)لَوْ تَعْلَمُونَ مَاأَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا)
هذا الحديث من الأحاديث العظيمة الجليلة التي تكسو القلوب انكسارا بين يدي الله ، واعترافا بالفقر إليه ،
ورجاء رحمته وعفوهوإحسانه ، فالأمر خطير جد خطير ، والله سبحانه وتعالى يقول :
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِشَيْءٌ عَظِيمٌ. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ
وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىوَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج/1-2 .
هذا الحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة وأبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهم ،
وكذا رواه الإمام مسلموغيره ، وذلك في أحاديث عدة ، ترد بمناسبات مختلفة، وسياقات متعددة،
كلها تتضمن هذه الجملةالعظيمة :لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًاوَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"والمراد بالعلم هنا ما يتعلق بعظمة الله ، وانتقامهممَّن يعصيه ، والأهوال التي تقع عند النزع ، والموت ، وفي القبر،
ويوم القيامة ،ومناسبة كثرة البكاء وقلة الضحك في هذا المقام واضحة ، والمراد به التخويف" انتهى .
"فتح الباري" (11/319) .
وقال النووي رحمه الله :
"
لو رأيتم ما رأيتُ ، وعلمتم ما علمت مما رأيته اليوموقبل اليوم لأشفقتم إشفاقا بليغا،
ولقلَّ ضحككم وكثر بكاؤكم" انتهى .
"شرح مسلم" (15/112) .
وقال القرطبي رحمه الله :
"وقوله صلى الله عليه وسلم :لوتعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا : يعني مايعلم هو من أمور الآخرةوشدة أهوالها ، ومما أعد في النارمن عذابها وأنكالها ،
ومماأعد في الجنة من نعيمها وثوابها ، فإنه صلى الله عليه وسلم قد كان رأى كل ذلكمشاهدة وتحقيقا ،
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم متواصل الأحزان ، قليلالضحك ، جُلُّه التبسم" انتهى .
"المفهم" (2/557) .
وقال المناوي رحمه الله :
" لو تعلمون ما أعلمأي : منعظم انتقام الله من أهل الجرائم وأهوال القيامة وأحوالها ما علمته لما ضحكتم أصلا،
المعبر عنه بقوله: لضحكتم قليلا) إذ القليل بمعنى العديم على ما يقتضيهالسياق ،
لأن (لو) حرف امتناع لامتناع" انتهى .
"فيض القدير" (5/402) .
ومن أعظم سياقات هذا الحديث ما رواهالترمذي (2312) عن أبي ذر رضي الله عنه
عن النبي صلى اللهعليه وسلم أنه قال
:إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَأَسْمَعُمَا لَا تَسْمَعُونَ ، أَطَّتْ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ،
مَافِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ إِلَّا وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِدًالِلَّهِ ، وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، ولَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بِالنِّسَاءِ عَلَىالْفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأَرُونَ إِلَىاللَّهِ
وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1722) .
قال المباركفوري رحمه الله
"قوله : (إني أرى ما لا ترون) أي : أبصر ما لا تبصرون .
أطَّت السماء) : أي : صوَّتت ،أي : أصدرت صوتاً . وأطيط الإبل : أصواتهاوحنينها. وحُقَّ) أي : ويستحق وينبغي(لها أنتئطأي : تصوت .
ما فيها موضع أربع أصابع إلاومَلَك) أي : فيه مَلَك .
واضع جبهته لله ساجداً) قالالقاري : أي منقاداً ، ليشمل ما قيل إن بعضهم قيام ، وبعضهم ركوع،وبعضهم سجود ، كما قالتعالى حكاية عنهم :
وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌمَعْلُومٌ أو خص السجود باعتبار الغالب منهم،
أو هذا مختص بإحدىالسماوات .
إلىالصُّعُدات) أي : الطرق . وقيل : المراد بالصعدات هنا البراري والصحاري .
تجأرون إلى الله) أي : تتضرعونإليه بالدعاء ليدفع عنكم البلاء" انتهى باختصار .
"تحفة الأحوذي" .
الموضوع : )لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم