تفسير قوله عز وجل : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير
المكرم سلمان ابن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وفقه الله وزاده من العلم
والإيمان.. آمين [1] .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد :
فأشير إلى سؤالكم الشفهي عن تفسير قوله تعالى : وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ
خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [2]
ورغبة سموكم في أن يكون الجواب خطياً .
وأفيدكم أن علماء التفسير رحمهم الله ذكروا أن الله سبحانه لما شرع صيام
شهر رمضان شرعه مخيراً بين الفطر والإطعام والصوم ، والصوم أفضل ، فمن أفطر
وهو قادر على الصيام فعليه إطعام مسكين ، وإن أطعم أكثر فهو خير له ، وليس
عليه قضاء ، وإن صام فهو أفضل ؛ لقوله عز وجل : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[3] ، فأما المريض والمسافر فلهما أن
يفطرا ويقضيا ؛ لقوله سبحانه : فَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[4] ، ثم نسخ الله ذلك وأوجب الصيام على
المكلف الصحيح المقيم ، ورخص للمريض والمسافر في الإفطار وعليه القضاء ،
وذلك بقوله سبحانه : شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ
هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ
مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا
اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [5] .
وبقي الإطعام في حق الشيخ الكبير العاجز والعجوز الكبيرة العاجزة عن الصوم
كما ثبت ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما وعن أنس بن مالك رضي الله عنه
وجماعة من الصحابة والسلف رضي الله عنهم .
وقد روى البخاري في صحيحه عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه معنى ما ذكرنا من
النسخ للآية المذكورة ، وهي قوله تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[6] الآية ، وروي ذلك عن معاذ بن جبل رضي الله
عنه وجماعة من السلف رحمهم الله .
ومثل الشيخ الكبير والعجوز الكبير المريض الذي لا يرجى برؤه والمريضة التي
لا يرجى برؤها فإنهما يطعمان عن كل يوم مسكيناً ولا قضاء عليهما كالشيخ
الكبير والعجوز الكبيرة . ويجوز إخراج الإطعام في أول الشهر وفي وسطه وفي
آخره .
أما الحامل والمرضع فيلزمهما الصيام إلا أن يشق عليهما فإنه يشرع لهما
الإفطار وعليهما القضاء كالمريض والمسافر هذا هو الصحيح من قولي العلماء في
حقهما ، وقال جماعة من السلف يطعمان ولا يقضيان كالشيخ الكبير والعجوز
الكبيرة ، والصحيح أنهما كالمريض والمسافر تفطران وتقضيان ، وقد ثبت عن
النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أنس بن مالك الكعبي ما يدل على أنهما
كالمريض والمسافر .
وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الفقه في دينه والثبات عليه ، وأن
يجعلنا وإياكم وسائر إخواننا من الهداة المهتدين إنه سميع قريب . والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته
--------------------------------------------------------------------------------
[1] سؤال مقدم من صاحب السمو الملكي الأمير / سلمان بن عبد العزيز أجاب عنه سماحته برقم 1563/ خ في 23/9/1410هـ
[2] سورة البقرة ، الآية 184
[3] سورة البقرة ، الآية 184
[4] سورة البقرة ، الآية 184
[5] سورة البقرة ، الآية 185
[6] سورة البقرة ، الآية
184
الموضوع : تفسير قوله عز وجل : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya