وينبغي له أن يرفق بمن يقرأ عليه وأن يرحب به ويحسن إليه بحسب حاله .
عن
أبي هرون العبدي قال كنا نأتي أبا سعيد الخدري رضي الله عنه فيقول مرحباً
بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إن النبي صلى الله عليه وسلم قال "
إن الناس لكم تبع وإن رجالاً يأتونكم من أقطار الأرض يتفقهون في الدين فإذا
أتوكم فاستوصوا بهم خيراً " رواه الترمذي وابن ماجه وغيرهما
وينبغي
أن يبذل لهم النصيحة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " الدين
النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم " رواه مسلم
ومن
النصيحة لله تعالى ولكتابه إكرام قارئه وطالبه وإرشاده إلى مصلحته والرفق
به ومساعدته على طلبه بما أمكن وتأليف قلب الطالب وأن يكون سمحاً بتعليمه
في رفق متلطفاً به ومحرضاً له على التعلم وينبغي أن يذكره فضيلة ذلك ليكون
سبباً في نشاطه وزيادة في رغبته ويزهده في الدنيا ويصرفه عن الركون إليها
والاغترار بها ويذكره فضيلة الاشتغال بالقرآن وسائر العلوم الشرعية وهو
طريق الحاضرين العارفين وعباد الله الصالحين وأن ذلك رتبة الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام ، وينبغي أن يشفق على الطالب ويعتني بمصالحه كاعتنائه
بمصالح ولده ومصالح نفسه ويجري المتعلم مجرى ولده في الشفقة عليه والصبر
على جفائه وسوء أدبه ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان فإن الإنسان معرض
للنقائص لا سيما إن كان صغير السن ، وينبغي أن يحب له ما يحب لنفسه من
الخير وأن يكره له ما يكره لنفسه .
وعن
ابن عباس رضي الله عنهما قال أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى الناس حتى
يجلس إلي لو استطعت أن لا يقع الذباب على وجهه لفعلت ، وفي رواية إن الذباب
ليقع عليه فيؤذيني .
وينبغي للمعلم أن لا يتعاظم على المتعلمين بل يلين
لهم ويتواضع معهم ، فقد جاء في التواضع لآحاد الناس أشياء كثيرة معروفة
فكيف بهؤلاء الذين هم بمنزلة أولاده مع ما هم عليه من الاشتغال بالقرآن مع
ما لهم عليه من حق الصحبة وترددهم إليه ، وقد جاء عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم أنه قال " لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه " وعن أبي أيوب
السختياني رحمه الله قال ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله
عز وجل .
وينبغي أن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية
والشيم المرضية ورياضة نفسه بالدقائق الخفية ويعوده الصيانة في جميع أموره
الباطنة والجلية ويحرضه بأقواله وأفعاله المتكررات على الإخلاص والصدق وحسن
النيات ومراقبة الله تعالى في جميع اللحظات ويعرفه أن عليه أنوار المعارف
وينشرح صدره ويتفجر من قلبه ينابيع الحكم واللطائف ويبارك له في علمه وحاله
ويوفق في أفعاله وأقواله .
ويستحب للمعلم أن يكون حريصا على
تعليمهم مؤثرا ذلك على مصالح نفسه الدنيوية التي ليست بضرورية وأن يفرغ
قلبه في حال جلوسه لإقرائهم من الأسباب الشاغلة كلها وهي كثيرة معروفة ،
وأن يكون حريصاً على تفهيمهم وأن يعطي كل إنسان منهم ما يليق به فلا يكثر
على من لا يحتمل الإكثار ولا يقصر لمن يحتمل الزيادة ويأخذهم بإعادة
محفوظاتهم ويثني على من ظهرت نجابته ما لم يخش عليه فتنة بإعجاب أو غيره ،
ومن قصر عنفه تعنيفا لطيفاً ما لم يخش عليه تنفيره ، ولا يحسد أحداً منه
لبراعة يجدها منه ولا يستكثر فيه ما أنعم الله به عليه فإن الحسد للأجانب
حرام شديد التحريم فكيف للمتعلم الذي هو بمنزلة الولد .
ويقدم في
تعليمهم إذا أزدحموا الأول فالأول فإن رضي الأول بتقديم غيره قدمه ، وينبغي
أن يظهر لهم البشر وطلاقة الوجه ويتفقد أحوالهم ويسأل عمن غاب منهم .
قال
العلماء رضي الله عنهم ولا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية ، فقد
قال سفيان وغيره طلبهم للعلم نية وقالوا طلبنا العلم لغير الله فأبى أن
يكون إلا لله معناه كانت غايته أن صار لله تعالى .
ومن آدابه المتأكدة
وما يعتني به أن يصون يديه في حال الإقراء عن العبث وعينيه عن تفريق نظرهما
من غير حاجة ويقعد على طهارة مستقبل القبلة ويجلس بوقار وتكون ثيابه بيضاء
نظيفة ، وإذا وصل إلى موضع جلوسه صلى ركعتين ، ويجلس متربعاً إن شاء أو
غير متربع .
ومن آدابه المتأكدة وما يعتني بحفظه أن لا يذل العلم
فيذهب إلى مكان ينسب إلى من يتعلم منه ليتعلم منه فيه وإن كان المتعلم
خليفة فمن دونه بل يصون العلم عن ذلك كما صانه عنه السلف رضي الله عنهم .
وينبغي أن يكون مجلسه واسعاً .
جميع
ما ذكرناه من آداب المعلم في نفسه آداب للمتعلم ، ومن آدابه أن يجتنب
الأسباب الشاغلة عن التحصيل إلا سبباً لا بد منه للحاجة ، وينبغي أن يطهر
قلبه من الأدناس ليصلح لقبول القرآن وحفظه واستثماره ، فقد صح عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله
وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب " وقد أحسن القائل بقوله يطيب
القلب للعلم كما تطيب الأرض للزراعة .
وينبغي للمتعلم أن يتواضع
لمعلمه ويتأدب معه وإن كان أصغر منه سناً وأقل شهرة ونسباً وصلاحاً وغير
ذلك ، ويتواضع للعلم فبتواضعه يدركه ، وينبغي أن ينقاد لمعلمه ويشاوره في
أموره ويقبل قوله .
ولا يتعلم إلا ممن تكملت أهليته وظهرت ديانته
وتحققت معرفته واشتهرت صيانته ، فقد قال محمد بن سيرين ومالك بن أنس
وغيرهما من السلف هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ، وعليه أن ينظر
معلمه بعين الاحترام ويعتقد كمال أهليته ورجحانه على طبقته فإنه أقرب إلى
انتفاعه به ، وكان بعض المتقدمين إذا ذهب إلى معلمه تصدق بشيء وقال اللهم
استر عيب معلمي عني ولا تذهب بركة علمه مني .
وقال الربيع صاحب
الشافعي رحمهما الله ما اجترأت أن أشرب الماء والشافعي ينظر إلي هيبة له ،
وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من حق المعلم عليك أن تسلم على الناس
عامة وتخصه دونهم بتحية وأن تجلس أمامه ولا تشيرن عنده بيدك ولا تغمزن
بعينيك ولا تقولن قال فلان خلاف ما تقول ولا تغتابن عنده أحداً ولا تشاور
جليسك في مجلسه ولا تأخذ بثوبه إذا قام ولا تلح عليه إذا كسل ولا تعرض أي
تشبع من طول .
وينبغي أن يتأدب بهذه الخصال التي أرشد إليها علي رضي الله عنه وأن يرد غيبة شيخه إن قدر فإن تعذر عليه ردها فارق ذلك المجلس .
ويدخل
على الشيخ كامل الخصال متصفاً بما ذكرناه في المعلم متطهراً مستعملاً
للسواك فارغ القلب من الأمور الشاغلة ، وأن لا يدخل بغير استئذان إذا كان
الشيخ في مكان يحتاج فيه إلى استئذان ، وأن يسلم على الحاضرين إذا دخل
ويخصه دونهم بالتحية وأن يسلم عليه وعليهم إذا انصرف ، ولا يتخطى رقاب
الناس بل يجلس حيث وصل به المجلس إلا أن يأذن له الشيخ في التقدم أو يعلم
من حالهم إيثار ذلك ولا يقيم أحداً في موضعه ، فإن آثره غيره لم يقبل إلا
أن يكون في تقديمه مصلحة للحاضرين أو أمره الشيخ بذلك ، ولا يجلس في وسط
الحلقة إلا لضرورة ولا يجلس بين صاحبين بغير إذنهما وإن فسحا له قعد وضم
نفسه .
وينبغي أيضا أن يتأدب مع رفقته وحاضري مجلس الشيخ فإن ذلك
تأدب مع الشيخ وصيانة لمجلسه ويقعد بين يدي الشيخ قعدة المتعلمين لا قعدة
المعلمين ولا يرفع صوته رفعاً بليغا من غير حاجة ولا يضحك ولا يكثر الكلام
من غير حاجة ولا يعبث بيده ولا بغيرها ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً من غير
حاجة بل يكون متوجهاً إلى الشيخ مصغياً إلى كلامه .
ومما يتأكد
الاعتناء به أن لا يقرأ على الشيخ في حال شغل قلب الشيخ وملله وروعه وغمه
وفرحه وعطشه ونعاسه وقلقه ونحو ذلك مما يشق عليه من كمال حضور القلب
والنشاط ، وأن يغتنم أوقات نشاطه ، ومن آدابه أن يتحمل جفوة الشيخ وسوء
خلقه ولا يصده ذلك عن ملازمته واعتقاد كماله ويتأول لأفعاله وأقواله التي
ظاهرها الفساد تأويلات صحيحة ، فما يعجز عن ذلك إلا قليل التوفيق أو عديمه ،
وإن جفاه الشيخ ابتدأ هو بالإعتذار إلى الشيخ وأظهر أن الذنب له والعتب
عليه فذلك أنفع له في الدنيا والآخرة وأنقى لقلب الشيخ ، وقد قالوا من لم
يصبر على ذل التعليم بقي عمره في عماية الجهالة ومن صبر عليه آل أمره إلى
عز الآخرة والدنيا .
ومن آدابه
المتأكدة أن يكون حريصاً على التعلم مواظباً عليه في جميع الأوقات التي
يتمكن منه فيها ولا يقنع بالقليل مع تمكنه من الكثير ولا يحمل نفسه ما لا
يطيق مخافة من الملل وضياع ما حصل وهذا يختلف باختلاف الناس والأحوال ،
وإذا جاء إلى مجلس الشيخ فلم يجده انتظر ولازم بابه ولا يفوت وظيفته إلا أن
يخاف كراهة الشيخ لذلك بأن يعلم من حاله الإقراء في وقت بعينه وأنه لا
يقرئ في غيره ، وإذا وجد الشيخ نائماً أو مشتغلاً بمهم لم يستأذن عليه بل
يصبر إلى استيقاظه أو فراغه أو ينصرف والصبر أولى كما كان ابن عباس رضي
الله عنهما وغيره يفعلون ، وينبغي أن يأخذ نفسه بالاجتهاد في التحصيل في
وقت الفراغ والنشاط وقوة البدن ونباهة الخاطر وقلة الشاغلات قبل عوارض
البطالة وارتفاع المنزلة .
وهذا معنى قول الإمام الشافعي رضي الله عنه تفقه قبل أن ترأس فإذا رأست فلا سبيل إلى التفقه .
وينبغي
أن يبكر بقراءته على الشيخ أول النهار لحديث النبي صلى الله عليه وسلم "
اللهم بارك لأمتي في بكورها " ، وينبغي أن يحافظ على قراءة محفوظه ، وينبغي
أن لا يؤثر بنوبته غيره بخلاف الإيثار بحظوظ النفس فإنه محبوب ، فإن رأى
الشيخ المصلحة في الإيثار في بعض الأوقات لمعنى شرعي فأشار عليه بذلك أمتثل
أمره ، ومما يجب عليه ويتأكد الوصية به ألا يحسد أحداً من رفقته أو غيرهم
على فضيلة رزقه الله إياها وأن لا يعجب بنفسه بما خصه الله ، وهناك طريقه
في نفي العجب أن يذكر نفسه أنه لم يحصل ما حصله بحوله وقوته وإنما هو فضل
من الله ، ولا ينبغي أن يعجب بشيء لم يخترعه بل أودعه الله تعالى فيه
وطريقه في نفي الحسد أن يعلم أن حكمة الله تعالى اقتضت جعل هذه الفضيلة في
هذا فينبغي أن لا يعترض عليها ولا يكره حكمة أرادها الله تعالى .
منقول
الموضوع : آداب معلم القرأن ومتعلمه المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya