السلام عليكم ورحمة الله وبركاتـه
شيخنا الكريـم/ عبدالرحمن حفظك الله تعالى
البعض يتناقل هذه المقولـة:
لـئن سألتنى يـا رب يـوم القيـامة عـن ذنبـى لأسـألنـك عـن رحمتـك
و لـئن سـألتنى يـا رب عـن تقصيـرى لأسـألنـك عـن عفـوك
و لئن قذفتنى فى النار لأخبرن أهل النار أنى أحبك
هل بها بأس شيخنا الكريـم او ما فيها بأس نقلها؟؟
وفقكم الله تعالى
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ووفقك الله لما يُحب ويَرضى
وحفِظك الله ورعاك .
أولاً
: الأمر يوم القيامة أعظم من ذلك ، فالعبد يوم
القيامة يَخاف مُناقَشَة الْحِسَاب ، ويَوْجَل من ذنوبه .
قال عليّ رضي الله عنه : لا يَرجو عَبْدٌ إلا ربه، ولا يَخَافَنّ إلا ذَنْبـه .
ثانياً : يجب على الإنسان أن يَعرِف قَدْرَه ، فالرَّبّ رَبّ ، والعَبْد عَبْد !
والرَّبُّ
سبحانه وتعالى هو الذي يسأل عبده ويُقرِّره عن
ذنوبه ، وليس العبد هو الذي يسأل ربه أو يُحاسِبه .
ثالثاً
: يجب على الإنسان أن يُحسِن العمل ، ويَرجو
رحمة ربِّـه ، لا أن يُسيء العمل ويَتَّكِل على مثل هذه
الأقاويل .
فقد كان السَّلَف يُحسِنون العمل ويَخافون أن لا يُتقبّل منهم .
لما
نَزَل قوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ
مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى
رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) قالت عائشة رضي الله عنها : سألتُ
رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : أهُم الذين
يَزنون ويَسرقون ويَشربون الْخَمْر ؟ قال : لا يا
ابنة الصديق ، ولكنهم الذين يُصلون ويَصومون ويَتصدقون ،
وهم يَخافون أن لا يُقبل منهم ، أولئك الذين
يُسارعون في الخيرات . رواه الترمذي وغيره .
قال
ابن مسعود رضي الله عنه : إن المؤمن يرى ذنوبه
كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يَقع عليه ، وإن الفاجر يَرى ذنوبه
كَذُبَابٍ مَـرّ على أنفه ، فقال به هكذا .
رواه البخاري .
وقال الحسن البصري : إن المؤمن جمع إحسانا وشفقة ، وإن المنافق جمع إساءة وأمْنا .
يعني إساءةً في العمل وأمْناً مِن مَكْر الله .
وكان
الربيع بن خثيم على شِدّته في العبادة حتى
رُويَ عنه أنه إذا سجد كأنه ثوب مطروح ، فتجيء العصافير فتقع
عليه ، ومع ذلك ورد عنه أنه كان يبكى حتى تبتلّ
لحيته من دموعه ، ثم يقول : أدركنا أقواما كنا في
جنوبهم لصوصا .
وكان
مُطرّف بن عبد الله يقول : لأن أبيت نائما ،
وأصبح نادما ، أحب إلي من أن أبيت قائما ، فأصبح معجَبا .
يعني بعمله .
وكانوا يَخشون الله ، ويَخافُون عِقابه .
قال
ابن القيم : وكثير من الجهّال اعتمدوا على رحمة
الله وعَفوه وكَرَمِه وضَيَّعُوا أمْرَه ونَهْيَه
ونَسوا أنه شديد العقاب وأنه لا يُرَدّ بأسُه عن القوم
المجرمين ومن اعتمد على العَفْو مع الإصرار على
الذنب فهو كالمعاند . اهـ .
وقد ذمّ السلف من اغترَ بالله ، أو اعتمد على سعة رحمة الله .
قال
معاذ بن جبل رضي الله عنه : سَيَبْلَى القرآن
في صدور أقوام كما يَبلى الثوب فَيَتَهافَت ، يقرؤونه لا
يَجدون له شهوة ولا لَذّة ، يَلبسون جلود الضأن
على قُلوب الذِّئاب ، أعمالهم طَمَع لا يُخَالِطه خَوف
، إن قَصَّروا قالوا : سَنَبْلُغ ، وإن أساؤوا قالوا :
سَيُغْفَر لنا ! إنا لا نُشْرِك بالله شيئا .
رواه الدارمي .
وقال معروف الكرخي : رجاؤك لِرَحْمَةِ مَن لا تُطِيعه مِن الخذلان والْحُمْق .
وقال
بعض العلماء : مَن قَطع عُضوا مِنك في الدنيا
بِسَرِقَةِ ثلاثة دراهم لا تأمَن أن تكون عقوبته في الآخرة
على نحو هذا .
وقيل للحَسَن : نَرَاك طويل البكاء .
فقال : أخاف أن يَطرحني في النار ولا يُبالي .
وسأل
رَجُلٌ الحسن فقال : يا أبا سعيد كيف نَصنع
بمجالسة أقوام يُخَوّفونا حتى تكاد قلوبنا تنقطع ؟ فقال :
والله لأن تَصحب أقواما يُخوّفونك حتى تُدرك
أمْنا خير لك من أن تَصحب أقواما يُؤمّنونك حتى تَلحقك
الْمَخَاوف . نقل ذلك ابن القيم .
يقول ابن القيم رحمه الله :
تَعْلَم
أنك ناقص ، وكل ما يأتي من الناقص ناقص ، هو
يُوجِب اعتذاره منه لا محالة ، فعلى العبد أن يعتذر إلى ربه
من كل ما يأتي به من خير وشر ؛ أما الشر فظاهر ،
وأما الخير فيعتذر من نقصانه ، ولا يَراه صالحاً
لِرَبِّـه فهو مع إحسانه مُعتذر في إحسانه ، ولذلك مدح الله
أولياءه بالوجل منه مع إحسانهم بقوله :
(وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ) . اهـ .
والله تعالى أعلم .
الشيخ عبد الرحمن السحيم