هرج ومرج، فرّ وكرّ، جذب وشدّ، سطْو ونهْب،
عصا وهراوات شرطة ومتظاهرون وخراطيم ومياه، شجاعة وبسالة، صمود وثبات،
قنابل مسيلة للدموع أصوات تنادي بالحرية وأخرى تنادي بالرحيل، ولا ترضى
بالقليل من إصلاحات جاءت متأخرة من نظام عليل، ثورة وقودها شباب وشيوخ،
رجال ونساء، أزهريون وحقوقيون، صحفيون ونقابيون، موظفون وعاطلون، كلهم
يطالب برحيل نظام جاثم عليهم لسنوات ثلاثين.
هذه هي مفردات الثورة الشعبية في أم الدنيا، وفي غيرها من الدول ذات النظم
الاستبدادية، وهذا هو حال الشارع عندما تنتفض الشعوب ضد الظلم والقهر.
ويصور لنا المشهد أبو الأحرار الشاعر اليمني محمد الزبيري هذا المشهد وكأنه
أحد أفراده ويقول:
الملايينُ العطاشُ المشرئبّةْ بدأتْ تقتلعُ الطاغي وصحبهْ
سامها الحرمانَ دهرًا لا يرى الغيثَ إلاّ غيثَه والسحبَ سحبَهْ
لم تنلْ جرعةَ ماء دون أن تتقاضاه بحربٍ أو بغضبةْ
ظمئت في قيده وهي ترى أكلَه من دمها الغالي وشربَهْ
ليت شعري أيٌّ شيء كان يخشاه في دنياه لو هادن شعبَهْ
ها هو الشعبُ صحا من خطبِهِ بينما الطغيانُ يستقبلُ خطبَهْ
انتفضت الشعوب، وامتعضت القلوب، وحشدت الحشود، وسُيّرت المظاهرات، وهزجت الشعارات، وعُبّئت الجماهير، وهدفها واحد هو إسقاط النظام.
ما أشبه الليلة بالبارحة عندما بدأت أول شرارة للمظاهرات في تونس!!
لم نكن نتوقع إطلاقًا أن يحصل ما حصل، وها هو اليوم نفس ما جرى في تونس
يعيد نفسه في أم الدنيا، ولأنها أم الدنيا فإذا ما انتهى الأمر كما حصل في
تونس، فستصدر أم الدينا تعميمًا إلى جميع الأنظمة المستبدة من حولها، أن
رفع قلم أوامر الاعتقال والظلم وتحويل المليارات، وجفت صحف الكذب والدجل،
وحانت ساعة الصفر، فيا لها من ساعة خزي وعار وذل!! وذلك بما كسبت أيديكم.
الأنظمة المستبدة أثبتت هشاشتها؛ لأنها أُسّست على الظلم والبطش ومصادرة
الحقوق والحريات؛ فهي على شفا جرف هار، وبذلك فإن ثورة الشعوب ستقتلع أعمدة
تلك الأنظمة، وقد ثبت أنها ضعيفة ومتهاوية.
واستكمالاً لاستبدادها وعبثها بمقدرات الأمة وممتلكات العامة والخاصة تنشر
تلك الأنظمة أجهزتها السرية أثناء المظاهرات للعبث بأمن المواطنين
واستقرار البلاد، وما ذلك إلاّ دليل على إجرام تلك الأنظمة وإدارتها بطريقة
العصابات والمافيا.
مشكلة الأنظمة القمعية أنها قد تضحي بالشعب بأكمله وبكل ممتلكاته من أجل
أن تبقى، ولو لأشهر أو حتى لأيام، لكن الشعوب لن تمهلها؛ فهي في حالة
هيجان، فلن يوقفها إلاّ تحقيق ما تصبو إليه من اقتلاع جذور الاستبداد وزوال
عتاولته.
إن الشعوب قد تمرض لكنها لا تموت، قد تضعف لكنها لا تستسلم. هي بحاجة فقط
إلى من يحركها ويوقظها من سباتها، وهذا ما فعله الشعب التونسي؛ فهو من سن
تلك السنة الحسنة؛ وبرهن أن أنظمة الاستبداد هشّة وأضعف مما يُتصوّر.
النظام المصري في طريقة إلى السقوط؛ لأنه عمل بمسببات السقوط منذ ثلاثين
عامًا، والأمور من سيئ إلى أسوأ، سواء بالنسبة لسياسته الخارجية أو
الداخلية.
حكم بنظام الطوارئ طيلة السنوات الماضية، ومن رفع صوته فمحاكمة عسكرية
ظالمة تنتظره فإذا هو سجين، تزوير لإرادة الشعوب وتزوير للانتخابات
والنقابات، وتعديلات دستورية وقوانين بالأغلبية، وتفصيل للدستور على مقاس
الرئيس والنظام، و جمع بين الأختين اللتين لا يجوز الجمع بينهما: السلطة
والتجارة، حرب على الإسلام ومظاهره. إنه غباءٌ سياسي أعمى بصر الحاكم
وبصيرته، وكذلك بطانته الفاسدة الجشعة؛ فأوقعوا أنفسهم في لعنة الشعوب
ولعنة التاريخ.
إعلام رسمي كاذب وتطبيل للنظام يقلب الحقائق، ويجيد فن الكذب والدجل، ويصور النظام كصنم يُعبد من دون الله.
وبالنسبة للسياسة الخارجية أصبح دور مصر الإقليمي والدولي ضعيفًا وهزيلاً
جدًا. مصر للأسف الشديد أصبحت في السنوات الأخيرة حارسة لأمن للكيان
الصهيوني المحتل، بل أصبح مبارك ونظامه خير معين على تنفيذ السياسة
الإسرائيلية والدول الغربية في المنطقة، وبذلك استحق تسمية الحليف الأقوى
في المنطقة بعد دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولذلك هم الآن أشد الناس قلقًا
على سقوط ذلك النظام.
ما فعله النظام المصري في أحداث غزة لا يزال عالقًا في الذاكرة، من إغلاق
للمعبر الذي هو بمثابة شريان حياة للقطاع، ومنَع التظاهرات المندّدة بذلك،
والمشاركة في حصار الشعب الفلسطيني من خلال تدمير الأنفاق وبناء الجدار
العازل، وبإشراف أمريكي وغربي، وغير ذلك الكثير من الخيانة للأمة في كثير
من قضاياها، مما جعل الشعوب العربية تنظر إلى النظام المصري بأنه عدو لها.
إن النظام المصري في المنطقة بمثابة الفرعون الكبير، وبالنسبة للأنظمة
العربية فهو كبيرهم الذي علّمهم السحر، لذلك فبسقوطه ستسقط أنظمة عربية
اقتبست منه الاستبداد والظلم والبطش، والعبث بمقدرات البلاد.
فيا شعب مصر!! واصلْ دربك إلى أن تصل مبتغاك؛ فالنصر قاب قوسين أو أدنى،
وإيمانًا بوعد الله لكم يا أهل مصر بالأمن حين قال عز من قائل: {ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِينَ}، ووعْد الله حق، وما عداه باطل، فبإذن الله ستعودون إلى دياركم آمنين مستبشرين بالنصر.
إن مصر تقف حاليًا على أعتاب مرحلة مخاض جديدة ستتكلل- إن شاء الله –
بالنجاح، وباستعادة هويتها ودورها الريادي، ومكانتها التي تستحقها على
الصعيدين العربي والعالمي، وأن تلعب دورًا إيجابيًا لصالح قضايا الأمة، وأن
تبني ما ضيّعه النظام السابق.
ومصر قادرة بعون الله بكل أبنائها باختلاف طوائفهم وانتماءاتهم السياسية
والحزبية والدينية على بناء مستقبل مشرق ليس للأمة المصرية وحسب، بل وللأمة
العربية والإسلامية.
فأهلاً وسهلاً بمصر العروبة والإسلام.
الموضوع : الثورات الشعبية المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya