El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...) ) الجمعة 29 أكتوبر 2010 - 5:32 | |
| تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...)
قال الله تبارك وتعالى مخاطباً المؤمنين: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ [محمد:31]، قرأ الجمهور الأفعال الثلاثة بالنون: ( ولنبلونكم حتى نعلم.. ونبلو أخباركم ). وقرأ أبو بكر عن عاصم بالتحتية فيها كلها، أي هكذا: (وليبلونكم حتى يعلم المجاهدين منكم والصابرين ويبلو أخباركم).
قال الشوكاني : (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ )) أي: لنعاملنكم معاملة المختبر، وذلك بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم من امتثل الأمر بالجهاد، وصبر على دينه، وعلى مشاق ما كلف به.
وقال القرطبي : أي: نتعبدكم بالشرائع وإن علمنا عواقب الأمور، وقيل: لنعاملنكم معاملة المختبرين.
قوله: (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ )) أي: عليه.
قال ابن عباس : (( حَتَّى نَعْلَمَ )) أي: حتى نميز.
وقال علي رضي الله عنه: (( حَتَّى نَعْلَمَ )) أي: حتى نرى.
قوله: (( وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )) أي: نظهرها ونكشفها امتحاناً لكم؛ ليظهر للناس من أطاع الله فيما أمره، ومن عصى ولم يمتثل، وهذا التفسير في غاية الدقة، وقد تتصورا أنه كلام عادي، لكن هذا الكلام مبني على الأدلة والاستنباط منها.
إذاً: فيلون على هذا التفسير (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ))، أي: وحتى يعلم أوليائي وأهل طاعتي من هو من حزب الله، ومن هو من حزب المنافقين. وروى رويس عن يعقوب : إسكان الواو من نبلو، أي: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوْ أَخْبَارَكُمْ على القطع مما قبله، ونصب الباقون رداً على قوله: (( حَتَّى نَعْلَمَ )).
قال إبراهيم بن الأشعث : كان الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى إذا قرأ هذه الآية بكى وقال: اللهم لا تبتلينا! فإنك إن بلوتنا فضحتنا وهتكت أستارنا. فالإنسان لا يتمنى البلاء، وإنما يسأل الله سبحانه وتعالى العافية التي اختارها النبي صلى الله عليه وسلم لعمه حين سأله، فعلمه أن يدعو الله سبحانه وتعالى بالعافية، فهذه أعظم نعم الله عز وجل: العافية واليقين. وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تتمنوا لقاء العدو، وإذا لقيتموهم فاثبتوا)،
فالإنسان لا يتمنى الشر، وإذا قدر عليه ذلك فليثبت. وقد حكي عن بعض العبّاد: أنه كان يسأل الله سبحانه وتعالى أن يبتليه، فابتلاه فلم يصبر، وكان البلاء شديداً جداً، فكان يمر على الصبية ويقول لهم: ادعوا لعمكم الكذاب. يعني: أنا زعمت أنني إذا ابتليت فسأصبر، فيقول: ادعوا لعمكم الكذاب، لأنه لم يستطع أن يفي بما كان يتمناه. ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على رجل كأنه جلد على عظم من شدة الضعف والوهن، فقال له: (هل كنت تدعوه أو تسأله شيئاً؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم! إن كنت معاقبي في الآخرة فعجله لي في الدنيا -وهذا عدم فقه لآداب الدعاء- فقال: سبحان الله! لا تطيق)، فدعا له النبي عليه السلام فعافاه الله سبحانه وتعالى،
فالشاهد: أن الإنسان ينبغي أن يكون فقيهاً في دعائه، فنفس اللسان الذي تخرج منه كلمة: اللهم! إن كنت ستعاقبني في الآخرة فعجله لي في الدنيا هو نفسه يمكن أن يقول: اللهم! عافني في الدنيا والآخرة: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، ونفس الرب سبحانه وتعالى الذي ستسأله هذه ويجيبك، سوف يجيبك أيضاً إن سألته العافية،
فالله سبحانه وتعالى ودود غفور رحيم، فاسأل الله العفو والمغفرة، وسله العافية، فإن رحمته واسعة، بل قد حرضنا على أن نطمع في رحمته، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنها أعلى الجنة، ووسط الجنة، وسقفها عرش الرحمن) أو كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فمن عدم الفقه أن يدعو الإنسان بمثل هذه الدعوات، ونحن نعرف وجاء في حديث حذيفة حينما قال له رجل من التابعين: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم وتركتموه يمشي على الأرض؟ لو أدركناه لحملناه فوق رءوسنا؛ فقال له حذيفة مشيراً إلى نفس هذا المعنى، وذكر ما لاقوه من الشدة والبلاء في غزوة الخندق، ثم قال: قد أدركه قوم ودخلوا النار كـأبي جهل و أبي لهب ، فهؤلاء أدركوا النبي عليه الصلاة والسلام ولكنهم كفروا به وعادوه، فهم أشد الناس عذاباً لعداوتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكفرهم به.
وحكى ما حصل لهم يوم الخندق، وأن البرد كان شديداً جداً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة أن يخرج رجلاً منهم فيأتيه بخبر الأعداء، فقال: (من يأتيني بخبر القوم وهو رفيقي في الجنة). فالشاهد أنه كل مرة لا يجيبه أحد، في المرة الأولى، والمرة الثانية، والمرة الثالثة، فبعد ذلك أمر حذيفة أن يخرج ويذهب هو، فلم يجد بداً، وقد عينه النبي عليه السلام بالاسم إلا أن يمتثل لأمره صلى الله عليه وآله وسلم، فامتثل وخرج، يقول: فكان خروجي ورجوعي وكأني كنت في الحمام، وهو عند العرب المكان الدافئ جداً من شدة البخار الساخن.
فالشاهد من هذا الكلام: أن الإنسان لا يعرف صبره وثباته، ما يدريك لو أنك كنت في زمن النبي عليه الصلاة والسلام من أي قسم ستكون: من المؤمنين، أم من المنافقين، أم من الكافرين المشركين؟ فالمهم أن ترضى بما قسم الله لك، ولا تتمنى شيئاً ربما لو أدركته لكنت من الهالكين؛ لأن الله هو الذي يعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهذا غيب وأنت لا تدري كيف يكون، فالله وحده هو الذي يعلم كيف يكون هذا الغيب.
جزء من محاضرة : ( تفسير سورة محمد [29-32] ) للشيخ : ( محمد إسماعيل المقدم ) الموضوع : تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...) ) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: رد: تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...) ) الجمعة 29 أكتوبر 2010 - 5:35 | |
| أقسام علم الله سبحانه وتعالى
قوله تعالى: (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ))، علم الله سبحانه وتعالى بعباده وخلقه علمان: علم غيب. وعلم شهادة. فعلم الغيب: هو علم الفطرة الأزلية، أي فطرة الله سبحانه وتعالى القديمة الأزلية التي لا بداية لها، فهذه صفة من صفات الله سبحانه وتعالى، وهذا هو علم الغيب، وهو موجود قبل التكليف. وعلم الشهادة: وهو الذي يكون بعد التكليف، وهذا هو الذي يترتب عليه الثواب والجزاء
فإذا راعينا هذا التقسيم، وعلمنا الجواب على الشبهة التي يقولها بعض الناس: إذا كان الله سبحانه وتعالى يعلم مسبقاً، وقدر مسبقاً ما يصدر ويجري مني، ومن أي الفريقين أنا، فلماذا يحاسبني بعد ذلك؟
فالجواب: لو كان الله سبحانه وتعالى يحاسبك على علمه فيك فقط لكان لسؤالك وجه، لكنه لا يحاسبك على علمه فيك حتى تعمل به، فعملك هذا هو الذي تحاسب عليه، ولذلك جاء في الحديث: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يبقى بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار..) إلى آخر الحديث كما تعلمون. إذاً: فالعلم في قوله تعالى هنا في هذه الآية: (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ))،
وقوله أيضاً في قوله تعالى، مثلاً: وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [البقرة:143]، هو شهادة؛ لأنه بعد التكليف، فيريد أن يعلم أولياءه الذين سيطيعونه. وقد يتوهم الجاهل من ظاهر قوله هنا: (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ ))، أن الله سبحانه وتعالى يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، بل الله عز وجل عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون، فلا يحدث له علم؛ لأن الله لو حدث له علم فهذا العلم كمال، فالله سبحانه وتعالى لا يتصور أبداً خلوه عن هذا الكمال، فإذا كان العلم الذي هو الكمال حصل له -والعياذ بالله- فيما بعد وطرأ عليه، فمعنى ذلك أنه من قبل ناقصاً؛ لأنه كان خالياً من هذا العلم، فهذا لا يجوز في الله سبحانه وتعالى، والله فنزه عن ذلك!
إذاً: فالله سبحانه وتعالى يعلم ما سيعمله الخلق كما دلت عليه آيات كثيرة كقوله تعالى: هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ [النجم:32]، وقال تعالى: وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ [المؤمنون:63] أي: أنهم إلى الآن لم يعملوها لكن الله يعلمها، وقال تعالى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ [الجمعة:3].
وقد بيَّن أنه لا يستفيد بالاختبار علماً لم يكن يعلمه، فقال عز وجل: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [آل عمران:154] وتأملوا نهاية الآية: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154]، فقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154] فيه صفة مستمرة بعد قوله: (( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ ))، وهذا دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئاً لم يكن عالماً به سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً؛ لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار، قال تعالى: لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ [سبأ:3]. فقوله: (( وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ )) حتى لا يذهب ذاهب ويتخيل أن الابتلاء يفيد الله سبحانه وتعالى علماً جديداً، فختم الآية بقوله: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154]، فيبتلي ما في صدوركم ليصير علم شهادة، وأما الله فإنه يعلم مسبقاً.
وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله سبحانه وتعالى فيها اختباره لخلقه كما سنبينها إن شاء الله تعالى، ومعنى قوله تعالى: (( وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ )) أي: نعلم علماً يترتب عليه الثواب والعقاب، ولا يباهي أنه كان عالماً به قبل ذلك؛ لأن العلم الذي كان عالماً به قبل ذلك علم غيب، وهذا العلم -علم الشهادة- يكون موافقاً لما سبق به قلم القضاء. وفائدة الاختبار ظهور القضاء والقدر، أما عالم السر والنجوى فهو عالم بكل ما سيكون كما لا يخفى.
ولذلك قال الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه:
وهذا العلم هو العلم الذي يقع عليه به الجزاء؛ لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم. فتأويله: حتى نعلم المجاهدين علم شهادة، وإن كان الله تعالى يعلمهم علم غيب؛ لأنهم إذا أمروا بالعمل يشهد منهم ما عملوا، فالجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة قال تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ أي: نختبرها ونظهرها. انتهى كلام القرطبي .
وقال الإمام شيخ المفسرين جعفر بن جرير الطبري رحمه الله تعالى:
ولنبلونكم أيها المؤمنون! بالقتل وجهاد أعداء الله؛ (( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ )) أي: حتى نعلم علم شهادة إذا امتثلتم أو عصيتم، فيعلم أوليائي وحزبي أهل الجهاد في سبيل الله منكم وأهل الصبر على قتال أعدائه؛ فيظهر ذلك لهم، ويعرف ذوي البصائر من أهل الشك والحيرة، وأهل الإيمان من أهل النفاق.
قوله: (( وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )) أي: فنعرف الصادق منكم من الكاذب. انتهى كلام شيخ المفسرين.
وما ذكره شيخ المفسرين من أن المراد بقوله: (( حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ ))، حتى يعلم حزبنا وأولياؤنا المجاهدون، فهذا له وجه، وقد يشهد له قوله تعالى: (( وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ )) أي: نظهرها ونبرزها للناس.
ومما يوضح هذا المعنى أن علماء التفسير عندما يضعون هذه العبارات الدقيقة فإنها لا تأتي خالية من الدليل، لكن الاستنباط دقيق من معاني الآيات، وفهم آيات القرآن بعضها مع بعض، ومما يوضح هذا قول الله سبحانه وتعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [آل عمران:179]،
فالشاهد هنا في هذه الآية قول الله تعالى: (( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ))، فيتميز الخبيث من الطيب يكون بظهور ذلك للناس. إذاً: فمعرفة المؤمنين للخبيث من الطيب، والتميز بين الفريقين يمكن أن نعرفه بأكثر من طريقة: إما أن نعرفه بأن يأمر الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً بالجهاد مثلاً، فمن استجاب فهو من المؤمنين، ومن نكث فهو من المنافقين مثلاً، فيظهر ذلك للناس. وهناك وسيلة أخرى وهي الاطلاع على الغيب
قال تعالى: (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ))، بمعنى: أنهما طريقان لا ثالث لهما لكي تعرفوا الناس وتميزوا بينهم، والاطلاع على الغيب ليس إلينا، (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ ))، فالله تعالى هو عالم الغيب والشهادة سبحانه وتعالى، فلا سبيل إلى اطلاعكم على الغيب، إذاً فيتعين الطريق الآخر وهو: أن يقع الاختلاف بين الناس، فيمتاز أهل الإيمان من أهل النفاق؛ لذلك قال تعالى: (( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ )) أي: من اختلاط الأمور، واختفاء المنافقين في وسطكم، (( حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )).
قوله: (( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ )) أي: فتعلموا ما ينطوي عليه الخبيث والطيب، ولكن الله عرفكم ذلك بالاختبار والابتلاء الذي تظهر بسببه طوايا الناس من خُبْث وطِيْب،
قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2] وقال تبارك وتعالى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]
وأكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة، والحر والبرد، وسوء العيش، وأنواع الشدائد، وكان الأمر كما قال تعالى: وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ [الأحزاب:10].
وقيل: نزلت تسليةً للمهاجرين حين تركوا ديارهم وأموالهم بأيدي المشركين، وآثروا رضا الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأظهرت اليهود العداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسر قوم من الأغنياء النفاق. ومن الآيات في معنى هذه الآية قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]، فكل هذه الآيات في معنى قوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ . وهذه الآية: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة:155-156]
تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...) ) جزء من محاضرة : ( تفسير سورة محمد [29-32] ) للشيخ : ( محمد إسماعيل المقدم ) الموضوع : تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...) ) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|
الجنه تنادينيالاشراف العام
تاريخ التسجيل : 16/05/2010
| |
واسلاماهالمراقبة العامة
تاريخ التسجيل : 23/06/2009
| |
أم شروقالمراقبة العامة
تاريخ التسجيل : 12/07/2011
| موضوع: رد: تفسير قوله تعالى: (ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين...) ) الجمعة 29 يوليو 2011 - 23:42 | |
| |
|