أما حق الله تعالى على الانسان في نفسه فهو أن يعبد الانسان ربه حق عبادته فلا يشرك بعبادة ربه أحدا ، شاكرا لأنعمه عليه فلا يفتر عن حمده أبدا ، راض عن ربه فيما أحب وكره فلا يسخط منه أبدا ، منيبا اليه ومطمئنا بذكره فلا يغفل عن ذكره أبدا ، وأن يكون مع الله في نفسه فلا ينسى ربه أبدا ، وأن يكون الله معه في نفسه فلا ينساه ربه أبدا 0 ﴿ قل أفغير الله تأمرونّي أعبد أيها الجاهلون ¤ولقد أوحي اليك والى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين ¤بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ﴾ الزمر 64_ 66 0
﴿ الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله الا بذكر الله تطمئنّ القلوب ﴾ الرعد 28
﴿ فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولاتكفرون﴾ البقرة 152
﴿ واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدوّ والآصال ولا تكن من الغافلين﴾ الأعراف 205 0
﴿ ايّاك نعبد وايّاك نستعين ﴾ الفاتحه 5
واما حق النفس البشرية على الانسان في نفسه فهو بهدايتها الى الصراط المستقيم واتباع سبيل الرسول الكريم والتفكر في خلق السماوات والأراضين وتدبر آي القرآن العظيم وانقاذها من براثن الشرك المهين ومن أهوال يوم الدين ومن عذاب الجحيم 0
﴿ يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون ﴾ المائدة 105
﴿ قل اني أخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم ¤من يُصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين ﴾ الأنعام 15 ،16 0
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل الناس يغدو ، فبائع نفسه فمعتقها او موبقها ) رواه مسلم
وأما حق خاصة الانسان عليه في نفسه فهو أن يهديهم الى الصراط الذي اهتدى اليه ويرعاهم بالدين الذي يرعى نفسه به ، ويدعوا الله لهم ما يدعوا لنفسه به ، ويعطف عليهم ويشفق فيهم ويقيهم ما يقي نفسه منه 0
§ يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ¦التحريم 6 0
﴿ والذين آمنوا واتّبعتهم ذريتهم بايمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين ¤وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون ¤يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ¤ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون ¤واقبل بعضهم على بعض يتساءلون ¤قالوا انا كنا في أهلنا مشفقين ¤فمن الله علينا ووقانا عذاب السموم ¤انا كنا من قبل ندعوه انه هو البرّ الرحيم﴾ الطور 21_28
أما حق كافة الناس على الانسان في نفسه فهو اخراجهم من ظلمات الشرك والضلال الى نور التوحيد والهدى ومن الاعراض عن ذكر الله والمعيشة الضنكا في الدنيا وعذاب النار في الآخرة الى الايمان والعمل الصالح والحياة الطيبة الكريمة في الدنيا والجزاء والأجر والثواب العظيم في الآخرة 0
﴿ وأوحي اليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بَلغ ﴾ الأنعام 19
﴿ قل هذه سبيلي أدعوا الى الله على بصيرة أنا ومن اتّبعني وسبحان الله وما انا من المشركين ﴾
يوسف 108
﴿ ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال انني من المسلمين ﴾ فصلت 33
ذلك انه لا يتأتى للانسان أن يدرك هذه الحقوق الأربعة عليه في نفسه ما لم يصدُق الله في نفسه أولا فيدرك حق الله تعالى عليه في نفسه ، ثم يصدُق نفسه في نفسه ثانيا فيدرك حق نفسه عليه في نفسه ، ثم يصدُق أهله وذويه في نفسه ثالثا فيدرك حقهم عليه في نفسه ، ثم يصدُق كافة الناس في نفسه رابعا فيدرك حقهم عليه في نفسه0
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ﴾ التوبة 119
﴿ والذي جاء بالصدق وصدَّق به أولئك هم المتقون ¤لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ﴾ الزمر33، 34 0
( عن ابن مسعود _ رضي الله عنه _ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ان الصدق يهدي الى البر وان البر يهدي الى الجنة ، وان الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صدّيقا ، وان الكذب يهدي الى الفجور وان الفجور يهدي الى النار ، وان الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذّابا ) متفق عليه
( عن الحسن بن علي بن أبي طالب _ رضي الله عنهما _ قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك الى ما لا يريبك ، فان الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) رواه الترمذي 0 فالانسان المسلم اما أن يكون صادقا صدوقا في نفسه مع الله ومع نفسه ومع خاصته ومع كافة الناس ، فيدرك هذه الحقوق الأربعة عليه في نفسه وهو فارّ الى الله بقلب سليم منيب وراجع اليه فيكون مخلصا دينه لله سائرا في طريق الهداية الى الصراط المستقيم وطريق الدعوة الى الله في الحياة الدنيا وذلك هو المؤمن المهتدي الى الصراط المستقيم 0
﴿ وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد ¤هذا ما توعدون لكل أوّاب حفيظ ¤من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ¤ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود¤لهم ما يشاؤون فيها ولدينا مزيد ﴾ ق31_35
أو ان يكون المسلم مخادعا في نفسه خادعا لها مع الله ومع نفسه ومع خاصته ومع كافة الناس ، وهو فارّ من الله بقلب سقيم تائه وهارب منه ، فيكون منافقا ضالاّ عن الصراط المستقيم وصادّا عن سبيل الله في الحياة الدنيا وذلك هو المنافق الضالّ عن الصراط المستقيم 0
﴿ أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في انفسهم قولا بليغا ﴾ النساء63
﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ¤فان تولوا فقل حسبي الله لا اله الا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم﴾ التوبة 128، 129
هذه هي حقيقة اخلاص الدين لله في حياة الناس ، فمتى أدرك الانسان حقيقة ابتلاء الله له في الحياة الدنيا وفتنته له عن الايمان والهداية فيها كان منشغلا بمجاهدة نفسه في طاعة الله ورسوله وهجر ما نهى الله عنه ورسوله من خلال مواجهة قوى الشر في نفسه ومحاربتها ، وهذا هو الشق الأول من اخلاص الدين لله في النفس البشرية 0 ومتى أدرك الانسان حقيقة الحقوق الأربعة التي عليه في نفسه وهو فارّ الى الله معتصما ولائذا ومستعينا به في مواجهة قوى الشر ومحاربتها في نفسه كان منشغلا بالدعوة الى الله من خلال تفجير قوى الخير في نفسه وملاحقتها 0وهذا هو الشق الثاني من اخلاص الدين لله في النفس البشرية0﴿ ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ النحل128
وغفلة الانسان المسلم أو جهله أو استكباره عن ادراك حقيقة الابتلاء والفتنة له وعن ادراك حقيقة الحقوق الأربعة عليه فضلا عن كونها حاجزا بينه وبين اخلاص الدين لله في نفسه الذي هو محور الهداية الى الصراط المستقيم ، فهي تجعله دائم النسيان لله تعالى في نفسه أي تحرمه من معيته لله أو أن يكون مع الله في نفسه دائما وأبدا ، مما يعرّضه لعقوبة الله له في الحياة الدنيا بحرمانه من معية الله له في نفسه أو أن يكون الله معه في نفسه دائما و أبدا 0
﴿ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله ان الله خبير بما تعملون ¤ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون﴾ الحشر 19،18
﴿ المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديَهم نسوا الله فنسيَهم ان المنافقين هم الفاسقون﴾ التوبة67
وهذه العقوبة من الله تعالى له في الحياة الدنيا انما هي حرمان له من الهداية الى الصراط المستقيم في الحياة الدنيا ، وعقوبة الله له في الآخرة أشد وأبقى _ والعياذ بالله _
﴿كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ﴾ القلم 33
وبعد ، فان مجاهدة النفس البشرية أولا والسير بالنفس البشرية في طريق الدعوة الى الله ثانيا يجعل الانسان المسلم مخلصا دينه لله سائرا في طريق الهداية الى الصراط المستقيم 0 وهذا هو الذي يجعل الناس يخلصون دينهم لله في الحياة الدنيا وينقّي نفوسهم البشرية من أدران النفاق والضلال ويحملهم على الهداية الى الصراط المستقيم 0وقد وعد الله عباده المؤمنين المهتدين بالنصر والاستخلاف والتمكين في الارض ان هم نصروه وجاهدوا فيه حق جهاده ، وانّ وعد الله حق ، وهو آتٍ لا محالة ، وكل آتٍ قريب باذن الله 0
§ وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون ¦ النور55
﴿ يا أيها الذين آمنوا ان تنصروا الله ينصرْكم ويثبّت أقدامكم﴾ محمد7
﴿ وكان حقا علينا نصر المؤمنين ﴾ الروم47
﴿ ولَينصُرنّ الله من ينصرُه ان الله لقويّ عزيز ﴾ الحج40
﴿ انا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد﴾ غافر51
* * *
الموضوع : حقيقة اخلاص الدين لله المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya