بسم الله الرحمن الرحيم
ـ فوائد جمة من حديث عرض عمر ابنته حفصة على عثمان وأبي بكر رضي الله عنهم :
عن
عَبْد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : (( أَنَّ عُمَرَ
بْنَ الْخَطَّابِ حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسِ
بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ ، فَقَالَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ
عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقَالَ : سَأَنْظُرُ فِي أَمْرِي ، فَلَبِثْتُ
لَيَالِيَ ثُمَّ لَقِيَنِي ، فَقَالَ : قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّجَ
يَوْمِي هَذَا ، قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ
فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتَ زَوَّجْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ ، فَصَمَتَ
أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا ، وَكُنْتُ أَوْجَدَ
عَلَيْهِ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ خَطَبَهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا
إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ
حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا ،
قَالَ عُمَرُ قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ : فَإِنَّهُ لَمْ
يَمْنَعْنِي أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ عَلَيَّ إِلا أَنِّي
كُنْتُ عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ ذَكَرَهَا فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ تَرَكَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبِلْتُهَا))[1]
قَوْله ( فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
ـ فَيُسْتَفَاد مِنْهُ عُذْره فِي كَوْنه لَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ عُثْمَان قَدْ بَدَا لِي أَنْ لا أَتَزَوَّج
ـ وَفِيهِ فَضْلُ كِتْمَان السِّرّ فَإِذَا أَظْهَرهُ صَاحِبه اِرْتَفَعَ الْحَرَج عَمَّنْ سَمِعَهُ .
ـ
وَفِيهِ عِتَاب الرَّجُل لأَخِيهِ وَعَتْبه عَلَيْهِ وَاعْتِذَاره
إِلَيْهِ وَقَدْ جُبِلَتْ الطِّبَاع الْبَشَرِيَّة عَلَى ذَلِكَ .
ـ
وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون سَبَب كِتْمَان أَبِي بَكْر ذَلِكَ أَنَّهُ
خَشِيَ أَنْ يَبْدُو لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنْ لا يَتَزَوَّجهَا فَيَقَع فِي قَلْب عُمَر اِنْكِسَار .
ـ
وَلَعَلَّ اِطِّلاع أَبِي بَكْر عَلَى أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصَدَ خِطْبَة حَفْصَة كَانَ بِإِخْبَارِهِ لَهُ
صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا عَلَى سَبِيل الاسْتِشَارَة
وَإِمَّا لأَنَّهُ كَانَ لا يَكْتُم عَنْهُ شَيْئًا مِمَّا يُرِيدهُ حَتَّى
وَلا مَا فِي الْعَادَة عَلَيْهِ غَضَاضَة وَهُوَ كَوْن اِبْنَته عَائِشَة
عِنْده , وَلَمْ يَمْنَعهُ ذَلِكَ مِنْ اِطِّلاعه عَلَى مَا يُرِيد
لِوُثُوقِهِ بِإِيثَارِهِ إِيَّاهُ عَلَى نَفْسه , وَلِهَذَا اِطَّلَعَ
أَبُو بَكْر عَلَى ذَلِكَ قَبْل اِطِّلاع عُمَر الَّذِي يَقَع الْكَلَام
مَعَهُ فِي الْخِطْبَة .
وَيُؤْخَذ مِنْهُ :
ـ
أَنَّ الصَّغِير لا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَخْطُب اِمْرَأَة أَرَادَ
الْكَبِير أَنْ يَتَزَوَّجهَا وَلَوْ لَمْ تَقَع الْخِطْبَة فَضْلاً عَنْ
الرُّكُون .
ـ
وَفِيهِ الرُّخْصَة فِي تَزْوِيج مَنْ عَرَّضَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِطْبَتِهَا أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجهَا
لِقَوْلِ الصِّدِّيق : لَوْ تَرَكَهَا لَقَبِلْتهَا .
ـ
وَفِيهِ عَرْض الإِنْسَان بِنْته وَغَيْرهَا مِنْ مَوْلَيَاته عَلَى مَنْ
يُعْتَقَد خَيْره وَصَلاحه لِمَا فِيهِ مِنْ النَّفْع الْعَائِد عَلَى
الْمَعْرُوضَة عَلَيْهِ , وَأَنَّهُ لا اِسْتِحْيَاء فِي ذَلِكَ .
ـ وَفِيهِ أَنَّهُ لا بَأْس بِعَرْضِهَا عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ مُتَزَوِّجًا لأَنَّ أَبَا بَكْر كَانَ حِينَئِذٍ مُتَزَوِّجًا .
ـ
وَفِيهِ أَنَّ مَنْ حَلَفَ لا يُفْشِي سِرّ فُلان فَأَفْشَى فُلَان سِرّ
نَفْسه ثُمَّ تَحَدَّثَ بِهِ الْحَالِف لا يَحْنَث لأَنَّ صَاحِب السِّرّ
هُوَ الَّذِي أَفْشَاهُ فَلَمْ يَكُنْ الإِفْشَاء مِنْ قِبَل الْحَالِف .
وَهَذَا
بِخِلافِ مَا لَوْ حَدَّثَ وَاحِد آخَر بِشَيْءٍ وَاسْتَحْلَفَهُ
لِيَكْتُمهُ فَلَقِيَهُ رَجُل فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ صَاحِب الْحَدِيث
حَدَّثَهُ بِمِثْلِ مَا حَدَّثَهُ بِهِ فَأَظْهَر التَّعَجُّب وَقَالَ مَا
ظَنَنْت أَنَّهُ حَدَّثَ بِذَلِكَ غَيْرِي فَإِنَّ هَذَا يَحْنَث , لأَنَّ
تَحْلِيفه وَقَعَ عَلَى أَنَّهُ يَكْتُم أَنَّهُ حَدَّثَهُ وَقَدْ
أَفْشَاهُ .
ـ
وَفِيهِ أَنَّ الأَب يَخْطُب إِلَيْهِ بِنْته الثَّيِّب كَمَا يَخْطُب
إِلَيْهِ الْبِكْر وَلا تَخْطُب إِلَى نَفْسهَا كَذَا قَالَ اِبْن بَطَّال ,
وَقَوْله لا تَخْطُب إِلَى نَفْسهَا لَيْسَ فِي الْخَبَر مَا يَدُلّ
عَلَيْهِ .
ـ
قَالَ وَفِيهِ أَنَّهُ يُزَوِّج بِنْته الثَّيِّب مِنْ غَيْر أَنْ
يَسْتَأْمِرهَا إِذَا عَلِمَ أَنَّهَا لا تَكْرَه ذَلِكَ وَكَانَ الْخَاطِب
كُفُوًا لَهَا , وَلَيْسَ فِي الْحَدِيث تَصْرِيح بِالنَّفْيِ الْمَذْكُور
إِلا أَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ غَيْره , وَقَدْ تَرْجَمَ لَهُ النَّسَائِيُّ "
إِنْكَاح الرَّجُل بِنْته الْكَبِيرَة
فَإِنْ أَرَادَ بِالرِّضَا لَمْ يُخَالِف الْقَوَاعِد , وَأَنْ أَرَادَ بِالإِخْبَارِ فَقَدْ يَمْنَع , وَاللَّهُ أَعْلَم 2]
[1] رواه البخاري في النكاح (5122)
(2)الفتح (9/83) .
الموضوع : فوائد جمة من حديث عرض عمر ابنته حفصة على عثمان وأبي بكر رضي الله عنهم : المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya