وفاء أبو طه - في الوقت الذي يعزو خبراء
إصابة الكبار بالقلق والاكتئاب إلى الضغوطات والمشاكل العملية والاجتماعية،
يقول آخرون إن الأطفال معرضون لاضطرابات نفسية مشابهة لما يعانيه
الكبار؟.
وتباينت آراء العلماء حول اعتبار الأهل سببا مباشرا لإصابة أطفالهم بالأمراض النفسية،
فالمحلل النفسي الشهير "كارل يونج" يحمّل الآباء والأمهات السبب المباشر في
إصابة الأطفال بالأمراض النفسية، في حين يرفض آخرون فكرة حصر أسباب
اضطرابات الصغار بمعاملة الآباء، ورأوا أن الآباء سبب رئيسي من مجموعة
أسباب متعددة، لكن ليسوا هم السبب المباشر.
وبينت الدراسات أن اضطرابات الصغار النفسية تنجم عن التفاعل ما
بين شخصية الطفل والبيئة المحيطة به كالأهل والمدرسة والأصدقاء.
وهذا الحال ينطبق على سمير ذي الخمسة
أعوام، الذي يعاني من التوتر طيلة يومه، فيفقده نشاطه ومرحه، ويعاني من
عزلة قد تتحول إلى "أعراض مرضية يتوجب علاجها"، حسبما أفادت اختصاصية علم
النفس ريهام أبو غزالة.
ورغم أن بعض التوتر أمر طبيعي عند جميع الأطفال، تؤكد أبو غزالة
أنه إذا زاد على الحد الطبيعي يجب مراجعة الاختصاصي.
ويبدو أن سمير خرج عن الحدود
الطبيعية، كما تعتقد والدته، حتى أصبح يميل إلى العزلة والتبلد العاطفي.
وليس ذلك فقط، فهو يلتزم الصمت والوحدة معظم الأوقات، ولا يشارك في أي نشاط
رياضي، وفق والدته.
تقول والدة سمير "تشكو معلمته من رفضه
التحدث مع زملائه في الفصل الدراسي، إضافة إلى بكائه المستمر من غير سبب،
وأحيانا تنتابه حالات من الصراخ ليست لها أي مبرر".
البكاء والصراخ في رأي أبو غزالة هو
تعبير عن الاحتجاج لدى الأطفال، ومحاولة لفرض الذات وللفت الانتباه، منوهة
إلى أن بعض الأطفال يعتادون عليه، ويتخذونه كوسيلة دفاعية، ويتحول مع الوقت
إلى وسيلة هجومية تصحبه أحيانا حالات من العصبية.
والطفل يحاول إثبات نفسه من خلال هذا
التصرف، كما تقول، الذي لا يرى فيه غرابة أو لا يراه مخلاً بالسلوك العام،
مشيرة إلى أن استخدام أسلوب الترغيب والترهيب يزيد من حالته النفسية سوءا،
والنقطة الأهم هنا هي البحث عن السبب الذي يدفعه لذلك.
وسمير واحد من بين كثيرين من الأطفال الذين يعانون من البعد
عن أمهاتهم، إذ تعمل والدته كموظفة بدوام طويل.
وفي هذا السياق تقول أبو غزالة "إن
الطفل يعيش مع الأم، لكنه لا يحظى بالحب أو الأمن الذي يتوق إليه، وذلك إما
لانشغالها أو لمرضها أو لتكليفها المربيات بهذا الدور، والحرمان الجزئي من
شأنه أن يشعر الطفل بالخوف والقلق، ويزداد مع ازدياد عدد ساعات غياب الأم،
وقد يؤدي لأمراض نفسية".
أما تحسين (8سنوات) فهو عدواني لأقصى
الحدود، ويضرب زملاءه في المدرسة، وتقول والدته "يتلف حسين مقتنيات الآخرين
ويحطمها ويضرب معظم الأطفال، حتى إن مديرة المدرسة باتت تشتكي من سلوكه".
ويلعب الآباء دورا مهما في اكتساب
أولادهم سلوك العدوانية، حسبما أفاد المرشد التربوي زياد الحمصي، الذي أكد
أن لأسلوب الآباء في معاملة أطفالهم، أثراً كبيراً في تعلم السلوك العدواني
أو تجنبه، رائيا أن الأب الذي يشجع أبناءه على تحقيق ذواتهم من دون إيذاء
الآخرين هو القادر على ضبط سلوكهم وتوجيههم اتجاها تربويا سليما.
وتعترف أم تحسين بأنها عصبية المزاج وأن والد تحسين يعامله
بطريقة عنيفة، لكنها تؤكد أن ابنها اضطرهما لهذا الأسلوب في التعامل.
وهنا يبين الحمصي أن الأمر يحتاج إلى بعض الصبر والهدوء والمثابرة،
حتى يمكن ترسيخ بعض الأفكار المهذبة في ذهن الطفل.
وتعود أبو غزالة لتؤكد أن السلوك
يكتسب حسب طبيعة البيئة التي يعيش فيها الطفل، فكلما كانت خالية من
المشاجرات والغضب والعدوان، انعكس إيجابا على سلوك الطفل.
وتتفق أبو غزالة مع الحمصي في أن
الطفل يولد ولديه حاجات ورغبات إما أن تلبى وإما لا، وإذا تكرر عدم التلبية
لحاجاته يحدث الاضطراب النفسي الذي يؤدي إلى عدم الاتزان.
والأطفال يعانون من اضطرابات نفسية
مثل الكبار، ولكن تنقصهم الوسيلة للتعبير عن معاناتهم، وفق طبيب الأطفال
فؤاد الخطيب، مشيرا إلى أن أسباب اضطرابات الأطفال النفسية متعددة، ولا
يمكن إرجاعها لعامل منفرد، فمنها جينية وبيولوجية، ومنها بيئية اجتماعية،
وقد تشترك عدد من العوامل في اضطراب ما، مشددا على دور الآباء والأمهات في
حماية أبنائهم من الاضطرابات النفسية أو دورهم في حدوثها، إذا كان هناك خلل
في أسلوب التربية.
ويختلف الآباء في تربية أبنائهم، كما يقول الخطيب، بعضهم يسلك
طريق العقاب والقسوة، والبعض الآخر تتحكم فيه العواطف والاستسلام.
وتؤدي المعاملة القاسية للطفل والعقاب
الجسدي والتوبيخ والإهانة والتأنيب إلى الخوف والتردد وفقدان الثقة، أما
التدليل والاهتمام المفرط بالطفل فيؤدي إلى الكسل والخجل.
الموضوع : الآباء والأمهات سبب رئيسي في إصابة الأطفال بالأمراض النفسية المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: أم عبدالله