تاج الفضيلة والعفة
وقف الزملاء
الثلاثة في حرم الجامعة وهم ينتظرون إحدى المحاضرات، فأخذ كل واحد منهم
يحدث الآخر بما يعتمل في صدره من طموحات وأهداف، وكان مما دار بينهم:
قال محمد: تعلمون، ما أريد بعد دراستي إلا أن أعمل وأعمل حتى أستطيع أن أتزوج وأستقر.
فقال له أشرف: أخالفك تماماً، بدون زواج أنت تفعل ما تشاء، تصاحب هذه، وتتنزه مع تلك، وتواعد الأخرى... فلماذا إذًا تتزوج؟!
وقال لهما أمجد: هذا الذي تتحدثون فيه تفاهات، الزواج لا قيمة له إلا أنه يقيد ويعطلك عن العمل والدراسة وتكوين الثروات...
عزيزي القارئ:
هذه آراء شتى في مجتمعنا
اليوم، في عصر انتشرت فيه الإباحية وتغلغلت في كل شيء، في المجلات وفي
الإعلانات وفي وسائل الإعلام وحتى في الطرقات، وفي نفس الوقت نجد الصعوبات
المادية والاجتماعية قد كثرت في وجه كل شاب راغب في الزواج.
فيقف الشاب متحيرًا من
أمره، قد أودعه الله - تعالى - الغريزة الفطرية تسوقه ليستجيب لها، وتحيطه
أمواج المغريات من كل مكان، فيهم كل من فيه بقية خير لينجو من أوحال
المعصية بالزواج فإذ به يصطدم بجدار من المعوقات المادية تحول بينه وبين
تاج العفة.
فمن هنا نشأت وجهات النظر
التي رأيناها في البداية، من بين شخص قد استبدل الشهوة المحرمة بالتي
أحلها الله - تعالى - استسلامًا للوضع، وآخر يعدها أمرا يعطله عن النجاح
في سلمه الوظيفي، فحاد الناس ومالوا عن النظرة السليمة لتاج العفة.
فتعالوا بنا أيها الأحبة
لنعرف لماذا الزواج؟ ولنبين النظرة الصحيحة للزواج، التي تتفق مع الفطرة
التي خلق الله - تعالى - الإنسان عليها وأمره باتباعها في دينه الحنيف.
أولًا: سنة الأنبياء والصالحين من بعدهم:
حينما خلق الله البشر
وأمرهم بعبادته وفق ما أراد، أرسل رسلاً وجعلهم نماذج حية، تعيش بين الناس
وكانت شخصياتهم صياغة لهذا المنهج الرباني، كي يتخذهم البشر قدوة.
والمتأمل في سيرة النبي -
صلى الله عليه وسلم - وغيره من الأنبياء ثم الصالحين من بعدهم، لوجد
اهتماماً جمًا بأمر الزواج، ورفعة لقدره، وإعلاء لشأنه، فهذا خير البرية
محمد - صلى الله عليه وسلم - يخاطب الثلاثة الذين أرادوا الانقطاع للعبادة
وترك الدنيا بالكلية قائلًا: ((أما والله إني لأخشاكم لله واتقاكم له؛
ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس
مني)).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((حُبّبَ إليَّ من دنياكم النساء والطيب، وجُعلت قرة عيني في الصلاة)).
ولما أراد الرب- تبارك
وتعالى - أن يمتدح الأنبياء قال في معرض المدح: ((ولقد أرسلنا رسلًا من
قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية))، فمن نعمه التي أراد أن يظهر امتنانه بها
عليهم الزوجة والذرية، وقيل: أن الله - تعالى - لم يذكر من الأنبياء
والمرسلين في كتابه إلا المتأهلين - المتزوجين - إلا يحي وعيسى - عليهما
السلام - فقط.
وبنظرة عابرة على مجتمع
الصحابة –رضوان الله عليهم-، المجتمع الذي سادته العفة والطهر فكان نتاجه
قدوات من أمثال يوسف - عليه السلام -، نرى كيف كان هؤلاء ينظرون للزواج،
فكان ابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: "لو لم يبق من عمري إلا عشرة أيام
لأحببت أن أتزوج لكيلا ألقى الله عزبًا".
بل عد عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه - ترك النكاح قصورًا، فقال: "لا يمنع من النكاح إلا عجز أو
فجور"، وقال الإمام أحمد: "أكره أن أبيت عزباً"، فهؤلاء مع صلاحهم وتقواهم
وعلمهم كان لهم حرص على أمر الزواج لعلمهم لما فيه من المنافع والفوائد.
ثانيًا - تاج العفة والفضيلة:
حين خلق الله - تعالى
-الإنسان أودعه الغريزة، وفطر الرجل على الميل إلى المرأة والمرأة على
الميل إلى الرجل، وهذا أمر فطري وليست الشهوة في حد ذاتها عيباً أو معصية،
ولكن كيف تصرف هذه الشهوة؟!
فهذه الغريزة هي طاقة
أنعم الله - تعالى - بها على الإنسان، وسوف يُسأل العبد يوم القيامة عنها،
فإنها إما تصرف فيما حرم الله تعالى؛ في مجلات وأفلام فاضحة، وعلاقات لا
يرضى عنها الله - تعالى -، ثم يعقبها قلق، وندم، وشعور باحتقار الذات.
وإما أن تصرف كما أراد
لها الرب - تعالى - في زواج تحفه الطمأنينة والسكينة والمودة، فإذا وجدت
مع الشعور بأنها حلال وأنها مرضاة لله؛ كملت هذه المتعة وسوف تكون من أجمل
المشاعر التي خلقها الله، فيعقبها الحمد والشكر لله - تعالى -،
والطمأنينة والسكينة والراحة النفسية والبدنية، ويساعد على ذلك الأصل
الأول للخلق وغريزة الميل التي خلقها الله في كل من الذكر والأنثى للآخر
وابتغاء هذا المتاع والسكن بالزواج مطلوب شرعاً.
ويؤكد هذا المعنى قصة أحد
الشباب الذي يقول عن نفسه: (كنت أظن أنني سأشعر بالسعادة عن مصاحبة هذه
وتلك والضحك واللعب والخروج والرحلات مع البنات، ولكن هل نجني من الشوك
العنب؟
ولكن بعد توبتي والتزامي
طريق الهداية منّ الله عليّ بالزواج؛ فوجدت فعلاً السعادة الحقيقية التي
لم أعرف طعمها من قبل، مشاعر الحب والدفء والسكن والمودة، وهذه التي لا
نجدها إلا في ظل الزواج الشرعي الذي أراده الله لعباده).
وما رأى النبي - صلى الله
عليه وسلم - الذي هو أعلم منا بما ينفعنا وبما يضرنا أمراً تسود به
الفضيلة والعفة في المجتمع إلا تاج العفة، فلما أراد العفة أن تسود في
مجتمع المدينة خاطب الشباب قائلًا لهم: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم
الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم
فإنه له وجاء)).
وعبر الرحمن عن هذه
العلاقة بين الرجل وزوجه في القرآن أبلغ تعبير حينما قال - عز وجل -:
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا
لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ
فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الروم: ٢١]، فجعلها -
تعالى - علاقة السكن والمودة والرحمة.
وقال النبي - صلى الله
عليه وسلم -: ((إذا تزوج العبد فقد استكمل نصف الدين، فليتق الله في النصف
الباقي))، لما يتحقق بالزواج من الاستقرار النفسي والجسمي.
ومن ورع الصحابة –رضوان
الله عليهم- وخشيتهم لله - تعالى -، جاء بعضهم إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - يستأذنه في الاختصاء، مخافة أن يقع فيما حرم الله - تعالى -، وكي
تصفو نفسه للعبادة، ولكن كان الجواب من المصطفى - صلى الله عليه وسلم -
مبيناً له الطريق الأوحد لمن أراد العفاف ألا وهو تاج الفضيلة، ففي الحديث
عن سعد –رضي الله عنه- قال: "لقد رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا"، فإما الزواج أو
الاستعفاف.
عزيزي القارئ والقارئة؛
هذه بعض من أسباب الزواج، أسأل الله - تعالى - أن يرزق شباب الأمة عفة
يوسف وفتياتها عفة مريم - عليهما السلام -، وعلى وعد بلقاء آخر بإذن الله -
تعالى - نكمل فيه سويًا أسباب الزواج
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الموضوع : تاج الفضيلة والعفة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: مليش غيرك يارب توقيع العضو/ه:مليش غيرك يارب |
|