رمضان والأخلاق
الصوم
يشيد في النفس المسلمة بناء الأخلاق، قوياً في أساسه، متماسكاً في أجزائه،
متكاملاً في جوانبه، جميلاً في مظهره، ذلك أن العبادة تقوم بتغيير وتطهير
الإنسان في أعماق نفسه، وتفاعلات مشاعره، وخلجات قلبه، وخواطر عقله، فهي
عناية ورعاية تعنى بالمخبر أكثر من المظهر، وتقوي الأصول قبل الفروع .
ومعلوم أن الأخلاق تأتي في سلم أولويات التعامل البشري، والترابط الاجتماعي بل والأساس الحضاري:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا
والإسلام
أعطى للأخلاق أهمية عظيمة، فالثناء والمدح القرآني لرسول الله صلى الله
عليه وسلم بالخُلُق العظيم في قوله تعالى :) وإنك لعلى خُلُق عظيم ( يتضمن
دلالة عظيمة على سمو الأخلاق في ميزان الإسلام، وأنها الثمرة الحقيقية
للإيمان الصادق، والعبادة الخالصة، هذا إضافة إلى ما تضمنه كثير من أحاديث
المصطفى صلى الله عليه وسلم من ربط واضح بين الإيمان والأخلاق مثل حديث
أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" الإيمان
بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى
عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
والثمرة
الأخلاقية للعبادات مقصود عظيم ففي الصلاة:) إن الصلاة تنهى عن الفحشاء
والمنكر( وفي الزكاة :) خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ( وفي الحج
:) الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهم الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في
الحج (.
ومن
غنائم الصيام العظمى، وآثاره الكبرى ما يغرسه في النفوس من مكارم الأخلاق
وما يعكسه على السلوك من حسن وضبط، والمتأمل يرى أن الصوم يؤثر على الأخلاق
الأساسية التي هي جوهر الأخلاق وأصولها ومنبعها، ومن هنا يكون للصوم -
عند الإتيان به على وجهه الصحيح - تأثير كبير وتغيير إيجابي ظاهر لسائر
الأخلاق .
ولننظر الآن إلى أثر الصوم في أكثر الأخلاق أهمية :
1-الصوم
والصدق : الصدق من أجل الأخلاق وأعظمها فهو:" يهدي إلى البر، والبر يهدي
إلى الجنة"، والصائم الحق يتربى على الصدق مع الله بإخلاص الصوم له:" كل
عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي"، ومن صدق مع الله صدق مع الناس، ومن صدق
في حاله صدق في مقاله، فالصوم صدق مع النفس لا خداع ولا زيف فيه:" رب
صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش"، فالصائم يفكر في هذا ويحترز من
مخادعة نفسه لأنه أعرف بها وأقرب إليها، فكيف يرضى أن يكذب؟، وعلى من
سيكذب؟، وأي شيء سيجنيه حين يكذب؟، إن الصوم يعمق فيه التطابق بين المظهر
والمخبر، والرسوم والحقائق.
وتوقي
الصائم من المعصية عموماً وما ورد التحذير عنه في الصوم خصوصاً يجعله
أكثر رعاية للصدق والتزاماً له وحرصاً عليه لأنه يستحضر قول الرسول الكريم
صلى الله عليه وسلم:" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن
يدع طعامه وشرابه".
وذلك
يزيد في حذره من رذيلة الكذب وبعده عنها، ويبرأ من خصال النفاق ومن
أعظمها "إذا حدَّث كذب"، فالصائم شعاره الإخلاص فلا رياء، وسمته الصدق فلا
نفاق، فمن منطلق الحذر من الإثم وإحباط الأعمال، والحرص على الأجر وتكفير
السيئات يجد الصائم نفسه مدفوعاً بالدوافع الإيمانية والنفسية إلى تحري
الصدق والتحلي به، فهو صادق في عبادته وإخلاصه، وفي كلماته ومقالاته، وفي
أحواله وأعماله، ويحوط ذلك ويحفظه ويهيئ له البيئة الملائمة والنفسية
المتقبلة مع ما يكون عليه الصائم من طاعة للرحمن وحرب للشيطان، وما يتعود
عليه من مجانبة المعاصي وترك الذنوب بل والورع عن بعض المباحات، وترك
الانشغال بالتفاهات .
إذن
باستطاعتنا القول أن الصوم أفضل مدرسة لتعليم الصدق وجعله طبيعة في
المشاعر وتلقائياً في الوعود والأحاديث، وحقيقة في السلوك والتعامل .
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
الموضوع : رمضان والأخلاق المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم