إذا كان وجه المرأة عورة ، فلماذا أمرت بكشفه في الإحرام ؟
السؤال : المرأة – المحرمة - مأمورة بكشف وجهها في الحج والعمرة ، فهل هذا يدل على أن وجه المرأة ليس بعورة ؟
الجواب :
الحمد لله
لا يصح الاستدلال بنهي النبي صلى الله عليه وسلم المرأة المحرمة أن تلبس النقاب على أن وجه المرأة ليس عورة .
وبيان
ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المرأة المحرمة بكشف وجهها ،
وإنما نهاها عن لبس النقاب ، وفرق بين الأمرين ، فإنها لا تلبس النقاب ولكن
تستر وجهها بغير النقاب ، كالسدال أو الطرحة .
وهذا ، كما نهى النبي
صلى الله عليه وسلم الرجل المحرم أن يلبس القميص ، فليس معناه أن يمشي
عارياً ، بل يستر بدنه بغير القميص ، كالإزار والرداء .
ولهذا كانت النساء على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يغطين وجوههن في الإحرام بغير النقاب ، إذا كُنَّ قريبات من الرجال .
فعن
أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : ( كنا نغطي وجوهنا من الرجال في
الإحرام ) رواه الحاكم ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي
، قال الألباني : " إنما هو على شرط مسلم وحده " انتهى .
"حجاب المرأة المسلمة" (ص108) .
وعن
عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا
وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مُحْرِمَاتٌ ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا
مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا ، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ) رواه
أحمد (23501) وأبو داود (1833) ، قال الألباني : " سنده حسن من الشواهد ،
ومن شواهده حديث أسماء المتقدم " انتهى .
"حجاب المرأة المسلمة" (ص107) .
ولهذا قال من قال من العلماء : إن وجه المرأة كبدن الرجل ، أي أنها تستره ولكن بغير النقاب .
قال
ابن القيم رحمه الله في "بدائع الفوائد" (3/664) : " وأما المرأة المحرمة
فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لها كشف الوجه في الإحرام ولا غيره ،
وإنما جاء النص بالنهي عن النقاب خاصة ، كما جاء بالنهي عن القفازين ،
وجاء النهي عن لبس القميص والسراويل ، ومعلوم أن نهيه عن لبس هذه الأشياء
لم يُرِدْ أنها تكون مكشوفة لا تستر البتة ، بل قد أجمع الناس على أن
المحرمة تستر بدنها بقميصها ودرعها ، وأن الرجل يستر بدنه بالرداء ،
وأسافله بالإزار ، مع أن مخرج النهي عن النقاب والقفازين والقميص والسراويل
واحد ، وكيف يزاد على موجب النص ويفهم منه أنه شرع لها كشف وجهها بين
الملأ جهاراً ، فأي نص اقتضى هذا أو مفهوم أو عموم أو قياس أو مصلحة ! بل
وجه المرأة كبدن الرجل يحرم ستره بالمُفَصَّل على قَدْرِه كالنقاب والبرقع ،
بل وكيَدِها يحرم سترها بالمُفَصَّل على قَدْرِ اليد كالقفاز ، وأما سترها
بالكم وستر الوجه بالملاءة والخمار والثوب فلم ينه عنه البته .
ومن قال : إن وجهها كرأس المحرم ، فليس معه بذلك نص ولا عموم ، ولا يصح قياسه على رأس المحرم ، لما جعل الله بينهما من الفرق .
وقول
من قال من السلف : إحرام المرأة في وجهها ، إنما أراد به هذا المعنى ، أي :
لا يلزمها اجتناب اللباس كما يلزم الرجل ، بل يلزمها اجتناب النقاب فيكون
وجهها كبدن الرَّجل ، ولو قُدِّر أنه أراد وجوب كشفه فقوله ليس بحجة ، ما
لم يثبت عن صاحب الشرع أنه قال ذلك وأراد به وجوب كشف الوجه ، ولا سبيل إلى
واحد من الأمرين " انتهى .
وقال أيضاً في حاشيته على مختصر سنن أبي داود :
"وأما
نهيه صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر المرأة أن تنتقب ، وأن تلبس
القفازين ، فهو دليل على أن وجه المرأة كبدن الرجل لا كرأسه ، فيحرم عليها
فيه ما وضع وفُصَّل على قَدْر الوجه ، كالنقاب والبرقع ، ولا يحرم عليها
سترة بالمقنعة والجلباب ونحوهما ، وهذا أصح القولين .
فإن النبي صلى
الله عليه وسلم سَوَّى بين وجهها ويديها ، ومنعها من القفازين والنقاب ،
ومعلوم أنه لا يحرم عليها ستر يديها ، وأنهما كبدن المحرم ، يحرم سترهما
بالمُفَصِّل على قَدْرِهما ، وهما القفازان ، فهكذا الوجه ، إنما يحرم ستره
بالنقاب ونحوه ، وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم حرف واحد في وجوب كشف
المرأة وجهها عند الإحرام ، إلا النهي عن النقاب ، وهو كالنهي عن القفازين ،
فنسبة النقاب إلى الوجه كنسبة القفازين إلى اليد سواء وهذا واضح بحمد الله
.
وقد ثبت عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة ، وقالت عائشة كانت
الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا
حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها فإذا جاوزونا كشفنا ذكره أبو داود
" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لم يرد عن النبي صلى
الله عليه وسلم نهي المرأة [المحرمة] عن تغطية وجهها ، وإنما ورد النهي عن
النقاب ، والنقاب أخص من تغطية الوجه ، لكون النقاب لباس الوجه ، فكأن
المرأة نهيت عن لباس الوجه ، كما نهي الرجل عن لباس الجسم " انتهى .
"الشرح الممتع" (7/165) .
وبهذا يظهر أن القول بأن المرأة المحرمة أُمرت بكشف وجهها ، غير صحيح .
وعليه ؛ فالاستدلال بذلك على أن وجه المرأة ليس عورة غير صحيح أيضاً .
والله أعلم .
الإسلام سؤال وجواب
الموضوع : فلماذا أمرت بكشفه في الإحرام ؟ إذا كان وجه المرأة عورة ، المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya