إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ
" إياك نعبد " رجع من الغيبة إلى الخطاب على التلوين ; لأن من أول السورة إلى هاهنا خبرا عن الله تعالى وثناء عليه , كقوله " وسقاهم ربهم شرابا طهورا " [ الإنسان : 21 ] . ثم قال : " إن هذا كان لكم جزاء " . وعكسه : " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم " [ يونس : 22 ] على ما يأتي .
و " نعبد "
معناه نطيع ; والعبادة الطاعة والتذلل. وطريق معبد إذا كان مذللا للسالكين
; قاله الهروي . ونطق المكلف به إقرار بالربوبية وتحقيق لعبادة الله تعالى
; إذ سائر الناس يعبدون سواه من أصنام وغير ذلك .
" وإياك نستعين "
أي نطلب العون والتأييد والتوفيق . قال السلمي في حقائقه : سمعت محمد بن
عبد الله بن شاذان يقول : سمعت أبا حفص الفرغاني يقول : من أقر ب " إياك نعبد وإياك نستعين " فقد برئ من الجبر والقدر . إن قيل : لم قدم المفعول على الفعل ؟
قيل له : قدم اهتماما , وشأن العرب تقديم الأهم. يذكر أن أعرابيا سب آخر
فأعرض المسبوب عنه ; فقال له الساب : إياك أعني : فقال له الآخر : وعنك
أعرض ; فقدما الأهم. وأيضا لئلا يتقدم ذكر العبد والعبادة على المعبود ;
فلا يجوز نعبدك ونستعينك , ولا نعبد إياك ونستعين إياك ; فيقدم الفعل على
كناية المفعول , وإنما يتبع لفظ القرآن. وقال العجاج : إياك أدعو فتقبل
ملقي واغفر خطاياي وكثر ورقي ويروى : وثمر . وأما قول الشاعر : إليك حتى
بلغت إياكا فشاذ لا يقاس عليه. والورق بكسر الراء من الدراهم , وبفتحها
المال . وكرر الاسم لئلا يتوهم إياك نعبد ونستعين غيرك . الجمهور من القراء
والعلماء على شد الياء من " إياك " في الموضعين . وقرأ عمرو بن قائد : " إياك "
بكسر الهمزة وتخفيف الياء , وذلك أنه كره تضعيف الياء لثقلها وكون الكسرة
قبلها . وهذه قراءة مرغوب عنها , فإن المعنى يصير : شمسك نعبد أو ضوءك ;
وإياة الشمس ( بكسر الهمزة ) : ضوءها ; وقد تفتح . وقال : سقته إياة الشمس
إلا لثاته أسف فلم تكدم عليه بإثمد فإن أسقطت الهاء مددت . ويقال : الإياة
للشمس كالهالة للقمر , وهي الدارة حولها . وقرأ الفضل الرقاشي : " أياك " (
بفتح الهمزة ) وهي لغة مشهورة . وقرأ أبو السوار الغنوي : " هياك " في
الموضعين , وهي لغة ; قال : فهياك والأمر الذي إن توسعت موارده ضاقت عليك
مصادره "وإياك نستعين " عطف جملة على جملة . وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش : " نستعين " بكسر النون , وهي لغة تميم وأسد وقيس وربيعة ; ليدل على أنه من استعان , فكسرت النون كما تكسر ألف الوصل . وأصل " نستعين " نستعون
, قلبت حركة الواو إلى العين فصارت ياء والمصدر استعانة , والأصل استعوان ;
قلبت حركة الواو إلى العين فانقلبت ألفا ولا يلتقي ساكنان فحذفت الألف
الثانية لأنها زا ئدة , وقيل الأولى لأن الثانية للمعنى , ولزمت الهاء عوضا
.
الموضوع : مع لاأية الخامسة من ام القرآن الكريم تفسير القرطبي المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya