وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ
قيل : المراد مؤمنو أهل الكتاب
, كعبد الله بن سلام وفيه نزلت , ونزلت الأولى في مؤمني العرب . وقيل :
الآيتان جميعا في المؤمنين , وعليه فإعراب " الذين " خفض على العطف , ويصح
أن يكون رفعا على الاستئناف أي وهم الذين . ومن جعلها في صنفين فإعراب "
الذين " رفع بالابتداء , وخبره " أولئك على هدى " ويحتمل الخفض عطفا .
بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ : يعني القرآن
وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ
يعني الكتب السالفة , بخلاف ما فعله اليهود والنصارى حسب ما أخبر الله عنهم في قوله : " وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا " [ البقرة : 91 ] الآية . ويقال : لما نزلت هذه الآية : " الذين يؤمنون بالغيب " قالت اليهود والنصارى : نحن آمنا بالغيب , فلما قال : " ويقيمون الصلاة " [ البقرة : 3 ] قالوا : نحن نقيم الصلاة , فلما قال " ومما رزقناهم ينفقون " قالوا : نحن ننفق ونتصدق , فلما قال : " والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك " نفروا من ذلك . وفي حديث أبي ذر قال قلت : يا رسول الله كم كتابا أنزل الله ؟ قال : (
مائة كتاب وأربعة كتب أنزل الله على شيث خمسين صحيفة وعلى أخنوع ثلاثين
صحيفة وعلى إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف وأنزل
التوراة والإنجيل والزبور والفرقان ) . الحديث أخرجه الحسين الآجري
وأبو حاتم البستي . وهنا مسألة : إن قال قائل : كيف يمكن الإيمان بجميعها
مع تنافي أحكامها ؟ قيل له فيه جوابان : أحدهما - أن الإيمان بأن جميعها
نزل من عند الله , وهو قول من أسقط التعبد بما تقدم من الشرائع . الثاني -
أن الإيمان بما لم ينسخ منها , وهذا قول من أوجب التزام الشرائع المتقدمة ,
على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .
وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ
أي وبالبعث والنشر هم عالمون . واليقين : العلم دون الشك ,
يقال
منه : يقنت الأمر ( بالكسر ) يقنا , وأيقنت واستيقنت وتيقنت كله بمعنى ,
وأنا على يقين منه . وإنما صارت الياء واوا في قولك : موقن , للضمة قبلها ,
وإذا صغرته رددته إلى الأصل فقلت مييقن والتصغير يرد الأشياء إلى أصولها
وكذلك الجمع . وربما عبروا باليقين عن الظن , ومنه قول علمائنا في اليمين
اللغو : هو أن يحلف بالله على أمر يوقنه ثم يتبين له أنه خلاف ذلك فلا شيء
عليه , قال الشاعر : تحسب هواس وأيقن أنني بها مفتد من واحد لا أغامره يقول
: تشمم الأسد ناقتي , يظن أنني مفتد بها منه , وأستحمي نفسي فأتركها له
ولا أقتحم المهالك بمقاتلته فأما الظن بمعنى اليقين فورد في التنزيل وهو في
الشعر كثير , وسيأتي . والآخرة مشتقة من التأخر لتأخرها عنا وتأخرنا عنها ,
كما أن الدنيا مشتقة من الدنو , على ما يأتي .
الموضوع : مع الآية الرابعة من البقرة وتفسير القرطبى المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya