شغل
القرآن الكريم قلوباً وعقولاً على اختلاف أزمنتها وأمكنتها، فمنهم من آمن
به، ومنهم من صد عنه، وتلك سنة الله في الحياة. وقد تعرض القرآن على أيدي
العديد من المستشرقين - وخاصة في العصر الحديث - إلى كثير من النقد والطعن
وإثارة الشبهات، وقد هيأ الله لهذا الكتاب من يدفع عنه زيغ الزائغين، وكيد
الحاقدين، ويبين الحق الذي جاء به للناس أجمعين.
في هذا السياق يأتي كتاب (قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية نقد مطاعن، ورد شبهات)، لمؤلفه الأستاذ الدكتور فضل حسن عباس ، أستاذ التفسير وعلوم القرآن، في كلية الشريعة، الجامعة الأردنية.
هدف الكتاب
أوضح
الكاتب في فاتحة كتابه أن الأمر الذي كان لا يوده والقارئ معاً، أن يكون
مصدرٌ من مصادر المعرفة، طالما روج له أصحابه، وأحاطوه بهالات الإجلال
والتبجيل، وسوروه بأسوار البحث العلمي والنزاهة، وألبسوه لباس الحقيقة، بل
عدوه حصناً من حصون المعرفة، أن يكون من وصفوه بهذه الصفات بعيداً عن ذلك
كله. يقول المؤلف: "ما كنا نظن أن تكون مثل هذه الشبهات في موسوعات، كانت
أول سماتها العلم والمعرفة، وكان آخر ما يدور في خلدنا أن تكون الموسوعة
العلمية بعيدة عن المنهجية والموضوعية".
وقد
ألمع المؤلف في هذا السياق إلى قضية مهمة حاصلها: أن الموضوعات القرآنية
التي تطرقت لها الموسوعة كلها لم تكن إلا تردداً لما قاله المستشرقون،
ونقلاً لما قرروه، يكاد يكون حرفياً في كثير من موضوعاته.
إذن،
الغرض الأساس الذي انبرى له هذا الكتاب، هو تفنيد المزاعم ونقد المطاعن،
ورد الشبهات، التي وردت تحت مادة (قرآن) في الموسوعة البريطانية، (Encyclopaedia Britannica).
خطة المؤلف
أشرنا
إلى أن موضوع الكتاب الأساس ما جاء في الموسوعة البريطانية تحت مادة
(قرآن). وقد ورد تحت هذه المادة العناوين الفرعية التالية: تعريف القرآن،
شكل القرآن ومضمونه، محتوياته، مصير الإنسان، أصول القرآن طبقاً للمسلمين،
أصوله في رأي المستشرقين، التفسير، التراجم. وقد كانت خطة المؤلف في مناقشة
هذه الموضوعات تقوم على أساس جَعْلِ كل عنوان من هذه العناوين فصلاً
مستقلاً، وقسَّم كل فصل إلى قضايا وجزئيات، تحدث عن كل قضية على حدة.
منهج المؤلف
التزم
المؤلف في بحثه وعلى صفحات كتابه - على الرغم مما تضمنته القضايا المطروحة
من إثارة - بالمنهج العلمي المتزن، والنقاش الموضوعي الهادئ. وحاول
الإيجاز قدر المستطاع، من غير استرسال في فكر أو قلم. وقد اعتمد المؤلف في
مناقشة القضايا المثارة بين الحين والآخر على عدد من الكُتَّاب الإسلاميين،
الذين كتبوا حول بيان حقيقة القرآن، كالمفكر مالك بن نبي ، والشيخ عبد الله دراز ، وغيرهما.
بين يدي الكتاب
قدم
المؤلف بين يدي الدراسة تمهيداً موجزاً، ضمنه بعض المسائل المهمة، ومما
لفت الانتباه إليه هنا، أن الأمر الطبعيَّ الذي يُفترض أن لا يكون غيره، أن
يصير أقربَ الناس إلى الإسلام، وأبعدهم عن تشويه الحقائق أهلُ الكتاب،
يهوداً ونصارى. بيد أن الواقع خلاف ذلك تماماً. لقد صُوِّر الإسلام صورة
مشوهة، انحرف فيها مصوروها عن كل صدق وحق. وقرر المؤلف بهذا الصدد، أنه إذا
كنا نستطيع أن نغفر لأخطاء خاصة بالتقدير، فإننا لا نستطيع أن نغفر تقديم
الوقائع بشكل ينافي الحقيقة.
وقد
أتى المؤلف على بعض الأفكار الحاملة والمواقف المتحاملة على الإسلام،
وأتبع ذلك بشهادات لبعض المنصفين الغربيين المطالبين بإعادة النظر بخصوص
حقيقة الإسلام وجوهره. واستعرض بعض ما جرى للمسلمين على أرض الواقع من
المآسي والمحن، وختم تمهيده بالقول: ومع هذا التعسف الذي لقيه الإسلام
والمسلمون، فإن الإسلام سيظل يمتاز بروعة التسامح التي عُرف بها، وسيظل
القرآن كتاب الإنسانية، وكتاب الحياة للأحياء.
مضمون الكتاب
جاء الكتاب مؤلفاً من ثمانية فصول، عالجت أهم القضايا القرآنية التي تعرضت لها الموسوعة البريطانية. وكانت تلك الفصول وفق التالي:
الفصل
الأول كان بعنوان (تعريف القرآن). ذكر المؤلف تعريف الموسوعة للقرآن،
وناقش هنا ثلاث قضايا: (جمع القرآن، محاكاة القرآن والإتيان بمثله، أصل
كلمة قرآن). وأهم النقاط التي أثبتها المؤلف في هذا الفصل هي أن القرآن كان
مكتوباً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن ما حدث بعد وفاته إنما هو
جمع للقرآن بين دفتين.
الفصل
الثاني جاء تحت عنوان (شكل ومضمون القرآن). اعتبر المؤلف أن ما جاء تحت
هذا الفصل من أخطر ما جاء في الموسوعة عن القرآن، وأنه يدل على عدم التروي،
وتجنب المنهجية الصحيحة، والمغالطة المتعمدة. وقد ناقش المؤلف في هذا
الفصل عشر قضايا هي: كون القرآن من حيث الحجم والكم يمكن قياسه بالعهد
الجديد، ترتيب السور القرآنية، عناصر السورة، الآيات القرآنية وأسلوبها،
بعض الكلمات القرآنية ليست هي الدليل على الوحي، أسلوب القصة في القرآن
الكريم، قصة يوسف، الفاصلة القرآنية، التعريب.
وقد
فند المؤلف كل ما جاء في الموسوعة البريطانية بخصوص هذه القضايا. وكان من
أهم ما قرره هنا: أن القرآن - مكِّيَّه ومدنيَّه - لا يختلف من حيث
الأسلوب، وإنما من حيث الموضوع الذي يعالجه. وأنه لا نجد في القرآن كلمة في
جملة، أو جملة في آية، أو آية في سورة، أو قصة في موضع يمكن أن تكون جاءت
بدون معنى وهدف، وبالتالي يمكن أن يغني عنها غيرها. وأن كل سورة من سور
القرآن ذات شخصية مستقلة، ولها صبغتها الخاصة في الموضع الذي تتناوله.
وجاء
الفصل الثالث تحت عنوان (محتويات القرآن). وقد ناقش فيه المؤلف اثنتي عشرة
قضية، هي: موضوعات القرآن والفترة الزمنية، الثواب والعقاب، الوحدانية،
الغرانيق، الصلاة في العهدين المكي والمدني، وظيفة الأنبياء، المقارنة بين
الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبين بعص المصلحين، أسلوب القرآن، تعدد
النزول، نهاية العالم، هدف القصص القرآن.
ومن
أهم النقاط التي قررها المؤلف هنا، أن موضوعات القرآن هي الموضوعات التي
لا يستغني عنها الإنسان على المستويات كافة، وأن القرآن كله وحدة تامة يكمل
بعضه بعضاً، ويفسر بعضه بعضاً. وأن الذي طرأ على بعض القضايا التي ذكرها
القرآن ليس مرده للزمان والمكان، وإنما مرده إلى بناء الشخصية المسلمة
المستقلة عقيدة وعبادة وشريعة، وأن التشريعات الإسلامية لا تخضع لمؤثرات
انفعالية وتغيرات مزاجية.
أما
الفصل الرابع فكان تحت عنوان (مصير الإنسان). بحث فيه المؤلف أربع قضايا
هي: حرية الإرادة، شرعة التوحيد منذ آدم، موقف الإسلام من اليهود، الوحي
والقضايا الشخصية بالرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن
أهم النقاط التي أثبتها المؤلف في هذا الفصل هي: أن ثمة فرقاً بين أن نفهم
من القرآن أنه يثبت المشيئة لله وحده، وبين أن نفهم منه أنه يسلب الحرية
عن الإنسان كل السلب.
وجاء
الفصل الخامس تحت عنوان (أصول القرآن طبقاً للمسلمين). ناقش فيه المؤلف
قضيتين: أولهما: جمع القرآن: رد المؤلف هنا على ما جاء في الموسوعة من وصف
الوحي للرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نوع من الصرع. ثانيهما: أنواع الوحي.
الفصل
السادس جاء بعنوان (أصول القرآن في رأي المستشرقين). عرض هذا الفصل لأربع
قضايا، كانت وفق التالي: ترتيب القرآن، مصدر القرآن، جوهر القرآن، القراءات
القرآنية.
وكان
من أهم النقاط التي قررها المؤلف في هذا الفصل، أن تقسيم القرآن إلى مراحل
- كما أراد المستشرقون - أمر يصطدم مع واقع الأحداث، ومسلمات العقل، وصحيح
الرواية. كما ناقش المؤلف دعوى وجود نقص وتحريف في القرآن، وخَلَصَ إلى أن
القرآن الكريم محفوظ على مر الزمان والعصور بالصدور والسطور، وأن القراءات
القرآنية ليست خاضعة للاجتهاد، وإنما للسماع والتلقي.
وجاء
الفصل السابع تحت عنوان (التفسير). وقد ناقش المؤلف فيه أربع قضايا تتعلق
بموضوع التفسير، هي: القرآن والقراءات، القرآن والمعتزلة، عناصر التفسير،
التفسير في العصر الحديث.
وقد
نبه المؤلف هنا على أمرين ذي بال: أحدهما: أن الرسول لم يفسر القرآن كله؛
لأنه أراد من المسلمين أن يتدبروا القرآن، وأن يجتهدوا في تفسيره. ثانيهما:
أن تفسير القرآن لم يبدأ مع الطبري وإنما بدأ من عصر النبي صلى الله عليه
وسلم.
ورد
المؤلف على دعوى الموسوعة من أن المفسرين المعاصرين سعوا لتفسير القرآن
بما يوافق النظريات العلمية الحديثة، وقرر بهذا الشأن أن التفسيرات الحديثة
للقرآن - رغم ما نجد في بعضها من تكلف - إلا أن أكثرها كان امتداداً لثروة
النص القرآني، فالقرآن لا تنفد عطاءاته، ولا تنقضي عجائبه.
أما
الفصل الثامن - وهو آخر فصول الكتاب - فقد حمل عنوان (الترجمات). أكد
المؤلف فيه على أمور ثلاثة بخصوص ترجمة القرآن: أولها: أن ترجمة القرآن
الحرفية غير ممكنة. ثانيها: أن أكثر ترجمات القرآن يعوزها الأمانة والدقة.
ثالثها: أن من الصعب أن نجد ترجمة صحيحة لمعاني القرآن رغم كثرتها.
بهذه
الفصول الثمانية أنهى المؤلف كتابه، وقد ألحقه بترجمة علمية دقيقة للنص
الذي تم نقده من الموسوعة البريطانية، وفقاً لآخر إصدار لها، وهو الطبعة
الثالثة عشرة، قام بترجمته الأستاذ مقران كِزّو .
وقد ذكر المترجم أن المادة المترجمة لم ترد تحت مادة (القرآن)، وإنما وردت
تحت عنوان فرعي هو (مصادر الآراء العقائدية والاجتماعية في الإسلام)،
والعنوان الفرعي هذا مدرج ضمن مادة (محمد والدين الإسلامي)، المجلد الثاني
والعشرين من الطبعة الثالثة عشرة.
توصية وأمنية
حمل
الكتاب بين صفحاته توصية للمؤلف وأمنية؛ أما التوصية فهي خطاب لذوي
الاختصاص والشأن بتخصيص كل موضوع من الموضوعات التي عرض لها الكتاب بمؤلَّف
خاص، آملاً أن يكون هذا الكتاب فاتحة لأبحاث تالية من أجل إحقاق الحق. أما
الأمنية التي تمناها المؤلف فهي أن يهيأ الله لهذا الكتاب من يترجمه إلى
لغة الموسوعة الرئيسة.
ويشار
- ختاماً - إلى أن قارئ هذه الدراسة سيجد في أثناء قراءته لهذا الكتاب
متعة علمية وفكرية؛ لأنه ينتقل من موضوع إلى موضوع، وكلها موضوعات ذات قيمة
وشأن، تتعلق بكتاب الحياة والناس كافة، كل ذلك من خلال معالجة دقيقة
منصفة، هادفة غير هادمة، هادئة غير هادرة.
وقع الكتاب في (285) صفحة، وصدرت طبعته الثالثة عن دار الفتح في عمان الأردن، 1421، 2000، وهي الطبعة المعتمدة في كتابة هذه المادة.
الموضوع : وقفة مع كتاب (قضايا قرآنية) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya