الصحابة
رضي الله عنهم هم صدارة هذه البشرية بعد الأنبياء والرسل، تحقق فيهم رضي
الله عنهم ما لم يتحقق في غيرهم من بدء الخليقة، ولن يتحقق في غيرهم حتى
قيام الساعة. إن عوامل الخير تجمعت فيهم ما لم يتجمع في جيل قبلهم ولن
يتجمع في جيل بعدهم، فهم بحق كما وصفهم صاحب الظلال رحمة الله تعالى عليه
في معالمه، جيل قرآني فريد. كان لهم من الشرف والكرامة عند الله جل وعلا ما
ليس لغيرهم، لماذا هذا الشرف؟ ولماذا هذه الكرامة؟ لأنهم أخلصوا دينهم
لله، وجردوا متابعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم على التمام والكمال،
ودافعوا عنه في جميع الأحوال، لقد هان عليهم في سبيل هذا الدين الأموال
والأرواح والدماء، غادروا الأوطان وهي عزيزة عليهم راضين مختارين، تاركين
ورائهم كل شيء، والعجيب في تضحية أولئك الرجال، أن مغادرتهم وذهابهم كان
إلى أراضي لا عهد لهم بها، لا يعرفون شيئاً عن تلك البلاد التي ذهبوا
إليها، ذهبوا إلى أمم لا نسب لهم بها، ولا ألفة بينهم وبين أهلها، ومكثوا
وراء البحر في بلاد الحبشة سنين وأعواماً حتى أعز الله دينه، ونصر جنده،
وأعلى كلمته، خرجوا من مكة مهاجرين إلى المدينة، كل على قدر حاله وقوته،
إما سراً وإما إعلاناً، وكان من جملة المهاجرين من مكة صهيب الرومي رضي
الله عنه، تبعه نفر من قريش فقالوا له، أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك
عندنا، فبلغت ما بلغت ثم تنطلق بنفسك ومالك؟ والله لا يكون ذلك. فنـزل عن
راحلته وانتثل ما في كنانته ثم قال: يا معشر قريش لقد علمتم أني من أرماكم
رجلاً، وأيم الله لا تصلون إليّ حتى أرمي بكل سهم معي في كنانتي، ثم أضربكم
بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فافعلوا ما شئتم، فإن شئتم دللتكم على مالي
وخليتم سبيلي قالوا: نعم، ففعل، فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم قال
له: "ربح البيع أبا يحيى ربح البيع"، فنـزل قول الله تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد). هكذا كانوا رضي الله عنهم، إذا طمع غيرهم في المال والمتاع، جعلوه فداءً لعقيدتهم.
وأما
دفاعهم وذبهم رضي الله عنهم عن نبيهم، واسترخاصهم كل شيء في سبيل ذلك، فقد
نوه الله عز وجل بذلك وسجله لهم في كتابه العزيز بقوله: (ولما
رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله،
وما زادهم إلا إيماناً وتسليما، من المؤمنين رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله
عليه، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا).
لقد
حفظت لنا كتب السير والتواريخ ما أجاب به المهاجرون والأنصار النبي صلى
الله عليه وسلم، من القول الدال على عظيم استجابتهم لله ولرسوله في غزوة
بدر لما لاقوا العدو على غير ميعاد وغير استعداد، قام فيهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم خطيباً فقال: "أشيروا عليّ أيها الناس"، فقام الصديق فقال
وأحسن القول، ثم قام عمر فقال وأحسن القول، ثم قام المقداد بن عمرو فقال:
يا رسول الله امض لما أراك الله فنحن معك، والله لا نقول لك كما قالت بنو
اسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك
فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لوسرت بنا إلى برك الغماد
لجالدنا معك دونه حتى تبلغه.
وإذا
تأمل الإنسان مساومة قريش لزيد بن الدثنه عندما أخرجته قريش من مكة لتقتله
في الحل، بعد أن أسر هو وخبيب بن عدي يوم الرجيع، رأى صلابة الصحابة في
الدين، وحبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولتملّكه العجب كما تملّك أبا
سفيان بن حرب، فإنه قال لزيد بن الدثنة عندما قُدّم ليقتل: أنشدك الله يا
زيد أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه، وإنك في أهلك؟ قال
والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني
جالس في أهلي، قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب
محمدٍ محمداً.
وليس
هذا التفاني والإخلاص أحرزه الرجال دون النساء، بل كانوا جميعاً سواء،
يتسابقون في مرضاة الله ورسوله، ويتهافتون على حياض الموت في سبيل الله،
وما قصة تلك المرأة من بني دينار التي أصيب زوجها وأخوها وأبوها في غزوة
أحد، فلما جاءها نعيهم ماذا فعلت، وماذا قالت؟ قالت: ما فعل رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، إنه لا يهمها زوجها ولا أخوها ولا أبوها، إنها لا تسأل
إلا عن رسولها صلى الله عليه وسلم. فطلبت أن تراه لكي تطمئن، فلما رأته
قالت: كل مصيبة بعدك جلل، أي لا شيء. أي بشر كان هؤلاء، أنهم ولا شك بشر
لكن عجبٌ من البشر.
وأما
بذلهم للمال والمتاع، فو الله الذي لا إله إلا هو لم تشهد الأرض في مسيرة
بني آدم الطويلة عليها، أن توارث قوم فيما بينهم من غير قرابة ولا رابطة
دم، وعن طواعية واختيار، إلا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم
تتفجر ينابيع السخاء والكرم في أمة من الأمم، كما تفجرت في جيل الصحابة،
ولذلك استحقوا ثناء الله عز وجل عليهم، الذي تتلوه الألسنة على الدوام وعلى
مر السنين والأعوام: (والذين تبوأو الدار والإيمان
من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون
على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون).
إن
الصحابة رضي الله عنهم، هم أعلام الفضيلة، ودعاة الهداية، هم الذين حملوا
نور الإسلام في أنحاء المعمورة، بهم أنقذ الله البشرية من أغلال الوثنية،
أرسوا قواعد الحق والخير والعدل، نشروا كلمة الله حتى علت في الأرض، ورفرف
علم الإسلام في الآفاق. لقد بذلوا في سبيل ذلك قصارى جهدهم، سهروا من أجل
تبليغ كلمة الله، ونشرها ليلاً ونهاراً دون ملل أو كلل، بل كانوا كما أخبر
الله عنهم: (فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضَعفوا وما استكانوا).
لم يميلوا إلى دعة ولا أخلدوا إلى راحة، ولم تغرهم الحياة الدنيا بزخارفها
وبهرجها، ضحوا بكل غال ورخيص لكي يخرجوا العباد من عبادة العباد إلى عبادة
رب العباد.
هؤلاء
هم الصحابة، بشر كما قلت لكن عجب من البشر، قاموا بمعالم الدين، وناصحوا
الاجتهاد للمسلمين، حتى تهذبت طرقه، وقويت أسبابه، وظهرت آلاء الله، واستقر
دينه، ووضحت أعلامه، فأذل الله بهم الشرك، وأزال رؤوسه، ومحا دعائمه، حتى
صارت كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، فرضوان الله ورحمته
على تلك النفوس الزكية، والأرواح الطاهرة العالية، فقد كانوا في الحياة لله
أولياء، وكانوا بعد الموت أحياء، وكانوا لعباد الله نصحاء، رحلوا إلى
الآخرة قبل أن يصلوا إليها، وخرجوا من الدنيا وهم بعد فيها.
الصحابة
هم علماء الأمة، وهم أعلم الناس، بل إن من جاء بعدهم من علماء الأمة
تلاميذهم، فهؤلاء الأئمة الأربعة الذين طبق علمهم الأرض شرقاً وغرباً هم
تلاميذ تلاميذهم، لأنهم حرصوا على ملازمة النبي صلى الله عليه وسلم حتى
أخذوا عنه الكتاب والسنة، ثم بلغوهما إلى من جاء بعدهم، من غير زيادة ولا
نقصان، إذاً هم الواسطة بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كل الأمة ممن
جاء بعدهم.
إن
الله جل وتعالى لما جعل النبي محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء جعل
الصحابة أفضل الحواريين واختارهم الله تعالى لصحبة رسوله وحمل دينه وتبليغ
شرعه، فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن الصحابة هم رؤوس الأولياء وصفوة
الأتقياء وقدوة المؤمنين وأسوة المسلمين وخير عباد الله بعد الأنبياء
والمرسلين، شرّفهم الله بمشاهدة خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم
وصُحبته في السراء والضراء، وبذلهم أنفسهم وأموالهم في الجهاد في سبيل الله
عز وجل حتى صاروا خيرة الخيره، وأفضل القرون بشهادة المعصوم صلى الله عليه
وسلم، فهم خير الأمم سابقهم ولاحقهم وأولهم وآخرهم، هم الذين أقاموا أعمدة
الاسلام بسيوفهم، وشادوا قصور الدين برماحهم، واستباحوا الممالك الكسروية،
وأطفأوا الملة النصرانية والمجوسية، وقطعوا حبائل الشرك من الطوائف
المشركة العربية والعجمية، وأوصلوا دين الله إلى أطراف المعمورة شرقها
وغربها ويمينها وشمالها.
أولئك قوم شيّد الله فخرهم فما فوقه فخر وإن عظم الفخر
عن
أبي وائل قال: قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى اطلع في
قلوب العباد فاختار محمداً صلى الله عليه وسلم فبعثه برسالته، ثم نظر في
قلوب العباد بعد، فاختار له أصحاباً فجعلهم أنصار دينه ووزراء نبيه صلى
الله عليه وسلم.
قال
الطحاوي رحمه الله في عقيدته: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
ولا نفرط في حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير
الخير يذكرهم، ولا نذكرهم الا بخير، وحبهم دين وإيمان، وبغضهم كفر ونفاق
وطغيان.
وقال
أيوب السختياني رحمه الله: من أحب أبابكر فقد أقام الدين، ومن أحب عمر فقد
أوضح السبيل، ومن أحب عثمان فقد استنار بنور الله، ومن أحب علياً فقد
استمسك بالعروة الوثقى، ومن قال الحسنى في أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
فقد برئ من النفاق.
لقد
عُزلت هذه الأمة طويلاً عن دراسة تاريخ أسلافها، وأفلح خصومها في إحداث
فجوةٍ سحيقةٍ بين ماضيها وحاضرها لتظل غارقةً في نومها، واليوم وقد بدأت
الأمة تستيقظُ من غفلتها، وتستردُ شيئاً من عافيتها، فقد آن الأوان أن تعيد
دراستها لتاريخها المجيد، وتتأمل منهج الأصحابِ في صناعةِ ذلك المجدِ
الفقيد، لتأخذَ العبرةَ وتستلهم الفكرةَ وتكرر المحاولة، فلن يصلح حالُ آخر
هذه الأمة إلا بما صلح به حالُ أولها. لم لا وإن من أولويات ما تجبُ
دراسته هو تأمل عوامل النجاح التي من خلالها تمكن الصحابةَ من حمل الإسلام
إلى العالم، و نشر الدين في أصقاع المعمورة، حتى وصلت خيولُ المسلمين إلى
أطراف الصين شرقاً، و قرعت أبواب فرنسا الصليبية غرباً، فما سر نجاحهم يا
ترى؟ كيف نجحوا في بلوغ غاياتهم وتحقيق أهدافهم؟ وكيف أسعدوا البشرية بنور
الوحيين الشريفين وخلصوا الإنسانية من جحيم الجاهلية ونتنها.
إن ثمة عوامل متعددة وأسباباً مهمة أفرزت ذلك النجاح الباهر وحققت ذلك الإنجاز المعجزة، يقف على رأسها وهو العامل الأول:
قوة العزيمة وصلابة الإرادة، هذه مدينة النبي صلى الله عليه وسلم تموج
وتضطرب حيث ذهلت النفوس، وحارت العقول، وتشنجت الأعصاب، وذهب الحزم
والصواب، وقد أُشعل ذلك الإعلان المهيب وأُشعل الفتنة، فارتدت القبائل عن
الإسلام، وعطلت الجمعة فلم تعد تقام إلا في مكة والمدينة، في مثل هذه
الفتنة العمياء، ومواجهة المرتدين بحزمٍ وبأس نادرين، فيأتيه أعقل الناس
وأشدهم بأساً في دين الله، يأتيه عمر فيقول: يا خليفة رسول الله كيف تقاتل
الناس وقد قال رسول الله r
أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم
مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله، كيف تقاتلهم يا خليفة رسول الله؟
فيجيبه الصدّيق بلغة الواثق ومنطق المطمئن، والله لأقاتلن من فرق بين
الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى
الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، إنها العزيمة الحديدية والإرادة الفولاذية،
التي لا تصلح السياسة إلا بها، لقد كان الصدّيق بدهائه الخارق يدرك أن أي
إبطاءٍ في تأديب المرتدين الساخرين من شرائع الإسلام، الراغبين في خلخلة
وحدةِ الأمة من خلال تصرفاتهم اللامسؤولة، كان يدرك أن أي إبطاءٍ في تأديب
هؤلاء كفيل بإحداث انهيار مدمر وشرخ خارق في صرح الإسلام، ذلك الصرح الذي
بني بدماء القتلى والشهداء، وسُقي بأنهار من الدموع والبكاء، إنك لتعجب من
موقف أبي بكر وإصراره على قتال المرتدين، ولكنك تعجب أكثر من عزمه في الوقت
نفسه على إنفاذ جيش أسامة الواقف على أطراف المدينة ويقسم صادقاً: والله
لا أُحل عقدة عقدها رسول الله r
حتى لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين، وحتى لو لم يبق في المدينة غيري.
هذه العزيمة الخارقة والإرادة الصلبة سر من أسرار نجاحهم، وعامل من عوامل
إبداعهم.
وأما العامل الثاني: فيتضح لك من خلال مشهد ذلك الأعرابي يوم دخل على رسول الله r فقال: "يا
ابن عبد المطلب، أسألك بربك ورب من قبلك ءآلله أرسلك؟. قال: نعم. قال
ءآلله أمرك أن نصلي خمس مرات في اليوم والليلة؟. قال: نعم. قال ءآالله أمرك
أن نصوم هذا الشهر من السنة؟. قال: نعم. قال ءآالله أمرك أن تأخذ هذه
الصدقة فتدفعها للفقراء والمساكين؟. قال: نعم. قال الأعرابي: آمنت بك يا
محمد و بما جئت به، وأنا ضمام بن ثعلبة، وإني رسول من ورائي من قومي".
تأمل رحمك الله، فلقد أعلن ضمام إسلامه في الحال، وأعلن على الفور بأنه
سيكون داعية الإسلام في قومه، فلم تكن مسافة زمنية تذكر بين تعلم ضمام
مبادئ الإسلام وبين انطلاقته داعياً إلى تلك المبادئ، لقد شعر بواجبه
بداهةً وحتى قبل أن يتلقى من النبي أمراً أو توجيهاً بضرورة العمل، إذ أن
ذلك أمرٌ بديهي في حس المؤمن لا يحتاج إلى تأكيده والإلحاح به، فالشعور
بضرورة العمل ووجوب البلاغ والدعوة أمر منتهي ومسألة محسومة في حس الصحابة
رضي الله عنهم، إنك لتجد كما في صحيح البخاري أن رجلاً مقنعاً بالحديد جاء
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله أسلم أو أقاتل؟ قال بل أسلم ثم قاتل، فأسلم فقاتل حتى قتل".
هذا الرجل يشعر بفطرته ويدرك بجبلته بحتمية العمل وتنتابه رغبة شديدة في
الجهاد بالرغم من أن فكرة الإسلام لا زالت مجرد هاجس في ذهنه لم تترجم بعد
إلى إعلان حقيقي، مع هذا يأتي متسائلاً أيسلم أولاً أم يقاتل أولاً؟.
وأما العامل الثالث
من عوامل نجاحهم: فهو إيثار ما عند الله وتقديم الآخرة على الفانية. هذا
أبو خيثمة يرجع إلى أهله في يوم شديد الحر لافح السمومِ فيجد إمرأتاه في
عريش لهما داخل بستان وقد رشت كل واحدة منهما عريشها وبردت فيه ماءً وهيأت
طعاماً، فلما دخل وقف على باب العريش فنظر إلى زوجتيه ما صنعتا له فقال:
رسول الله في الضح والريح والحر وأبو خيثمة في ظل بارد وطعام مهيأ وامرأة
حسناء، ما هذا بالعدل، ما هذا بالعدل، والله لا أدخل عريشاً واحدةٍ منكما
حتى التحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فهيئا له زاداً فارتحل لاحقاً
برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك. انظر يا رعاك الله كيف يكون الزهد
في العرض الزائل والمتاع الرخيص إيثاراً لما عند الله، ماءٌ بارد وطعامٌ
مهيأ وزوجة حسناء وروضة غناء، فلا يكترث لشيء منها ولا يلتفت يعبأ بها،
ولكن هيئوا لي دابتي واحزموا لي متاعي، فليس من الإنصاف أن أهنأ بالنعيم
ورسول الله في الضح والحر.
ولئن
عجبت من زهد أبي خيثمة وإصراره على اللحاق برسول الله صلى الله عليه وسلم
يوم تبوك راكباً بعيره مستقلاً دابته، فأعجب منه أبو ذر الغفاري رضي الله
عنه حين ركب بعيره لاحقاً برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك أيضاً،
فيستعصي عليه بعيره ويصعب عليه قياده، فينطلق ماشياً على قدميه يشق المغاور
وحده، تحرقه الشمس ويلفحه السموم وتسمه الريح، فلما هذا يا صاحب رسول
الله؟ أما كان يسعك أن تتعجل عائداً إلى المدينة بعد أن فقدت الظهر،
واستعصت عليك دابتك؟ لما كل هذا العناء؟ لما كل هذا يا صاحب رسول الله؟.
إنه الإيثار لما عند الله والحماسة لهذا الدين والإخلاص لنصرته، لذا لم يكن
استعصاء بعير أبي ذر يحتاج منه إلى مراجعة حساباته لينظر أينطلق إلى تبوك
أم يعود إلى المدينة؟.
وأمَّا العامل الرابع
من عوامل نجاحهم في حمل الإسلام وإبلاغه للناس كافة: فهو شجاعة القلب
ورباطة الجأش. لن نذكر خالداً وبسالته، ولا الزبير وصلابته، ولا المقداد
وصولته، ولا سعداً وجولاته، ولكن أسماء المرأة الضعيفة البنية، الكفيفة
البصر، نذكر أسماء في موقفها مع الحجاج يوم قتل ابنها وصلبه على جدار
الكعبة، فأرسل إليها لتأتي فامتنعت، فأرسل إليها ثانية لتأتي أو لأبعثن من
يسحبك من قرونك، فقالت: لستُ آتيةً وليبعث من يسحبني من قروني، فجاءها
الظالم بنفسه فدخل عليها فقال: كيف رأيتيني صنعتُ بعبد الله، يقصد ابنها،
قالت: أرى أنك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، أما إن رسول الله صلى
الله عليه وسلم قد أخبرنا أنه سيكون في ثقيف دجال ومبير، أما الدجال فقد
عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. فانصرف خاسئاً وهو حسير، أما
الدجال فقد عرفناه، وأما المبير فلا أخاله إلا أنت. تقوله لمن؟ لرجل لا
تعرف الرحمة طريقاً إلى قلبه ولا الشفقة سبيلاً إلى فؤاده، وبمثل هذه
الشجاعة كانت كلمة الحق ترفرف في العلياء لا يخاف قائلها في الله لومة
لائم.
العامل الخامس
من أسرار نجاحهم وعوامل انتصارهم: تلك الروح الجماعية في الأداء. فقد
كانوا أشبه ما يكونون بفريق عملٍ موحد، لا يجد أحدهم أدنى عضاضة بأن يعمل
في أي موقع يوجه إليه ما دام يشعر بأنه يخدم دينه وعقيدته. استعمل أبو بكر
عمرو بن العاص على صدقات قضاعة، ثم كتب إليه يستنفره إلى الشام، فقال إني
كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد
أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك، إلا أن يكون
الذي أنت فيه أحب إليك؟ فكتب إليه عمرو رضي الله عنه: إني سهم من سهام
الإسلام، وأنت عبد الله الرامي بها والجامع لها، فانظر أشدها وأخشاها فارم
بي فيها. سبحانك إلهي! أي رجال هؤلاء، إن عمرواً لا يرى نفسه إلا مجرد سهمٍ
في كنانة الإسلام، يُرمى بالسهم أنى تكون مصلحة الإسلام. وأبلغ من موقف
عمرو موقف خالد يوم كتب إليه عمر يأمره بتسليم قيادة الجيش لأبي عبيدة مع
أن سيفه لا يزال يقطرُ من دماء الروم، فيسلمها أبا عبيدة بكل تواضع ويعود
جندياً بين الجنود بل أسداً ضمن الأسود، فلم تكن المناصب تحرك شعرةً في
رؤوسهم أو تساوي بعرة في نفوسهم، فقد تركوها يتطاحن عليها الفارغون، وطاروا
إلى الجنة بمنصب خدمة الإسلام، و لُقّبوا عباد الرحمن الذين يمشون على
الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
إننا
اليوم في مرحلةٍ ينبغي أن نتجاوز فيها مهزلة توزيع المسئوليات وتقسيم
الواجبات على الآخرين، في مقابل الفرجة التامة والعزلة الكاملة، فإن ثمة
أقواماً يُجيدون اللوم وإلقاء التبعة على الآخرين، أما هم فقد حازوا شهادة
براءةٍ وصكوك غفرانٍ، فلا عليهم بعد ذلك أن يقبعوا في جحورهم ويركنوا في
زواياهم دون عمل شيء لخدمة الإسلام، لقد حقق أسلافنا المعجزات وقهروا
المعضلات بقوة عزائمهم وحسن توكلهم وشدة بأسهم وجماعية أدائهم، ونحن اليوم
قادرون على إعادة الكرة بإذن الله وتحقيق المعجزة بحول الله، متى تشبهنا
بأولئك الأخيار واقتفينا آثارهم، والله جل وتعالى يقول: (وكان حقاً علينا نصرة المؤمنين).
وأخيراً ماذا يجب علينا تجاه الصحابة؟:
وبعدما
عرفنا بأن الصحابة بهذه المرتبه، وبهذه المنـزله والمكانه، وبعدما سمعنا
طرفاً من حياتهم وما قدموه فى سبيل خدمه الدين. يأتى السؤال: ماذا يجب
علينا تجاه الصحابه؟.
إن
الذى يجب علينا تجاه الصحابه الكثير والكثير يكفيهم، بأن لهم فى أعناقنا
أن هذا الدين ما وصلنا إلا عن طريقهم، وأننا لم نهتدى إلى شرع الله إلا
بواسطتهم، فهم نقله الشريعه، وحملة الملة، وهم الواسطة بيننا وبين رسول
الله صلى الله عليه وسلم فالذى يجب علينا تجاههم:
أولاً: حبهم:
من
عقائد أهل السنه والجماعه، وجوب محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعظيمهم وتوقيرهم وتكريمهم، ويحرم بغض أحد من الصحابه البته قال الله
تعالى: (والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا
ربنا إنك رءوف رحيم). وروى الترمذى بإسناده إلى عبد الله بن مغفل المزنى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله
الله فى أصحابى، لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبى أحبهم، ومن
أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن أذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن
آذى الله يوشك أن يأخذه". هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فى
بغض الصحابه، فكيف بالذى يناصبهم العداوة ويسبهم ويشتمهم، بل ربما قال
بكفرهم والعياذ بالله، نعوذ بالله من الخذلان.
سئل
الحسن البصرى رحمه الله تعالى: حب أبى بكر وعمر رضى الله عنهما سنه؟ قال:
لا، فريضة. وقال الإمام الطحاوى رحمه الله تعالى فى عقيدته: "ونحب أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نفرط فى حب أحد منهم، ولا نتبرأ من أحد
منهم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، ولا نذكرهم إلا بخير، وحبهم دين
وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان".
ثانياً: الدعاء والاستغفار لهم:
وهذا
أمر يغيب على كثير من الناس، بل كثير من خواص المسلمين من يغفل هذه
القضية، بل البعض من طلبه العلم لا يعلم أن من حق الصحابه عليه أن يدعو لهم
وأن يستغفر لهم. من حق الصحابه الكرام رضى الله عنهم على كل من جاء بعدهم
من عباد الله المؤمنين أن يدعو لهم ويستغفر لهم ويترحم عليهم، وذلك لما لهم
من الفضل على من أتى بعدهم. قال الله تعالى: (والذين
جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان،
ولا تجعل فى قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا انك رؤف رحيم) وقد فهم
أهل السنة والجماعة أن المراد من الآية السابقة الأمر بالدعاء والاستغفار
من اللاحق للسابق، ومن الخلف للسلف الذين هم أصحاب رسول الله صلى الله علية
وسلم.
روى
مسلم فى صحيحه بإسنادة إلى هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة: يابن
أختي أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسبوهم". قال
الإمام النووي رحمه الله تعالى: قولها "أُمروا أن يستغفروا لأصحاب النبي
صلى الله عليه وسلم فسبوهم" قال القاضي: الظاهر أنها قالت هذا عندما سمعت
أهل مصر يقولون فى عثمان ما قالوا، وأهل الشام فى علي ما قالوا، والحرورية
فى الجميع ما قالوا. وذكر الإمام البغوي رحمه الله عند تفسيره لقوله تعالى:
(والذين جاءوا من بعدهم) عن مالك قال: عامر
الشعبى: يا مالك تفاضلت اليهود والنصارى الرافضة بخصلة، سُئلت اليهود: من
خير أهل ملّتكم، فقالوا: أصحاب موسى عليه السلام، وسئلت النصارى: من خير
أهل ملّتكم، فقالوا حواري عيسى عليه السلام، وسئلت الرافضة: من شر أهل
ملّتكم، فقالوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، أُمروا بالاستغفار لهم
فسبوهم، فالسيف عليهم مسلول إلى يوم القيامة.
ثالثاً: الشهادة لهم جميعاً بالجنة:
فأولاً: نشهد لأناس مخصوصين سماهم النبى صلى الله عليه وسلم بأسمائهم أنهم فى الجنة.
ثانياً: نشهد لجميع الصحابة على العموم بالجنة بنص كتاب الله.
فأما
الذين شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائهم ففي مقدمتهم العشرة
المبشرين بالجنة. وبلال بن رباح، لما روى مسلم فى صحيحه من حديث أبى هريرة
رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لبلال عند صلاة الغداة: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام،
فإني سمعت الليله خشف نعليك بين يدى فى الجنة، قال بلال ما عملت عملاً في
الاسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل أو
نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لى أن أصلي. وأيضاً ممن شهد له الرسول بالجنه زيد بن حارثه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فاستقبلتني جارية شابة فقلت لمن أنت؟ قالت أنا لزيد بن حارثة".
وممن شهد لهم الرسول الله صلى الله عليه بالجنة حاطب بن أبى بلتعة، وعكاشه
بن محصن، وسعد بن معاذ، وثابت بن قيس بن شماس، وحارثة بن سراقة، وعبد الله
بن سلام، وأم سليم بنت ملحان، وكل هؤلاء قد ثبت فى حقهم أحاديث صحاح.
وهناك جماعة من أهل بيت النبوة غير علي بن أبى طالب رضى الله عنه وردت نصوص
عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها دلاله واضحه في أنهم ممن يقطع لهم بدخول
الجنة منهم: أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فقد بشرها رسول الله صلى الله
علية وسلم ببيت فى الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب، وابنته فاطمة أخبر
بأنها سيدة نساء أهل الجنة، وولداها الحسن والحسين أخبر بأنها سيدا شباب
أهل الجنة، كما شهد صلى الله عليه وسلم لخلق كثير من الصحابة على سبيل
الجمع كأهل بدر وأهل بيعه الرضوان.
أما القسم الثانى فهو الشهادة لجميع الصحابه بالجنة من مهاجرين وأنصار حسب وعد الله لهم بالحسنى وهى الجنة كما قال تعالى: (لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجه من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى) فالصحابة كلهم إما منفق من قبل الفتح ومقاتل، أو منفق من بعد الفتح ومقاتل، وكلاً وعد الله الحسنى وهي الجنة.
رابعاً: مما يجب علينا تجاه الصحابه، تحريم سبهم:
إعلم أن سب أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم محرم بنص كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه) والذي يرضى عنه الله لا يسخط عليه أبداً فدلت الآية على تحريم سبهم. وقال جل وعز: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله فى الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهيناً) ولا شك بأن سب الصحابة فيه إيذاء لله ولرسوله. قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه".
وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: "ومن سب
أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين" والحديث صحيح.
فكل
هذه النصوص وغيرها تدل على تحريم سب الصحابة وأن من فعل ذلك فقد أنزل نفسه
أقبح المنازل وتجرأ على خيار المؤمنين وعصى سيد المرسلين. وقد كان السلف
رحمهم الله تعالى يشنعون على من سب الصحابة وكانوا يعدون هذا الأمر جرماً
عظيماً.
روى
ابن بطة باسناده إلى هارون بن زياد قال: سمعت الفريابى ورجل يسأله عمن شتم
أبا بكر فقال: كافر، قال فنصلى عليه، قال: لا، فسألته كيف نصنع به وهو
يقول: لا إله إلا الله، قال: لا تمسوه بأيديكم ادفعوه بالخشب حتى تواروه فى
حفرته. وقال بشر بن الحارث: من شتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
فهو كافر وإن صام وصلى وزعم أنه من المسلمين. وقال أبو بكر المروزى : سألت
أبا عبد الله عمن شتم أبا بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله تعالى عنهم
فقال: ما أراه على الإسلام. وقال محمد بن بشار قلت لعبد الرحمن بن مهدى،
أحضر جنازة من سب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو كان من
عصبتى ما ورثته. فهذه الآثار عن هؤلاء الأئمة كلها دلت على تحريم سب
الصحابة عموماً أو فيها بيان الخسارة الواضحة التى تلحق من أقحم نفسه فى
هذا الجرم الكبير. فكيف بالذى اتخذ سب الصحابة ديناً له، فأي دين هذا الذي
يدينون به وأي عقيدة هذه التي يعتقدونها.
وقد
ذهب جمع كبير من أهل العلم إلى القول بتكفير من سب الصحابة، وأنهم ليسوا
بمسلمين وإن ادعوا الإسلام وأن عقوبته القتل. قال شيخ الإسلام ابن تيميه
رحمه الله: "وقد قطع طائفه من الفقهاء من أهل الكوفه وغيرهم بقتل من سب
الصحابة".
هذا
بالنسبة لعموم الصحابة أما من سب عائشة رضى الله عنها وطعن فى براءتها،
فإن أهل العلم من أهل السنة والجماعة أجمعوا قاطبة على أن من طعن فيها بما
برأها الله منه وبما رماها به المنافقون من الإفك فإنه كافر مكذب بما ذكره
الله فى كتابه من إخباره ببراءتها وطهارتها، وقالوا إنه يجب قتله لأنه
يعتبر قد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل.
عجبٌ
والله، كيف يُطعن في أناس اختارهم الله أن يكونوا هم جلساء الرسول صلى
الله عليه وسلم، وهم ثلته وجماعته، الذين يرافقونه في سفره وإقامته، وفي
ذهابه ومجيئه.
قال
أبوزرعة الرازي رحمه الله: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه
وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب
والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة".
إن
التطاول على الصحابة رضي الله عنهم والجرأة في تنقُّصهم سنّة الزنادقة
وأهل الأهواء قديماً وحديثاً. واللافت للنظر أن هذه الجرأة ازدادت حدّتها
في الآونة الأخيرة بشكل يثير الاستغراب، تارةً باسم النقد التاريخي، وتارةً
باسم البحث العلمي، وتارةً تحت عنوان حرية الفكر. والجديد في هذا السياق
أمران:
الأول:
أن الباطنيين راحوا يؤزّون بعض أهل الأهواء من العلمانيين والليبراليين
وخاصة بعض أُغَيْلِمَة الصحافة لمثل هذه المرتقيات الصعبة، ويستثيرونهم
لافتعال ذلك النقد المزعوم دون تحقيق علمي أو دراسة موضوعية، وصدق المولى
جلَّ وعلا: (وَإخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُون).
الثاني:
تطاول بعض أهل الفنِّ على الصحابة رضي الله عنهم من خلال المسلسلات
التاريخية التي هدفها في الظاهر إبراز مآثر المسلمين التاريخية وفي باطنها
لمزُ بعض الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم وإسقاط هيبتهم والعبث بتاريخهم.
لقد أدرك علماء الأمة منذ وقت مبكر أن القدح في الصحابة رضي الله عنهم قدحٌ
في النبي صلى الله عليه وسلم، وقدحٌ في دين الإسلام، ولهذا اشتدَّ نكيرهم
على أولئك المتطاولين، وتواتر تحذيرهم منهم، وها هو ذا الإمام مالك رحمه
الله يقول في الذين يسبون الصحابة رضي الله عنهم: "إنما هؤلاء أقوام أرادوا
القدح في النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه، حتى
يُقال: رجل سوء، ولو كان رجلاً صالحاً لكان أصحابه صالحين". وقد آن الأوان
أن نجتهد في الذبِّ عن الصحابة رضي الله عنهم، ونبرز مآثرهم وسيرهم
العطرة، ونقدّمهم قدوات مباركات يهتدي بها من أراد الهداية (رَبَّنَا
اغْفِرْ لَنَا وَلإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ وَلا
تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إنَّكَ
رَءُوفٌ رَّحِيم).
ورحم الله الإمام القحطاني إذ يقول في نونيته:
قل إن خير الأنبياء محمدٍ وأجل من يمشي على الكثبان
وأجل صحب الرسل صحب محمد وكذاك أفضل صحبه العُمران
إلى قوله:
لا تركنن إلى الروافض إنهم شتموا الصحابة دونما برهان
لَعنوا كما بغضوا صحابة أحمد وودادهم فرض على الإنسان
حب الصحابة والقرابة سنة ألقى بها ربي اذا أحياني
والحمد لله ...
المصدر موقع فضيلة الشيخ الدكتور ناصر بن محمد الاحمد
الموضوع : هكذا كان الصحابة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya