و احتجوا بالأحاديث التي أوردها أخونا الفاضل في موضوعه
فنقول بفضل الله
العبادة توقيفية
(( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ))أخرجه : البخاري ومسلم
فالذكر الجماعي لم يأمر به النبي صلى الله عليه و سلم ، ولا حث الناس عليه ، ولو أمر به أو حث عليه لنُقل ذلك عنه عليه الصلاة والسلام . وكذلك لم يُنقل عنه الاجتماع للدعاء بعد الصلاة مع أصحابه
روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال : (( كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه : أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير . فكتب إليه عمر : أقبل وأقبل بهم معك فأقبل . فقال عمر ، للبواب : أعِدَّ سوطاً ، فلما دخلوا على عمر ، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط . فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني ، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق ))ما جاء في البدع لابن وضاح ( 54 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 558 ) . وسنده حسن
عن أبي البختري قال : أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبروا الله كذا ، وسبحوا الله كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا ، واحمدوه كذا وكذا . قال عبد الله : فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني ، فأخبرني بمجلسهم . فلما جلسوا، أتاه الرجل ، فأخبره . فجاء عبد الله بن مسعود، فقال : والذي لا إله إلا غيره ، لقد جئتم ببدعة ظلماً ، أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً . فقال عمرو بن عتبة : نستغفر الله . فقال : (( عليكم الطريق فالزموه ، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً )) .( 1 / 68 - 69 ) بإسناد جيد ، وابن وضاح في البدع ( ص 8 - 10 ، 11 ، 12 ، 13 ) من عدة طرق عن ابن مسعود . وابن الجوزي في تلبيس إبليس ( ص 16 - 17 ) ، وأورده السيوطي في الأمر بالاتباع ( ص 83 - 84 ) قال محقق كتاب ( الأمر بالاتباع ) للسيوطي : (( والأثر صحيح بمجموع طرقه )) .
روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال : (( بينما نحن في المسجد ، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي . فأرسل إليَّ أبي . فوجدته قد احتجز معه هراوة له . فأقبل عليَّ . فقلت : يا أبت ! مالي مالي ؟! قال : ألم أرك جالساً مع العمالقة ؟ ثم قال : هذا قرن خارجٌ الآن ))
(ابن وضاح في البدع والنهي عنها ( ص 32 رقم 32 ) ، وابن أبي شيبة في المصنف ( 8 / 559 ).)
قال الشاطبي : (( الدعاء بهيئة الاجتماع دائماً لم يكن من فعل رسول الله صلى الله عليه و سلم ))الاعتصام ( 1 / 219 )
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : (( لم ينقل أحد أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا صلى بالناس يدعو بعد الخروج من الصلاة هو والمأمومون جميعاً ، لا في الفجر ، ولا في العصر ، ولا في غيرهما من الصلوات ، بل قد ثبت عنه أنه كان يستقبل أصحابه ويذكر الله ويعلمهم ذكر الله عقيب الخروج من الصلاة )))الفتاوى الكبرى ( 2 / 467 )
وقال الإمام الشاطبي في بيان البدع الإضافية ما نصه : (( كالجهر والاجتماع في الذكر المشهور بين متصوفة الزمان . فإن بينه وبين الذكر المشروع بوناً بعيداً إذ هما كالمتضادين عادة ))
===============
إذن فما المقصود بحلق الذكر ؟
( وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفّتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده . ) رواه مسلم .
قال الإمام الشاطبي رحمه الله في هذا الحديث : فإنهم كانوا يجتمعون لتدارس القرآن فيما بينهم حتى يتعلم بعضهم من بعض ، ويأخذ بعضهم من بعض ، فهو مجلس من مجالس الذكر التي جاء في مثلها من حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى : " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفّت بهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " وهو الذي فهمه الصحابة رضى الله تعالى عنهم من الاجتماع على تلاوة كلام الله ، وكذلك الاجتماع على الذِّكر فإنه اجتماع على ذِكر الله ، ففي رواية أخرى أنه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة .. الحديث المذكور . لا الاجتماع للذكر على صوت واحد ، وإذا اجتمع القوم على التّذكّر لِنعم الله ، أو التذاكر في العلم إن كانوا علماء ، أو كان فيهم عالم فجلس إليه متعلِّمون ، أو اجتمعوا يُذَكِّر بعضهم بعضا بالعمل بطاعة الله ، والبعد عن معصيته - وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله في أصحابه وعمِلَ به الصحابة والتابعون - فهذه المجالس كلها مجالس ذكر وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء ... أو تجتمع إليه العامة فيعلِّمهم أمر دينهم ، ويُذكّرهم بالله ، ويُبين لهم سُنة نبيهم ليعمَلوا بها ، ويبين لهم المحدَثات التي هي ضلالة ليحذروا منها ، ويتجنبوا مواطنها ، والعمل بها ؛ فهذه مجالس الذِّكر على الحقيقة ، وهي التي حَرَمَها الله أهل البدع من هؤلاء الفقراء الذين زعموا أنهم سلكوا طريق التصوف - وقلّ ما تجد منهم من يحسن قراءة الفاتحة في الصلاة إلا على اللحن ! فضلا عن غيرها ولا يعرف كيف يتعبد ، ولا كيف يَستنجى أو يتوضأ ، أو يغتسل من الجنابة ، وكيف يعلمون ذلك وهم قد حُرِمُوا مجالس الذِّكر التي تغشاها الرحمة وتَنْزل فيها السكينة وتَحفّ بها الملائكة ؟ فبانطماس هذا النور عنهم ضلوا فاقتدوا بجهالٍ أمثالهم ، وأخذوا يَقرأون الأحاديث النبوية والآيات القرآنية فيُنَزِّلونها على آرائهم لا على ما قال أهل العلم فيها ! فخرجوا عن الصراط المستقيم إلى أن يجتمعوا ويَقرأ أحدهم شيئا من القرآن يكون حسن الصوت طيب النغمة جيد التلحين ، تُشبه قراءته الغناء المذموم ، ثم يقولون : تَعالُوا نَذكر الله ! فيرفعون اصواتهم يُمشُّون ذلك الذِّكر مداولة طائفة في جهة وطائفة في جهة أخرى على صوت واحد يُشبِه الغناء ! ويزعمون أن هذا من مجالس الذكر المندوب إليها ! وكَذَبُوا فإنه لو كان حقا لَكَان السلف الصالح أولى بإدراكه وفهمه والعمل به . وإلا فأين في الكتاب أو في السنة الاجتماع للذِّكْر على صوت واحد جهراً عالياً ؟! . اهـ .
قال ابن الحاجِّ في "المدخل" على الاستدلال بتلك الأحاديث، فقال: "وروي عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: لأن أجلس مع قومٍ يذكرون الله - سبحانه - من غُدْوَةٍ إلى طلوع الشمس، أحبّ إليَّ مما طلعت عليه الشمس. وقال: هم يتحلَّقون الحِلَق، ويتعلمون القرآن والفقه.