El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: الشريعة غاية أم وسيلة الخميس 9 ديسمبر 2010 - 14:39 | |
| الشريعة غاية أم وسيلة
خلق الله الإنسان من نفسٍ واحدة, وجعل منها زوجها, وبث منها الخليقة التي نراها، لكن ما نراه هو إنسان يعيش في مدنيَّة هي تراكم للجهد البشري، نظَّم وضعها لتنظِّم حياته ووضعها في قوانين.. هذه القوانين تجد من يلتزم بها وتجد من يهرب من فقراتها، وهنالك محامين وقضاة وأدلّة ووقائع للخلاص والبراءة وفق اللوائح والتفصيلات، وكل سؤال مجرم أم بريء يكون جوابه بريء لتبدأ المحاكمة والتطبيقات.
وفي الإسلام هنالك قضاة للاستدلال على ما شَكَل من الأمور بقصورِ المعرفة أيضًا، لكن الشريعة الإسلاميَّة ليست قوانين عاديَّة بل هي قواعد حضاريَّة فكريَّة تتَّصل بذات الإنسان وفهمه، تدير مجتمعًا آمن بها لأنَّ لها غايات ومقاصد، فهذا الإنسان خلق عبدًا لله وعبوديّته في طاعته هي تحرّر من كل الرّواسب والآراء البشريَّة التي لا تطابق هذا المعنى، وهو مخلوق لخلافة الأرض وإدارة الحياة فيها لعمارتها، هي إرادة الرحمن وإدارة الإنسان، ولهذا فإنَّه “لا يمكن أن تتساوى الشريعة مع غيرها من النظريَّات التي تدير العالم، ولا يمكن أنْ تُفرض كأيّ نظام وضعي ويُجبر الناس على تطبيقها، فهي علاقة مندمجة بين الإنسان وخالقه وبين الإنسان ومجتمعه“، لهذا أوضح لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفكرة بأنَّه من عرفنا به من الناس أقمنا عليه الحد ومن لا نعرف به فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
هنالك تواصل بين الحياة الدنيا والآخرة في الثواب، وحين قدم شاب إليه، يقول يا رسول الله زنيت، وما عليه من شهود، كان يدير رأسه ويقول له لعلك كذا وكذا، وعند إصراره بشهادته على نفسه أربعًا، أقام عليه الحد، وعندما قال صديقه أنَّه هو من شجعه على الاعتراف، قال له رسول الله أما كنت سترت أخاك بثوبك، هنا حالة فيها حقوق المجتمع، إشاعة الفاحشة، إشاعة الخطأ واعتباره عاديًّا وسلوكًا يقبل بالتكرار، وهو ما لم تسلم منه النظم الوضعيَّة لنراها تنكر وتعاقب على زواج المثليين ثم تعود لتضعه في قانون.
واتجهت هنا للعقوبات لأنَّ الفهم السائد عند الناس أنَّك حين تذكر الشريعة تتجه الأفكار للعقوبات، لكن الحقيقة هي أنَّها نظام حياة، خطوط واسعة لمفاصل الحياة السويَّة، اقتصادًا بلا تقييد، سياسةً تلائم التطور المدني، حتى الرفاهية، وإدارة الفنون ومفاصل التطور المدني والتوسع الحضاري الفكري شاملة البنية والتصور.. لذا فالشريعة لا تحدّها تفسيرات معينة وثابتة أو نظريَّة لا تتغير ولا تتبدل، بل هي دائمة الحركة, وما قيدها إلا نحن أمة اقرأ التي لم تعد تقرأ, وإنما انقسمت بين أمة أمنيَّاتٍ وخيالٍ وأوهام, حتى في تصورهم لحكم الشريعة، وبين أمةٍ أضحت كأمة اذبحوا بقرة، تطلب الفتوى في كل أمرٍ حتى ولو لم يك أمرًا مشبعًا في التفسير, لأنّهم فهموا الفتوى ليس بواقعها التوضيحي للنصوص والأحكام وإنَّما تشريع وتحليل وتحريم..
وكأنَّ الحكم الذي يصدر من شخص هو الحكم الشرعي حتى في الصيام والإفطار ترى بيتين متجاورين أحدهما صائم والآخر مفطر, لأن مراجعهما اختلفت في تحديد اليوم أو الرؤية. تعطيل للعقل الذي كرَّم الله البشر به، وعبوديَّة للبشر بدل رب العالمين وهم يظنون كل الظن إنهم لله عابدين. حقًا إنَّ شريعة الإسلام مختلفة, فإنَّها تطبق عندما يصل المجتمع الدرجة الملائمة من الفهم والاندماج، وعندها تكون وسيلة لرضا الله ونظامها غاية في النفوس لتستقيم فتكون في مرضاة الله، من أجل هذا وفي وضعنا الحالي، والناس لا تفهم من الدين ما يجعله يستقر في نفوسها، وشاع تبرير السلوك وكأن المطلوب قناعة البشر، “علينا أن نسعى للفهم، هذا الفهم ليس من أجل تطبيق نظام معين بذاته، وإنما لكي نعلم أنَّ هذا النظام هو وسيلتنا بالخلاص دنيا وآخرة، خلاص الدنيا بالنظام، والآخرة بإتباعنا لهذا النظام”. اليوم علينا أنْ لا نضع الهدف الأول والفوري تطبيق الشريعة, بل فهمها، وعلى الناس أن تصل لدرجة الفهم في تطبيقها، أن يفهموا كيف يقوموا ببرمجة سلوكياتهم، فيتغيروا، فيكون تغييرهم طبيعيًّا، لكن… هل هذا الأسلوب عمليًّا ناجحًا، هل هو أمر رائد قائد، هل سيقود إلى الحكم بما أنزل الله؟…. الحق أقول لكم: أنَّه لو كان بهذا النص المجرَّد فهو عبثٌ لا طائل منه، بل إنَّ الفساد سيبقى سائدًا رائدًا وتبقى العُصبة المؤمنة ممتحنة.
هل نضع أنفسنا بوضع مسيطر على الحكم أفرادًا وجماعات ونفترض أنَّ التعامل مع الآخرين وكأنَّ الدولة قائمة؟، سنصطدم بالناس ومصالحها ونمط حياتها وثورة ضعفها, ودوار معلوم أثبتته الوقائع، هل سنقوم بثورة وننصب إمامًا أو خليفة أو سمّه ما شئت؟، إذا سنأتي بنظامٍ يُفرض على الناس كما تُفرض أيَّة نظريَّة أخرى، لكننا نعلم أنَّ هذه الأمة بل العالم كله لا يصلح ولا يخرج من حالة التخلف الحضاري (الفكري والقيمي) الذي يعيش فيه بواقع التطبيق والمخرجات، إلا بنظامٍ ربانيّ يقوده أناس من البشر ربانيون، أي متفكرون يفهمون كلام الله يستنبطون أحكامًا تفيد في إدارة الواقع البشري الذي لابد أن يُهيَّأ لهذا النوع من الحكم الرشيد. من الخطأ الدعوة لعلمانيَّة، ومن الخطأ القول بدولة مواطنة بلا ضوابط وأهداف تقود لحكمٍ رشيد، فحكم الهوى والتقليد للشرق والغرب أثبت أنَّه منزلقٌ من مزالق منظومة تنميَة التخلّف, فلابد أن نفهم أنَّ الطريق هو حكم الناس بما هي عليه وتهيئة العقول وإفهامها مهامها وأهدافها, والتوجّه به إلى نظامٍ يعينها على سعادة الدنيا والآخرة، كذلك سنة التدرج تكون، خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين.
وهنا لابد من القول أنَّنا من الممكن أنْ نستنبط، أنَّ الشريعة غايةً ووسيلة، غاية ليس لتطبيقها وإنَّما للوصول إلى تطبيقها ضمن مخططٍ رشيد، ووسيلة تدركها العقول أنَّها الطريق لعيشٍ كريمٍ يقود لخلودٍ كريم برضا الله واتّباع إرادته، لكن علينا أن نجنّبها الظلم بالتفكير القاصر السقيم ونتعلّم أنْ نخطط ولا نتفجر, بل نجيد قيادة سفننا التي تمخر في بحار موجها كالجبال, فتلك هي طريق التغيير.
محمد صالح البدراني – يقظة فكر الموضوع : الشريعة غاية أم وسيلة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|