الاعتكاف آداب وأحكام
الحمد لله
رب العالمين, الملك الحق المبين, الحمد لله معزِّ من أطاعه واتقاه, ومذل
من عصاه وخالف أمره, والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الأطهار
وصحابته الكرام، أما بعد:
فإن مما
يشرع من العبادات في شهر رمضان المبارك عبادة الاعتكاف في المساجد طاعة لله
- تبارك وتعالى -, وسيكون الكلام على الاعتكاف كالتالي:
أولاً: الاعتكاف في اللغة والاصطلاح:
لغة:
يقال: عَكَف على الشيء يَعْكُفُ ويَعْكِفُ عَكْفاً وعُكوفاً: أَقبل عليه
مُواظِباً لا يَصْرِفُ عنه وجهه، وقيل: أقام، ومنه قوله - تعالى -: {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ}1 أَي: يُقيمون، ومنه قوله - تعالى -: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا}2 أَي مُقيماً، وأيضاً بمعنى: لزم المكان، والعُكُوفُ الإقامةُ في المسجد، قال اللّه - تعالى -: {وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ}3
قال المفسرون وغيرهم من أَهل اللغة: عاكِفون: مُقيمون في المساجد لا
يخْرُجون منها إلا لحاجة الإنسان، يُصلّي فيه، ويقرأُ القرآن، ويقال لمن
لازَمَ المسجد وأَقام على العِبادة فيه عاكف ومُعْتَكِفٌ، والاعْتِكافُ
والعُكوف الإقامةُ على الشيء وبالمكان ولزُومهم4.
واصطلاحاً: هو المكث في المسجد من شخص مخصوص بصفة مخصوصة5.
ثانياً: حكمه ومشروعيته:
الاعتكاف
سنة مؤكدة لما ورد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يعتكف في
رمضان فقد ورد عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: "كان رسول الله
- صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأَواخر من رمضان"6،
وعن عائشة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أن
النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه
الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده"7, ولا
يكون الاعتكاف واجباً إلا إذا نذر به الإنسان وذلك لما ثبت عن ابن عمر -
رضي الله عنهما - أَن عمر سأَل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كنت
نذرت في الجاهلية أَن أَعتكف ليلة في المسجد الحرام, قال: ((فأَوف بنذركَ))"8
قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى -: "الاعتكاف سنة بالإجماع، ولا يجب
إلا بالنذر بالإجماع، ويستحب الإكثار منه، ويستحب ويتأكد استحبابه في
العشر الأواخر من شهر رمضان"9؛ وقال ابن
المنذر - رحمه الله -: "أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف سنة لا يجب على
الناس فرضاً، إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذراً؛ فيجب عليه"10,
ومما يدل على أنه سنة: "فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومداومته عليه
تقرباً إلى الله - تعالى -، وطلباً لثوابه، واعتكاف أزواجه معه ومن بعده،
ويدل على أنه غير واجب: أن أصحابه لم يعتكفوا، ولا أمرهم النبي - صلى
الله عليه وسلم - به إلا من أراده"11.
ثالثاً: آداب الاعتكاف:
وللاعتكاف آداب عدة منها ما يلي:
1- يستحب للمعتكف الاشتغال بطاعة الله - تعالى - كذكره، وقراءة القرآن، ومذاكرة العلم لأنه أدعى لحصول المقصود من الاعتكاف.
2- الصيام: فإن الاعتكاف مع الصيام أفضل وأقوى على كسر شهوة النفس، وجمع الخاطر، وصفاء النفس.
3- أن يكون الاعتكاف في المسجد الجامع، وهو الذي تقام فيه الجمعة.
4- أن لا يتكلم إلا لخير، فلا يشتم، ولا ينطق بغيبة، ونميمة، أو لغو من الكلام12.
ومن
الآداب ما ذكر ابن قدامة المقدسي - رحمه الله -: "يستحب للمعتكف التشاغل
بالصلاة، وتلاوة القرآن، وذكر الله - تعالى -، ونحو ذلك من الطاعات المحضة،
ويجتنب ما لا يعينه من الأقوال والأفعال، ولا يكثر الكلام لأن من كثر
كلامه كثر سقطه، وفي الحديث: ((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))13, ويجتنب الجدال، والمراء، والسباب، والفحش؛ فإن ذلك مكروه في غير الاعتكاف؛ ففيه أولى، ولا يبطل الاعتكاف بشيء من ذلك"14.
رابعاً: مفسدات الاعتكاف:
1- الجماع عمداً ولو بدون إنزال, وذلك لقول الله - تبارك وتعالى -: {وَلاَ
تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ
اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ
لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}15, وأما المباشرة من غير جماع كاللمس والقبلة فلا تُبطل الاعتكاف إلا إذا أنزل.
2- الخروج عمداً من المسجد لغير حاجة.
3- الردة والسكر، والجنون, أما كون الردة مفسدة للاعتكاف فلقول الله - تبارك وتعالى -: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ}16,
وذلك لأن صاحبها قد مرق من الدين؛ ومن شروط الاعتكاف الإيمان بالله -
تبارك وتعالى -، وأما بالنسبة للسكر والجنون فلأنه صار بغير عقل لأن
السُكر يزيل العقل, أما المجنون فإنه غير مكلف أصلاً.
4- الحيض والنفاس لأن ذلك ينافي اللبث في المسجد.
نسأل
الله - تبارك وتعالى - أن يعيننا على طاعته، وأن يرزقنا الإخلاص في القول
والعمل، وأن يجنبنا معصيته والزلل, والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
1 سورة الأعراف (138).
2 سورة طه (97).
3 سورة البقرة (187).
4 لسان العرب (9/255).
5 المغني (6/208)؛ والمجموع (6/474)؛ وشرح النووي على مسلم (4/201).
6 رواه البخاري (1885)، و(1921)؛ ومسلم برقم (1171).
7 رواه البخاري برقم (1922)؛ ومسلم برقم (1172).
8 رواه البخاري (1891).
9 المجموع (6/475).
10 المغني لابن قدامة (6/208-209)؛ وكتاب
الإجماع لابن المنذر (53)؛ وشرح النووي على مسلم (4/201).
11 المغني لابن قدامة (6/209).
12 الفقه المنهجي (66-67).
13 رواه الترمذي برقم (2317), و(2318)؛ وابن
ماجة برقم (3976)؛ وصححه ابن حبان في صحيحه برقم (229)، وقال شعيب
الأرناؤوط: حديث حسن لغيره؛ وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم
(5911)؛ وفي الجامع الصغير وزيادته برقم (10854).
14 المغني (3/146).
15 سورة البقرة (187).
16 سورة الزمر (65).
الموضوع : الاعتكاف آداب وأحكام المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: كفاني مسلمة توقيع العضو/ه:كفاني مسلمة |
|