة؟ قالوا يجيبون أنفسهم: إنا إذا بُعثنا من جديد لنكوننَّ من الخاسرين، ذلك لأنهم لم يستعدوا لهذا اليوم استبعادا له وإنكارا له ، ويجيبهم الله بأ، بعثهم لا يحتاج أكثر من صيحة وأحدة أونفخة واحة فإذا هم بأرض المحشر على وجه الأرض، بعدما كانوا في بطونها، حيث يظلون أيقاظا منتبهين بلا نوم، ينتظرون حسابهم ومصيرهم.
(( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (15)إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى(17)فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى(18)وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19)فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى(20)فَكَذَّبَ وَعَصَى(21)ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى(22)فَحَشَرَ فَنَادَى (23)فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى (24)فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25)إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى(26) )) ثم انتقلت السورة إلى قصة موسى عليه السلام وفرعون. وذكرت نداء الله لنبيه بالواد المقدس الذي اسمه طوى، وتكليفه بأن يذهب إلى فرعون لينذره، لأنه طغى، وليقول له: هل تود أن تتزكى وتتطهر؟ هل تريد أن أهديك إلى ربك فتخشاه وتعظمه؟ فأرى موسى عليه السلام فرعون آيات الله الكبرى التي زوده الله بها، ومنها العصا التي تتحول إلى حية، واليد التي تخرج بيضاء ...، فكذب فرعون بهذه الآيات وعصى الله ورسوله، ثم تولى ليجمع سحرته وجنده وأعوانه ليقول لهم: أنا ربكم الأعلى ،فأخذه الله وعذبه عذاب الأخرة بالنار وعذاب الدنيا بالغرق، إن في ذلك لعبرة وعظة لمن يخشى الله.
تبتدئ هذه المجموعة من الآيات بالأستفهام الموجه إلى الكافرين، يسألهم فيه ربنا تعالى: ما قوتكم أيها المشركون مع قوة الله؟ وهل أنتم أشق خلق وأصعب من خلق السماوات؟ فإن الله سبحانه قد بنى السماء وسوى قوامها ورفع سمها، فمن سوى هذه السماء وأقامها سقفا مرفوعا محفوظا فوقكم، إنه الله وحده ومن الذي أظلم ليل هذه السماء عندما تغيب شمسها؟ ومن الذي بعد ذلك أخرج ضحى هذه السماء بطلوع شمسها المنيرة؟ إنه الله وحده. والله هو الذي أخرج منها الماء، وأخرج بهذا الماء المرعى الذي به حياة الحيوان والإنسان. والله وحده هو الذي أرسى الجبال وثبتها لتمسك الأرض وتحفظ توازنها، كل هذا من أجلكم أيها الناس، فقد جعل الله فيها الرزق لكم والغذائ لأنعامكم.
بعد هذا الحديث المباشر الذي يدل على قدرة الله على الخلق وقدرته على البعث، انتقل الحديث المباشر عن القيامة، وسماها الطامة الكبرى، التي إذا جاءت تذكر الإنسان ما قدمه فشي حياته الدنيا، في ذلك اليوم تبرز الجحيم عيانا لكل من يرى وهناك ينقسم الناس حسب أعمالهم: فأما الذي ظلم وتجاوز وقدم الدنيا على الآخرة الباقية فإن جزاءه جهنم، هي مستقرة ومأواه، وأما الفريق الآخر، فهو الذي خشي ربه، وخاف حسابه، وزجر نفسه عن اتباع هواها فقاوم هذا الهوى، وألزم نفسه طاعة الله وسلك طريق الحق، فإن مصيره ومأواه إلى الجنة.
ثم ختمت السورة بتقرير أن الكافرين يسألون الرسول عن القيامة متى موعدها؟ ومتى ترسو سفينة الحياة وينتهي أمرها؟ والنبي الكريم لا يعلم جواب سؤالهم، لأنه لم يسأل ربه هذا السؤال، لانه يعلم أن علم الآخرة إلى الله وحده لا يطلع عليه أحدا، وإنما الرسول منذر من يخاف العقاب في الآخرة. وأما الدنيا فلقصرها فكأن أهلها لم يلبثوا فيها إلا عشية يوم أو ضحى نهار، فما أقصرها من حياة! وياخسارة من قدمها على الآخرة الباقية الدائمة!
دروس وعبر: ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها: 1-أقسم الله تعالى بما شاء من خلقه، لينبه على عظمة ما أقسم به، ليؤكد أن البعث بعد الموت حق، وأن الحساب حق ... الخ 2-وضائف الملائكة متعددة منها : قبض الأرواح، وتنفيذ أوامر الله، وتدبير الكون بإذن الله 3-في النفخة الأولى تصعق الخلائق وتموت، وفي النفخة الثانية تقوم للحساب 4-أهوال القيامة شديدة، إذ تتزلزل الأرض، وترتجف القلوب، وتُذلُ الأبصار 5-منهج الله في الدعوة اللين في القول، واللطف في المعاملة لتأليف القلوب 6-خلق السماوات والأرض أعظم من خلق الإنسان، فالذي خلق هذا الكون العظيم قادر على بعث الإنسان 7-الجنة جزاء من تزكى، والنار جزاء من طغى، وقدم الدنيا على الآخرة 8-علم الساعة عند الله، والرسول منذر من يخشى وقوع الساعة ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
تعريف بالسورة سورة عبس مكية، وعدد آياتها (42) آية ، وترتيبها في المصحف رقم (80)، تناولت السورة عتاب الرسول ، لأنه عبس وأعرض عن الأعمى ( عبدالله بن أم مكتوم)، وأقبل على كبراء قريش الكفار، طمعا في إسلامهم، وأوردت السورة أيضا دلائل قدرة الله ووحدانيته في خلق الإنسان والنبات والطعام، وتحدثت عن القيامة وأهوالها وشدتها.
معاني المفردات عبس: قطب وجهه - تولى: أعرض - يزكى: يتطهر من ذنوبه له تصدى: تتعرض له وتصغي لكلامه - تلهى: تنشغل عنه صحف مكرمة: هي اللوح المحفوط - مرفوعة مطهرة: عالية القدر بعيدة عن كل نقص - بأيدي سفرة: محمولة بأيدي ملائكة إلى رسل الله بررة : أتقياء أنقياء مبرَّأون عن الدنس - ما أكفره: ما أشد كفره وضلاله فقدره: فقدر خلقه وححد صورته - ثم السبيل يسره: ثم يسّره إلى طريق الذي يسلكه في الحياة - فأقبره: جعل له قبراً يدفن فيه عند موته أنشره: بعثه من قبره - كلا لما يقضي ما أمره: لم يتحقق ما خلق لأجله، وهو الإيمان والعبادة - قضبا: ما يؤكل من البقول غضا طريا وحدائق غلبا: بساتين كثيرة الأشجار ملتفة الأغصان وأبا: ما تأكله الحيوانات من الأعشاب والحشائش الصآخة : هي الطامة الكبرى، وهي تصخ الأذان أي تقرعها وهي النفخة الثانية ،نفخة البعث من القبور ضاحكة مستبشرة: مسرورة بما أعطاها الله راجية المزيد غبرة: غُبار - قترة: ذلة وهوان
سبب نزول هذه السورة جاء رجل أعمى من فقراء المسلمين أسمه عبدالله بن أم مكتوم إلى النبي ، يطلب منه أن يعلمه مما علمه الله من أمر الدين، وكان رسول الله مشغولا في ذلك الوقت بمن عنده من كبراء قريش الكافرين المستكبرين، وكرر عبدالله بن أم مكتوم طلبه من الرسول ، وهو لا يعلم أن رسول الله مشغول مع هؤلاء المشركين. فكره الرسول قطعه لكلامه، وعبس وأعرض عنه، وقال في نفسه: عسى إن آمن هؤلاء أن يؤمن قومهم تبعا لهم، فهم القادة والسادة. فعاتبه الله في ذلك، وبين له أن شأن عبدالله أعظم عند الله من هؤلاء المكذبين المستكبرين، فأنزل الله سورة عبس، وبعد ذلك كان رسول الله إذا لقي عبدالله بن أم مكتوم قال له: (أهلا بمن عاتبني فيه ربي).
يعاتب الرب الجليل سبحانه رسوله محمد ، بسبب إعراضه عن الأعمى عبدالله بن أم مكتوم المؤمن، وإقباله على سادة المشركين، طمعا في إسلامهم وحبا في إيمانهم، عِلما بان هذا الأعمى جاء إلى الرسول يتزكى، ويتعلم مزيدا من العلم ليتذكر وينتفع. أما الذين استقبلتهم أيها النبي الكريم بالحفاوة والتكريم فهم لايستحقون منك ذلك، لانهم مستغنون مستكبرون زاهدون فيما عندك من علم وهدى، وأنت ما عليك إلا البلاغ، فلا تبالغ في حرصك على إيمانهم، فأمر هدايتهم وإيمانهم إلى الله وحده. ثم عاد ليعاتب في شأن الأعمى من جديد فقال: وأما الذي أتاك أيها النبي جادا في سعيه، مسارعا إليك، رغبة فيما عندك من الهدى والعلم، وهو على حالٍ من خشية الله فهذا تنصرف عنه إلى أولئك، كلا إن هذا ليس مما ينبغي منك نحوه، لا تعد لها أو لمثلها أيها النبي ، فإنما أنت منذر، وهذا الكتاب تذكرة فمن شاء تذكر ما فيه.
هذه الآيات تبين قدر القران وعظمته تقول: إن هذه السورة وما فيها من آيات تذكرة، فمن شاء أن يتذكر تذكر. إن شأن هذا القرآن عظيم فهو محفوظ في صحف مكرمة هي اللوح المحفوظ، عالية الشأن، هذه الصحف مطهرة من أن يصلها سوء، محفوظة بأيدي الملائكة الذين هم سفراء الله إلى رسله، وهم كرام معظمون أتقياء طائعون.
هذه الآيات تبين موقف الإنسان من الدين، والآيات تبتدئ بالدعاء على الإنسان الكافر بالقتل: قُتل الإنسان ما أشد كفره، مع انه من نطفة فقدره الله وصوره، ثم هداه السبيل، ويسر له الحياة، ثم أنتهى أجله فأماته الله ، فجعل له قبرا يواريه إكراما له وحتى لا يؤذي الناس، فإذا جاء الأجل وشاء الله بعثه من جديد، وأنتهت الآيات بزجر هذا الكافر الذي لم يقْضِ واجباته الدينية ، مع أنه قضى عمرا طويلا.
فلينظر الإنسان إلى طعامه: بعد الحديث عن الإنسان في ذاته وخلقه وفطرته، ينتقل ليلفت نظر الإنسان إلى حقائق الكون وآثار رحمة الله، وذلك من خلال تأمل الإنسان لطعامه، وقصة هذا الطعام كيف أبتدأت من صب الماء وإنزاله ثم شق الأرض بالنبات، ليكون منه وليخرج به أنواعاً مختلفة من النبات والنخل، والحدائق الخضراء اليافعة والفاكهة والأعشاب التي يتغذى عليها الحيوانات، وقد جعل الله تعالى هذا المطر والإنبات متاعا للإنسان ولانعامه، وحياة له ولحيواناته.
فإذا جاءت الداهية العظيمة التي تصخ الآذان،وهي نفخة البعث شغل كل إنسان بنفسه، لأن لكل واحد منهم شغلا شاغلا، يومها يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. أما مصائر الناس في ذلك اليوم، ففريق وجوههم مضيئة مسرورة بعطاء الله وثوابه ونعيمه، وترجو المزيد من ربها، وهو فريق المؤمنين الفائزين، أصحاب الوجوه المستبشرة. أما الفريق الثاني الكافرون، فيقول الله عنهم: وجوه يومئذ عليها غبرة، وهي التي علاها الغبار، وقد غيرها الهم والكآبة، وتغشى تلك الوجوه الكافرة ظُلمة وسواد وشدة الهم، أولئك هم الكافرون.
دروس وعبر ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها: 1- العظيم من كان في ميزان الله عظيما، وليس العظيم من كان في موازين الناس عظيما ً 2- مهمة الرسول هي الإنذار والتبليغ ، وليست مهمته إجبار الناس على الإيمان 3- خَلقُ الإنسان وحياته مقدَّرة، ومصيره إلى الله تعالى، ليحاسبه على أعماله ويجزيه بها 4- القرآن الكريم محفوظ عند الله تعالى. 5- طعام الإنسان آية تدل على الله، ونعمة من الله تعالى. 6- خلق الخضار والفواكه لحياة الإنسان وأنعامه. 7- يوم القيامة يفر المرء من أقرب الناس إليه لأنشغاله بنفسه 8- وجوه المؤمنين يوم القيامة مشرقة فرحة، ووجوه الكافرين مسودة كالحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
تعريف بالسورة سورة التكوير مكية، وعدد آياتها (29) آية، وترتيبها في المصحف رقم(81)، وهذه السورة الكريمة تعالج حقيقتين مهمتين هما ( حقيقة القيامة ، وحقيقة الوحي والرسالة) وكلاهما من لوازم الإيمان.
معاني المفردات كورت: أُزيل نورها - انكدرت: انطفأت واسودت سيرت: أُزيلت عن أماكنها من الأرض العشار: النوق التي مرَّ على حملها عشرة أشهر عطلت: أُهملت وتركت دون رعاية - حشرت: جمعت من أوكارها سجرت: أُشعلت نارا - النفوس زوجت: قُرنت الأرواح بالأبدان الموءودة : البنت الصغيرة التي دُفنت وهي حية نشرت: بُسطت بعد أن طويت - كشطت: اُزيلت - سعرت: أُقدت إقادا شديدا أزلفت: قُربت من المتقين - ما أحضرت: ما قدمت من خير أوشر الخنس: المختفية التي لا تظهر - الجوار: التي تمر مراً سريعا الكنس: التي تكنس في وجهها ما يصادفها - عسعس: أقبل بظلامه تنفس: أضاء - مكين: ذي مكانة رفيعة ومنزلة عظيمة صاحبكم: النبي - رآه بالأفق: رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بالأفق جهة المشرق بمكة ضنين: بخيل
في هذه الآيات الأربع عشرة وردت كلمة (إذا) اثنتي عشرة مرة، تشير إلى ما حدث يوم القيامة، فما يحدث في ذلك اليوم الرهيب العصيب أن الشمس تُكور ويُطفأ نورها، وتنكدر النجوم فتُظلم بعد استنارة، وتُزال الجبال عن أماكنها كما قال تعالى في سورة النبأ ((وسيرت الجبال فكانت سرابا)) وفي ذلك اليوم تُترك النوق الحوامل، وهي أنفس الأموال عند العرب فتُهمل ولا تحرس ولا تُرعى ولا ينتبه لها أصحابها. وأما الوحوش فإنها هي الأخرى ستُجمع، والبحار في ذلك اليوم تتفجر ناراً، فتستعر المياه، وتشتعل لهباً، كما قال الله تعالى في سورة الطور((والبحر المسجور)) ويومئذ يجمع الله الأبدان إلى الأرواح، ويُقرن كل إنسان بعمله ليُجزى عليه، وتُسأل البنت الصغيرة المسكينة التي دفنها أهلها وهي حية، تُسأل هذه التي دُفنت حية ما ذنبها، حتى قُتلت بهذه الطريقة توبيخا لقاتلها، والمقصود أن قاتلها سيُسأل عن هذه الجريمة ويُجازى عليها، وسوف تُبسط في ذلك اليوم صحائف أعمال كل إنسان بعد أن كانت مطوية، وقد كتب الملائكة فيها كل عمل، فهي تُطوى عند الموت، وتُنشر يوم القيامة عند النشور و الحساب. أما السماء الشديدة الأركان فهي تُكشط وتزول، فلا يبقى سماء بعد أن كانت سقفا محفوظا، ويومئذ تستعر الجحيم لتعذيب الكافرين، وتُقرب الجنات من أصحابها المتقين ليدخلوها مُنعمين كما قال تعالى في سورة ق(( وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد)). في ذلك اليوم تعلم كل نفس ما عملت، ويتبين لكل أحدٍ جميع ما عمله من خير أوشر، كما تعالى في سورة ال عمران ((يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء))
بعد هذا البيان ابتدأت السورة الكريمة، تبين عظم وشأن القران، وقد أكد الله تعالى ذلك بالقسم بالنجوم التي تخنس وتختفي، ولكنها تمر تمرُّ سريعا وتجري في الكون تكنُس في وجهها وأثناء سيرها أشياء في الكون...، ثم أقسم بالليل إذا أظلم، فكأنه أعمى يتحسس طريقه فهو يُقبل ويدبر، وأقسم بالصبح بعده إذا استيقظ وأضاء وظهر كأنه إنسان يستيقظ، فيأخذ نفسا عميقا دلالة على النشاط، أما الذي أقسم عليه الله تعالى، فهو أن هذا القرآن كلام الله تعالى، قاله الرسول الكريم جبريل عليه السلام لمحمد . وهذا الملك الذي يحمل الوحي له قوة عظيمة، ومنزلة عالية عند الله ، تُطيعه جميع الملائكة وهو أمين على الوحي يُبلغه كما أمره الله، ويخاطب الله أهل مكة فيقول لهم: وما صاحبكم محمد بمجنون كما زعمتم، ولكنه ذو العقل العظيم، والصادق الأمين كما تعلمون، تلقى القرآن عن طريق الوحي جبريل عليه السلام، وقد رآه بعينيه وهو في الأفق جهة المشرق بمكة على صورته الملكية التي خلقه الله عليها، وله ستمائة جناح. وليس النبي بمقصر في تبليغكم بما أُوحي إليه من ربه، ويقسم الله تعالى أن هذا القرآن ليس بقول شيطان مرجوم، يسترق السمع، فأين تذهبون من الله ياأهل مكة بعد هذا البيان وبأي طريق تسلكون؟. وما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين أجمعين، لمن شاء منهم أن يؤمن ويستقيم على طريق الإيمان، وهذه المشيئة شاء الله أن يعطيها للبشر، ليؤمنوا باختيارهم بلا إجبار، والمشيئة المطلقة لله وحده لا شريك له ، رب العالمين ((وَمَا تَشَاؤُونَ إِلاَّ أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ))
دروس وعبر ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها: 1- يرافق القيامة تغير لنظام الكون منها : إطفاء الشمس والنجوم وتفجير البحار 2- يقترن كل إنسان بعمله كما تقترن الأرواح بالأجساد 3- أقسم الله بعدد من مظاهر الكون منها النجوم الخنس، وهي آية كونية عظيمة على أن هذا القرآن كلام الله تعالى 4- شاء الله أن يجعل للناس مشيئة يختارون بها الإيمان أو الكفر، وبموجب هذا الأختيار يكون الحساب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
تعريف بالسورة سورة الأنفطار مكية، وعدد آياتها (19)آية، وترتيبها في المصحف رقم (82)، وموضوعها القيامة وأهوالها، والبعث والحساب.
معاني المفردات انفطرت: انشقت - انتثرت: تساقطت وتهاوت - فجرت: شقت وتفجرت بعثرت: قٌلب ترابها وبُعث الموتى منها ماقدمت: ما قدمت في حياتها من خير أو شر وأخرت: وأخرت بعد موتها كالوصية والسنة الحسنة أو السيئة ما غرك بربك: أي شيء خدعك وجرّأك على معصية الله تعالى فسواك: جعل أعضاءك سوية سليمة - فعدلك: جعلك معتدلا متناسب الخلق الأبرار:المؤمنون الذين برَّوا وصدقوا - الفجار: المكذبين رسول الله يصلونها: يدخلونها ويعذبون في نارها - يوم الدين: يوم الجزاء والحساب
تقول هذه الآيات: إذا انفطرت السماء، والفَطر هو الشق، وإذا تناثرت الكواكب أي تساقطت وتهاوت متفرقة، وإذا انفجرت البحار فاشتعلت نارا، وإذا بعثرت القبور فَقُلِب ترابها، وبُعث من فيها من الموتى فقاموا للحساب، علِمت كل نفس ما قدمت في حياتها من خير أو شر فجُوزيت به، وما أخرت بعد موتها كالوصية والسنة الحسنة أو السيئة.
وتسأل هذه الآيات الإنسان فتقول: يا أيها الإنسان، ما الذي خدعك فجرّأك على عصيان ربك؟ وهو سبحانه الذي خلقك وجعل أعضاءك سليمة مُهيأة للقيام بوظيفتها،وعدلك فجعل أعضاءك معتدلة، وقوامك متناسب الخَلق فلم يجعل أحد اليدين أطول، أو أحد العينين أوسع، وقد ركبك مولاك في الصورة التي قدرها بمشيئته، لا الصورة التي شئتها أنت أو والداك. ثم زجز هؤلاء الكافرين بقوله: كلا أي ليس هناك شيء يقتضي غروركم بالله، ولكنه تكذيبكم بالبعث وبالإسلام، وقد جعل الله عليكم ملائكة يحفظون أعمالكم، ويكتبونها ويحصونها عليكم لإقامة الحُجة عليكم يوم القيامة.
بينت هذه الآيات مصير كل من الفريقين: الأبرار المصدقين بالله ورسوله سيكون النعيم مصيرهم، والكافرين المكذبين بالبعث والجزاء سيكون الجحيم جزاءهم، هذه النار سيدخلونها ويصلون سعيرها ويقاسون هولها يوم القيامة، ذلك اليوم لا تملك فيه نفسٌ لنفسِ غيرها نفعا ولا ضرا، ولا سلطان لأحد في ذلك اليوم إلا لله وحده.
دروس وعبر ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها: 1- يتغير نظام الكون عند القيامة، ومن ذلك تشقق السماء وتفجير البحار 2- يوم القيامة يعلم الناس ما عملوا وما قصروا 3- الشيطان غرَّ الإنسان بربِّه فكفربه وهو خالقه ومصوره 4- كل إنسان يلازمه ملائكة يسجلون عمله خيرا أو شرا 5- جزاء الأبرار الجنة، وجزاء الكفار الفجار النار ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
سورة المطففين مكية، وعدد آياتها (36) آية، وترتيبها في المصحف رقم (83)، وموضوع السورة مواجهة أعداء الدعوة الإسلامية، وإعلان الحرب على المطففين في الكيل والوزن، الذين لا يخافون الله، ولا يحسبون حسابا لعذابه، وبينت السورة مصير الأشقياء الفجار، ومصير المتقين الأبرار.
معاني المفردات
ويل : عذاب وهلاك - المطففين : الذين يبخسون وينقصون في الكيل والوزن . اكتالوا : أخذوا من الناس - يستوفون : يأخذونه وافيا من غير نقص . كالوهم : وزنوا للناس - يُخسرون : يُنقصونهم الكيل والميزان كتاب الفجار : صحف أعمال الكفرة والفسقة - سجين : السجن والحبس في جهنم . مرقوم : واضح الكتابة - يوم الدين : يوم الحساب والجزاء أساطير الأولين : ما سطره الأقدمون في كُتُبهم من الخرافات ران على قلوبهم: غطى على قلوبهم وطمس بصيرتها لصالوا الجحيم : لداخلون النار - كتاب الأبرار : ما يُكتب من أعمالهم الحسنة . عليين : أعلى درجات الجنة - كتاب مرقوم : واضح الكتابة يشهده المقربون : يحضره جمع من الملائكة - الأرائك: الأسرة والمقاعد نضرة النعيم : بهجة التنعُّم - رحيق : شراب ختامه مسك : جعل المسك فوق الرحيق وخُتِم عليه به ومزاجه : ما يُخلطُ بذلك الرحيق - تسنيم : عين في أعلى الجن يتغامزون : يشيرون بالأعين استهزاءً - انقلبوا : رجعوا فكهين:متلذذين بذكر المؤمنين والضحك منهم استخفافا بهم
تبتدئ هذه السورة بالدعاء على المطففين بالهلاك والعذاب، وتبين أن الذين ينقصون الكيل والميزان حين يبيعون للناس سيكون مصيرهم جهنم، أو مكانا مخصصا في جهنم لهذا الصنف من العاصين، هؤلاء المُطففون لهم وجهان في المعاملة، أي يتعاملون بطريقتين، فهم إذا كانوا يوزنون لأنفسهم ويكيلون لشخصهم، أخذوا حقهم وافيا كاملا، وأما إذا كانوا يكيلون لغيرهم، فأنهم ينقصون من الوزن ويتلاعبون في الكيل.
وهم لو كانوا يعتقدون بيوم الحساب في الآخرة لما أنقصوا الميزان.
ولما طففوا، ولكنهم لا يوقنون بالبعث، ويظنون أن الدنيا هي كل شيء، فهم يسعون للازدياد منها، ولا يستعدون ليوم يلقون فيه ربهم هم والعباد كلهم، فيحاسبهم على أعمالهم، وتعرض عليه سبحانه صحائف أعمالهم.
فأما صحف أعمال الكافرين والعاصين والمطففين فهي موجودة مع أصحابها في سجن دائم في جهنم، وما أدراك ما شدة العذاب في هذا السجن المُسمى (سجين) وهو مُعد لهذا خصيصا للمكذبين بيوم الدين الذي يكذِّب به كل معتد متجاوز لكل حد، غارق في الآثام، مُكثر من المعاصي، هذا الفاجر إذا تُليت عليه آيات الله لتذكره بالآخرة، وصفها بأنها خُرافات وأباطيل، سجلها وسطرها السابقون ووصلت إلينا، وينفي هذا الفاجر أن هذه الآيات هي كتاب الله ومن عند الله، والحق أن الذي حمل هؤلاء الفجار على قول هذا الكلام عن آيات الله، هو أن قلوبهم قست وتغطت بالران، وهو طبقات تغلف القلب وتطمس بصيرته بسبب الذنوب والمعاصي والكسب والإثم.
هؤلاء الذين كفروا بالله وغلقت قلوبهم، سيكون مصيرهم يوم القيامة أن يحجبوا عن الله تعالى، فلا يرونه، وأنهم ليعذبون في جهنم، وتوبخهم خزنة جهنم وتقلول لهم: هذا هو العذاب الذي كنتم تكذبون به في الدنيا.
بعد أن بينت الآيات السابقة جزاء الفجار، بينت هذه الآيات جزاء الأبرار، فإنهم وكتابهم في أعلى منازل الجنة ((العليين)) ويحضر كتابهم جمع كريم من الملائكة المقربين من ربهم، وأكد ذلك بأن قَرَّرَ نعيم الأبرار، وأنهم على سُرُر يكونون متقابلين ينظرون نعيم ربهم، وينظر بعضهم لبعض، وجوههم مشرقة نظِرة، يظهر فيها أثر النعيم، وأمّا شرابهم فهوالشراب النفيس الطهور المختوم بالمسك، وهذا المقام مما ينبغي أن يتنافس فيه المُتنافسون، لا على حُطام الدنيا التافه الحقير.
ويصف النص الكريم شراب المقربين في الجنة ممزوج بماء عَين اسمها ( تسنيم) وهي من أعالي الجنة مخصصة لشراب المقربين من عباد الله.
وخُتِمت السورة ببيان حال المجرمين الكافرين، وكيف كانوا في الدنيا يسخرون ويستهزئون من المؤمنين، ويتغامزون بعيونهم هزءاً، وإذا رجع هؤلاء المجرمون إلى أهليهم، رجعوا مُتلذذين باستهزائهم بالمؤمنين، وكأن حلاوة الاستهزاء بالمسلمين ما زالت في أفواههم، وهم يصفون المؤمنين بالضالين التائهين عن طريق الحق والصواب، والحقيقة أنهم هم الضالون لا المؤمنين، وهؤلاء الكافرين لم يرسلهم الله حافظين على أعمال المؤمنين مراقبين لهم، ثم يعيدنا السياق إلى الآخرة، لِنرى المؤمنين الذين كان يهزأ بهم الكافرين، وقد انقلبت الأحوال، فهم يضحكون من الكافرين، وهؤلاء المؤمنين مُكرَّمون على سرر.
ثم خُتمت السورة: هل جُوزي الكفار على أعمالهم؟ والجواب بالطبع نعم.
دروس وعبر
ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1- التطفيف عمل قبيح وجزاؤه شنيع وهو الهلاك والعذاب الأليم
2- إذا فقد الإنسان الإيمان هان عليه فعل كل قبيح
3- الويل والهلاك لمن يكذب بيوم البعث
4- المعاصي تُغلف القلوب وتحجبها عن اتباع الحق وطريق الهداية
5- الأبرار وكتابُهم في أعلى منازل الجنة في العليين
6- التنافس ينبغي أن يكون على الآخرة وصالح العمل
7- المجرمون الذين كانوا يسخرون من المؤمنين ستتغير أحوالهم يوم القيامة، فيسخر المؤمنون منهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
تتكلم هذه الآيات الخمسة عن مظاهر القيامة، وما يحدث فيها من أحداث كونية وأهوال طبيعية، فالسماء الشديدة القوية المتماسكة تتصدع وتتشقق، وتسمع لأمر ربها وتستجيب له إذ يأمرها بالانشقاق، وحُق لها أن تسمع لأمره، فهو الذي خلقها، وهي كانت قائمة بأمره، وهاهو اليوم يأمرها بالزوال.
وإذا الأرض بُسطت فلم يعد فيها جبال فصارت كلها مستوية، وأخرجت الأرض ما كان مُختزنا في جوفها من الموتى، وتخلت عن سترهم، واستمعت لأمر ربها بإلقائهم خارجها، وحُق لها أ، تسمع له وهو خالقها.
هذه الآيات العشر في الإنسان وحسابه وجزائه، إما إلى الجنة أو إلى النار، تبتدئ الآيات بتقريرحقيقة أن الإنسان كادح في هذه الحياة باذل فيها جهده، مُتحمل فيها مشاق حتى يلقى الله، فالحياة كدح وتعب، وليست الدنيا دار راحة وإخلاد وخُلود، ولكنها دار عمل، والإنسان ملاقي الله ليجازيه، فأما من أُعطي كتابه بيمينه فسوف يحاسبه الله حسابا يسيرا هينا وتُغفر ذنوبه، لأنه كان مؤمنا، وسينقلب إلى أهله فرحا مسرورا، وأما من أُعطي كتابه من وراء ظهره، لأنه موثق اليدين إلى الخلف، فيُعطى الكتاب وهو على هذا الحال، فسوف يدعو على نفسه بالهلاك لينجو من هول ما هو فيه، وسيصلى جهنم ويدخلها، ولقد كان في الدنيا في أهله فرحا مسرورا، لا يذكر الآخرة ولا يخشاها، ولا يحسب لها حسابا، ولا يُعد لها عملا، لأنه كان يظن أنه لن يرجع إلى الله، بلى إن ربه كان بصيرا به مطَّلعا عليه محصيا عمله.
هذه الآيات العشر التي تبتدئ بالقسم، تتحدث عن عناد الكافرين، وكيف كانوا في الدنيا قبل أن يلقوا جزاءهم، لنعلم عدالة هذا الجزاء.
يُقسم الله في مطلع هذه الآيات بالشفق، وهو مايبدو عند الغروب من حُمرة وتكسو الأفق، وهو منظر جميل يأخذ بالألباب، ويدل على إبداع من أبداع هذا الكون، لو كان الناس ينتبهون!.
ويقسم بالليل الذي يضم الكائنات بعدما كانت في النهار متفرقة تبحث عن رزقها، فيأتي الليل فتتجمع بحثا عن راحتها، ويُقسم ثالثا بالقمر إذا اكتمل فصار بدرا ينير الليل، يُقسم الله بهذه الأشياء على أن الناس أو الكفار سيلقون من الشدائد شدة بعد شدة حتى يلقوا ربهم، وهي تذكير بما مر في أول السورة.
ثم يأتي استفهام عن هؤلاء الكافرين لماذا لا يؤمنون، ولماذا إذا قُرئ عليهم القران لا يخشون لجلاله وعظمته وعظمة مُنزله سبحانه، ويأتي الجواب بل الذين كفروا يكذبون بربهم وبالآخرة، والله أعلم بما تُضمر صدورهم، وتُكنُّ نفوسهم، فبشرهم أيها النبي بعذاب أليم جزاء كفرهم، ولكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات في أجر دائم لا ينقطع.
دروس وعبر :
ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1- الله الذي يأمر الكون بالانتظام، هو الذي يأمره يوم القيامة بالأنهدام
2- الإنسان يقطع رحلة عمره في مكابدة حتى يلقى الله
3- الناس فريقان يوم القيامة: المؤمنون يؤتون كتبهم بأيمانهم، والكافرون بشمالهم من وراء ظهورهم
4- يُقسم الله بأشياء في الكون ليلفتنا إلى بدائع قدرته
5- الكفرون مستكبرون على الله وكلام الله ، فلا يتأثرون بالقرآن
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
سورة البروج مكية، وعدد آياتها (22) آية، وترتيبها في المصحف رقم (85)، وقد نزلت السورة تثبيتا للمؤمنين على ماهم عليهم من الإيمان، وتصبيرا لهم على مايلقونه من الأذى، وإخبارا وإعلاما بما لقى من سبقهم من أذى الظالمين، وبما كان منهم من ثبات على الدين.
وقد قص النبي في الحديث الصحيح قصة أصحاب الأخدود، وأنهم قوم آمنوا بعد ما رأوا من الكرامات والخوارق التي أجراها الله على يد صبي آمن فآمنوا كلهم، فأراد الحاكم الطاغي أن يردهم عن إيمانهم فحفر لهم أخدودا في الأرض، وأشعل فيه النيران، وهددهم إن لم يعودوا عن دينهم، فإنه سيُلقي بهم في الأخدود المشتعل، فما كان منهم إلا أن يصبروا على الإيمان، فاستشهدوا جميعا في سبيل الله ، وفي قصتهم مثل وعبرة للمؤمنين، وأن ما يلقونه من كفار مكة يعد هينا بالنسبة لما لقي هؤلاء المؤمنون، الذين قصت السورة قصتهم.
معاني المفردات : البروج : المنازل والطرق التي تسير فيها الكواكب واليوم الموعود : قسم بيوم القيامة الذي وعد الله به الناس شاهد : محمد والأنبياء عليهم السلام ومشهود : جميع الخلائق يشهد عليهم أنبياؤهم - قُتل : دعاء باللعن. أصحاب الأخدود : الذين حفروا الخندق لحرق المؤمنين فيه النار ذات الوقود : النار المشتعلت . إذا هم عليها قعود : جالسين حول النار يتفرجون على المؤمنين وهم يحترقون وما نقموا : وما كرهوا منهم إلا إيمانهم فتنوا المؤمنين : امتحنوهم في دينهم - بطش : الأخذ بالقوة يُبدئ ويعيد : يخلق ثم يعيد الخلق في الآخرة الودود : كثير المودة للمؤمنين المطيعين - المجيد : العظيم فعال لما يريد : لا يختلف عن إرادته شيءٌ . حديث الجنود : خبر المجموعة القوية قرآن مجيد : قرآن عظيم جليل شريف غاية في الشرف والرفعة من ورائهم محيط : قادر عليهم لا يفوتونه ولا يعجزونه في لوح محفوظ : في لوح لا يتغير ولا يتبدل ولا تصل إليه الشياطين
يُقسم الله تعالى في بدء هذه السورة بهذه الأمور الأربعة، فهو يقسم أولا بالسماء ذات المنازل التي تكون فيها النجوم والكواكب، وقد شبهها في شدتها وقوتها بالبروج.
ثم يُقسم باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله الخلائق بالحساب فيه والجزاء.
ثم يقسم بشاهد ومشهود، والشاهد هو النبي والأنبياء عليه السلام يشهدون على أقوامهم، والمشهود هم الخلائق الذين تشهد عليهم أنبياؤهم أنهم أبلغوهم دين الله تعالى.
جاء القسم من الله تعالى بأن أصحاب الأخدود استحقوا اللعن والطرد من رحمة الله، وفي هذه الآيات دعاء على من قَتلوا المؤمنين بالقتل وللعن، أي قاتل الله الذين حفورا الأخدود ليحرقوا المؤمنين في النار المشتعلة ذات الوقود، أي ذات الحريق الهائل، وهم قد اصطفوا على حواف الخندق يتفرجون على عذاب المؤمنين ويتلذذون بمنظر موتهم.
في هاتين الآيتين يبين الله سبب فِعلهم هذا بالمؤمنين، فما كره الكفار المؤمنين شيئا ولا عابوا فيهم وصفا ولا خُلقا، اللهم إلا أنهم أي المؤمنين آمنوا بالله العزيز الحميد المستحق لكل المحامد، الذي له ملك السماوات والأرض يتصرف فيها كيفما يشاء، وهو سبحانه على كل شيء شهيد يراقبه ويراه، فهو قد رأى فعل الكفار، وهو قادر على وقفه، ولكن أراد أن يتخذ المؤمنين شهداء، وأن يعذب الكفار بأفعالهم، وأن يُبين للناس أن الدين غالٍ يُضحي من أجله بالأنفس,
يبين الله في هاتين الآيتين جزاء الذين عذبوا المؤمنين بالنار، وأن مصيرهم سيكون الخلود في نار جهنم إذا لم يتوبوا، وذلك هو العذاب، والحريق الحقيقي لا نار الدنيا، أما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فأولئك جزاؤهم النعيم في الجنات التي تجري من تحتها الأنهار، وذلك هو الفلاح والفوز العظيم والكبير.
يؤكد الله تعالى أن بطشه بالكافرين وأخذه لهم أليم شديد، وأنه سبحانه القادر على أن يبدأ الخلق ثم يعيده، وهو سبحانه لأوليائه وأحبابه كثير المغفرة، وهو سبحانه وتعالى صاحب العرش وهو ذو القدر العظيم والشأن والرفعة، ويفعل ما يريد لا يوقف إرادته أحد، ولا يمنعه من فعل ما يريده أحد.
يؤكد الله سبحانه قدرته بتعريفنا بما فعل بالجنود القوية والمجموعة الظالمة الكبيرة مثل فرعون وجنوده وثمود وقوتها، فقد أهلكهم الله وما نفعتهم قوتهم، ولكن الذين كفروا لا يتعلمون مما جرى لغيرهم أن يحل مِثله بهم، لأنهم يتسمون في التكذيب حتى يأتيهم التعذيب، والله محيط بهم قادر عليهم وعلى أخذهم في كل لحظة، وإن الكتاب الذي أخبر بكل هذا هو القرآن ممجد ذو قدرة ورفعة، أصله محفوظ في اللوح المحفوظ عند الله، فلا يتبدل، ولا يتغير، ولا يقترب منه الشياطين.
دروس وعبر
ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1- يُقسم الله ببعض عجائب خلقه ليلفت أنظارنا إلى إبداعه وقدرته سبحانه
2- في قصص الماضين عبرة للمؤمنين وتسلية لهم أمام ما يلاقونه من أعدائهم
3- الله قادر على الإنتصار من الكافرين، لكنه يُمهل ولا يهمل، ويريد أن يُعلمنا درسا ًهو التضيحية في سبيل الله
4- بطش الله بالكافرين شديد، فهم لا يعلمون ما أعد الله لهم من عذاب
5- عظمة القرآن العظيم فهو كتاب ممجد في لوح محفوظ عند الله عزوجل
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :
تعريف بالسورة : سورة الطارق مكية، وعدد آياتها (17) آية، وترتيبها في المصحف رقم (86)، وموضوعها: بيان قدرة الله على البعث، وتهديد الكافرين، وبيان قدر القرآن.
معاني المفردات الطارق : النجم الذي يبدو ليلا في السماء النجم الثاقب : النجم المضيء، كأنه يثقب الظلام بنوره حافظ : حافظ من الله وحافظ من الملائكة يحفظ الأعمال بأمر الله ماء دافق : سائل متدفق - الصلب : الظهر - الترائب : منظقة الصدر رجعه : إعادة خلقه بعد الموت - تُبلى السرائر : تُكشف الأمور المخفية الرجع : المطر - فصل : فاصل بين الحق والباطل - بالهزل : باللعب واللهو يكيدون : يُدبرون بخفاء لمحاربة الإسلام والمسلمين فمهل الكافرين : فأمهل الكافرين ولا تستعجل عقابهم - رويدا : قليلا
التفسير : (( وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (١) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ (٤))) يُقسم الله تعالى في هذه الآيات بالسماء، وهي آية عظيمة، ويُقسم بالطارق، فيسأل الله لتعظيم أمر الطارق فيقول: وما أدراك أيها النبي، ويا كل إنسان، وما أدراك ما الطارق؟ والطارق الذي يأتي في الليل، ثم فسره بأنه النجم الثاقب، الذي يثقب بنوره الظلام، يُقسم الله بهذه الأشياء العظيمة على أن كل نفس إنسانية لها حافظ وهو الله، وحافظ من الملائكة بأمر الله، يحفظ الأعمال، ليرفعها إلى الله.
(( فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (٩) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (١٠))) تلفت هذه الآيات نظر الإنسان إلى آية خلقه، وأنه خُلق من ماء سائل، يخرجُ من الرجُل من صُلبه، ومن المرأة من ترائبها، إنه على رجعه لقادر، أي أن الله على إعادة خلق هذا الإنسان بعد موته لقادرن مثلما خلقه من هذا الماء الدافق، ويكون ذلك في يوم عظيم تُمتحنُ فيه سائر الناس، وما أخفوه في ضمائرهم، في ذلك اليوم ليس لأحد من بشر قوة من نفسه، ولاناصر من غيره ينصره من الله، ويُنقذُهُ من هول ما يلقاه.
((وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ (١١) وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ (١٢) إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (١٣) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (١٤) إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا (١٦) فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧) )) يُقسم الله على عظمة السماء مرة أخرى، ولكن هذه المرة وصفها بأنها ذات الرجع، فالسماء ترجع إلى الأرض بماء المطر بأمر الله تعالى ، ويُقسم بالأرض ذات الصدع، فالأرض تتصدع بالنبات عندما يلتقي البذر بماء المطر، يُقسم بهذا كله على أن القرآن قول فصل، يفصل بين الحق والباطل، وليس باللعب واللهو والهزل كما يقول الكافرون.
دروس وعبر ترشد الآيات الكريمة إلى دروس وعبر كثيرة منها:
1- يُقسم الله بالسماء والنجم، ليدلنا على عظمة هذه الآيات الكونية.
2- كل نفس لها حفظة يحفظونها، ويحفظون أعمالها
3- الذي خلقنا قادر على إرجاعنا إلى الحياة من جديد
4- يوم القيامة تُمتحن كل خفايا البشر وتظهر سرائرهم
5- القرآن حق فاصل قاطع ليس لعبا ً ولا هزلا.ً
6- الكافرون يدبرون، والله يدبر تدبيرا يدمر تدبيرهم، وهو سبحانه مطلع عليهم .
والله المسـتعــــــــــــــان @@@@@@@@@@@ يتبــــــــــــــــــع :