[* آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر *]
أعظم
تلك الآداب وأعظم تلك الشرائط : الإخلاص. والإخلاص أمر عزيز، الإخلاص أمر
هو رأس الدين، بل الدين كله قائم على الإخلاص يقول الله جل وعلا: (وَمَا
أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)
(البينة:5)، وقال جل وعلا : (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ
مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ) (الزمر:11) وقال جل وعلا : (قُلِ اللهَ أَعْبُدُ
مُخْلِصاً لَهُ دِينِي) (الزمر:14) والدين هو ما أمر الله جل وعلا به فكل
ما أمر الله جل وعلا به فهو داخل في الدين ومما أمر الله به : الدعوة
والأمر والنهي قال جل وعلا : (وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ) (الحج : 67 والقصص:
87) وقال جل وعلا : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّك) (النحل: 125) فإذن، إذن
الدعوة والأمر والنهي من الدين فإذن لا بد فيها من الإخلاص، الإخلاص هو أن
يكون القصد هو الله جل وعلا، ليس القصد الرياء ليس القصد التسلط ليس القصد
أن تظهر ذا شخصية وذا قوة.. لا .. القصد هو الله جل وعلا : قال ابن القيم :
فلواحد كن واحد في واحد أعني طريق الحق والإيمان
كما أنك واحد
فكذلك أَفْرِدِ الْواحدَ بجميع عباداتك وجميع تصرفاتك، (فلواحد) وهو الله
جل وعلا (كن واحدا في واحد) يعني في سبيل واحد وهو طريق المصطفى صلى الله
عليه وسلم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، الإخلاص أن تتجرد لله في دعوتك
قال الله جل وعلا : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى
بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (يوسف:108) في قوله جل وعلا :
(أَدْعُو إِلَى اللهِ) تنبيه على الإخلاص كما نبه على ذلك شيخ الإسلام في
مسائل "كتاب التوحيد" قال : في قوله : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى
اللَّهِ) تنبيه على الإخلاص لأن كثيرا وإن دعا في الظاهر إلى الله فإنه
إنما يدعو إلى نفسه أو يدعو إلى عصبية أو يدعو إلى حزب أو يدعو إلى جماعة.
قد يدعو إلى نفسه فيفوته الإخلاص، كيف يدعو إلى نفسه؟ يدعو إلى أن يكون
قوله هو المقدم، من أنت؟ قد يدعو إلى حزبه وأن يكون مراده أن يكثر أتباع
حزبه أو أن يكثر أتباع جماعته هذا فاته الإخلاص، هذا فاته الإخلاص ، يأمر
من قصر في معروف وهو يريد أن يبين أن ذلك ناقص وأنه هو أعلم منه وأنه أفهم
منه، فاته الإخلاص، إذن الإخلاص محكٌّ الإخلاص محكٌّ وكلٌّ يحاسب نفسه، فمن
رام هذا الأمر وهو الدعوة : الأمر والنهي والنصيحة دون إخلاص دون أن يعلم
الرب تبارك وتعالى من قلبك أنك متجرد، لا تريد الدعوة إلا إلى الله متذكرا
قوله جل وعلا : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ) لا إلى غيره،
تدعو إلى من؟ إلى الله لا إلى غيره، فإن كنتَ تدعو إلى الله وتدعو إلى
غيره من الفئات أو إلى نفسك أو إلى أن تكون مقدما فعزِّ نفسك في نفسك، بهذا
نضرب مثلا يبيِّن أثر الإخلاص في العمل أثر الإخلاص في الدعوة أثر الإخلاص
في الأمر والنهي ألا وهو الدعاء للمدعو، الدعاء لمن يراد أن يؤمر الدعاء
لمن يراد أن يُنهى عن منكر، هل هناك أعظم من الشرك؟ لا، النبي صلى الله
عليه وسلم دعا الله بقوله : (اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين) يعني أبا جهل
وعمر بن الخطاب رضي الله عنه. فسأل الله جل وعلا لهؤلاء.. لهذين المشركين
أن يهدي الله أحدهما، أو أن يهديهما جميعا وذلك مع ضميمة أنهما كانا
مجاهرين بالعداوة مظهرين للإفاسد مضيقين على القلة المؤمنة في مكة مع ذلك
دعا النبي صلى الله عليه وسلم إذن أثر الإخلاص أثر التجرد يظهر في محبتك
العظمى لأن تنفع هذا المدعو أنت تنفعه لماذا؟ لكي يهتدي، والقلوب بيد من؟
بيد الله جل وعلا، إذن تطرق أبواب من يهدي القلوب، اطرق أبواب من يقلّب
القلوب.
مما يذكر في هذا : المراسلة التي كانت بين إمام الدعوة رحمه
الله الإمام محمد بن عبد الوهاب وأحد العلماء الذين كانوا في مجابهة للدعوة
وهو عبد الله بن عبد اللطيف الأحسائي أحد علماء الأحساء كتب للشيخ رسائل،
وكان بينه وبينه مراسلات ووقع في قلبه شكوك وكاد بعض الكيد وأشاع بعض
الإشاعات على التوحيد وأهله، أرسل إليه الشيخ رسالة وكان مما قال له فيها
قال :"والله إني لأدعو لك في صلاتي وأسأل الله جل وعلا أن يجعلك فاروقا
لدين الله في آخر هذه الأمة كما كان عمر فاروقا لدين الله في أول هذه
الأمة". محبة للنفع ليست محبة للإيذاء، هذا أثر الإخلاص ولهذا أثمرت
الدعوة، ونحن لو أخلصنا حقا لأثمرت بإذن الله جل وعلا، ولكن مصابنا في
أنفسنا. إذن هذا أول الآداب أن تكون مخلصا متجردا لله جل وعلا.
ومن الآداب والشرائط، والآداب منها ما هو شرط والشرائط منها ما هو أدب فلذلك نداخل بينها، ثم يأتي تفصيل للشرائط في إجمال.
الأدب
الثاني : العلم. والعلم هو الزينة التي يتزين بها الناس، الجاهل ميت،
والعالم حي، لكن ما هو هذا العلم الذي نحتاجه في هذا المقام؟ لا نقول : إنه
لا يأمر وينهى ويدعو إلى الله جل وعلا إلا العلماء، إذن كم عدد العلماء؟
قلة، فإذن يضيع الأمر. بل يؤمر وينهى ويدعى إلى الله جل وعلا، لكن لا بد من
العلم، العلم بماذا؟ العلم بما تتكلم به أو تدعو إليه، والعلم أثنى الله
جل وعلا على أهله بقوله : (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ
وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُون) (الزمر: 9) وأثنى الله جل وعلا على أهله بقوله :
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) (فاطر لكن أهل
العلم يقولون : العلم علمان :
1- علم لا يسع أحدا جهله : مطلوب من كل
أحد أن يتعلمه، وهو ما يصح به إسلامك، تتعلم التوحيد : معنى الشهادتين، ما
معنى كلمة التوحيد؟ ما معنى إفرادك لله جل وعلا العبادة؟ تفهم ذلك بأدلته،
ما معنى شهادة أن محمدا رسول الله ؟ الأركان : أركان الإسلام، تتعلم ذلك،
المحرمات المعلومة من الدين بالضرورة : حرمة الخمر، حرمة الزنا، حرمة
الربا، حرمة القطيعة قطيعة الأرحام ونحو ذلك، الأمور المجمع عليها. الأمر
بصلة الأرحام الأمر ببر الوالدين، هذه الأمور لا يسع أحد جهلها، لا بد أن
تعلم أن الصلاة فرض، وأن الزكاة فرض، وأن الصيام فرض وأن الحج فرض، إذن هذا
علم لا يسع أحدا جهله، هذا جميع المسلمين علماء بهذا، وإذا كانوا جهالا
بهذا لم يكونوا مسلمين، ولذلك من نواقض الإسلام، العاشر من نواقض الإسلام :
الإعراض عن دين الله لا يتعلمه ولا يعمل به، الذي لا يتعلم دين الله يعني
ما يصح إسلامه به، ولا يعمل به هذا ليس من المسلمين وإن عاش بينهم.
2-
القسم الثاني من العلم : العلم الذي هو من فروض الكفايات، العلم بدقائق
الشرع، العلم بالمسائل التي ليست هي من الأمور العظام أمور الشرع العظام،
هذا لا شك أنه يتفاوت الناس فيه والذي يعلمه تمام العلم هم العلماء، وطلبة
العلم يعلمون من ذلك شيئا.
إذن إذ كان العلم قسمان : علم هو فرض عين،
وعلم هو فرض كفاية، فلا بد للداعي من أن يكون عالما بما يدعو إليه، إذا كان
ليس من العلماء يدعو بما علم، يدعو إلى معنى التوحيد، يدعو إلى معنى
الشهادتين، يدعو إلى ما يعلمه من الصلاة، يحث على الصلاة، يأمر بها، يأمر
بتلاوة القرآن ويحث عليه، هذا شيء معلوم ما يفترق فيه الناس ولا تختلف فيه
العلوم من حيث أصلُه وفرضُه، إذن هذا لا حَجْرَ على أحد فيه، بل الجميع
مطالبون بأن يدعوا إلى الله جل وعلا بما علموا، الخمر هل ممكن أن يكون مسلم
يقول : أنا لا أعلم الخمر محرمة أو لا؟ لا يمكن، إذن لا بد أن ينهى عنها،
قطيعة الرحم، هل ممكن لمسلم أن يقول : لا.. قطيعة الرحم قد تكون جائزة، أنا
ما أدري.. لا.. هذا معلوم من الدين بالضرورة أن الله جل وعلا أمر بصلة
الأرحام وكان هذا مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في مكة، إذن هذا من
الأمور العامة التي لا يسع أحدا جهلها، فتدعو إلى ذلك. أما إذا أتت المسائل
الأخرى فلا بد إذا تكلمت أن تكون عالما بالمسألة التي تتكلم فيها، إذا كان
عندك علم بمسألة فتتكلم بها، إذا لم يكن عندك علم فلا تتكلم، لا تنه عن
شيء ربما يكون نهيك في غير محله، ولو كان الأمر فوضى كلٌّ يأمر وينهى بما
رآه يصلح لانمحت الشريعة.
إذن عرفنا حد الذي يتأدب به عامة المسلمين
والحد الذي يتأدب به خواص العلماء وخواص طلبة العلم، وهذا مما يقودك إلى
فضيلة العلم وأنك لا بد لك أن تتعلم، لا بد لك أن تتعلم، نور في الصدور،
قال ابن الوردي في "لاميته" المشهورة :
اطلب العلم وحصله فما أبـعد الخير على أهل الكسل
واحتفل للفقه في الدين ولا تشتـغل عنه بـمال وخول
واهجر النوم وحصله فمن يعرف المقصود يحـقر ما بذل
لا تقل قد ذهبت أربابـه كل من سار على الدرب وصل
العلم
لا بد منه، ولهذا من آنس من نفسه رشدا لا بد أن يتعلم هذا الأدب الثاني.
هذا الأدب له ثمرات نراها في حياتنا، وإذا كان الآمر الناهي أو الداعية إذا
كان عالما كان له من الأثر ما ليس لغيره، مثال ذلك : ما مثال ذلك؟ مثاله:
أن تأتي إلى من تريد أن تدعوه إلى الخير فتأتيه بما تعلم وتترك ما لا تعلم
فتنقله من الحالة التي هو فيها إلى حالة أحسن، مثلا : من يترك الصلاة أو لا
يحضر الصلوات في المساجد وأنت ترى ثوبه مسبلا أنت تراه مسبل الثوب أو تراه
حليقا، أو نحو ذلك من المنكرات، تكلمه في أيهما؟ تكلمه في الصلاة، من يفهم
هذا؟ يفهم هذا العالمُ أو من استرشد بالعلماء، إذا كنت أنت لا تعلم أشياء
فتكلم بما تعلم به وهي الصلاة، لو دعونا الناس إليها وإلى أدائها في
الجماعات لكنا أهل خير ومحبة للناس.
من الآداب – وهو الأدب الثالث - :
العمل بالعلم : إذا أمرت بمعروف لتكن أنت أول المسارعين إليه، إذا نهيت عن
منكر لتكن أول المنتهين عنه، وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال :"أول من تسعَّر بهم النار يوم القيامة ثلاثة.." - الحديث الذي
رواه مسلم في الصحيح - وذكر منهم : من علم فلم يعمل، رجل قرأ القرآن، ورجل
أمر ونهى قال : أمرت ونهيت فيك، قال : لا .. كذبت، رجل كان يأمر الناس
بالمعروف ولا يأتيه، ورجل كان ينهى كان ينهى الناس عن المنكر ويسارع إلى
المنكرات، هذا بلاء عام، وهذا ظاهر، ظاهر في أحوال بعض الناس، العمل بالعلم
لا بد منه وبه ينفع الله جل وعلا بما تقوله وما تفعله وما تدعو إليه، لا
تظن أنك إذا عصيت الله جل وعلا في خفاء أن هذا لا أثر له في الظاهر، لا..
له أثر، لماذا؟ لأنك أنت الداعي وذاك مدعوُّك والهادي هو الله جل وعلا
والهادي هو المطلع على عملك وقلبك، لكن سيأتينا في الشرائط أن من كان يعمل
المنكر لا يسوِّغ له ذلك أن يترك النهي، كذلك من كان مقصرا في المعروف لا
يسوِّغ له ذلك أن لا يأمر بالمعروف وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
خطب
أحدهم وأمر ونهى ووعظ الناس وأبكى، فأتاه آتٍ ودسَّ له – وهو يخطب – رِقعة –
يعني ورقة – ففتحها فإذا فيها أبيات مشهورة سائرة فقرأها في نفسه :
يـا أيـها الرجـل المـعلم غيـره هلا. لنفسك كان ذا التعليـم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا كي ما تصح به وأنت سقيـم
ابـدأ بنفسك فانـهها عـن غـيها فـإن.انتهت عنه فأنت عظيم
فـهنـاك يُـقْبَل ما تـقول ويُقْتَدَى بـالقول مـنك وينفع التعليم
لا تَـنْهَ عـن خـلق وتـأتيَ مـثله عـار عليك إذا فعلت .عظيم
خلق
الأنبياء أنهم يعملون بما علمهم الله جل وعلا، قال ربنا جل وعلا مخبرا عن
قول خطيب الأنبياء شعيب عليه السلام : (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ
إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا
اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ) (هود: الله جل وعلا أمر
العباد بأن يصدقوا أقوالهم بالعمل ونهاهم أشد النهي عن الكذب في المقال كما
نهاهم عن الكذب في العمل، قال الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ
اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف:3)، (كبر مقتا) أي
كَبُرَ بُغضا، المقت هو أشد البغض، فإذا كان الله جل وعلا يمقت ويبغض أشد
البغض من يعلم ومن يقول ولا يفعل فإذن كيف نرجو صلاح دعوتنا أو صلاح أمرنا
أو صلاح نهينا؟ البلاء منا، البلاء منا، لا بد من التنبه لهذا، ونسأل الله
جل وعلا أن يتجاوز وأن يعفو ويتسامح عما يعلمه من عصياننا أو ذنوبنا.
من
آداب الداعية أن يكون رحيما رفيقا، أن يكون رفيقا رحيما لينا، الرحمة
والرفق واللين ثمرة من ثمرات الإخلاص والتجرد، إذا كان متجردا لله في
الدعوة أو في الأمر أو في النهي، إذا كان مخلصا فإنه سيكون رحيما سيكون
رفيقا سيكون لينا، قال جل وعلا مخبرا عن قوله... قال الله جل وعلا آمرا
موسى عليه السلام وآمرا أخاه هارون قال : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً
لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طـه:44)، ووصف الله جل وعلا نبيه
بقوله : (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا
عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)
(التوبة:128)، فإذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوفا رحيما بالمؤمنين
أفلا نقتدي به؟ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ
اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم في
الحديث الذي رواه البخاري في "الصحيح" : (إنما يرحم الله من عباده
الرحماء)، وفي الحديث الآخر الذي في "السنن" : (الراحمون يرحمهم الرحمن،
ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). الرحمة لا بد منها، أن تكون
رحيما بمن تدعوه، أنت ماذا تريد؟ ألا تريد أن يهتدي؟ ألا تريد أن تصلح
حاله؟ ألا تريد أن يستقيم شانه؟ وأن يستقيم قلبه؟ إذن فلماذا لا تكون رحيما
به؟ لِم الغلظة ولِم القسوة في غير محلها؟ يقول المصطفى صلى الله عليه
وسلم في الحديث الذي في "الصحيحين" عن عائشة : (يا عائشة، إن الرفق ما كان
في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه)، في كل شيء الرفق يزينه، وفي كل
شيء إذا نزع الرفق شانه، ومن ذلك الدعوة، من ذلك الأمر والنهي، لا بد من
الرفق، الغلظة مذمومة، قال جل وعلا : (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ
لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ
حَوْلِكَ). (آل عمران : 159)، قال أهل العلم : معنى قوله : (فَبِمَا
رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ) يعني : فبرحمة من الله لنت لهم،
فبرحمة من الله لنت لهم، فـ (ما) في قوله : (فبما) : صلة، والصلات
مؤكدِّات، وهي في مقام تكرير الكلام، إذن لماذا لان لهم؟ بالرحمة. الرشيد،
هارون الرشيد رحمه الله تعالى، كان يطوف، يطوف بالكعبة، فعرفه رجل، فقال :
يا هارون، إني مكلمك ومشدد عليك، وإني واعظك فقاس عليك، قال : يا هذا لا
سمع لكلامك، لأنني لستَ بأشرَّ من فرعون ولستَ بخير من موسى، والله جل وعلا
أمر موسى أن يقول لفرعون قولا لينا". إذن في البداية لا بد من القول اللين
لا بد من الرحمة، إذا ظهرت مكابرته ظهر أنه معاند ظهر أنه شر على الخير
وشر على الإسلام، إذا ظهر أنه مستهزئ بآيات الله فلا كرامة له، الولاء
والبراء يقتضي أن يجانَب، لهذا موسى عليه السلام في أول الأمر في أول دعوته
قال لفرعون قولا لينا، قال لفرعون قولا لينا، ولكنه عندما ظهر عصيانه ماذا
قال له؟ قال له : (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً).
(الإسراء: 102)، (وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)، ظهر هنا
ظهرت العزة وظهرت القوة، لكن ليس في أول الأمر، لا..( )... لمن تريد
صلاحه، وهذه مسألة أكرر التنبيه عليها لأننا نفقدها، يأمر وينهى، يدعو، وهو
لا يسأل الله جل وعلا في الخلوات بأن يأخذ بيد هذا المدعو، رجل إذا أتى في
الجالس تشَكَّى من والده وحالته، أو والد يتشكى من ولده وضياعه وفسقه
وفجوره، ويأمره بغلظة وينهاه بغلظة، وهو ما طرق أبواب الرحيم، ما طرق أبواب
من القلوب بيده ليهديه، ولينفعه بكلامه معه، لا بد من الرحمة والرفق حين
الدعوة ولا بد من سؤال الله جل وعلا في أن يصلح حال هذا. حدَّث بعضُهم قال -
هذا أحدهم اهتدى واستقام وتأثر بكلام حسن سمعه بسبب الرفق واللين والرحمة –
قال: خرج علينا أحدهم من المسجد فوعظنا – كانوا مجموعة جالسين-، فوعظنا،
فأمرنا بالصلاة بكلام حسن جميل، قال: فأخذ الجميع في الاستهزاء به، إلا أنا
وصاحبي، استهزؤوا به وسخروا منه، وهو لا يزيد إلا على أن يكرر الكلام، ولو
كان يدعو إلى نفسه، إذا استهزؤوا به فليغضب، يعني ينتصر لنفسه، لكن هو
يدعو لمن؟ يدعو لله جل وعلا، فليصبر وليحتسب، وكرروا عليه الاستهزاء، وهو
صابر يكلمهم بلين ورفق، قال : فانصرفت ثم لحقناه، لحقته أنا وصاحبي فتأسفنا
له، هذا وصاحبه كانوا ذوي أدب وذوي خلق، قال : فتأسفنا له مما صنع
الباقون، قال لهما : أتظنان أني متأثر أو حزين أو متضايق مما قالوا؟ لا..
لأنني فيما قلته رجوت الأجر، وحين سكتُ رجوت الأجر، وحين تكلمت وعفوت رجوت
الأجر، فلم إذن الحزن؟ (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ
مِمَّا يَمْكُرُونَ) (النحل: 127)، قال هذا، فوقعت هذه في نفسي أعظم من وقع
الأولى. حدثني بذلك وهو أحد المصلين في المساجد بعد أن كان لا يشهدها. هذا
الأثر رحمة، شفقة، لا بد، كيف تنفع الناس؟ تنفعهم بالتسلط عليهم؟ لا..
ولدك وهو ولدك في بيتك.. الذي خرج من صلبك وربيته على يدك، لو استعملت معه
الغلظة ما رضي، فكيف بالناس؟.
__________________
الموضوع : الدعوة الى الله والامر بالمعروف والنهي عن المنكر المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya