بيان بشأن أحداث ليبيا
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين ،
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين
نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الدين وبعد :
فإن المنطقة العربية تشهد في هذه الفترة أحداثاً
جساماً،تتمثل في الانتفاضات الهائلة المتتابعة
للشعوب الرافضة للظلم والاستبداد ، فبدءاً بتونس
ومروراً بمصر؛اندلعت هذه الأيام انتفاضة شعبية
كبرى في ليبيا ضد نظام طاغوتي دام أكثر من أربعين
عاماً ، عاشها الشعب الليبي المسلم مهضوم الحقوق
مسلوب الإرادة ، يتجرع ألواناً من الأذى ، وصنوفاً
من البلاء في أمور دينه ودنياه ، فكانت هذه
الانتفاضة نتيجة طبيعة لهذا الظلم والطغيان ، وقد
قام هذا النظام الظالم بقمع هذه الاحتجاجات
السلمية بشكل همجي ، استعمل فيها آلته العسكرية
بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والطائرات الحربية ضد
هذا الشعب الأعزل المسالم ، فكانت الحصيلة لهذه
التصرفات الوحشية الرعناء آلافاً من القتلى
والجرحى .
وانطلاقاً مما أوجبه الله تعالى على أهل العلم من
بيان الحق ونصرة المظلوم فإننا نود إيضاح الآتي :
أولاً :
أن ما يحدث من قتل وسفك لدماء هذا الشعب المسلم
المسالم لهو جريمة بشعة يستنكرها كل من له مسكة من
عقل أو وازع من دين .
ثانياً :
أن الرابطة الإيمانية والأخوة الإسلامية تقتضي
وجوب نصرة إخواننا في ليبيا ، ومد كافة أنواع
العون لهم ، واستفراغ الوسع في كف هذا العدوان
الغاشم عنهم .
ثالثا :
أن الواجب الشرعي يحتم على جميع الدول الإسلامية
ولاسيما دول الجوار؛ القيام بمسؤوليتها في نصرة
هذا الشعب المسلم المستضعف ، وتقديم كافة
المساعدات الإغاثية والطبية والعينية ، وفتح
الحدود أمامها وتمكينها من الوصول لمن يحتاجها ،
ومنع المأجورين من المرتزقة من الدخول لمواطأة هذه
العصابة الظالمة في اقتراف هذه الجرائم .
رابعاً :
إننا نطالب كافة المنظمات الدولية والحقوقية في
العالم الوقوف ضد هذه الانتهاكات الإجرامية التي
يمارسها هذا الطاغية وعصابته ، وممارسة كافة أنواع
الضغوط عليه لإيقاف جرائمه القمعية البشعة تجاه
هذا الشعب الأعزل .
خامساً :
أننا نناشد قوات الأمن والجيش الليبي بألا يكونوا
شركاء لهذا النظام الظالم في جرائمه ضد شعبه بل
يجب عليهم أن يعملوا على حماية الناس وكف الظلم
عنهم ، كما نثمن للقبائل الليبية موقفها المشرف في
انحيازها لبقية أفراد الشعب، ونناشدهم الاستمرار
في نصرة إخوانهم ، والحذر من مكائد النظام في شق
صفوفهم ، وإثارة النعرة الجاهلية بينهم .
سادساً :
أننا نوصي إخواننا في ليبيا بتقوى الله تعالى ،
والصبر والمصابرة ، وصدق اللجأ إليه سبحانه،
ومواصلة ما بدؤوه من هذه الهبّة المباركة التي
يُرجى لها بعون الله تعالى أن تكون سبباً في زوال
هذا النظام الحاكم الخبيث الذي سامهم الخسف والذل
على مدى العقود الأربعة الماضية .
سابعاً :
إن ما يمر به إخواننا المسلمون في ليبيا يُعَدُّ
من النوازل التي يشرع لها القنوت ، لذا نهيب بعموم
المسلمين الدعاء لإخوانهم بأن يحقن الله دمائهم
ويحفظ أعراضهم ويرفع الظلم عنهم .
وفي الختام فإننا نسأل الله تعالى أن يكشف عن
إخواننا في ليبيا هذه الغمة ، وأن يفرج عنهم هذا
الكرب ، وأن ينتقم من هذا الظالم ، وأن يعجل زواله
، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشدا ، وصلى الله على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الموقعون:
1-الشيخ/صالح بن عبدالله الدرويش،القاضي بمحكمة
الاستئناف بمكة المكرمة.
2-د.عبدالله بن عمر الدميجي،عميد كلية الدعوة
وأصول الدين بجامعة أم القرى سابقاً.
3-د.محمد بن صامل السلمي،عميد كلية الشريعة
والدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى سابقاً.
4-د.وليد بن عثمان الرشودي،أستاذ الحديث المشارك
بجامعة الملك سعود.
5-د.ستر بن ثواب الجعيد،رئيس قسم القضاء بجامعة أم
القرى سابقاً.
6-د.يوسف بن سعيد الغامدي،أكاديمي سعودي.
7-د.عبدالرحمن بن جميل قصاص،أستاذ الحديث المشارك
بجامعة أم القرى.
8-د.خالد بن عبدالله الشمراني،أستاذ الفقه المشارك
بجامعة أم القرى.
9-الشيخ/حسين بن محمد الحبشي،باحث شرعي.
10-الشيخ/بدر بن إبراهيم الراجحي،القاضي بالمحكمة
العامة بمكة المكرمة.
نظرة واقعية في أحداث ليبيا
علوي بن عبد القادر السقاف
الحمد لله، كاسر الأكاسرة، وقاصم القياصرة، وقاهر الهراقلة، ومهلك الفراعنة،
وهازم الأباطرة، أحمده حمد الشاكرين على ما منَّ به على أهل مصر وتونس، ونسأله
المزيد من الصلاح والإصلاح لهم ولأهل ليبيا، وهو القائل سبحانه: {لئِنْ
شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُم}.
أما بعد:
فلا يخفى على أحدٍ حالُ حاكم ليبيا ومحاربته للإسلام، عيانًا بيانًا، جهارًا
نهارًا، حتى بات يعرف ذلك الصغير والكبير، والعالم والجاهل، حتى وصفه بعض
الزعماء العرب بأنه صنيعة الاستعمار، وقد صدق من وصَفَه بذلك، فها هو يُصرِّح
في خطابه الأخير باعتزائه إلى الغرب والقانون الدولي لحرب شعبه وتدميره بيتًا
بيتًا، وها هو الغرب يسكت عن جرائم صنيعتهم، ويتفرج على ذبحه للعُزَّلِ من
الناس، وهم الذين صمُّوا آذاننا بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وقد خرسوا وعَمُوا
لما تعارضت مبادؤهم تلك مع مصالحهم الاقتصادية في ليبيا، فبئست هذه الازدواجية.
ولما كان حال هذا الرجل غير خافٍ على أحد، وأنه ممن أظهر الكفر البواح الذي
عندنا فيه من الله برهان؛ مما جعل هيئة كبار العلماء في المملكة العربية
السعودية وفيهم المشايخ العلماء - الشيخ عبدالله بن حميد والشيخ عبدالعزيز بن
باز والشيخ صالح اللحيدان وغيرهم- يصدرون بياناً بتكفيره في عام 1402هـ ، جاء
فيه:
((... وفي طليعة هذه الطوائف المنحرفة والموجهة طاغية ليبيا معمر القذافي، ذلك
الرجل الذي نذر نفسه لخدمة الشر، وإشاعة الفوضى، وإثارة الشغب، والتشكيك في
الإسلام .
لقد استعرض المجلس أطوار هذا الرجل، وسرعة استجابته لعناصر الشر والكيد والحسد،
حيث صار يهذي في أجهزة إعلامه بما يستحي مِن ذكره مَن له ذوق سليم أو عقل
مستقيم, يتضح ذلك في أقواله وأفعاله وتقلباته في جميع ميادين عمله، داخل بلاده
وخارجها، وفي مقدمة ذلك تعرُّضه للعقيدة الإسلامية. فلقد أقبر هذا الرجل السنة
النبوية، وسخر من الحج إلى بيت الله الحرام، ومن المسلمين الذين يقفون في
عرفات، وصدرت بتفنيده فتاوى شرعية من هيئات ومجالس إسلامية عليا، ومع ذلك لا
يزال هذا المسكين يتخبط في متاهات من الزيف والضلال تعطي القناعة التامة أنه
ضال ملحد .
إن مجلس هيئة كبار العلماء وهو يستنكر تمادي هذا الدَّعي على الإسلام والمسلمين
ليقرر ويؤكد أنه بإنكاره لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستفتائه بالحج
(كذا)، واستهانته ببعض التعاليم الإسلامية، واتجهاته الآثمة الباطلة يعتبر بذلك
كافراً وضالا مضلاً)) (انظر كتاب: "الرد الشافي على مفتريات القذافي" (ص 101) ،
من مطبوعات رابطة العالم الإسلامي).
والكل يعلم من حال الرجل أنه لا يزال في ضلاله القديم، وفي استكباره، واستخفافه
بالشريعة.
لما كان حاله كذلك، لم نرَ أحداً يشكك في حكم الخروج عليه من الناحية الشرعية،
فضلاً عن حكم التظاهر السلمي عليه. لكن الحديث ينصب في مثل هذه الحالة على تحقق
القدرة على ذلك.
وفي مثل هذه النوازل والأزمات تثور عادةً أسئلةٌ كثيرة في أذهان الناس، منها:
هل ما فعله الليبيون وهم يعلمون جبروت حاكمهم صوابٌ أم خطأ؟ وهل يستمرون في
ثورتهم مع إصراره هو وابنه على سفك الدماء أم يتخلَّوْن ويعودون أدراجهم؟ وغير
ذلك من الأسئلة.
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: ما قام به الليبيون ابتداءً - ومن قبلهم أهل تونس ومصر- وإن
عدَّه البعض خروجاً على الحاكم إلا أنه ليس من باب الخروج الذي يمنع منه
الفقهاء والسلف (والذي من صفته أن يكون فيه التقاء مجموعتين بأسلحتهما ويترتب
عليه من الاضطراب والفتنة والهرج والمرج ما يقتضي عدم جوازه ابتداءً واستدامة)،
ولكن الحالة المعاصرة التي نتحدث عنها لم تكن معروفة من قبل، وجدَّ فيها ما
يُغيِّر مناطها عن مناط ما اتفقت كلمة الأئمة على المنع منه، ألا وهي
الاحتجاجات السلمية التي قد تؤدي إلى مواجهة مسلحة من طرف واحد وتُفضي إلى ذهاب
أرواح كثيرة، وقد تفضي --في المقابل - إلى مفاسد قليلة في مقابل مكاسب كبيرة
كما حصل في تونس ومصر، ومسألة إراقة الدماء في أمثال هذه المظاهرات ربما يُقال:
إنها مصاحبة أحياناً، ولكنها ليست بلازمةٍ لها على كل حال؛ إذ إنها قد تنفكُّ
عنها، وتنجح هذه الثورات دون دماء، ومقاتلة من أيٍ من الجهتين. ولذلك لما رأى
السلف أن القيام على حكام الجور والفسق يؤدي إلى مفسدة كبيرة أجمعوا على منع
ذلك، كما قال الحافظ ابن حجر في (تهذيب التهذيب) (1/399): (لكن استقرّ الأمر
على ترك ذلك -أي الخروج- لما رأوه قد أفضى إلى أشدّ منه؛ ففي وقعة الحرّة ووقعة
ابن الأشعث وغيرهما عِظةٌ لمن تدبَّر)، أما في وقعة تونس ومصر القريبتين فالأمر
على خلاف ذلك، ولم تُفضِيا إلى ما هو أشد من ذلك.
ثانياً: أن الحالة في ليبيا تختلف عن الحالة في مصر حيث إن حاكم ليبيا
معروف بكبريائه، وجنون عظمته، وحبه لسفك الدماء، وهذا ما رأينا نتيجته منذ
الأيام الأولى من اندلاع التظاهرات حتى الآن. كما أنه معروف بسيطرته على الجيش،
وكافة الأجهزة الأمنية، إلا أنه قد خذله الشرفاءُ منهم.
ثالثاً: الحديث عن ثورة أهل ليبيا على حاكمهم وصوابه من خطئه، قد فات
أوانه، بعد أن فرضتْ الأحداث نفسها على أرض الواقع، فليس من المصلحة الخوض فيه
الآن، فهو أمرٌ قد مضى وانقضى. على أنه لا ينبغي أن يغيب عن الأذهان اعتبار أن
توقيت الثورة الليبية جاء متزامنًا مع نجاح الثورتين في الجارتين عن اليمين
والشمال (تونس ومصر). الأمر الذي سهَّل على الساعين لإسقاط القذافي مهمتهم،
ومهَّد لتوحيد الصف، ومنْع -أو تحجيم- الاختلاف في تقدير المصالح والمفاسد.
رابعاً: أنه بعد أن قامت المواجهة بين الشعب وهذا المجرم لا يشك عاقل أن
تراجع الليبيين عن ثورتهم فيه من المفاسد الشيء الكثير.
ومما ينبغي التنبيه عليه حول هذا الأمر:
1- أنَّ إيقاف المواجهة الآن لن يكون في صالح
الشعب حتماً؛ لأن هذا السَّفَّاح سوف ينتقم من شعبه، ويسفك من دماء أبنائه خلال
الأشهر القادمة أكثر مما يُتوقع سفكُهُ خلال أيام ثورة الشعب عليه، وتاريخه
الأسود يشهد بذلك، فقد قتل أكثر من 1200 سجينٍ ليبيٍّ في حادثة واحدة عام
1996م.
2- أنَّ هزيمة الشعب الليبي أمام حاكمه وتراجعه
عن ثورته تشجع أمثاله ومن على شاكلته لسلوك المسلك نفسه في التصدي لأي مواجهة
سلمية قادمة ضد الظلم والطغيان.
3- وفي المقابل، فإنَّ هزيمة الشعب الليبي أمام
حاكمه سوف تثبط من عزيمة وهمة أي شعب آخر يمكن أن يزيح من أمامه الظلم
والطغيان. وقد يجعلها آخر ثورات الشعوب ضد من يحكمها بغير شرع الله من أمثال
القذافي.
4- أثبتت تجربتا تونس ومصر لليبيا أن الحاكم مهما
كان طغيانه لا يستطيع أن يقف أمام شعب كامل ثائر مقهور مظلوم.
5- القبلية الليبية عامل مرجح لجعل الكفة في صالح
الشعب. وشعب عمر المختار معروف بقوته وصبره وجلَده.
6- أن النصر إنما هو صبر ساعة، وفي كل يوم تكتسب
الثورة قوة وتزداد الانشقاقات في صفِّ النظام الليبي، ويستقيل من نظامه الواحد
تلو الآخر، ويتبرأ منه كل شريف منضمًا إلى الشعب في ثورته .
7- بدأ العالم الغربي محاولةً منه لحفظ ماء وجهه
يندد ويدين على استحياء، وفي كل يوم تتعالى صيحات المستنكرين على جرائم هذا
الطاغية مما يزيد من الضغوط عليه.
لهذه الأسباب وغيرها صار من الواجب على كل ليبيٍّ أن ينحاز إلى شعبه في هذه
الثورة ضدَّ هذا السفاح، وأن يعمل ما في مقدوره للتخلص منه. ويجب على قوات
الجيش وأجهزة الأمن أن تعلن رفضها له، وتضييقها عليه، وتأييدها للشعب حفاظًا
على أمنه وأرواحه وممتلكاته.
ومن واجب الحكومات العربية والإسلامية التدخل السريع في وقف شلالات الدم ومجازر
الحاكم الليبي، وألا تدع الفرصة لتدخلات أجنبية تفرض أجندتها وسيطرتها على بلد
إسلامي بدعوى الحفاظ على الأمن أو بما يحقق مصلحتها.
أمَّا إخواننا في ليبيا الشقيقة شعباً العدوة نظاماً، فإننا ننصحهم بالصبر
والثبات، وأنه مما يزيد الأمل في نصرتهم سماعنا لكثرة تردادهم لذكر الله من
التهليل والتكبير، وصدق اللجأ إلى الله تعالى، وهذا ما لم نكن نسمعه في ثورتي
تونس ومصر إلا قليلاً.
وأمَّا إخوانهم المسلمون في كافة المعمورة فعليهم الدعاء بالنصر والتأييد
لأحيائهم، والمغفرة والرحمة لموتاهم، وأن يقنتوا لهم في صلواتهم؛ فإنها نازلة
وأي نازلة.
وبعد انكشاف الغمة يُنصح الجميع، ويُذكَّرون بوجوب التحاكم إلى كتاب الله وإلى
سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بعد أن ظلت كثيرٌ من دول المسلمين تتخبط لعشرات
السنين وراء الأوهام المستوردة، فلم تُسعدها الدكتاتوريات، ولا الديمقراطيات،
لا الشرق ولا الغرب، فلا يجوز ولا يسوغ بعد هذه التضحيات أن يوسَّد أمر
المسلمين ثانية إلى غير أهله، أو إلى من يغصب الأمة دينها، وخيراتها من غير
الأمناء. و ((لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ واحدٍ مرتين)) رواه البخاري ومسلم.
نسأل الله أن يكشف عن المسلمين الغمة، وأن يجعل في هذه الأحداث عبرة وعظة
للأمة، وأن يُهلك مَن بهلاكه صلاح المسلمين.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
علوي بن عبدالقادر السَّقاف
الموضوع : بيانات العلماء والدعاة حول أحداث ليبيا المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya