(عن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى (يا
ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن
آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك يا ابن آدم إنك لو
أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لاقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).
هذا
الحديث أخرجه الإمام الترمذي رحمه الله وغيره وقال عنه الإمام الترمذي
رحمه الله هذا حديث حسن هذا الحديث العظيم الذي ختم به الإمام النووي حديثه
الأربعين وهو الحديث الثاني والأربعين فإذا تسميتها الأربعين من باب
التغليب هذا الحديث الذي ختم به كان ختاما جميلا وحسنا فجزاه الله خيرا
ورحمه رحمة واسعة فبدأ بداية جميلة وطيبة وهي في حديث (إنما الأعمال بالنيات)
ابتدأ بالنية وانتهى بالمغفرة إن شاء الله عند الله جل وعلا فالختام حسن
وكذا يعني اقتدى بالإمام البخاري رحمه الله عندما افتتح حديثه (إنما الأعمال بالنيات) وختم صحيحه بحديث (كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن)
فينتهي العمل بالرجاء ولذلك قال أهل العلم إن الإنسان في هذه الدنيا يسير
كالطائر يقلب تارة يرتفع جناح وينخفض جناح فالإنسان في هذه الدنيا بين
الرجاء والخوف كجناحي طائر والقائد للطائر هو رأسه فرأس الطيران في هذه
الدنيا محبة الله جلا وعلا رأس الطائر المحبة والجناحان اللذان يطير بهما
هما الرجاء والخوف يعني يرجو رحمة ربه ويرجو قبول أعماله ويرجو مغفرة ذنوبه
ويخشى من عقاب الله ويخشى من عدم القبول ما مادام في هذه الدنيا ويخشى من
الذلل هكذا يسير أما إذا وصل إلى النهاية وصل إلى الموت وحضرت الوفاة ينسى
جانب الخوف نهائيا ويغلب جانب الرجاء لأنه إذا مات الإنسان وهو يحسن الظن
بربه كما قال الله تعالى في الحديث القدسي (أنا عند حسن ظن عبدي بي)
فإذا كان في ساعة الأخيرة فيحسن الظن بربه عز وجل ويرجو رحمة ربه وحينئذ
يغفر الله سبحانه وتعالى له فهذا الحديث في ختام الأربعين حديث في الرجاء
ونحن نختم الأربعين أيضا نرجو قبول هذا العمل من الله سبحانه وتعالى ونرجو
مغفرة ما وقع لنا من الزلل والخطأ وسبق اللسان والنقص والتقصير وكلنا كذلك
فما نرجو الله سبحانه وتعالى أن يرفع لنا وأن يجعلنا من في مجلسنا هذا
والمجالس المماثلة من مجالس العلم كما نرجو أن يختم لنا القبول هذه الدورة
العلمية بجميع ما جاء فيها من مقررات رجاء حسنا ويثيب الله سبحانه وتعالى
الجميع هذا الحديث كما قلت هو في الرجاء العظيم لذلك من تذكر هذا الحديث في
كل عمل عليه أن يستغفر الله سبحانه وتعالى ثم يطمئن قلبه يقول الرسول صلى
الله عليه وسلم يقول الله سبحانه وتعالى (يا ابن آدم)
انظروا الخطاب يقول الله سبحانه وتعالى يا ابن آدم ما قال يالي فيك ما
لافيك يا المخطأ يا كذا يا كذا يا ابن آدم فخطاب بالنسب يا فلان يا ابن آدم
هذا خطاب الله سبحانه وتعالى وهذا الحديث من الأحاديث القدسية وتسمى
الأحاديث الإلهية أيضا وعرفنا الفرق بينها وبين الأحاديث الأخرى وبين
القرآن الله تعالى يقول يا ابن آدم أنك ما دعوتني ورجوتني دعوتني طلبت مني
وسألتني ورجوتني طمعت في الرجاء هو الطمع في هذا الشيء والطمع في مغفرة
الله سبحانه وتعالى ما دعوت الله ورجوته إلا قال غفرت لك على ما كان منك
ولا أبالي مهما وقع منك من الذنوب كثير من الأسئلة ترد من الشرق ومن الغرب
الآن في الهواتف وفي البريد الإلكتروني وفي غيره أنا عملت الذنوب هل لي
توبة أنا عملت كذا نعم إن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن عباده قال يا
ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء تأكيد عنان السماء ما هو ما انتهى إليه
البصر من الارتفاع وقيل عنان السماء السماء امتلأ من الأرض إلى السماء لو
بلغت ذنوبك عنان السماء ثم ماذا ثم استغفرتني طلبت المغفرة غفرت لك مهما
كانت هذه الذنوب يا ابن آدم تأكيد أيضا إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا
قراب الأرض خطايا يعني ملأ الأرض خطايا يعني من أقصى اليابان إلى أقصى
أمريكا لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا مت على
التوحيد مت على لا إله إلا الله محمد رسول الله وأنت عملت بمقتضاها مهما
بلغت الذنوب لأتيتك بقرابها مغفرة ومسحت ذنوبك هذا الحديث عظيم في باب
الرجاء للمسلم ولذلك ما على المسلم إلا أن يتجه إلى الله سبحانه وتعالى وأن
يعمل فإذا عمل قد يخطأ بلا شك فكل بني آدم خطاء ولكن خير الخطائين
التوابون هذا ليس هذا الكلام ليس تشريعًا للخطأ ليس تشريعا للخطأ الخطأ ما
سمي خطأ إلا لأنه وقع خطأ ليس تشريعا أن يتعمد الإنسان الوقوع في الخطأ
فهذا تعمد فلو مات على العمد هذا خطير لأنه عصى الله سبحانه وتعالى عن عمد
وهذا إن كان في أصل التوحيد فيكون حينئذ إلى النار والعياذ بالله وإن كان
في معصية من المعاصي تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى إن شاء عفا عنه وإن شاء
غفر له بكرمه ورحمته إذا هذا الحديث فيه باب الرجاء العظيم للمسلم وباب
الرجاء كما هو معلوم يعطي دفعة قوية للتقدم للعمل لأن المسلم الذي يعمل
ينتظر الثواب والجزاء من الله سبحانه وتعالى إذا هذا الحديث في قاعدة عامة
في قاعدة الرجاء يفصل بعض الفوائد هذا الحديث فيه رحمة الله واسعة وفيه كرم
الله جل وعلا فهو أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وأرحم الراحمين يقبل
التوبة عن عباده ويغفر الذنوب جميعا حتى ولو أسرف الإنسان على نفسه
بالمعاصي فالله سبحانه وتعالى يقبل هذه التوبة بل يبسط يده بالليل ليتوب
مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ولا تنقطع التوبة حتى
الغرغرة أو تطلع الشمس من مغربها فهذا يدل على أن رحمة الله واسعة وأن
القبول حاصل وأن المغفرة حاصلة من الله سبحانه وتعالى إذا أقبل الإنسان على
الله نادما على خطئه معترفا بخطئه عازما على ألا يعود إلى الخطأ مرة أخرى.
أيضا
الأمر الثاني نبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحديث القدسي عن الله
عز وجل ثلاثة أسباب مكفرات للذنوب ثلاثة أسباب مكفرات للذنوب السبب الأول
دعاء الله سبحانه وتعالى ورجاءه وهذا دليل إيمان العبد كل ما أكثر الدعاء
لله سبحانه وتعالى هذا دليل على ذله وخضوعه وقربه من ربه جل وعلا واستجابته
لله جل وعلا ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [غافر: 60]. ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 186]. إيش ﴿ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: 186]. ﴿ أَمَّن يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل: 62].
فالله سبحانه وتعالى إذا دعاه العبد يكفر ذنوبه ويقبل توبته ويستجيب دعاءه
سبحانه وتعالى فإذا هذا السبب الأول السبب الأول وهو دعاء الله سبحانه
وتعالى فيستمر الإنسان بالدعاء وليس معنى أنه يستمر بالدعاء فيمل يخطأ
اليوم ويدعو يخطأ ويدعو يخطأ ويدعو ثم يقول خلاص أنا يعني مثل الذي يقول
عيب يعني أني أخطأ ثم أدعو لا خلاص بلاش دعوة لا مهما أخطأت ادعوا فالله
سبحانه وتعالى كما في الأثر لا يمل حتى تملوا ومع الله سبحانه وتعالى لا
يمل لكنا بالمقابلة. فلذلك على الإنسان أن يكثر من الدعاء السبب الثاني
الاستغفار والاستغفار أمره مهم جدا رسول الله صلى الله عليه وسلم مصطفى
الله من خلقه وأفضل البشر بل أفضل الأنبياء المرسلين أول من يدخل الجنة وهو
الشافع المشفع في المحشر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك يستغفر
في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة كما أخبر عن نفسه عليه الصلاة والسلام
وفي اليوم أكثر من مائة مرة فما بالك بمن يخطأ ويذنب يخطأ ويذنب فعليه
الاستغفار وحكى الله سبحانه وتعالى عن نوح لقومه عليه السلام ﴿قُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً ﴾ [نوح: 10].
فالاستغفار إذا استغفر العبد غفر الله سبحانه وتعالى الذنوب فلا يدخل
الشيطان على الإنسان ويقول استغفرت استغفرت وكفاية استغفر استغفر الله
سبحانه وتعالى ابدأ يومك باستغفار واختمه باستغفار يغفر الله لك سبحانه
وتعالى السبب الثالث توحيد الله عز وجل والإخلاص له في هذا التوحيد ومن مات
على التوحيد مثل ما ذكر في هذا الحديث القدسي ثم لقيتين لا تشرك بي شيئا
لقيتك بقرابها مغفرة فالتوحيد إذا مات عليه الإنسان كفرت ذنوبه ما معنى
التوحيد يعني أن يموت عابدا لله سبحانه وتعالى غير مشرك به ولذلك جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) وفي الرواية الأخرى (حرم وجهه على النار)
فمن مات على هذا التوحيد كان مغفرة لذنوبه بإذن الله عز وجل. من المهم وقد
عرفنا ثلاثة أسباب من مغفرة الذنوب من المهم جدا أن نتنبه إلى عوامل قبول
هذه الأشياء في الدعاء مثلا الإخلاص في هذا الدعاء تعظيم الله سبحانه
وتعالى حضور القلب لله سبحانه وتعالى عدم أكل الحرام والتعامل بالحرام فهذه
كلها من عوامل قبول الدعاء في الاستغفار أيضا استحضار نية الاستغفار لله
سبحانه وتعالى كذلك استشعار عظمة الله جل وعلا استشعار عظمة الذنب الذي
يخطأ فيه الإنسان وارتكبه العزم على عدم الرجوع إلى الذنب مرة أخرى استشعار
قبول الاستغفار من الله سبحانه وتعالى في أيضا الشرك بالله جل وعلا في
توحيد الله جل وعلا ألا أن يموت موحدا لكن لا ينتبه لا ينقض هذا التوحيد
وهذه العبادة بأنواع من الشرك مثل أن يصرف نوعا من أنواع العبادة لغير الله
سبحانه وتعالى أو أن يتعامل بالسحر والكهانة أو غير ذلك أو أن يختار شرعا
غير شرع الله جل وعلا ليحكم به في هذه الدنيا كذلك عدم الإيمان بمحمد صلى
الله عليه وسلم ونحو ذلك فيوحد الله جل وعلا في جميع أموره.
أختم
بما بدأت به هذا الحديث هذا الحديث عظيم في الرجاء فذلك ما علينا إلا أن
نقبل على الله جل وعلا في جميع أمورنا في عباداتنا في معاملاتنا في داخل
بيوتنا في تعاملنا مع الآخرين مهما كان هؤلاء الآخرين في وظائفنا في
شوارعنا نستحضر عبودية الله سبحانه وتعالى في هذه الدنيا وفي من خلال
أعمالنا لذلك إذا ختم الإنسان أو استشعر هذه الأمور فحري أن يقبل الله
سبحانه وتعالى عمله وأن يقبل توبته وأن يستجيب دعاءه وأن يميته على هذا
الدين وأن يغفر له ذنوبه وأن يرزقه صحبة محمد صلى الله عليه وسلم في الآخرة
كما صحبه في الدنيا من خلال سنته وتشريعه عليه الصلاة والسلام. بهذا نختم
هذه الأربعين كما شرحناها وكما حصل التعليم على هذه الأربعين بين الإيجاز
وبين التطويل أتينا على المهمات نسأل الله سبحانه وتعالى أن يثيب على
الصواب وأن يضاعف الأجر والمثوبة للجميع وأن يعفو عن ما وقع عن ما زل به
اللسان ووقع من الخطأ فاللسان عرضة وكما عرفنا في الحديث السابق للخطأ
والنسيان وسبق اللسان ونحو ذلك وأن يرزقنا الإخلاص في الأقوال والأعمال
والثبات على هذا الدين وأن نعود إن شاء الله في دورة قادمة بإذن الله عز
وجل في فصل قادم لنكمل المسيرة مع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم
بهذه المناسبة الختامية أشكر القائمين على هذه القناة المباركة الذي استبشر
بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها لتنقل تفاصيل هذا التشريع من الله
سبحانه وتعالى تنقل تفاصيل هذا التشريع إلى أرجاء الأرض كم وكم من مشارق
الأرض ومغاربها من هو متعطش إلى هذا العلم الشرعي فنسأل الله عز وجل أن
يثيب القائمين على هذه القناة وعلى هذا الموقع موقع الأكاديمية العلمية أن
يثيبهم جميعا وأن يرزقنا وإياهم الثبات وأن يضاعف لنا ولهم الأجر والمثوبة
كما أشكر الأخوة جميعا الذين حضورا في الأستوديو معنا والذين حضروا في
الأكاديمية والذين تابعوا من خلال الشاشة والذين استمعوا أشكرهم جميعا
وأسأل الله جل وعلا أن يجعلهم من الذين ينالون أجل العلم والتعليم كما لا
أنسى أن أشكر بخاصة الأخوة الذين تابعونا وأرسلوا لنا بعض التعقيبات عن
طريق رسائل الجوال أو عن طريق البريد الإلكتروني الخاص أو عن طريق
الأكاديمية فهناك بعض الأخوة من طلبة العلم وطالبات العلم يرسلوا أسئلة أو
تعقيبات على بعض روايات وردت قد يكون معهم الصواب وقد يكونوا ليس معهم فورد
فيها تنبيهات جميلة جدا فأشكرهم وهذا يدل على المتابعة نسأل الله سبحانه
وتعالى أن يثيبهم وأسأل الله جل وعلا أن يرزقني وإياكم الإخلاص في الأقوال
والأعمال وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشايخنا وأن يصلح لنا أنفسنا وأسرنا
وذرارينا وأزواجنا وأن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين وأن يصلح أئمتنا وولاة
أمورنا وأئمة المسلمين وولاة أمورهم جميعا في مشارق الأرض ومغاربها وأن
يصلح أحوال المسلمين جميعا إنه سميع قريب مجيب ونقول سبحانك اللهم وبحمدك
نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ونترك الباقي للأسئلة.
الموضوع : شرح الحديث الاثنين والاربعون والاخير يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم