" ولا يظلمون فتيلاً "
محمد بن إبراهيم الحمد
يلحظ
الإنسان من نفسه، ومن حال كثير من الناس - الحرص على إبراز الفضائل
والمواهب والمميزات، وأن يعلم الناس ما لدينا من المحامد والمكارم وما إلى
ذلك.
وتلك غريزة لا ينفك منها الإنسان، فمستقل ومستكثر، ومجاهد نفسه، ومسترسل مع هواه، يقول أبو الطيب:
يهوى الثناء مبرز ومقصر حب الثناء طبيعة الإنسان
وقد يعذر الإنسان بإظهار ما لديه من الفضل إذا كان يدفع عن نفسه ريبة، أو منقصة، أو ما إلى ذلك.
ويعذر إذا قال ذلك على سبيل الإخبار، أو التبشير.
ويعذر
كذلك إذا نوى بذلك أن يقتدي به من حوله، ويعذر - كذلك - إذا كان يتحدث إلى
بعض خاصته ممن يرفع الكلفة بينه وبينهم، وكان ذلك لماماً لا عادة.
أما إذا كان ذلك دأباً للإنسان يتكلم به بمناسبة وبغير مناسبة وعند كل أحد من الناس - فإن ذلك منقصة.
ويقبح ذلك إذا كان قولاً بلا عمل، أو إذا أراد به صاحبه الزراية بالآخرين.
وما على الإنسان إلا أن يجاهد نفسه على البعد عن ذلك الخلق.
ومما يعين على ذلك أن يستحضر الإنسان أنه إذا كان زاكياً فاضلاً - فلن يضيع الله له ذلك؛ فهو - عز وجل - شكور عدل.
قال - عز وجل -: ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلْ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ).
ومما
يعين على ذلك أن يدرك الإنسان أنه إذا ترك الحديث عن نفسه تكلمت عنه
أعماله، وأنه إذا صبر على ذلك ظهر فضله، وإذا أبدى ذلك ربما عابه الناس على
ذلك.
قال: ابن المقفع: " وإن آنست من نفسك فضلاً فتحرَّجْ أن تذكره، أو تبديه.
واعلم أن ظهوره منك بذلك الوجه يقرر لك في قلوب الناس من العيب أكثر مما يقرر لك من الفضل.
واعلم أنك إن صبرت، ولم تعجل ظهر ذلك منك بالوجه الجميل المعروف عند الناس.
ولا
يخفين عليك أن حرص الرَّجل على إظهار ما عنده وقلة وقاره في ذلك باب من
أبواب البخل واللؤم، وأن خير الأعوان على ذلك السخاء والتكرم.
وإن أردت
أن تلبس ثوب الوقار والجمال، وتتحلى بحلية المودة عند العامة، وتسلك الجدد
(1) الذي لا خبار فيه(2) ولا عِثار(3) - فكن عالماً كجاهل، وناطقاً كعيي؛
فأما العلم فيزينك ويرشدك، وأما قلة ادعائه فتغني عنك الحسر، وأما المنطق -
إذا احتجت إليه - فيبلغك حاجتك، وأما الصمت فيكسبك المحبة والوقار " اهـ
----------------------------
1- الجدد: الأرض المستوية.
2- الخبار: ما استرخى من الأرض.
3- العثار: الزلل.
الموضوع : "ولا يظلمون فتيلاً " المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya