آداب نبوية في الاستئذان
عندما يأوي الناس إلى منازلهم فإنهم يطرحون عنهم أعباء الكلفة ويتخفّفون من
ملابسهم ، ويظهر منهم ما لا يرغبون أن يطّلع عليه الآخرون ، فجاءت الشريعة
لترشد الناس إلى أدب الاستئذان صيانةً لتلك البيوت ورعايةً لأهلها
وإذا نظرنا إلى الآداب المتعلّقة بالاستئذان وجدنا أنها تنقسم إلى قسمين :
قسمٌ يتعلّق بالدخول إلى البيت ، وآخر بالحركة داخله ، أما الأوّل ، فقد
جاء النهي عن دخول البيوت قبل استئذان أهلها
، فقال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون } ( النور : 27 ) .
ويظهر حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على تعويد أصحابه على الاستئذان لا سيّما مع حديثي العهد بالإسلام والجهلة من الأعراب ،
فقد جاء في سنن الترمذي أن صفوان بن أمية ذهب إلى النبي – صلى الله عليه
وسلم – بعد إسلامه بشيءٍ من الطعام ، فدخل عليه ولم يسلّم ولم يستأذن ،
فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ارجع ، فقل: السلام عليكم ،
أأدخل ؟ ) .
وفي سنن أبي داود أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي - صلى الله عليه
وسلم - وهو في بيت فقال : ألج ؟ ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -
لخادمه : ( اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان ، فقل له : قل السلام عليكم ،
أأدخل ) ، فسمعه الرجل فقال : السلام عليكم ، أأدخل ؟ ، فأذن له النبي -
صلى الله عليه وسلم - فدخل .
وينبّه النبي – صلى الله عليه وسلم – على ضرورة حفظ النظر عند الوقوف والانتظار
فيقول : ( لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيتٍ حتى يستأذن ، فإن فعل فقد دخل ) رواه البخاري في الأدب المفرد .
ولخطورة النظر على العورات والاطلاع عليها ، أهدر النبي – صلى الله عليه وسلم – عين الناظر إلى بيوت الآخرين وأسقط عنها الدية
فقال : ( لو أن رجلا اطّلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاة – أي رميته بها -
ففقأت عينه ، ما كان عليك من جناح ) متفق عليه ، وعن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قائماً يصلي ، فاطّلع رجل في
بيته ، فأخذ سهماً من كنانته فسدّد نحو عينيه ، رواه البخاري في الأدب
المفرد .
وأخبر سهل بن سعد الأنصاري رضي الله عنه عن موقفٍ آخر ، حين اطّلع رجلٌ من
ثقبٍ في باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكان النبي - صلى الله
عليه وسلم – يسرّح شعره بمشطٍ في يده ، فقال للرجل : ( لو أعلم أنك تنظر
طعنت به في عينك ؛ إنما جعل الله الإذن من أجل البصر ) رواه مسلم .
ولأجل هذا المقصد جاء النهي أيضاً عن استقبال الباب والوقوف أمامه ، والإرشاد إلى أخذ جانبه الأيمن أو الأيسر
، فقد جاء عن طلحة عن هزيل رضي الله عنه أن رجلاً جاء إلى النبي - صلى الله
عليه وسلم - يستأذن بالدخول ، فوقف مستقبل الباب ، فقال له النبي - صلى
الله عليه وسلم - : ( هكذا عنك أو هكذا – أي اذهب يميناً أو شمالاً - فإنما
الاستئذان من النظر ) رواه أبو داود .
، وعند البخاري في الأدب المفرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم – كان إذا
أتى بابا يريد أن يستأذن لم يستقبله ، وجاء يمينا أوشمالا ، فإن أذن له
وإلا انصرف .
ومن سنن الاستئذان ألا يزيد عن ثلاث مرّات ، فإن أذن صاحب البيت وإلا انصرف
، يشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : خرجنا مع النبي
- صلى الله عليه وسلم - وهو يريد سعد بن عبادة ، حتى أتاه فسلّم فلم يؤذن
له ، ثم سلّم الثانية ثم الثالثة ، فلم يؤذن له ، فقال : ( قضينا ما علينا )
، ثم رجع فأدركه سعد فقال : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ما سلّمت من
مرة إلا وأنا أسمع وأرد عليك ، ولكن أحببت أن تكثر من السلام عليّ وعلى أهل
بيتي ، رواه البخاري في الأدب المفرد .
ويُستثنى من ذلك إذا دعى صاحب البيت الزائر وأرسل إليه من يطلبه ، فلا داعي حينئذٍ من الاستئذان ،
ويدلّ على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال : ( إذا دعي أحدكم فجاء مع الرسول فهو إذنه ) ، رواه الطبراني ، وبهذا
المعنى يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( رسول الرجل إلى الرجل إذنه )
رواه أبو داوود .
.
وينبغي للمستأذن أن يُفصح عن اسمه حتى يعرفه صاحب البيت فيتهيّأ له ، وبذلك
نفهم سرّ غضب النبي – صلى الله عليه وسلم – عندما استأذنه جابر رضي الله
عنه بالدخول ، فسأله عن اسمه
، فقال : أنا ، فقال له النبي – صلى الله عليه وسلم – : ( أنا أنا ) كأنه كرهها ، متفق عليه .
وإذا قال أهل المنزل للمستأذن : ارجع ، وجب عليه الرجوع ؛ لأنهم ما طلبوا
منه الرجوع إلا لعدم تهيّئهم لاستقباله وحصول الضرر والإحراج من دخوله ،
قال تعالى : { وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم } ( النور : 28 ) .
وللمعاني العظيمة التي شُرع لها الاستئذان جاء النهي عن الدخول على أهل
البيت عند القدوم من السفر دون إشعارٍ سابقٍ ، حتى تتهيّأ المرأة لزوجها
ولا يطّلع منها على ما يكره
، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحدّ المغيبة وتمتشط الشعثة ) متفق عليه .
وكما يُشرع الاستئذان عند الدخول ، يُشرع كذلك عند الانصراف ، وقد امتدح الله المؤمنين في سورة النور
بقوله تعالى: { إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله
وإذا كانوا معه على أمر جامع لم يذهبوا حتى يستأذنوه إن الذين يستأذنونك
أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله } ( النور : 62 ) .
وفيما يتعلّق بآداب الحركة داخل البيت فقد جاء التخفيف للمماليك والصغار أن
يتنقّلوا في البيت دون استئذانٍ للحاجة إلى ذلك ، سوى ثلاثة أوقات : قبل
الفجر ، ووقت الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء ، ففي هذه الأوقات يغلب على أهل
البيت نزع ثيابهم واللجوء إلى الفراش ، فشرع الاستئذان حينئذٍ .
وفي ثنايا التوجيهات الربّانية والسنن النبويّة التي مرّت بنا ، تظهر عظمة
الإسلام في حرصه على حفظ العرض ، واحترام الخصوصيّة ، ومراعاة مشاعر الناس ،
والله الموفق
http://www.islamweb.net/mohammad/ind...A9=A&id=143694
لمزيد من الفائده
الموضوع : آداب نبوية في الاستئذان المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya