ال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: " الركب كثير والحاج قليل".
أخي الحاج: يا من فضلك الله واصطفاك على كثير من خلقه وأنعم عليك بنعمة الحج، كم من راكب للحج أنفق وتعب ولكن تسبب بأفعاله بما ينقص من أجره المأمول، لذا يا من يريد سلامة الوصول ولقاء الله بعمل مقبول عليك أن تكون حاجاً حقيقياً، وليس راكباً فعل أفعال الحجيج والله أعلم بما نال من أجر.
اعلم يا رعاك الله أنّ الأجر المأمول من وراء الحج المقبول بينه سيد الخلق وخير بني آدم بقوله فيما رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه»، وفي رواية له أيضًا: «من حج هذا البيت فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه» وعند مسلم نحوه.
قوله في رواية البخاري: «من حج لله» أي: ابتغاء وجه الله، وطلبًا لرضاه. والمراد الإخلاص في العمل، بأن لا يكون قصده الأول والأوحد في الأساس تجارة، أو سياحة، أو شبه ذلك.
فالنيات تجارة العلماء، وبالنية الصالحة ينال المسلم الأجر الوفير الجزيل بالعمل القليل. وكم من مصلين في صف واحد ترفع أحدهم صلاته درجات ودرجات والآخر تلقى في وجهه يوم القيامة صارخة، مع أنّهما أديا نفس الحركات ومع نفس الإمام بدئا سويا وختما سوياً ولكن الفرق الكبير بينهما بشيء وقر في القلوب فتمكن من قلب المؤمن فخلصت النية وصلح العمل وأينعت الثمرة. وكذا في الحج أخي الكريم وأختي المباركة، كم من قافلة من الحجيج يخرجون من بيوتهم في نفس التوقيت ويقطعون الفيافي والقفار وينفقون ويؤدون المناسك وينتهون سوياً ولكن رجل يرجع من حجه كيوم ولدته أمه ورجل لا يرفع له دعاء واحد إلى السماء بسبب نفقة حرام أو نفاق نبت في القلب أو رياء طرأ على العمل، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إنّ الله طيب لا يقبل إلاّ طيباً، وإنّ الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} [المؤمنون:51] ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنّى يستجاب لذلك».
فاحذر أخي والتمس رحمة الله إنّ رحمة الله قريب من المحسنين.
واعلم يارعاك الله أنّ النية الصالحة وحدها لا تصلح العمل الفاسد، فصلاح العمل وقبوله يتوقف على شرطين: إخلاص النية وإخلاص المتابعة بأن تعبد الله كما أمرك، أي أن تتعلم أحكام الحج كما فعلها نبيك المختار عليه أفضل الصلوات والتسليمات، وهو القائل صلى الله عليه وسلم فيما رواه البيهقي في السنن الكبرى: «خذوا عني مناسككم».
فعليك بالسؤال عن كل كبيرة وصغيرة من أحكام الحج قبل سفرك حتى تؤدي عبادتك سليمة غير فاسدة صحيحة غير باطلة.
قالوا: و(الرفث): اسم للفحش من القول، وقيل: هو الجماع؛ وبه فسروا قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة:187] وقيل: (الرفث): التصريح بذكر الجماع؛ وقال بعض أهل اللغة: (الرفث) كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة؛ وكان عمر و ابن عباس رضي الله عنهما، يخصصانه بما خوطب به النساء. وإذا كان جمهور أهل العلم - كما قال ابن حجر - قد فسروا الرفث في الآية بأنّه الجماع، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنّ اللفظ في الحديث أعم من ذلك؛ وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر في (الفتح): "والذي يظهر أنّ المراد به في الحديث ما هو أعم من ذلك، وإليه نحا القرطبي، وهو المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في الصيام: «فإذا كان صوم أحدكم فلا يرفث» [متفق عليه]". وعلى هذا، فالمقصود بـ (الرفث) في الحديث: الجماع، ومقدماته، وكل كلام فاحش.
فاحذر أخي الحاج وابتعد بنفسك عن مواطن الفتن والنظر المحرم، فكما نعلم جميعاً موسم الحج موسم للأمة الإسلامية جمعاء، فيه الزحام وفيه الاختلاط الذي يصعب تفاديه وما هذا إلاّ اختبار لك على الصبر والتقوى، فاتق الله واحذر أن تقع العين على محرم أو يهمس الشيطان في أذنك بلمسة محرمة أو أن يقل صبرك فتأتي أهلك وتفسد حجك، فالصبر والتقوى مع النية الصالحة والعمل السليم مفتاح الفلاح والقبول إن شاء الله.
وإيّاك والقول البذيء أو ردة الفعل الطائشة نتيجة الزحام ولكن ارحم الكبير وأشفق على الصغير وتحمل الضعيف من الرجال والنساء والولدان.
وأمّا (الفسوق) فهو في الأصل الخروج؛ يقال: انفسقت الرطبة، إذا خرجت، فسمي الخارج عن الطاعة فاسقًا؛ والمقصود به هنا فعل المعصية؛ إذ هي خروج عن الطاعة. وقوله عليه الصلاة والسلام: «ولم يفسق» المراد به: العصيان، وترك أمر الله تعالى، والخروج عن طريق الحق. والمعنى: لم يخرج عن حد الاستقامة، بفعل معصية، أو جدال، أو مراء، أو ملاحاة رفيق أو صديق.
فإيّاك إيّاك أن تخلط حجك بغيبة أو نميمة تظنها تسلية أو مضيعة وقت، وإيّاك أن تخلط حجك بسماع محرم لغناء أو مشاهدة ما حرم الله أو أن تخلط حجك بسيجارة، أو أذية لمسلم أو تضييق على مسلم بالنظر إلى محارمه وعوراته، أو التسبب في إيذاء المسلمين بالتسرع في المزاحمة والعنف في التعامل، فابتعد عن جنس كل فسق ينقص من أجرك حفظك الله.
واتبع قول الله تعالى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة:197].
عن ابن مسعود قال: "الجدال في الحج أن تماري صاحبك حتى تغضبه". وبذلك قال أبو العالية وعطاء ومجاهد وسعيد ابن جبير وعكرمة وغيرهم. ومن أجل ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، فابتعد أخي الكريم أختي الكريمة عن كل مراء يجر إلى الخصام أو المغاضبة واعلم أنّ ذلك من أسباب نقصان الأجر ولتكن سهل المعشر لين الجانب لإخوانك.
ومعنى (كيوم ولدته أمه) أي: بغير ذنب؛ قال ابن حجر: "وظاهر الحديث غفران الصغائر والكبائر والتبعات".
فهنيئاً لك مقدماً أخي الحاج ولادة جديدة وطهارة ونقاء ومغفرة وصفاء، فلتكن بداية جديدة لصفحة سعيدة تظل بيضاء صافية مليئة بجواهر الفعال الصالحة إلى أن تلق الله بقلب سليم، ساعتها أبشر ببياض الوجه يوم تبيض وجوه الصالحين وأبشر بالنور يوم يبحث المنافق والكافر ويلتمسه فلا يجده، فأبشر بخير ومن الآن فالتوبة من كل ذنب سابق والإقلاع والعزم على عدم العودة يا مولود الإسلام الطاهر النقي.
وأخيراً أهمس في أذن من استطاع الحج ولم ينو الحج يكفيك أثر عمر بن الخطاب التالي:
"لقد هممت أن أبعث رجالا إلى الأمصار فينظرون إلى كل من عنده جدة ولن يحج فيضرب عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين".
فيا ضيوف الرحمن ويا آمين البيت الحرام تقبل الله منّا ومنكم وغفر لنا ولكم وجعلنا من المقبولين الذين يرجعون من الحج كيوم ولدتهم أمهاتهم.
وأسأله تعالى أن يردكم إلى أهلكم سالمين غانمين وأن يسهل عليكم سفركم ويرعاكم في حلكم وترحالكم.
الموضوع : أخلاقيات حاج أبو الهيثم محمد درويش المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya