الحال مع القرآن في رمضان
مساعد بن سليمان الطيار
الحمد
لله القائل في كتابه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً
أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ
الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)
(البقرة: 185). والقائل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ
إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ *
أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (الدخان: 3 ـ5).
والقائل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) (القدر: 1).
والصلاة والسلام على
رسوله الكريم الذي خصَّه الله بوحيه، وأنْزل عليه خير كتبه، القائل:
(خيركم من تعلم القرآن وعلَّمه)، ثمَّ أُتمِّم الصلاة على آل البيت
الأطهار، وعلى أصحابه البررة الأخيار، ثمَّ على التابعين لهم ما تعاقب
الليل والنهار، أما بعد:
فلقد خصَّ الله هذا الشهر الكريم بخصائص؛ منها: أنه أفضل شهور السنة، وفيه ليلة القدر، وفيه نزل القرآن.
ونزول القرآن بنوعيه الجملي والابتدائي كان في ليلة القدر.
أما الجملي فقد أخبر عنه
ابن عباس (ت: 68) - رضي الله عنهما - بقوله: " أنزل القرآن كله جملة
واحدة في ليلة القدر في رمضان إلى السماء الدنيا، فكان الله إذا أراد أن
يُحدِث في الأرض شيئًا أنزل منه، حتى جمعه ". وهذا القول ثابت عن ابن
عباس، وله روايات متعددة.
وأما ابتداء النُّزول،
فقد نُسِب للشعبي (ت: 103)، وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن في قوله -
تعالى -: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً
لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان)(البقرة: من
الآية185).
وقوله - تعالى -: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان: 3).
وهداية الناس والبيان الهدى لهم، ونذارتهم إنما هي في القرآن النازل على محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وليس يمتنع أن يُراد
المعنيان معًا في هذه الآيات، فتكون دالَّة على النُّزولين؛ إذ ليس
بينهما تعارض ولا تناقض، والقولان إذا صحَّا في تفسير الآية، والآية
تحتملهما، ولم يكن بينهما تعارض، فإنه يجوز حمل الآية عليها كما قرَّره
العلماء.
وعلى كل حال فإن التلازم بين القرآن وشهر رمضان ظاهر في هذه الآيات، فَشَرُفَ الشهر بنُزول القرآن فيه، لذا صار يُسمى: شهر القرآن.
أحوال الناس في قراءة القرآن:
يقع سؤال بعض الناس عن أيهما أفضل، قراءة القرآن بتدبر، أو قراءته على وجه الحدر، والاستزادة من بكثرة ختمه إدراكًا لأجر القراءة؟
وهاتان العبادتان غير
متناقضتين ولا متشاحَّتين في الوقت حتى يُطلب السؤال عن الأفضل، والأمر
في هذا يرجع إلى حال القارئ، وهم أصناف:
- الصنف الأول: العامة
الذين لا يستطيعون التدبر، بل قد لا يفهمون جملة كبيرة من آياته، وهؤلاء
لاشكَّ أن الأفضل في حقِّهم كثرة القراءة.
وهذا النوع من القراءة
مطلوب لذاته لتكثير الحسنات في القراءة على ما جاء في الأثر: ((لا أقول "
ألم " حرف، بل ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)).
-الصنف الثاني: العلماء
وطلبة العلم، وهؤلاء لهم طريقان في القرآن: الأول: كطريقة العامة؛ طلبًا
لتكثير الحسنات بكثرة القراءة والخَتْمَاتِ.
الثاني: قراءته قصد
مدارسة معانيه والتَّدبر والاستنباط منه، وكلٌّ بحسب تخصصه سيبرز له من
الاستنباط ما لا يبرز للآخَر، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأعود فأقول: إنَّ هذين
النوعين من القراءة مما يدخل تحت تنوع الأعمال في الشريعة، وهما مطلوبان
معًا، وليس بينهما مناقضة فيُطلب الأفضل، بل كلُّ نوعٍ له وقته، وهو
مرتبط بحال صاحبه فيه.
ولا شكَّ أنَّ الفهم أكمل
من عدم الفهم، لذا شبَّه بعض العلماء من قرأ سورة من القرآن بتدبر كان
كمن قدَّم جوهرة، ومن قرأ كل القرآن بغير تدبر كان كمن قدَّم دراهم
كثيرة، وهي لا تصلُ إلى حدِّ ما قدَّمه الأول.
ومما يحسن التنبيه على أمور تتعلق بتلاوة القرآن في رمضان:
الأمر الأول:
أن يتعرف المرء على نفسه،
فليس الناس ذوي حال واحدة في العبادة، لكن من الخسارة أن يمرَّ على
المسلم رمضان ولم يختم فيه القرآن، وتلك سُنَّةٌ سنَّها جبريل - عليه
السلام - في مراجعة القرآن في رمضان مع رسول- صلى الله عليه وسلم -، وهي
سنة ماضية عند المسلمين منذ عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
والملاحظ أنَّ كثيرًا من
الناس ينشطون في أول الشهر في أعمال الخير، ومنها تلاوة القرآن، لكن
سرعان ما يفترون بعد أيام منه، وترى فيهم الكسل عن هذه الأعمال باديًا.
ولأجل هذا فمن اعتاد من
نفسه هذا الأسلوب فإن الأَولى له أن يرتِّب قراءته، ويخصِّص لكل يومٍ
جزءًا، فإنه بهذا سيختم القرآن مرَّة في هذا الشهر، ولو استمرَّ على هذا
الأسلوب في كل شهور السنة لاستطاع ذلك، والأمر يرجع إلى العزيمة والإصرار.
ولو أنَّ المسلم خصَّص
لكل وقت من أوقات الصلوات الخمس أربع صفحاتٍ، فإنه سيقرأ في اليوم عشرين
صفحة، وهذا ما يعادلُ جزءًا كاملاً في المصاحف الموجَّه المكتوبة في خمسة
عشر سطرًا في الصفحة؛ كمصحف المدينة النبوية.
وبهذه الطريقة يكون
مداومًا على عملٍ من أعمال الخير غير منقطع عنه، و"أحبَّ الأعمال إلى
الله أدومها وإن قَلَّ " كما قال - صلى الله عليه وسلم -.
الأمر الثاني:
يحسن بمن يقرأ القرآن
عمومًا، وبمن يقرأه في رمضان على وجه الخصوص أن يكون معه تفسير مختصرٌ
يقرأ فيه ليعلم معاني ما يقرأ، وذلك أدعى إلى تذوُّق القراءة والإحساس
بطعم قراءة القرآن، وليس من يدرك المعاني ويعلمها كمن لا يدركها.
ومع أهمية هذا الأمر،
فإنك ترى كثيرًا من قارئي القرآن يغفل عنه، ولو خَصَّصَ القارئُ لنفسه
كتابَ تفسيرٍ مختصرًا يرجع إليه على الدوام لأدرك كثيرًا من معاني
القرآن.
ولقد عُني المسلمون في
هذا العصر بتأليف بعض التفاسير المختصرة، تجد ذلك في بعض بلدان المسلمين،
ومنها بلاد الحرمين التي أصدرت وزارتها للشؤون الإسلامية كتاب (التفسير
الميسر) وهو اسم على مسمى، وهذا التفسير مع أنَّ الغرض منه الإفادة في
الترجمة، إلا أنه نافع لعامة من يريد أن يعرف المعنى الجملي للآيات، ولا
يعرف فضل الجهد الذي بُذِل فيه، والقيمة العلمية التي يحتويها إلا من
مارس التعامل مع اختلاف المفسرين.
والمقصود أن يحرص المسلم
على أن يكون له تفسير من هذه المختصرات يقرأ فيه ويداوم عليه كما يقرأ
القرآن ليجتمع له في قراءته الأداء وفهم المعنى.
الأمر الثالث:
في حال قراءة القرآن تظهر
ـ على وجه الخصوص عند طلاب العلم ـ بعض الفوائد أو بعض المشكلات،
ولابدَّ من التقييد لهذه الفوائد أو المشكلات؛ لئلا تضيع.
إن هذا القرآن لا تنقضي
عجائبه، ولا يخلق من كثرة الردِّ، وبما أنه قرآن كريم مجيد (أي: ذا شرف
في مبناه ومعناه، وذا سعة وفضل في مبناه ومعناه)، فإن ما يتعلق به من
المعاني والاستنباطات كذلك، فهي معانٍ واستنباطات شريفة لشرف ذلك الكتاب،
وكثيرة متسعة لا يحدُّها حدٌّ لمجد ذلك الكتاب.
ولما كان هذا حاله،
فَلَكَ أن تتصور: كم من الفوائد التي ستكون بين يدي طلاب العلم لو أن كل
عالمٍ كتب ما يتحصَّل له من التدبر أو المشكلات أثناء قراءته لكتاب الله -
تعالى -؟!
الأمر الرابع:
إن القراءة بالليل من
أنفع العبادات، وكم من عبادة لا تخرج لذتها للعابدين إلا في وقت الظلمة،
لذا كان أهم أوقات اليوم الثلث الأخير من الليل، لقول الرسول - صلى الله
عليه وسلم -: " إذا كان ثلث الليل الآخر ينْزل ربنا إلى سماء الدنيا
فيقول: هل من سائل فأعطية؟
هل من مستغفر فأغفر له؟ …)).
وكثيرًا ما نغفل عن عبادة الليل خصوصًا في رمضان ـ مع ما يحصل منا من السهر ـ وتلك غفلة كبيرة لمن حُرِم لذة عبادة الليل.
فَشَمِّرْ عن ساعد
الجِدِّ، وأدركْ فقد سبق المشمرون قبلك، ولا تكن في هذه الأمور ذيلاً بل
كن رأسًا، والله يوفقني وإياك لكما يحب ويرضى.
ولو رتَّب المسلم لنفسه
برنامج قراءة للقرآن كل ليلة؛ لارتبط بعبودية لله، ولم يكن في لَيلِهِ من
الغافلين، لا جعلني الله وإياك منهم.
ومما قد يغيب عن أذهاننا
في أيامنا هذه: أيامِ الإضاءةِ الليلية التي قلبت الليل إلى نهار،
فانقلبت بذلك فطرة الله التي فطر الناس عليها بجعله الليل لهم سباتًا
يرتاحون فيه، أقول إنه قد يغيب عنا لذة العبادة في الظلمة، لذا لو جرَّب
المسلم قراءة القرآن من حفظِه أو الصلاة النافلة الليلية بلا إضاءة، فإن
في ذلك جمعًا لهمِّه، وتركيزًا لنفسه؛ لأن البصر يُشغِل المرء في قراءته
أو صلاته.
ومن جرَّب العبادة في الظلمة وجدَ لذة تفوق عبادته وهو تحت إضاءة الكهرباء.
الأمر الخامس:
إن من فوائد صلاة
التراويح في رمضان سماع القرءان من القراء المتقنين، ومن أصحاب الأصوات
النَّدية، الذين يقرؤون القرآن ويؤثِّرون بقراءتهم على القلوب، فتراك تجد
بقراءتهم أثرًا في قلبك، فاحرص على من يتَّصف بهذه الأوصاف، واعلم أن
الناس في قبول الأصوات ذوو أذواق، فلا تَعِبْ قارئًا لأنه لا يُعجِبك؛
فإن ذلك من الغيبة بمكان، لكن احرص على من تنتفع بقراءته، وهذا مطلب
يُحرصُ عليه، ومقصد يُتوجَّه إليه.
وهاهنا استطرادٌ من باب
الفائدة والتذكير أُوَجِّهُه إلى الكرام أئمة الصلوات الذين يؤمون الناس
في التراويح الذين منَّ الله عليهم بما أعطاهم من الحفظ وحسن الصوت
والقدرة على الأداء المتميِّز في القراءة والتأثير على الناس، أقول لهم:
احرصوا على أن يكون تأثيركم على الناس في سماعهم لكم قراءةَ كلام ربكم،
وإياكم أن يكون تأثيركم عليهم في دعاء القنوت فقط، فإنَّ في ذلك خللاً
كبيرًا، وأنتم حين تعمدون إلى ذلك تغرسون في الناس ذلك الخلل؛ إذ كيف
يكون تأثرُ الناس بكلام الناس، ولا يكون تأثرهم بكلام ربِّ الناس، سبحان
الله! أليس ذلك أمر عجيب يحتاج إلى مدارسة وحلِّ له؟
ألستم تلاحظون الاستعداد النفسي لبعض الأئمة ولكثير من المصلين للقنوت أكثر من استعدادهم لسماع كلام ربهم؟!
ألا تلاحظون أنَّ بعض
الأئمة يغيِّرون طبقات صوتهم، ويُلحِّنون في قنوتهم استجلابًا لقلوب
المأمومين، ودعوة لهم إلى البكاء والخشوع؟!
أين ذلك كله حال قراءة كلام الله - سبحانه -، أين ذلك حال سماع كلام الله - سبحانه -؟
ذلك ما تُسكب له العبرات،
وتخشع له النفوس الصالحات، وتَخِفُّ به الأرواح الطاهرات، فاحرص على
الخشوع والتأثر بكلام ربك الذي تكَّلم به فوق سبع سموات، وسمعه منه جبريل
رسول ربِّ البريَّات، وأداه كما سمعه لخير الكائنات محمد - صلى الله عليه
وسلم -. وهاأنت تسمع من إمامِك ما تكلَّم الله به في عليائه، أفلا يكون
ذلك كافيًا في حضور القلوب، واقشعرار الجلود ثمَّ ليونتها بعد ذلك،
وطمأنينة النفوس؟!
إنه كلام الله، إنه كلام الله، فأدرك معنى هذه الكلمة أيها المسلم.
الأمر السادس:
يسأل كثيرون عن كيفية التأثر بالقرآن، ولماذا لا نخشع في صلواتنا حين سماع كلام ربِّنا؟
ولا شكَّ أن ذلك عائدٌ
لأمور من أبرزها أوزارنا وذنوبنا التي نحملها على ظهورنا، لكن مع ذلك فلا
بدَّ من وجود قدرٍ من التأثر بالقرآن، ولو كان يسيرًا، فهل من طريق إلى
ذلك؟
إنَّ البعد عن المعاصي،
وإصلاح القلب، وتحليته بالطاعات هو السبيل الجملي للتأثر بهذا القرآن،
وعلى قدر ما يكون من الإصلاح يبرز التأثُّر بالقرآن.
والتأثر بالقرآن حال
تلاوته يكون لأسباب متعددة، فقد يكون حال الشخص في ذلك الوقت مهيَّئًا،
وقلبه مستعدًا لتلقي فيوض الربِّ - سبحانه وتعالى -.
فمن بكَّر للصلاة، وصلى
ما شاء الله، ثمَّ ذكر الله، وقرأ كتاب ربِّه، ثمَّ استمع إلى الذكر
فإنَّ قلبه يتعلق بكلام الله أكثر من رجلٍ جاء متأخِّرًا مسرعًا خشية أن
تفوته الصلاة، فأنَّى له أن تهدأ نفسه ويسكن قلبه حتى يدرك كلام ربِّه،
ويستشعر معانيه؟!
ومن قرأ تفسير الآيات التي سيتلوها الإمام واستحضر معانيها، فإنَّ تأثره سيكون أقرب ممن لا يعرف معانيها.
ومن قدَّم جملة من الطاعات بين يدي صلاته، فإنَّ خشوعه وقرب قلبه من التأثر بكلام ربِّه أولَى ممن لم يفعل ذلك.
وإنك لتجد بعض المسرفين
على أنفسهم ممن هداهم الله قريبًا يستمتعون ويتلذذون بقراءة كلام ربه،
وتجدهم يخشعون ويبكون، وما ذاك إلا لتغيُّر حال قلوبهم من الفساد إلى
الصلاح، فإذا كان هذا يحصل من هؤلاء فحريٌّ بمن سبقهم إلى الخير أن
يُعزِّز هذا الجانب في نفسه، وأن يبحث عن ما يعينه على خشوعه وتأثره
بكلام ربِّه.
الأمر السابع:
يسأل كثير من المسلمين،
كيف أحافظ على طاعاتي التي منَّ الله عليَّ بها في رمضان، فإنني سرعان ما
ينقضي الشهر أبدأ بالتراجع عن هذه الطاعات التي كنت أجد لذة وحلاوةً في
أدائها؟
إنَّ رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - قد رسم لنا منهجًا واضحًا في كل الأعمال، وقد بيَّنه
بقوله: ((أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قَلَّ))، ولو عملنا بهذا
الحديث في جميع عباداتنا لحافظنا على الكثير منها، ولما صرنا كالمنبتِّ لا
أرضًا قطع، ولا ظهرًا أبقى.
فلو اعتمد المسلم في كل
عبادة عملا يوميًّا قليلاً يزيد عليه في وقت نشاطه، ويرجع إليه في وقت
فتوره؛ لكان ذلك نافعًا له، فالمداومة على العبادة ـ ولو كانت قليلة ـ
أفضل من إتيانها في مرات متباعدة أو هجرانها بالكلية.
فمن أدَّى فرائضه، والتزم
بالسنن الرواتب، ثمَّ زاد عليها من أعمال العبادة ما شاء، فإنه يدخل في
محبوبية الله التي قال فيها: ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى
أحبَّه)).
ففي صلاة الليل يحرص أن لا ينام حتى يصلي ثلاث ركعات، ولو كانت خفيفات، فإن أحسَّ بنشاط زاد، وإلا بقي على هذه الثلاث.
وفي قراءة القرآن يعتمد قراءة جزءٍ كل يوم، حتى إذا بلغ تمام الشهر، فإذا به قد ختم القرآن.
وفي الصيام يعتمد ثلاثة أيام من كل شهر، وإن استطاع الزيادة زاد، لكن لا ينقص عن الأيام الثلاثة.
وفي النفقة يعتمد مبلغًا ـ ولو يسيرًا ـ بحيث لا يمرُّ عليه الشهر إلا وقد أنفقه.
وهكذا غيرها من العبادات،
يعتمدُ القليل أصلاً، ويزيد عليه في أوقات النشاط، فإذا قصرت همته رجع
إلى قَلِيلِه، فيبقى في عباداته من غير كلفة ولا مشقة ولا نسيان وإهمال،
أسأل الله أن يوفقني وإياكم إلى ما يحبُّ ويرضى، ويجعلنا من أهل القول
والعمل.
وإذا تأملت رمضان وجدته
أشبه بمحطةٍ يتزوَّد منها الناس وقودهم، وهو محطة الصالحين الذين يفرحون
ببلوغه فيتزودون منه لعباداتهم في الدنيا، ولجنتهم في الأخرى، وهو محضن
تربوي فريد يدخله كل المسلمين: مصلحوهم وصالحوهم وعصاتهم، فهلاَّ استطعنا
اغتنام هذا الشهر؟.
وأخيرًا:
أسأل الله لي ولكم
التوفيق والسداد، وأن يرفع البلاء عن هذه الأمة، وأن يهدي قادتها لما
يُحبُّ ويرضى، وأن يرينا في هذا الشهر انتصارات للمسلمين في كلِّ مجال من
مجالات الحياة، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعواي أن الحمد لله رب
العالمين
الموضوع : الحال مع القرآن في رمضان المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام خديجة