الحديث الخامس والعشرون فضـــل الذكــر
عن
أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- أيضا: أن ناسًا من أصحاب رسول الله -صلي الله
عليه وسلم- قالوا للنبي -صلي الله عليه وسلم- : يا رسول الله، ذهب أهل
الدثور بالأجور، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويـتـصـدقــون بفـضـول
أمـوالهم. قـال : ( أو لـيـس قـد جعـل الله لكم ما
تصدقون ؟ إن لكم بكل تسبيحة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل
تهليلة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، وفي بضع أحـدكم
صـدقـة).. قالوا : يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال : ( أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ). [رواه مسلم]. )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .
نسأل
الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يعلمنا ما
ينفعنا ، وأن ينفعنا بما علمنا وأن يزيدنا علما ، إنه سميع قريب مجيب.
هذا
الحديث العظيم كما سمعنا الآن قراءته رواه الإمام مسلم في صحيحه، وما رواه
مسلم في صحيحه ماذا يعتبر ؟ صحيح كما مر معنا كثيرا لأن ما رواه البخاري
أو رواه مسلم فهو صحيح لأن الأمة تلقت هاذين الكتابين بالقبول .
قال المصنف رحمه الله :
(عن أبي ذر رضي الله عنه أن ناسا من أصحاب رسول الله e)
قال شراح الحديث : المقصود بالناس هنا هم ، من هم ؟ فقراء المهاجرين .
(جاءوا للنبي e قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدسور بالأجور)
الدسور من هم ؟ ما هي الدسور ؟ الأموال هذا يعني ذهب أهل الأموال بالأجور ، كيف ذهبوا ؟
قالوا (يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون بفضول أموالهم) ، يعني بما زاد من أموالهم يتصدقون بها ، ونحن لا نتصدق ، ليس عندنا أموال نتصدق بها .
قال النبي e وهو يفتح آفاق أخرى كما سيأتي : (أوليس الله قد جعل لكم ما تتصدقون )أو ما تصدقون يعني به .
(إن لكم بكل تسبيحة) يعني سبحان الله صدقة .
(وبكل تكبيرة صدقة) يعني الله أكبر .
(وكل تحميدة صدقة) يعني الحمد لله .
(وكل تهليلة صدقة) يعني لا إله إلا الله .
(وأمر بالمعروف صدقة) أي أمر بالمعروف صدقة ، والمعروف كما عرفنا سابقا كل ما كان من أمور الخير وأعلاها لا إله إلا الله وحده لا شريك له .
(ونهي عن منكر صدقة) والمنكر : أي منكر سواء كان صغيرا أو كبيرا وأعلى المنكرات أو أدنى المنكرات وأشده ما هو ؟ الشرك بالله عز وجل .
(وفي بضع أحدكم صدقة) ما المقصود بالبضع ؟ نعم يعني البضع هو الفرج ، والمقصود أن الرجل أو الزوج إذا جامع زوجته ففي ذلك صدقة.
استغرب الصحابة رضي الله عنهم هذا أمر من المباحات وشهوة للنفس ومطلب .
(قالوا يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر) قال العملية بالمقابل .
(أرأيتم لو وضعها في حرام أليس عليه وزر ، قالوا : بلي .) الوزر ما هو ؟ الإثم .
(أليس إذا كان عليه وزر قالوا نعم قال فكذلك إذا وضعها في الحلال فله أجر ).
إذاً هذا الحديث عظيم ؛ أعطانا قاعدتين مهمتين ، سنعرف أولاً القاعدتين ، ثم نعرف بعض الفوائد من هذا الحديث العظيم .
القاعدة الأولى : قاعدة المنافسة .
الناس في أحوالهم بينهم مجالات للتنافس كثيرة :
فريق من الناس يتنافسون في الألعاب الرياضية .
فريق من الناس يتنافسون في الاجتهاد في الدراسة .
فريق من الناس يتنافسون في تجارة معينة .
ويجتهد أهل التجارات في الدعايات ، والإعلانات ، وجميع مجالات المنافسة ، أو للرقي بهذه التجارة .
هناك على مستوى الدول : منافسات في الصناعات ، ونحو ذلك .
إذاً
مجالات المنافسة كثيرة ، وهذه المنافسات منها المباح وهي الأصل فيها ،
فالأصل في المنافسات الإباحة لأنها مجال للرقي في مجال من المجالات التي
تنفع الناس .
إلا
إذا دخل على هذه المنافسة ما يكدر صفوها كأن تكون المنافسة في أمر محرم ،
مثل المنافسة في مصانع الخمور مثلا ، أي المصانع أفضل وأحسن ، فهذه دخل
فيها هذا التحريم ، لكن الأصل في المنافسات أنها جائزة أو التنافس في هذه
الأمور مباحة .
لكن
النبي e أعطانا أعلى مجال من مجالات المنافسة ، يعني : مهما كانت وظيفتك
في هذه الحياة ، مهما كان عملك في هذه الحياة انتبه للمجال المهم في هذه
المنافسة .
ولذلك
هذا الحديث تطبيق عملي في هذه المنافسة ، وتطبيق عملي جماعي لأن فقراء
المهاجرين جاءوا للنبي e قالوا والله نحن في هذه الدنيا في منافسة مع
الآخرين ، لكن في مجال ما استطعنا ، ليس عندنا مجال المنافسة في الصدقة ،
هذا مجال من مجالات المنافسة وهي الصدقة ، الصلاة : نحن أحسن ، الصيام :
نستطيع ننافس .
لكن الصدقة ، لأنهم نظروا إلي أركان الإسلام ، نظروا إلي أركان الإسلام .
النبي e وسع المفهوم ، وهذه القاعدة الثانية في مجالات المنافسة:
فقال
: لا مجالات المنافسة كثيرة ، إذا كان الله سبحانه وتعالي أعطى الأغنياء،
ثم وفقهم لأن ينافسوا في هذا المجال الذي أعطاهم ، وهو مجال الصدقة ، هناك
مجالات كثيرة .
هنا
مجال الذكر ، النبي e نبه إليه وهذا الذكر ل يأتي إلي الذهن أنه باب واحد
إنما هو أبواب قال بكل تسبيحة ، بكل تحميدة بكل تكبيرة ، وأيضا أرجع هذه
المنافسة إلي أن في باب آخر وهو الذي استطاعه الأغنياء والفقراء لم
يستطيعوه ، الصدقة ، فإذا كان الغني يتصدق بماله فأنت تتصدق بمجال آخر وهو
مجال الذكر ، فإذاً نافس في هذا المجال العظيم .
مجال آخر من المجالات : (و أمر بالمعروف صدقة ، ونهي عن منكر صدقة )إذاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مجال من مجالات المنافسة .
مجال
آخر : المباحات ، يعني الذكر ، الجميع يعرف أنه طاعة لله عز وجل ، الأمر
بالمعروف نفع للآخرين ، النهي عن المنكر نفع للآخرين برد الشر عنهم .
مجال
المباحات : مَثَّل النبي e : في جماع الرجل زوجته ، وهو أمر مباح ، بل
يلبي شهوة لدى الإنسان ومع ذلك جعله النبي e صدقة ؛ لأنه عف نفسه به عن
الحرام ، فترك مجال الحرام إلي مجال الحلال .
إذاً
هذا مجال من مجالات المنافسة التي هي باب كبير جداً ، وهو باب المباحات ،
وإنما مسألة إتيان المرأة هذا مجال من مجالات المباحات ، والمباحات بابها
كما عرفنا واسع وكبير .
إذاً النبي e هنا يعطينا قاعدة في أن أبواب الخير كثيرة ومجال للتنافس.
إذاً نرجع إلي قاعدتنا ما هي ؟
المنافسة ، والمنافسة تكون بماذا ؟ بالأعمال الصالحة ، النبي e مثل لنا هنا بعدد من الأعمال الصالحة .
إذاً مجال قاعدة المنافسة ، إذاً هذه الحياة ميدان للتسابق .
طيب مجالات هذه المنافسة أنا أسابق إلي ماذا ؟ يعني أريد الوصول إلي أي شيء ؟
إذاً
نعود إلي درس سابق إلي أنه ينبغي بل يجب على المسلم أن يوعى لهدف بعيد
ويسابق لأجل الوصول إلي هذا الهدف ، هذا الهدف البعيد بين الله سبحانه
وتعالي في بعض الآيات عندما شرع لنا مبدأ المنافسة ، مثل:
قوله سبحانه وتعالي ماذا ؟ ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾[البقرة: من الآية148]
آية أخرى ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾[الحديد: من الآية21]
آية أخرى : وفي ذلك لما عدت الوصول إلي جنة النعيم قال ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾[المطففين: من الآية26]
في آية رابعة يقول : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾
إذاً الهدف من خلال مجموع هذه الآيات هي الوصول إلي مغفرة الله وجنة عرضها السماوات والأرض .
كيف أصِل ؟ الطرق كثيرة ، منها :
مجال
الصدقة الذي الفقراء انطلقوا منه ، ومجال أيضا المجالات التي بينها النبي e
مجال الذكر ، مجال الأمر بالمعروف ، مجال النهي عن المنكر ، مجال المباحات
.
هذه
المنافسة التي طبقها الصحابة رضوان الله عليهم طبقوها هنا جماعي، أيضاً
كانوا على المستوى الفردي كانوا يتسابقون ويتنافسون ، ولذلك من الذي سبق ؟
الصحابة رضوان الله عليهم ؟ أبو بكر فنال المرتبة الأولى فكان أفضل الناس
بعد الأنبياء والمرسلين .
وأبو بكر رضي الله عنه قال له النبي e مرة ([color=#000080]من
أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : من أطعم اليوم منكم
مسكينا . قال أبو بكر : أنا . قال : من تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر
: أنا .)
إذاً أبو بكر المبدأ راسخ في ذهنه ينافس أنا ، أنا .
قال النبي e : (ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة).
عمر
رضي الله عنه كان يحث بمنافسة أبي بكر رضي الله عنه منافسة الشريفة القوية
، لما دعا النبي e لغزوة تبوك ، قال عمر :"اليوم أنا أسابق أبا بكر " ما
يمكن يسبقني اليوم خلاص ، أنا رايح آتي بنصف مالي "وأتي بنصف ماله إلي
النبي e " وهو يحدث نفسه ما يسبقني اليوم أبو بكر ، فجاء بنصف ماله إلي
النبي e ووجد أبا بكر قد جاء بماله كله.
قال له النبي e : (فما أبقيت لأهلك قال أبقيت لهم الله ورسوله ) قال عمر رضي الله عنه :"لا أسابق أبا بكر بعد اليوم" .
هنا على المجال الفردي ، إذاً هؤلاء الكبار ، كبار الأمة بعد النبي e كانوا يتنافسون ، فإذاً على المستوى الفردي كانوا يتنافسون .
لذلك ابن عباس رضي الله عنه كلف صديق ، هذا الصديق يعني هم شباب ، عمره اثني عشر أو ثلاثة عشر سنة ، فكانوا يذهبون .
ابن عباس دعا له النبي e (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ).
فقال
لما مات النبي e قال ابن عباس لصديقه تعالي نطلب العلم قال يا ابن عباس
أترى الناس يحتاجون إليك وفيهم الكبار ، يعني كبار الصحابة قال ابن عباس
تركته وصار يطلب العلم وذاك أخذ مجال من المجالات الشبابية التي يقضي فيها
وقته ، فلما مات كبار الصحابة وصار بن عباس يلاحق الموجودين حتى حمل العلم
فلما تقدم السن كان ابن عباس اشتهر فيجلس بعد الفجر لطلاب القرآن ثم لطلاب
الفقه ثم لطلاب الحديث ثم لطلاب النحو والإعراب والشعر إلي آذان الظهر ،
فكان صديقه ينظر إليه قال كان ذلك الفتى أعقل مني .
يقول
ابن عباس : كنت أذهب في القائلة إلي باب من عنده المسألة وأجلس حتى يخرج
من بيته والشمس فوق رأسه . يعني في القائلة في القيلولة لمجرد أن آخذ حديث
وأسمع مسألة ، أو نحو ذلك .
إذاً
هذا مجال من مجالات المنافسة طبقه بن عباس وهو مجال العلم ، طلب العلم ،
ولذلك الأمة كلها الآن عالة على ابن عباس في التفسير ، ما في آية إلا ماذا
قال ابن عباس رضي الله عنه وهكذا .
وامشي مع التاريخ تجد إن الذين اشتغلوا ونافسوا هم الذين برزوا ، هم الإمام البخاري رحمه الله .
نحن
كنا قبل في أول الدرس يعني إذا الحديث الذي رواه الإمام البخاري لا كلام
في صحته ، أو رواه مسلم إذاً فكتاب البخاري أصح كتاب بعد كتاب الله عز وجل .
على مستوي النساء كان أيضا هناك منافسة :
عائشة
رضي الله عنها كانت تستغل عائشة مات النبي e عمرها كم ؟ ثمانية عشر سنة ،
الآن ثمانية عشر سنة يقولون صبية يعني ما بعد بلغت شيء ، عائشة مات النبي e
وعمرها ثمانية عشر عاماً ، ومع ذلك يرجع إليها كبار الصحابة فكانت أفقه
النساء في العلم ، في الفقه ، في أحوال النبي e في الشعر ، في الأدب وهي
لازالت شابة .
فإذاً
حتى في مجال النساء ليست المسألة محكورة على الشباب ، أو على الرجال ،
إنما حتى على مستوي النساء ، وكثير من النساء ، وهذا التاريخ حافل به سبقن
كثيراً من الرجال في ميادين الرجال .
لكن الله سبحانه وتعالي فتح للنساء ميادين أخر لم تفتح للرجال كما فتح للرجال ميادين لم تفتح للنساء .
المهم أن على مستويات متعددة وجدت هذه المنافسة .
إذاً من خلال هذا الحديث تبين لنا : أن مبدأ المنافسة مبدأ مباح .
الأمر
الثاني : أنه لا يكون حراماً إلا إذا دخل عليه عنصر حرام ، مبدأ المنافسة
مبدأ تشريعي شرعه الله سبحانه وتعالي ، شرعه النبي e ، طبقه كبار الصحابة
على المستوى الفردي ، طبقوه على المستوى الجماعي .
النقطة الرابعة : ميادين المنافسة ميادين كثيرة .
بين
لنا هذا الحديث بعض الميادين : ميدان الصدقة بالنسبة للأغنياء ، ميدان
الذكر ، ميدان الأمر بالمعروف ، النهي عن المنكر ، ميدان الأعمال المباحة
إذا صرفت في الأعمال الحلال .
هذا
هو مبدأ المنافسة ، باقي عليها الاقتداء ، أن الإنسان ينتبه لنفسه ،
الحياة قصيرة ليست طويلة ، ولذلك ينافس الإنسان ، فإذا نافس ومسك الطريق
فنية المؤمن خير من عمله ، وإذا تمنى الإنسان شيء وبدأ تطبيقه حينئذ بإذاً
الله إما أن يصل وهو في الدنيا ، وإما أن يبلغه الله سبحانه وتعالي بناء
على نيته إذا كانت نيته صادقة .
هذه القاعدة الأولي : قاعدة المنافسة .
القاعدة الثانية : الكثير من الإشكالات التي ترد في واقع الناس ينبني لإشكال على المفهوم ، على مفهوم المصطلح .
النبي e هنا وسع لنا مفهوم الصدقة ، المتبادر إلي الذهن : أن الصدقة صدقة بالمال وإلا لا ؟ بلي .
إذاً
هذا هو المتبادر للذهن ، النبي e وسع هذا المفهوم فليست ، الصدقة قاصرة
على الصدقة بالمال ، وإنما الصدقة بالمال مجال من مجالات الصدقة لكن مفهوم
الصدقة مفهوم واسع ، الذكر صدقة ، صدقة منك على نفسك ، الأمر بالمعروف صدقة
على الآخرين ، إما أن تدلهم على خير ، إما أن تبين لهم وجه من الوجوه
الخيرة ، تبين لهم طاعة من الطاعات فهذا أمر بالمعروف ، والمعروف أيضا
مصطلح مفهومه واسع.
كذلك
مجال النهي عن المنكر تحذرهم من الشر أياً كان هذا الشر لو كان في عينك أو
في أعين الناس أنه صغير إلا أنه من باب أيضا يدخل في باب الصدقة .
كذلك باب المباحات ، المباحات إذا صرفت لطاعة الله عز وجل توسع المفهوم فأصبحت صدقة منك على نفسك ولذلك جاء في الحديث ( إنك لن تنفق نفقة تبتغي ) انظر هنا ( تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فيِّ امرأتك ) يعني في فم امرأتك .
يعني أنك تشتغل تكسب مال ، تأتي بالطعام لأهلك ولأولادك هذا الطعام الذي لأهلك ولأولادك وهو واجب عليك أصبح صدقة .
حتى الأعمال المباحة والأعمال الواجبة عليك ليست مجرد مباحة هي واجب أن تقوم بها هي أيضا تؤجر عليها .
لذلك الصحابة رضوان الله عليهم استغربوا فقالوا (أيضع أحدنا شهوته وله فيها أجر قال نعم ) لأن المسألة بالمقابل (أرأيتم إذا وضعها في حرام أليس عليه وزر قالوا بلي قال فكذلك إذا وضعها في حلال فله أجر) ، مثل ما مثلنا في حديث ( إنما الأعمال بالنيات )
إن النية تصرف العمل من كونه مباحا إلي كونه ثوابا ومن كونه مباحا إلي
كونه إثما وزورا فهنا الإنسان لما يفرغ شهوته في الحرام أصبح حرام بل أصبح
من أكبر الكبائر ، بل أصبح يجب عقابه في الدنيا ، يحجب عقابه بالحد إن كان
محصن فيرجم ، وإن كان غير محصن فيجلد ويحبس .
إذاً مفهوم الصدقة هنا مفهوم واسع من المفاهيم التي يجب أن تصحح من أجَلِّ هذه المفاهيم ما كان نفعه متعديا للآخرين .
إذاً
هذه القاعدة الثانية وهي قاعدة مفهوم الصدقة ، عرفنا أن هذا المفهوم مفهوم
واسع ، وليس مفهوماً قاصراً فما بقي على الإنسان إلا أن يحدد الأبواب التي
يستطيع أن يمارس فيها هذا المفهوم .
هناك فوائد أخرى من هذا الحديث متعلقة بالمنافسة أو متعلقة بالصدقة أو بالأمور الأخرى من ذلك :
فضل
الذكر : وعرفنا فضل الذكر في الدرس السابق بأن فضله عظيم لا إله إلا الله
ترجح بالميزان ، والحمد لله تملأن أو تملئ ما بين السماء والأرض ، ولا حول
ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة ، وهكذا .
ففضل الذكر كبير ، فهنا يبين النبي e أن الذكر لله سبحانه وتعالي صدقة للإنسان لما يذكر الله سبحانه وتعالي .
من الفوائد أيضا :
أن الأعمال المباحة تنقلب بالنية إلي أن تكون أجر وثواب .
من الفوائد أيضا :
أن
المربي والمعلم ، والمرشد ، عليه أن يفتح بال الأمل لطلابه، لأبنائه ،
لبناته ، كيف يفتح باب الأمل ؟ يعني المدرس العلوم مثلا ، مدرس الرياضيات ،
مدرس النحو - اللغة العربية- فضلا عن مدرس الشريعة ، فضلا عن الأب والأم ،
عليه أن يستفيد من مادته لكي يفتح الآمال الواسعة ، فينطلق الناس في إظهار
قدراتهم وملكاتهم فحينئذ يعمر هذا الكون بما هو طاعات وعبادات .
نأخذ مثلا : مدرس العلوم أو مدرسة العلوم ، دعونا في المراحل الابتدائية .
لما
يدرس عن الدجاجة ، وأن الدجاجة تبيض مثلاً ما هي الدجاجة؟ هنا يدخل في
مجالات كبيرة في خلق الله سبحانه وتعالي في عظم تصوير الله سبحانه وتعالي
لهذا المخلوق ، هذا المخلوق يسبح الله ، فحينئذٍ إذا كان المخلوق يسبح الله
هذا المخلوق الأعجمي الذي لم يكلف وهو يسبح الله تعالي ، أنت أيها الطالب
أيها التلميذ هذه الدجاجة تلتقط حبوبها تشتغل إذاً أنت عليك أن تشتغل ،
عليك أن تذاكر ، عليك كذا ، عليك كذا ، إلي آخر ذلك .
مدرس
الرياضيات : لما يدرس الجمع والطرح لما يقول خمس طلاب مجتهدون ، هؤلاء
المجتهدون استغلوا خمسة أيام في الأسبوع كم في الشهر ؟ اشتغلوا خمسة أيام
في أربعة أسابيع إذاً عشرين ، عشرين ما شاء الله تبارك الله ، اشتغلوا لو
كان كل واحد منهم يسبح مائة تسبيحة في اليوم ، إذا كيف مدرس الرياضيات
اشتغل فصار الطلاب يسبحون الله سبحانه وتعالي فتصوروا الأجر العظيم ،
والطفل حينئذ يستوعب ويخزن ، فيكون هذا باب الذكر دخل معه من خلال درس
الرياضيات ، وهكذا .
مدرس النحو : في قطعة من القطع "محمد طالب مجتهد" ، "ومحمد مطيع لوالديه" ، "محمد حفظ القرآن في عشر سنوات" .
إذاً يعني هنا قد يسأل طالب ذكي كيف يحفظه في عشر سنوات؟ فينبه الأستاذ أو المدرس أو المعلم أو المعلمة إلي ذلك .
إذاً
النبي e هنا فتح الآمال خصوصا إذا وجد أن الناس قد ينحسرون في زاوية من
الزوايا أو عندهم شيء من التشائم أو من الاكتئاب أو من القلق فعليه أن يفتح
باب الأمل .
أذكر
أنني قرأت في كتاب من الكتب : أن إنسانا وصل إلي درجة من الاكتئاب والقلق
إلي أن ينتحر، فجاء لطبيب من الأطباء الحكماء ، فقال : والله أنا أريد
أنتحر بس ما وصيتي . قال : أنا رأي أنك ما تنتحر كده يعني تنتحر على طول
تضيع نفسك لا انتحر بشرف . قال : كيف أنتحر بشرف قال خذ عشرة كيلو البس
البدلة الرياضية وحين إذاً امشي عشرة كيلو في اليوم وبعد أسبوع تعالي فذهب
في اليوم الأول وعشرة كيلو .
فلما
جاء الليل فإذا الرجل منتهى فنام نام نومة لم ينمها في طوال حياته لأن
الرجل عنه اكتئاب والاكتئاب يمنع النوم أو يضعف النوم ، جاء في النوم
الثاني وعشرة كيلو أصبح ينام الرجل فلما مضى أسبوع جاء للطبيب قال أيضا
أسبوع آخر فلما مضى الأسبوع الآخر وإذا الرجل يعني انفتحت الآمال فقال اسجل
في النادي الفلاني سجل في النادي الفلاني فأصبح عدائاً من أكابر العدائين
وترك الانتحار .
إذاً هذا الطبيب الحكيم فتح باب الأمل من خلال هذه الوسيلة المعينة .
فإذاً
المعلم المربي يفتح باب الأمل خصوصا إذا وجد أن الإنسان أنحصر في زاوية من
الزوايا وأصبح قلق ومكتئب ، أفتح له باب الأمل بما يستطيعه .
فالنبي e يرثي لنا هذا المفهوم المهم في فتح باب الأمل .
الموضوع : الحديث الخامس والعشرون فضـــل الذكــر المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم