موضوع: ذكر بـ 16 ألفا والأنثى 8 آلاف الإثنين 27 ديسمبر 2010 - 2:58
تقارير دولية: مصر دولة مصدِّرة للأطفال
شريف الدواخلي صحفي مصري.
عاد الحديث مؤخرا عن تجارة بيع الأطفال في مصر من خلال عصابة دولية تقوم بخطف الأطفال حديثي الولادة وتهريبهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وهي الواقعة التي جاءت بعد صدور تقارير دولية تؤكد أن مصر أصبحت بيئة خصبة لمافيا الاتجار بالأطفال وبيعهم لمختلف دول العالم، وأن الفقر هو العامل الأساسي الذي يدفع لهذه الظاهرة.
أبناء "الخطيئة"
البداية كانت بلاغا للنائب العام، يفيد بضبط قسم شرطة قصر النيل إحدى السيدات وتدعى "سوزان هاجولك" أمريكية الجنسية أثناء قيامها بإضافة أحد الأطفال ويدعى "ماركو" وعمره لا يتعدى الشهرين على جواز السفر الأمريكي الخاص بها، وقد أصبحت سوزان محلا للشك لقدومها إلى مصر من 4 أشهر فقط بالرغم من أن قواعد ولوائح الخطوط الجوية لا تسمح للحوامل في أكثر من 4 شهور بالسفر على متن الطائرات، وعندما طلبت السفارة الأمريكية منها إجراء تحليل "D.N.A" للتأكد من نسب الطفل رفضت، مما جعل السفارة تشك في أمرها فقامت بإبلاغ رجال المباحث الذين أكدت تحرياتهم حول الواقعة بأن المتهمة تقوم بمغادرة البلاد والعودة أكثر من مرة، وأنها سبق أن أضافت طفلين آخرين على جواز سفرها.
وتم إلقاء القبض عليها لتعترف أنها متزوجة من مصري، وأنها تتزعم عصابة لتهريب أطفال السفاح للخارج، وأنها قامت من قبل بتهريب طفلين، وأنهم مارسوا نشاطهم على مدى فترة طويلة بشراء أطفال حديثي الولادة من أبناء "الخطيئة "من أمهاتهم، عبر أطباء وممرضات في أحد المستشفيات الخاصة وعدة عيادات أخرى، وبيعهم لأسر أمريكية محرومة من الإنجاب مقابل مبالغ مالية، ليحال الأمر برمته إلى نيابة وسط القاهرة التي أحالتهم للجنايات.
وقد أشارت تحريات النيابة إلى تورط مسلمين وأقباط في هذه القضية، وتبدأ محكمة الجنايات في 14 مارس القادم محاكمة التشكيل العصابي المكون من ١٠ أقباط وموظف مسلم, بتهمة شراء الأطفال لتبنيهم بطريقة غير مشروعة والتلاعب بالتزوير في أوراق رسمية وأخرى عرفية لبيعهم لثلاث أسر أمريكية.
أما القضية التي تتعلق ببيع أربعة أطفال رضع، فقد تم الكشف عنها بعد أن اتصلت زوجة مصرية وزوجها الأمريكي بالسفارة الأمريكية في القاهرة للترتيب لاصطحاب طفلين خارج مصر، وكشفت التحريات أن الزوجين اتفقا مع موظف بملجأ للأيتام على شراء طفلين رضيعين حديثي الولادة (أنثى وذكر) مقابل 26 ألف جنيه، وأنهما حصلا على وثائق مزورة تتعلق بالرضيعين، وبعدها تم توجيه اتهام مماثل إلى زوجين آخرين بالتزوير ودفع 10 آلاف جنيه مقابل الحصول على طفلة رضيعة.
تورط الكنيسة
هذا وقد كشفت التحقيقات في جريمة تهريب أطفال مصريين إلى الخارج وبيعهم لأسر أمريكية عن تورط عدد من الرهبان والقساوسة، كما وردت أسماء بعض الأديرة في تحقيقات النيابة العامة في هذه القضية، حيث يستغلون حالات الفقر في مصر لشراء الأطفال من الأسر ومن ثم القيام بتنصيرهم وتهريبهم إلى الخارج بسعر 16 ألف جنيه للذكر و8 آلاف جنيه للأنثى، وهو ما أثار تساؤلات حول مدى علم الكنيسة بذلك؛ خاصة أنها لم تصدر أية بيانات تنفي فيها علاقتها بالمتهمين.
ففي الجناية رقم 414 لسنة 2009 بنيابة قصر النيل بالقاهرة تم التحقيق مع كل من مريم راغب مشرقي رزق الله مشرفة دار أيتام طويا، وجورج سعد لويس غالي، وجميل خليل جاد الله، وإيزيس نبيل عبد المسيح بطرس سيدة أعمال أمريكية، ولويس كونتنتين أندرواس صاحب مطعم، ومدحت متياس بسادة يوسف، والدكتور أشرف حسن مصطفي أخصائي النساء والتوليد، كما طالبت النيابة بضبط وإحضار كل من رأفت عطا الله، والقس متى جرجس، وعاطف رشدي أمين حنا.
وكان قس يدعى مينا يتبع إحدى كنائس وسط القاهرة، قد خضع لتحقيقات مكثفة من قبل النيابة العامة، دون أن تصدر قرارا حتى بحبسه على ذمة القضية، بينما قضت بحبس إحدى الراهبات احتياطيا بتهمة التورط في خطف وتهريب الأطفال إلى الخارج، كما وردت أسماء عدد من الأديرة في التحقيقات.
في رده على تورط الأطباء في القضية قال الدكتور "حمدي السيد" نقيب الأطباء لـ"إسلام أون لاين.نت": لن تتواني النقابة في وقف أي طبيب يثبت تورطه في عمليات بيع الأطفال أيا ما كان هذا الطبيب حتى لا يتكرر الأمر.
متجر لبيع الأطفال
وكانت دراسة حديثة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة صدرت في يناير الماضي قد أكدت ارتفاع نسبة الاتجار بالأطفال، حيث بلغت ١٣.٣٪ من إجمالي الجرائم، وتمثلت في بيعهم لمن يدفع أكثر، أو استخدامهم في ترويج المخدرات وممارسة السرقة والأعمال المنافية للآداب.
وقالت الدراسة إن الفقر هو العامل الأساسي الذي يدفع الإنسان للإقدام على بيع أطفاله، فعلى الرغم من أن عاطفة الأم فطرية فإن البطون الخاوية من الطعام تجعل الإنسان يتخلى عن أي شيء.
ومن الأسباب الأخرى التي رصدتها الدراسة تعاطي المخدرات، موضحة أن الإدمان يذيب الأنا العليا وهي النخوة والضمير لدى الإنسان، فتجعله يبيع شرفه وزوجته وأولاده للحصول على المخدر، وأشارت إلى الحادثة الشهيرة التي وقعت بمنطقة منشية ناصر، عندما قامت المباحث بضبط «كشك» خصصه صاحبه لعرض بناته على راغبي المتعة بهدف إنجاب أطفال، ثم عرضهم للبيع مقابل ٢٠٠٠ جنيه للطفل الواحد.
وأوضحت الدراسة أن أغلب هذه الحوادث تظهر في الأحياء الشعبية التي تسودها علاقات الود والتقارب، وكل أفرادها يعرفون همومهم ومشكلاتهم ولا يعيشون بمعزل عن الآخرين، لكن القيم السلبية غلبت القيم المجتمعية ونال التدني الاقتصادي من تلك القيم الاجتماعية.
وعلى صعيد مواز اعتبر تقرير أعدته وزارة الخارجية الأمريكية لعام ٢٠٠٨ عن ظاهرة الاتجار في الأطفال، أن مصر بلد "ترانزيت" لدول أوروبا الشرقية وروسيا وإسرائيل بغرض الاتجار الجنسي، كما أنها بلد مصدّر للأطفال والنساء الذين يستغلون في أعمال قسرية وإباحية في دول عديدة من بينها الكويت وقطر باستخدام الإنترنت الذي يعد وسيلة "فعالة" لمافيا الاتجار في البشر من خلال أشكال وطرق عديدة كغرف "الشات"، كما اعتبر التقرير بعض المدن المصرية مصدرا للسياحة الجنسية، دون ذكر أسماء هذه المدن.
ويشير التقرير إلى أن نسبة تزيد على 9% من حوادث اختفاء الأطفال من الدول العربية، وراءها مافيا سوق بيع الأطفال "الإسرائيلية"، وأن مؤسسات إسرائيلية متورطة منذ سنوات عديدة في بيع عشرات الأطفال من العرب، لأسر لا تنجب داخل إسرائيل وخارجها، بعد تبديل بيانات ديانة هؤلاء الأطفال لليهودية، وفي مقابل مادي، وضعه صندوق رعاية الطفل الإسرائيلي.
وكانت المجلة الرسمية للشرطة الإسرائيلية قد ذكرت في عددها الصادر في 1 يناير 1997م، أنهم خطفوا أطفالا من الأردن، والمغرب، والبرازيل، وتركيا، ومصر، منذ بداية التسعينيات، بواسطة عصابات متخصصة في الاتجار بالأعضاء البشرية، والحيوانات المنوية، والأطفال.
وتشير دراسة أجرتها اليونيسيف في خمس دول أوروبية، والولايات المتحدة، وكندا، إلى أنه تم تبني 23 ألف طفل من الدول الفقيرة عام 1997م، مقابل 16 ألف طفل عام 1993م.
وطبقًا لليونيسيف، فإن الاتجار بالبشر يدرّ مبلغًا يقدر بـ 9.5 بلايين دولار في السنة، مما يجتذب عصابات الجريمة المنظمة، ويؤدي إلى تفشي الفساد على نطاق عالمي، والأرباح المتأتية من الاتجار تغذّي أنشطة جنائية أخرى.
ولا شك في أن أحدًا لا يستطيع التكهن بمصير الأطفال المباعين، لأن الصلة تُقطع بين الطفل وأهله، والقضية المؤلمة هي اتجار المافيا بأعضاء الأطفال، فرغم اعتقاد البعض أن تجارة الأعضاء البشرية التي تمارسها مافيا متعددة الجنسية لصالح أثرياء الشمال والعالم، لا تنال الصغار لسبب أو لآخر، وأن أعضاء الكبار هي المرغوبة وحسب، لكن الحقيقة هي أن أعضاء الفقراء من الكبار والصغار، وحتى الأجنة، تشكل بمجملها ميدانًا لتجارة الأعضاء.
قضية أمن قومي
"محمد عمارة" الناشط في حقوق الأطفال يشرح لـ"إسلام أون لاين.نت" كيفية التغرير بالأطفال وتجنيدهم عبر طرق مختلفة، إذ تتراوح الأساليب الشرائية بين الاختطاف المباشر وبين الحصول على موافقة الطفل أو أهله، وعدد كبير من الأطفال هم ضحايا الخداع؛ حيث يُبلغ الطفل أو أسرته بأنه سيحصل على فرص عمل جيدة في مكان ما، ثم يتم تجنيدهم بغرض الدعارة، ويجدون أنفسهم وقد احتُجزوا في أوضاع سيئة وتعرضوا للاغتصاب والضرب والحرمان من الرعاية الصحية، وأخيرًا قد يتم التخلص منهم بإلقائهم في الشوارع، بعد انتهاء الغرض من استخدامهم، إن لم يتم تبادلهم تجاريًا مثل السلع للعمل في ظروف وحشية، ويتعرض الكثير منهم لكافة أشكال الإيذاء البدني والجنسي على أيدي مستخدميهم.
وبإطلالة يشوبها الحذر خوفا من انتقال العدوى على اثنتين من كبريات الدول المتقدمة الراعية لحقوق الإنسان والحيوان وهما كندا والولايات المتحدة نرى الأسر الراغبة في التبني تتسابق إلى شراء الأطفال, ويضيف عمارة؛ السعر مغر جداً فالرأس الواحدة فقط بـ20 ألف دولار, ومدير الشبكة التي تتاجر في هؤلاء الأطفال بريطاني الجنسية ومعه موظفون من المجر ورومانيا ومقدونيا وألبانيا.
وفي هذا الصدد تقول "حنان السيد" أمين عام جمعية الفسطاط الجديدة والمسئول عن خط نجدة الطفل بالتنسيق مع المركز القومي للأمومة والطفولة لـ"إسلام أون لاين.نت"، إن بيع الأطفال هو قضية أمن قومي في المقام الأول؛ فالحوادث المتعاقبة في وقت قريب هي سبب التقارير الدولية التي صدرت مؤخرا والتي تتهم مصر بأنها تحولت لـ "ترانزيت" لبيع الأطفال، والحقيقة أنه لا يمكننا أن نكافح مشاكل الأطفال دون تضافر الجهود الحكومية والأهلية، ومضاعفة التوعية وزيادة الاعتمادات المادية، والتخطيط الإستراتيجي على مستوى قومي، إضافة لتغليظ العقوبات في قانون الطفل الجديد.