موضوع: القلب ينبوع المشاعر، والعقل وعاء الفكر الجمعة 15 أبريل 2011 - 17:17
القلب ينبوع المشاعر، والعقل وعاء الفكر، القلب يوصف بالقسوة أو الرحمة، والعقل بالذكاء أو الغباء، القلب مداده الحب، والعقل غذاؤه العلم، القلب يحس، والعقل يفكر، القلب طريقه الإمتاع، والعقل طريقه الإقناع، القلب يرطب العقل، والعقل يقوي القلب، القلب وعاء الإيمان، والعقل وعاء الأدلة، القلب يتمدد حتى يستغرق الزمان المكان، و يحس بكل ذي كبد رطبة و بني الإنسان، والعقل يتسع ليشمل النظر في المُلك والملكوت لكنه قاصر عن الإدراك الكلي لهذا الكون، القلب داؤه الغفلة عن ذكر الله، والعقل داؤه الجهل ورفض الأدلة الواضحات البيِّنات، القلب يحب ويكره، والعقل يقبل ويرفض، القلب يُجذب من بعيد، والعقل يجذب من قريب، القلب يعمل بالليل والنهار في اليقظة والأحلام ، والعقل يعمل في اليقظة ويسترخي في المنام، القلب يعبِّر عن نفسه بالإشارات المغناطيسية ويُغرق العين بالمشاعر (الصب تفضحه عيونه)، والعقل يعبِّر عن نفسه من خلال الحجة الدامغة أو الشبهات الزائفة، ولقد سُمِّي الشعراء شعراء لأنهم يشعرون ويحسون ويعيشون التجربة الوجدانية قبل أن يستدعوا عقولهم للتعبير عن مشاعرهم و إلا صار شعرهم قوالب جامدة كأنهم فلاسفة عقلانيون لا مشاعر لديهم.
القائد يستعمل قلبه وعقله في إمتاع وإقناع من حوله بالهدف الأسمى، والطريق الأسنى، أما المدير فيستعمل جزءا من عقله، مهملا المشاعر والأحاسيس لأنه يعتمد على اللوائح والقوانين والقرارات.
الزوج الناجح الذي يطرق قلب زوجته قبل عقلها، ويزيد قلبها حبا وودا قبل أن يقنعها بأمر ضروري من ضرورات حياتها، والزوج الفاشل هو الذي يضع كل قضية على مائدة مستديرة أو مستطيلة لكي ينفِّد كل أمر ويقدم الأدلة على صحة اختياره وأهمية قراره، ضمة إلى القلب للابن أو البنت تستل كل السخائم، وحوار عقلي جاف كافل للفصام والخصام.
قد يعيش الإنسان مُنعمًا مترفًا مُكرَّما في مكان تشير كل دلائل العقل أنه مرتاح ولا يجوز أن يغادر، لكن حديث القلب في الحديث عن أوطان له سطوة أخرى، لذا لا ينسى ذو قلب فلسطيني أنه طُرد قصرا وحُرم قهرا أن يعود لأرضه وقدسه، فالمعركة ستظل مشتعلة حتى يستقر القلب، كيف ورسول صلى الله عليه وسلم لما عاش في المدينة ولقي من أهلها كل عون و حماية وقبول ونشر لرسالته، لكنه لما سمع شعرا يذكِّر بجبال مكة، قال للشاعر: "دع القلوب تقر"، فكل قوانين العالم لا تستطيع انتزاع الحنين إلى الأوطان، ولله در شوقي حين قال عند عودته لمصر من المنفى واصفا دموعه التي سبقته إلى الأرض التي هوى ليقبِّلها:
سبقن مقبِّلات التّرب عني و أدين التحية و الجوابا
وفي تاريخنا الفقهي، صار لدينا كما قال الدكتور محمد عمارة: " فقهاء بلا قلوب، ودراويش بلا عقول".
فلا تكن فيلسوفا بلا قلب ولا درويشا بلا عقل، ولكن الخير كل الخير أن يكون القلب ينبوعا فياضا للحب والمشاعر، والعقل مدرارا بالأفكار والمشاعل