ام ابراهيمنائب المدير
تاريخ التسجيل : 05/08/2011
| موضوع: بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة الجمعة 26 أغسطس 2011 - 21:34 | |
| الحمد لله الذي أقام الدين على الأركان المتينة ، وكلف حمايته والذود عنه سواعد رصينة ، وسخر في سبيل إعلائه جنودا قوية رزينة ، وأصلي وأسلم على قائد جند الإسلام محمد الهادي إلى السبيل القويمة الأمينة ... وعلى آله وأصحابه وأزواجه ومن تبعهم إلى يوم الدين . وبعد .. فمن أشد ما ابتلي به المسلمون في هذه الأعصار تنكر الخلق لهم ، ومحاربتهم لله ورسوله صلى الله عليه وسلم والإسلام في كل صور المحاربة ، بدا اشتدت النكاية حتى صارت هذه الحرب تدور رحاها في ديار الإسلام وفي محط رحال السائلين عن هذا الدين والباحثين عن الحق فيه ... ولما كانت محنة الدعاة قد اشتد سعارها ، وزاد التنكيل بالعاملين لدين الله بدون جريرة اقترفتها أيديهم سوى أنهم يريدون إعزاز دين الله ونشر الحق الصراح بين الناس ، كان لزاما علينا أن نكون مشاركين لهؤلاء الدعاة في محنتهم بكل أنواع المشاركة التي نستطيعها، امتثالا لقول الله تعالى : ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ... وقد صح في الأثر عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) ... وقد بلغت حالة الأذى بالدعاة حدا أصبحنا نخشى بها أن يصطلم الإسلام من أساسه ، ويمنع الدعاة من استئناف زرعه وغراسه .. فأحببت أن أشارك الدعاة في هذه المحنة مذكرا الأمة بما يجب عليها فيما لو طالت المحنة دعاتنا وعلماءنا ، وما ينبغي تجاه شباب الصحوة ورجالاتها في كل ميدان ، ناصحا إخواني ألا يكونوا عالة على غيرهم في استلهام الحلول المنجية من الأزمات ، بل يجب أن يكونوا عقولا مفكرة ، وأذهانا متقدة ، تسابق العدو وتطارحه المواجهة تلو المواجهة ، ولا تلين لهم قناة في إرهاق العدو بكل سبل المواجهة التي تقل فيها التكلفة وتعلو فيها المكاسب والأرباح ، متمسكين في نفس الوقت بمبادئ الإسلام العظمى ، معتصمين بكل فروعه وأهدابه مفاخرين بمسلكنا في الدعوة والجهاد خلق الله أجمعين ... وإن هي إلا مراحل قصيرة ، نطوي فيها العمل والكد والتعب ، حتى يظهر دين الله ويعلو وتكون العزة للإسلام والمسلمين ، ويفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء ...وقد قسمت مبحثنا هذا إلى مقدمة وبابين وخاتمة ، ولكل باب فصلان ... وهذا أوان الشروع في المقصود ...وقد سميت هذا المبحث اللطيف بـ : بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة مقدمة
إن الدعوة التي نتحدث عنها هي الدعوة بكل معانيها ، إذ يدخل فيها كل جزئية في دين الله تعالى نسعى لإحيائها في واقع مجتمعاتنا المسلمة .. فالمجاهد داعية ، والشاعر داعية ، والأديب داعية ، والصحفي داعية ، والمهندس داعية ، والطبيب داعية ، والصانع داعية ، وكل من يقدم للمجتمع خدمة وإن دقت ونيته إعزاز الدين فهو داعية من الدعاة... إن هذه النظرية أكدتها قديما في ( ثلاثون طريقة لخدمة الدين ) وكان المقصد من التأكيد عليها تجييش الأمة عن بكرة أبيها لتقوم بواجبها في خدمة الدين .. ليس من الحكمة أن نحصر مفهوم الدعوة والدعاة في المعنى التقليدي ، وهو الرجل الذي تعلم العلوم الشرعية ويعمل في الشئون الدينية كالخطابة والدروس الدينية والفتوى ونحو ذلك ، وإن كان هؤلاء لهم المقام الأسمى في سلم الدعاة ، ولهم الرتبة العليا في منازل العاملين لدين الله ... بناء على ذلك فإن الغاية التي يجب أن ندركها جميعا أن تكون راية الإسلام هي السائدة والمهيمنة على المجتمع ، وهذا يقتضي منا أن نستحضر جملة من الثوابت التي عليها نؤسس أولوياتنا أثناء التخطيط والتنفيذ ... هذه الثوابت أجملها في خمسة أمور مهمة : الأول : لا تكليف إلا بمستطاع ، والتضحية بالنفس والمال والوقت من أعلى مراتب الدعوة إلى الله .. الثاني : إذا تعارضت مصلحتان قدمت الأوفر مصلحة ، وإذا تعارضت مفسدتان قدمت الأقل مفسدة .. والنظر في تقدير المصالح والمفاسد إلى من اجتمعت فيه خصلتان : العلم الشرعي ، والتجربة الواقعية . الثالث : العقيدة لب لباب المقاصد الدعوية وعليها مدار الغايات الآنية والنهائية ، لأنها الأساس الذي بعثت من أجله الرسل وشرعت الشرائع ، وأهم مقصد في المعتقد الصحيح توحيد الخالق سبحانه وتعالى وعدم الإشراك معه في العبادة بأي صورة من صور الشرك . الرابع : الأصل في المسلمين الاجتماع ، والخلاف طارئ ، فواجب المسلم أن يسعى في درء الخلاف ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، والسبيل القويمة في درء الخلاف اتباع الدليل الصحيح ونبذ آراء الرجال ، مع اعتبار الخلاف السائغ وغير السائغ ، والذي ضابطه الأكبر احتمالية الأدلة ... الخامس : مساعينا يجب أن يحوطها النظام والتنسيق والتخطيط ، وإذا كان هذا في وقت الرخاء واجبا ففي وقت الشدة أشد وجوبا ، ويجب على من أراد العمل لدين الله تعالى أن يسعى سعيا صحيحا في السر والعلن ، متخذا الأسباب معمرا ما بينه وبين الله تعالى .. هذه المقاصد الخمسة أرجو أن يستحضرها الأخوان أثناء قراءة هذه الأوراق ، وأن يردوا مجمل ما فيها إلى المعيار في تلك المقاصد والثوابت ، وأن يحاولوا الاجتهاد وتحريك الفكر في الخروج من كل مأزق ، وألا يظلوا رهناء الظرف ، حبيسي الفعل ورد الفعل ، وأن تكون المبادرة في أيديهم وليست في أيدي عدوهم ... الباب الأول : نظرية التكامل .... بين التأصيل والتطبيق الفصل الأول : الصحوة الإسلامية ... ما محلها من الإعراب ؟ لكثير من شباب الصحوة يتصرف كأنه قطب الكون ، ويظن أن أفكاره وبنود منهجه هي الأساس الذي يجب أن تدور حول رحاها كل النظريات وكل الأنشطة والحركات .. ومثل هذا الغارق في الغرور ، لا يمكن له أن يخطو خطوة في الاتجاه الصحيح إلا أن يتجرد التجرد الكامل تجاه الأمانة التي حملها ، وأن يجعل الهدف الأسمى الذي يسعى إليه هو إعزاز هذا الدين وإعلاء رايته .. وأما لو خالط هذا الهدف حظوظ نفس ، أو رواسب جاهلية أو استقطابات مصلحية فلن يقدم مثل هذا العامل أي شيء ذا بال لدين الله تعالى . نحن نعتقد أن الكثير من الخلافات التي تدور رحاها في ميادين الدعوة وبين شباب الصحوة يمكن أن يحسم بلحظة تجرد عن الهوى ، بيد أننا كثيرا ما نظن أن حميتنا لأفكارنا هي حمية للحق نفسه ، ومشروعاتنا وتخطيطاتنا هي في سبيل إعلاء راية الحق والحق خلاف ذلك كله ... إن أكبر خطأ يقع فيه العاملون لدين الله تعالى في هذه الصحوة المباركة هي عدم لفت انتباه شباب الصحوة إلى القضايا الكبرى ، وعدم صرف أنظارهم إلى المشروع الأكبر وهو هذا الدين نفسه ، وأنه يجب أن يسود ويعلو ولا يعلى عليه ... مع أن هذا المعنى يظن البعض أنه واضح وضوح الشمس عنده ، ولكننا نوقن بأن تصرفات الكثير من جيل الصحوة بعيد كل البعد عن هذا الوعي العميق . إننا أحيانا نختزل الدين في رجل ، وأحيانا نختزل العلم الشرعي في كتاب واحد ، أو في قضية واحدة ، وأحيانا نختزل الحق الصريح في مسألة واحدة عليها تدور رحى الإسلام، وأحيانا نختزل العداوة الدينية التي قررها الإسلام في أعداء وهميين ، بل ونعادي من لم يعاديهم .. وكل هذا شطط ، وخروج عن مسار العمل الدعوي القويم ... لا نكون مغالين إن قلنا : إن البعض لسان حاله يقول : الصحوة أنا وأنا الصحوة ، والبعض يجعل نفسه قبلة الساعين ومقصد الباذلين ، فإن كان السعي والبذل في فلكه أمن الساعون والباذلون من لسانه ، وإن قصروا معه حصل العراك الذميم تشكيكا وتسفيها وتضليلا ... بل وربما تكفيرا . إن الله تبارك وتعالى أعلى شأن الدين ، وجعله معيار المعايير ، بل وجعله الأساس الذي نبني عليه حياتنا وحياة الناس من حولنا .. وعلى هذا المنظور يجب أن نحرك بوصلة العمل الدعوي .. فحيثما كانت مصلحة الدين وعلو رايته فثم وجه الله ... أولم يقل الله تعالى : ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله ) .. وقال : ( لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذي كفروا السفلى ) .. أولم يرد في الأثر : ( الإسلام يعلو لا ويعلى عليه).. أولم يقل عمر بن الخطاب : إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام ، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله ... البعض يظن أن معركته الكبرى ، وصراعه الأوحد في حياته أن يجعل الناس مقتنعين بمسألة واحدة أومسألتين أو حتى عشرة .. وينسى أن معاركنا مع أعداء الله تعالى أوسع مضمارا وأكبر إعدادا .. لنحاول أن نبصر مواطئ أقدامنا ، ونتعرف على بُنَيَّات الطريق قبل أن نسير ، وأن نتلمس أهدافنا الغائية والمرحلية ، وأن نعاهد الله على خدمة الدين وإعلاء رايته ، لا خدمة فلان أو منهج فلان أو فكرة فلان أو رأي فلان ... إن ذلك لن يحدث إلا إذا اكتسبنا مرونة قوية في التعامل مع كل الناس ، حتى مع الكفار ، ولا يمكن أن نوجه مسار صحوتنا التوجيه الصحيح ما دامت في قلوبنا قناعات مسبقة بأن الدعوة يجب أن تكون هكذا ، وإلا فلا دعوة ولا عمل لدين الله ... إن دوائر الانتماء لهذا الدين واسعة وكثيرة ... فهناك المسلم الذي له حظ من الإسلام الانتماء الأكبر الأوسع ، وهناك المسلم المؤمن ، الذي علا بعمله وتقواه واجتهاده، وهناك من وقع في البدعة والمعصية ، وهناك من تمادى وطغا ، وهناك من يعصي ويبتدع ويتوب ويرعوي ، وليس كل أولئك سواء ... إننا لو تفهمنا هذه الدوائر فلن تختلط الأوراق معنا ، فلا يمكن أن نخاطب عاميا نريده أن يصلي ويدع الخنا والفجور ، لا يمكن أن نخاطبه خطاب طلبة العلم الشرعي من ضرورة التلقي عن العلماء والاجتهاد في تحصيل المعارف والعلوم ... لأن المتلقي ليست لديه قابلية للتلقي أصلا ... هكذا الحال في أناس علما يقينا أن حالتهم في المعصية والابتداع ميئوس منها ، فإن الأوفق لنا أن نكيف وجودنا الدعوي مع مثل هذه الحالات حتى لا تُستنزف طاقاتنا وتُمص دماؤنا من حيث لا ندري ... الذي يجعل الكمال هدفا في دعوته مخطئ ، لأنه لم يكن هدفا للأنبياء والمرسلين ، بل غاية هدفهم أن يؤمن من شاء الله له الإيمان ، وحتى من آمن لم يكن الهدف أن يكونوا في الإيمان مثل إيمان الأنبياء والمرسلين ... ومرد ذلك إلى تفاوت أحوال البشر ، فكان التفاوت في الإيمان والعمل شأن لا مفر منه ، فهناك الملتزم بشرع الله المحافظ على حدوده، وهناك المخل ببضعها ، وهناك الطاغي العاتي لكنه معدود في الآيبين التائبين ، وعلى هؤلاء تنصب جهودنا ، ولا يعقل أن يكون همنا جعلهم في مستوى واحد من الإيمان والعمل . وبين هذا المنحى وذاك ، يجب أن ندرس الوضع العالمي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، ونعرف الدور الملقى على عاتق الأمة في سبيل تبليغ دعوة الله تعالى .. كل هذا كفيل أن يبصرنا بموقع صحوتنا من الإعراب ، والإعراب الإفصاح ، هل نحن مفصحون عن أنفسنا بطريقة سوية حقة ، أم أننا لا نعرف ما نريد ، ولا نعرف ما يريده منا الإسلام ، ولا نعرف كيف نتعرف على ما يريده الإسلام ؟ إن النظرية المكينة ، التي تجعل شباب الصحوة في حالة استقرار نفسي ومنهجي تجاهد دينهم ، هي نظرية التكامل ، فالاختلاف بين المناهج والأفكار والجماعات أقض مضاجع الدعاة والعلماء بل والشباب الغض الإهاب الذي ما فتئ يلتمس أي وسيلة ليبذل أي شيء في سبيل هذا الدين الذي أحبه وعاهد الله على نصرته . التكامل معناها أن يشعر كل منتم للصحوة بأهمية الآخر وضروريته ، وأن تتعانق الهموم ليتولد الهم الأكبر منصهرا في بوتقة هذا الدين العظيم ، وأن نجعل للخلافات محلها المناسب وحجمها اللائق . عكس نظرية التكامل : نظرية الإسقاط ، وهي أن الجميع لا يصلح أن يعمل لدين الله ، وأن كل من يقدم شيئا فهو محل تهمة ، هذا لسان حال بعض المنتمين لهذه الصحوة ، وبالتالي فهم غير مستعدين أن يقتنعوا أن غيرهم يعمل لدين الله أصلا ، وإن عمل فعمله هباء منثور لا قيمة له لأنه لم يصطبع بمعيارهم ... هل يمكن لهذه النظرة القاتمة أن تقيم للإسلام قائمة ... إن الرسول صلى الله عليه وسلم اكتفى من الناس بالتوحيد الظاهر ، وقبل من المنافقين أن يقاتلوا معه ، حتى كان منهم من يحسن البلاء في الجهاد فيغتر به المؤمنون ، فينبه الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر ... وقد استدان الرسول صلى الله عليه وسلم من الكفار ليصلح شئون الدولة ، بل وصالحهم وهادنهم ، هذا في الآخر الكافر ، فكيف بالآخر الذي أعتبره جزءا لا يتجزأ من هذا الواقع الدعوي الذي أنتمي إليه ؟ لنتكامل ... في الفكرة ، والتخطيط ، والنظرة ، والعمل ... لننسق الهموم ، وننسق الاتجاهات ، وننسق المراحل ، وننسق البذل والعطاء ... ومع هذا كله لا ننسى أن نتناصح ، فيما نعتقد أن غيرنا أخطأ فيه ، بالحسنى ، بالموعظة الحسنة ، بالكلمة الطيبة ، بالتنبيه الرشيد ، بالتنويه السديد ... بالأخوة الإيمانية الراقية والصبغة العلمية الرصينة ، بهذا كله ، سنشعر أننا أمة كبيرة قوية ... وبدون ذلك سنظل نشعر بالتشرذم ، ولن تكون لنا بداية ، فضلا عن أن تقوم لنا قائمة . الولاء الكامل لا يكون إلا لمن تحقق فيه الاتباع الكامل للشرع ، وهذا التحقق نسبي ، لذلك يجب أن نعطي لهذا النسبي مساحة في التقدير عند الحكم على الآخرين . ودائرة الحق واسعة ، يدخل فيها من عنده بعض الحق ، حتى تضيق على الحق الكامل ، وهؤلاء هم الذين لهم الولاء الكامل ، أما من له بعض الحق فله من الولاء بقدر الحق الذي معه ، ونحن في حاجة أن نتواصى بالحق الذي عندنا ، ففيه سبيل لدرء الباطل المتلبس بالحق، ولو أننا جعلنا الغلبة في التقدير لأي باطل تلبس به المخالف لم نجد للخير أعوانا في أي ميدان . إن الكثير من المعاني المتعلقة بهذا الموضوع لا يمكن أن تصاغ ، وإن صيغت يصعب أن تمثل الغور المراد إيصاله .. لأنها مشاعر تشبه تلك المشاعر التي كان يشعر بها النبي صلى الله عليه وسلم إزاء الضالين الذين أرقوا النبي فلم ينم وأوشك أن يقتل نفسه أسفا على ضلالهم ... ومثل هذا لا يوصف بل يجب أن يشعر به صاحبه بنفسه ، والله الموفق والمعين. إن المعاني التي قررناها آنفا هي من الأهمية بمكان ، حتى يفهم شبيبة الصحوة حقيقة الدور الذي يجب أن يقوموا به في هذا الواقع المرير ، واقع اصطلام الدعاة ، الذي هو توطئة لاصطلام الدين من أساسه ... قد مضت دهور كان الشباب ينظرون إلى المشايخ والعلماء والدعاة أنهم هم المنقذ لما يعانيه الشباب من ضيق وتضييق .. وهل العلماء والمشايخ والدعاة إلا شباب أفنوا أعمارهم في العمل لدين الله ؟؟؟ ومتى سيأتي دور الشباب ليقوموا بالواجب الملقى على عاتقهم ؟؟؟ إن حمل المسئولية أمر لا مفر منه ، وفهم هذه المسئولية شرط لا مرد له ، والقيام بهذه المسئولية مع الفهم تحد يجب أن نعد شبابنا لمواجهته ... الفصل الثاني : الإمكانيات الدعوية .. بين الهَدْرِ والإهمال ! ليس هَذَرَاً أن نقول إن الصحوة الإسلامية استكملت عدة الصراع الحضاري ، وهي مهيأة فعلا للقيام بالدور الأساس في هذا الصراع ، ولا يمكن أن نتغاضى عن دور حقيقي تقوم به جموع الصحوة في كل مكان ، بالمعنى العام للصحوة والذي بيناه في الفصل السابق، وليس بالمعنى الضيق الذي لسان حاله يقول : أنا الصحوة والصحوة أنا . لقد ظلت الصحوة في الماضي رهينة الأزمة الداخلية ، لقد كانت في صراع حقيقي مع نفسها .. ولم ينجها من هذا الصراع النفسي الذاتي إلا التحديات الكثيرة التي فرضت نفسها على واقع الصحوة ... كان كل تحد كفيل بأن يستأصل الصحوة ، ولكن إذا به باعث حياة ، ومثير همة ، وحافز عزيمة .. وكم من مصيبة وأزمة حلت بالصحوة كانت سببا في إيقاظ الهمم والعزائم وتحريك نطاق السلطة والسيطرة للصحوة ... يفهم من هذا .. أن في نسيج الصحوة إمكانيات جاهزة ، وفي المادة التي تتكون منها صحوتنا آلة البقاء .. فأين هي تلك المادة ؟؟ أين هي الصحوة ؟ إنها أنا وأنت ، وهذا وذاك ، وفلان وعلان ، ممن أرقهم حال الإسلام فطفقوا يعملون بكل همة في سبيل إعادة الهيمنة لهذا الدين ... إن الصحوة هي كل من يعمل لدين الله تعالى ... هل كل من انتبه فوجد أن العدو يريد لنا الذلة والصغار، فنفض غبار الغفلة ، وأخذ يجاهد في سبيل نصرة دين الله تعالى ... مع اتساع هذا المفهوم ، إلا أننا لا ندخل فيه جزما من تلبس بكفريات واضحة صريحة ، أو تعصب لبدعيات ظاهرة جلية ، في المعتقد أو العبادات ، لا ندخل فيها من يعادي إخوانه ويعتبرهم خونة للدين والأمة ويقطع كل سبيل لأجل توحيد الأمة ، فلكأن النصر لن يتحقق إلا بالفرقة ، ولكأن الهزيمة مرتهنة بالوحدة !... ونحمد الله تعالى أن غالب أولئك الذين وجدت فيهم تلك الانحرافات أعلنوا أنفسهم أعداء للصحوة ، بل ووالوا العدو لاستئصال هذا الكيان الإسلامي الجديد الذي أشبه ما يكون بالمارد الذي خرج من قمقمه .. الصحوة فيها الأطباء والمهندسون والعمال ، فيها الكبار والصغار ، الطلبة والعلماء، فيها الأستاذ والتلميذ ، فيها الأم والأب ، فيها المرأة والرجل ، فيها المجاهد والداعية ، فيها المحدث والفقيه ، فيها خبير الأسلحة وخبير الاستراتيجيات ... فيها كل التخصصات حتى علماء الذرة ، فالصحوة فيها من قام بهذا الشأن ... لكن أين هم ؟؟؟ إنهم منثورون في كل أرجاء المعمورة ... لا يربطهم رابط ، ولا يجمعهم جامع ، انتشروا في كل موقع وصقع ، بعضهم يعمل ، بعضهم طاقة معطلة وذخيرة غير مستعملة .. إنها إمكانيات كافية لإقامة الخلافة ، بين عشية وضحاها ، ومخطئ من يظن أن الصحوة تحتاج إلى إعداد وترتيب البيت من الداخل ، لقد كان هذا في أول نشأتها ، أما وقد مر عليها عشرات السنين ، فإن علامات النضج بادية ظاهرة عليها ، يحميها الوحي المطهر ، ويسوسها العلم الشرعي متمثلا في العلماء الربانيين ، ويحركها كل فرد من أفرادها .. ولكن النقص في التكامل والتنسيق والتخطيط ... هل هذه الأعداد الغفيرة من الصحوة ومن كل التخصصات كافرة بغايات الصحوة متنكرة للدور الذي تريد أن تقوم به لإعزاز هذا الدين .. كلا . ولكن العائق الوحيد هو أنه لا يوجد المنسق والمخطط والقائد والمدبر ، الجميع ينتظر هذا المنقذ ، ينتظر هذا الأعجوبة الذي سيجمع أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم على أمر سواء ... ونسينا أو تناسينا أن التكليف الشرعي لا يمكن أن يظل مرتبطا بالقائد والمدبر ، فهاهي صلاة الجماعة ، من حيل بينه وبين إيجاد الأمام صلى منفردا ولا إثم عليه ، وحالة واقعنا أشبه ما تكون بتلك الحالة ... فنحن نفتقد القيادة الكاملة ، والرؤية الشاملة ، فنظرا لعدم وجود القيادة كثر القائدون وكثر المحركون لهذه الأمة ، فتناقشت الاتجاهات وربما اصطدمت . ونظرا لعدم وجود الرؤية الشاملة تعددت الرؤى بل ربما تباينت وتناقضت فما بالك بواقع كثر القادة المدبرون فيه ، وكثرت الرؤى والنظريات التي تحركه ، هل يمكن أن يصل إلى بداية انطلاق ؟؟؟ إن القناعة بوجود إمكانيات جبارة للصحوة لا قيمة له ما لم يكن لدينا قناعة أننا لا يمكن أن نعمل إلا بفريق ، ولا يمكن أن ننجز إلا بتخطيط .. إنه العمل المؤسسي الذي يستمر العمل فيه مع استمرار المؤسسة ، غير مرتهن بفرد، ولا مربوط بفكرة معينة أو اتجاه معين أو رؤية معينة ، فالمؤسسة لها استراتيجيات واضحة وخطوط عريضة بينة ، وما واجب العاملين إلا تنفيذ سياسات المؤسسة نحو تحقيق الهدف المنشود . إننا نريد للصحوة أن تنتقل من حالة الاستقطاب الفردي للمشايخ والدعاة إلى حالة العمل المؤسسي الذي يجعل لكل الإمكانيات قيمة ذاتية عالية ، ويرفع من مستوى الطاقات فيجعل لها وجودا حقيقيا خارجيا ، بعد أن كانت مجرد كهرباء تسري في جسم الصحوة تضر أكثر مما تنفع ... والعجب لا ينقضي من أناس يتخذون من حديث ( الغثاء ) تكأة لتقرير الواقع والتسليم به ، مع أن الحديث سياقه قدري ، وما نحن فيه أمر شرعي ، والأمة مأمورة بالاتحاد جزما، ونبذ الغثائية حتما ، فما علينا لو أننا سعينا في هذه السبيل ، وعالجنا كل سلبيات هذه الغثائية ، وحاولنا التقليل من آفاتها ، والتضييق على روافدها ؟ إن تعداد الأمة أكثر من مليار مسلم ... يريد البعض من منطلق أفكاره أن يجعل هذا العدد الضخم مجرد أصفار عددية ، متجاهلا أن أي مسلم بأي مستوى فيجب أن يكون له دور، وينبغي أن يبحث له الدعاة عن دور .. نذكر هذا في سياق موضوعنا الأساس وهو ( اصطلام الدعاة ) ، لأننا يجب أن ننظر إلى الواقع من منظار أوسع وأرحب ، فأمتنا يجب أن يكون قدرها المحتوم العمل للدين، ويجب أن نربي الناشئة على هذا المسلك ، النتائج لسنا مسئولين عنها ، ولكننا مسئولين عن المسئولية التي يجب أن نتبناها تجاه أفراد الأمة كلها . وحتى تخرج الصحوة من هذه النفسية التي تهدر الإمكانيات فإننا يجب أن نحاصر تلك القناعات الزائفة الكاذبة عن إمكانياتنا ، يجب أن نكون قاعدة معلومات جديدة عن صحوتنا ، مبنية على نظرية التكامل التي تحدثنا عنها ، فنحن صحوة تمتد في كل أرجاء المعمورة ، لأننا نعتبر تلك الجماعة التي تعمل في أدغال أفريقيا جزء من صحوتنا ، ننتسب إليها وتنتسب إلينا ، ونحن صحوة تصل يدها إلى كل قطاع من قطاعات الحياة ، لأننا نعتبر ذلك التاجر الأمين الصادق جزءا لا يتجزأ من صحوتنا ، ولئن كانت له معاص ظاهرة أو خفية إلا أن عاطفته تجاه قضايانا وتفاعله معنا في كثير من الأحايين يعتبر شافعا مشفعا أن نجعله منتميا بصدق لهذه الصحوة الواسعة الأرجاء . يمكننا أن نتخيل القوة التي سنشعر بها لو أننا حاولنا أن نتجاوز تلك النفسية الإسقاطية التي تعتبر الصحوة أنا والصحوة أنا ، إن أمثال هؤلاء كثيرا ما يتعلقون بالمهدي ومجيئه ، لأن اليأس من الواقع نتيجة لجأوا إليها حينما تنكروا للصحوة ولقطاعاتها المختلفة احتكارا للحق وإنكارا للآخر . الباب الثاني : نظرية المبادرة ..بين الواقع المعقد والتخطيط المنظم الفصل الأول : نحن والواقع .. رؤى مختلفة كيف تأتلف لا يخفى على أحد أن واقع الإسلام أليم بكل المقاييس ، ولسنا في حاجة أن نقيم الأدلة على أن الحرب على الإسلام مستعرة في كل الأصعدة ، وأن الإسلام يواجه معارك ضارية مع أعداء من كل نوع ومن كل حدب وصوب . ونحتاج في هذا المبحث القصير أن نختصر الواقع في معطيات واضحة حتى نستطيع أن نحدد نوعية المواجهة وكيفيتها ، فإن أي حديث عن أي حل أو علاج لواقعنا ما لم يكن مبنيا على تصور واضح للواقع فهو بمثابة الذي يحارب عدوا لا وجود له ... إن أخطر قضية تواجهها الصحوة الإسلامية بكل المعايير هي قضية الاجتماع والوحدة ، فالصحوة عاجزة عجزا حقيقيا عن إيجاد مجرد تصور لما ينبغي أن تكون عليه عملية الاجتماع أو التنسيق بين الفصائل المختلفة ، مع أن الجميع متفق على جملة من التصورات الواضحة ، مثل كون الإسلام محارب ، وكون الجميع لا بد أن يعمل لدين الله، وكون الأعداء متألبون ضد كل ما هو إسلامي . فما الذي يجعل من عملية التنسيق والائتلاف قضية مستعصية لدرجة أن البعض من قادة الفصائل قد نفض يده تماما من هذا الأمل المنشود .. ونحن لا نريد أن نقيم أي اعتبار لمن يقولون إن قضية الوحدة لا تمثل مصيرا يجب أن نسعى إليه ، فمثل هؤلاء الذين يجهلون أصول الدين وضرورياته غير جديرين أن يكون لهم موطئ قدم في تصور الحل المناسب للخروج من الأزمة ، بل إن أي تصور أو اقتراح من مثل هؤلاء سيكون منشؤه ذلك الجهل بالحقائق الشرعية الواضحة ، فهل يختلف أحد أن هذه الأمة أمة واحدة ، وأن الله أمر بالائتلاف ونهى عن الاختلاف والفرقة ؟ سيتحدث البعض عن ضوابط الوحدة ، فنقول : أجل ، ليس هناك أي مبرر أن يكون التجميع لمجرد التجميع ، لأنه ليس حلا مقنعا بالضرورة ، ولكن يجب أن يكون الاتحاد خطورة كبرى في طريق الحل الجامع المانع . هناك الكثير من المحاولات التي سعى أصحابها لتكوين صورة علمية نظرية للوحدة المنشودة بين فصائل الصحوة ، وأنوه بمباحث الدكتور صلاح الصاوي ، والأستاذ جمال سلطان ، الذين يشهد الجميع بغزارة إنتاجهما الفكري ، وخاصة الذي يصب في مصلحة الصحوة ككتلة حركية جامعة تعمل في سبيل الدين . لا يمكن أن نتصور هناك باحثا ليس لديه قناعات شخصية ، واتجاهات ذاتية لما يراه ناجعا ومخرجا للمأزق ، ولكن ما نريد أن نثبته هنا أن هناك إضافة إلى تلك القناعات الشخصية رؤية جماعية تحاول إيجاد صيغة لإذابة الحدود الوهمية بين تلك القناعات الشخصية والاتجاهات الذاتية . هناك اتجاهات ترى المواجهة بين الإسلام والكفر وأعوانه وبين المنافقين وأنصارهم ضرورة شرعية لا تحتمل التأجيل ، وهناك تيار يرى تأجيل أن نوع من أنواع المواجهة المسلحة حتى تستكمل الصحوة عدتها في هذا الصراع الضاري الذي ستكون حسابات الخسائر فيه بالدماء والأرواح وليس المال فحسب ، وهناك اتجاه يرى أن المواجهة على المدى القريب والبعيد مسألة لا تستحق التفكير لأن هناك أمورا كثيرة تحتاج إلى حسم في محيط الصحوة الإسلامية ، وهناك من يرى أن المواجهة في حد ذاتها غير ذات موضوع ، لأننا نفترض وجود عدو هو غير موجود إصلا إلا في عقول البعض ! والبعض يرى أن الجميع يستطيع أن يعمل بما يظن أنه قناعته الشخصية دون أن يلتفت كل واحد منا إلى الخلافات الداخلية ، وأن نحاول التركيز على الخلافات الخارجية ، أي أن نحاول إذابة الخلافات الداخلية بين فصائل الصحوة ، وأن نلتفت أكثر للخلافات بين الصحوة الإسلامية كصاحب مشروع حضاري عالمي وبين الأعداء الحقيقيين للإسلام الذي ندعو إليه . لا ريب أن هذه الرؤى المختلفة لها أنصارها من كل قطر ، ولها منظروها من كل مستوى، ولها آليات عملية تتحرك من خلالها ، بل ولها استراتيجيات تبني عليها أي تحرك آني أو مستقبلي . وقبل أن ألج في عملية تحليل لهذه الرؤى المختلفة أؤكد ما كنت أقوله قديما بأنه لا أمل لهذه الأمة أن تبدأ في عملية اتحاد حقيقية ما لم يستطيع أهل السنة والجماعة توحيد كلمتهم وإيجاد آلية تجمع الاتجاهات المختلفة التي بلغت العداوة بين بعضها أكثر مما بلغت بينها وبين أعداء الله الصرحاء ، ونحن إذ نُكْبِر بذل الكثير من فصائل الصحوة لدين الله والذب عن هذا الدين ودفع صيال العدو عنه فإن العجب لا ينقضي من أن بعض هؤلاء المضحين يبذلون أكثر من هذا في سبيل الرد على إخوان لهم من أهل السنة ، وتراهم يصمونهم بصفات وأمور لا يمكن أن تكون إلا في خَئُوْنٍ خَصيم . وترى أن التهمة الجاهزة بين فصائل أهل السنة هي تهمة التبديع والتشهير بصغائر الأمور ومستحقرات الأفكار ، حتى إن زلة العالم بدلا من أن تكون دليلا على فضله وبدلا من أن تنادي على مروءة العامة الخاصة أن يعفوا ويصفحوا إذا بها تُضحي الجريمة النكراء التي لاتجد في عفو الناس مُتسعا ، بل إنها تُستغل في الإيقاع والإسقاط ، وهي طريقة صرنا نشاهدها تتكرر في كثير من الوقائع والأحوال . هل الخلاف بين فصائل الصحوة حقيقي أو نظري لفظي ؟ أنا أعتبر نفس هذه القضية نظرية لا تستحق الكثير من الوقت للكلام حولها ، ولكن لأجل حسم بعض الأسس التي سيقوم عليها تحليل الواقع نود أن نبين : أن الخلاف لا يكون معتبرا إلا إذا كان مبنيا على وجه معتبر من الأدلة الشرعية الصحيحة المقبولة نقلا ، وما عدا ذلك فيمكننا أن نعتبره خارج إطار الخلاف أصلا . وسواء كان الخلاف معتبرا أو غير معتبر فإن التصرف العلمي يختلف عن التصرف العملي تجاه أي خلاف ، فعندما يختلف عالم مع عالم آخر حول قضية حتى ولو كانت لا تحتمل الخلاف فإن الإنكار بين الطرفين لن يتجه إلى ساحة الوغى ليحسم النزاع في مسألة علمية عبر أسنة الرماح ! بل إن المجادلة بالتي هي أحسن ؛ هي المآل الصحيح الرجيح لأي خلاف ثم يأتي الإنكار على خطأ المخالف على قدر مستوى الخلاف . أما التصرف العملي تجاه أي خلاف فهذا لا يتقرر إلا وفقا لأسس ومعايير عملية أخرى نأخذها في الاعتبار مع الأسس العلمية النظرية ، وهو ما يمكن أن نسميه بالفقه الحركي ، وهو ما نجده في تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم في إدارة دولة ينضوي تحت لوائها الكفار والمنافقين ، في حين نرى أن الأحكام العلمية والنظرية لهؤلاء المنافقين والكافرين تكاد تكون شديدة الحسم ، في حين نرى أن التصرفات الإدارية يترجح فيها جانب تهدئة الأوضاع لا تصعيدها ، فهل هو تناقض أم أنه تفهيم أن المعطيات الواقعية لها أثر في تخصيص العمومات النظرية ، ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم حينما طُلب منه أن يأذن بقتل بعض المنافقين : لا ، حتى لا يقال إن محمد يقتل أصحابه . لقد فطن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن مكائد المنافقين والكفار لا تقتصر على المكيدة الحربية ، بل إن الجانب الإعلامي كان حاضرا في ذلك الصراع القديم ، فقتل منافق واحد معدود في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أو من قاطني المدينة سيعتبر فرصة كبيرة للمنافقين حتى يروجوا دعاية عارمة أن محمد يقتل أصحابه ، فتنصرف الجهود بعدئذ في دفع التهمة بينما نحن أحوج ما نكون أن ننفقها في الدعوة لهذا الدين . إننا يمكن أن نجمل اختلاف الرؤى بين فصائل الصحوة في اتجاهين ، الأول يدعو إلى المواجهة الحاسمة ، والثاني لا يعتبر تلك المواجهة ضرورية أو أنه يؤجلها . ولا أريد أن أدخل في تفاصيل عميقة وغائرة قد تفحت علينا جراحا نحتاج إلى تضميدها ، فنحن أحوج ما نكون إلا تذكير أنفسنا بأننا ركاب سفينة واحدة ، ونحن ملاحوها ، ولا حيلة لنا في النجاة من الأمواج الهائجة إلا أن تتحد كلمتنا في مواجهة الصعاب . وأصل الخلاف منشؤه ادعاء كل طرف أن الواقع والخبرة والتجربة تثبت صحة اتجاهه ، ويدلل كل فريق على صحة اتجاهه بقرائن وأدلة من المحيط القريب تشهد على ما يقول . ونحن لا يمكن أن نستوفي الكلام عن تلك الأدلة والقرائن ونرجح رأي أي الاتجاهين ، فالخلاف نقر به ، ونعترف بوجوده وحضوره ، ولكننا بصدد تحريك نظرية ضرورية تحتاجها الصحوة في هذه الآونة ، ألا وهي نظرية ( تنظيم الخلاف ) ، وهي نظرية أكثرُ عَمَلِيَّةً ( أي فائدة وأثرا ) مما كنا نسميه مع كثير من الباحثين بفقه الخلاف أو حتى فقه الحركة أو حتى فقه الواقع. فقد فوجئ الباحثون أن فقه الخلاف وفقه الحركة وفقه الواقع أشبه ما يكون بالزخم المعلوماتي الذي لم يصادف عقلية تحسن التصرف معه ، فبدلا من فقه واحد تعدد الفقه وصار في كل فقه مدرسة تدعو إلى اتجاه معين فيه ، ومثل هذا نعتبره يعمق الخلاف أكثر مما يحسمه ، ولذلك نقول : إننا بحاجة أن نعترف بوجود خلاف ، بل خلافات ، وأن هذه الخلافات يصعب حلها على المدى القريب ، ونحتاج إلى ننظم هذه الخلافات بين فصائل الصحوة بحيث لا تُستنفد الطاقة التي تحتاجها الصحوة في مواجهة العدو ، فإن الملاحظ أن كثير من المصنفات التي يصنفها العلماء والدعاة والباحثون تصب في الخلاف الداخلي ، أي بين فصائل الصحوة نفسها ، وتبتعد عن الخلاف الخارجي أي بين الصحوة ككتلة حركية دعوية تتبنى مشروعا حضاريا واسعا ، وبين أعدائها الذين لا تختلف كلمة أهل الإسلام على عَدِّهم من أعداء الأمة . ومثال هذا الاحتقان والاستنزاف أننا نرىالآن خلافا ضاريا بين من يتبنون المشروع الجهادي وبين من يتبنون المشروع التربوي المبني على تأجيل حل المواجهة ، حتى غالب الفصائل التي تنتمي للفريقين غفلت تماما عن المواجهة الحقيقية التي يجب أن تتبناها ضد العدو ، كالعلمانيين والشيوعيين والماديين والإباحيين ، فهناك عشرات الردود على المخالفين من أهل العلم في مسائل نظرية ، بينما تجد المؤلفات التي ترد على العلمانيين والإباحيين أندر من الكبريت الأحمر . أجل ... ولا يزالون مختلفين .. إلا من رحم ربك ، فنحن نسعى إلى الرحمة عبر إزالة الخلاف ، كما أننا نعتبر أن جزءا من الخلاف قدري محض لا حيلة لبني البشر في دفعه والهروب منه ، بل إن وجود الخلاف ووقوعه يمثل نسيجا أصيلا لأي مجتمع حيوي ، فالمجتمع الذي لا خلاف فيه لا حركة فيه ولا حياة . فتأمل . إننا لا بد أن ننظر إلى أنفسنا نظرة ثقة ، فكل من يعمل في الساحة إخوان لنا ما داموا على معتقد صحيح ومنهج قويم ، وبهذه النظرة الواثقة الواعية نستطيع أن نكون الفريق الذي سيقوم بإذابة الخلاف بين فصائل الصحوة كخطوة راسخة تجاه توحيد الأمة جمعاء . الفصل الثاني : نظرية المبادرة .. أحدث استراتجيات الحروب الحديثة إن كل حروب أمريكا في أواخر القرن الماضي والقرن الحالي حروب استباقية ، يقصد منها قطع طريق العدو حتى تكون أمريكا في مأمن من مكائده وشروره . وفي المقابل فإن كل تصرفات الصحوة ، حتى ما يعتبر معدودا من النجاحات التي حققتها الصحوة تعتبر ردود أفعال ، وكثير منها في غاية البطء والتثاقل . والعيب في رد الفعل أنه ينشأ رهين لحظته ، وليس على أساس تصور واضح للمستقبل، فيكون صاحبه (صاحب رد الفعل)غير مستعد لأية تطورات ، لذلك نجد ردود أفعال الصحوة آنية ، وليست ذات صلة بالمستقبل القريب أو البعيد . إننا نحتاج إلى تطوير ردود أفعالنا ، كما نحتاج إلى تطوير نظرية المبادرة حتى تكون قابلة للتطبيق في الإطار المعروف والواقع المشهود . والمبادرة التي نتحدث عنها تتجاوز مجرد مرحلة التخطيط ليكون هناك الاستعداد الواقعي الكامل حتى في إطاره العسكري ، إذ لم يعد خافيا على أحد أن المواجهة بين المشروع الحضاري الإسلامي دخل مرحلة التصادم العسكري من أوسع أبوابه ، فمن للمسلمين من مفر أن تكون لهم الأهبة اللازمة لمواجهة هذا الصدام باستعدادية تامة . وأريد أن أقفز في كلامي وأتجاوز المبادرة في إطارها العسكري ، لأتحدث عن المبادرة في إطارها الدعوي الحركي . لماذا نريد أن نركز الحديث عن المبادرة الدعوية الحركية ... ؟ لأن كثيرا من أهل العلم يرى أن أغلبية الأمة لاتستطيع تبني أي مبادرة عسكرية حقيقة في هذه الآونة إلا بخسائر متحققة تفوق في حجمها خسائر الالتزام بعدم المواجهة على المدى القريب على الأقل . لقد طال الاصطلام الدعاة والخطباء والأئمة وقادة شباب الصحوة ومربيها ، فاحتلك الظلام على شباب الصحوة ، فاحتاجو إلى آلية ليبادروا هذه الهجمة الشرسة بخطوات راسخة نحو غد أكثر وضوحا . يجب أن ننوه إلى أن البدائل غالبا ما يتسامح في صفاتها أكثر من الأصول ، ولذلك ما سنورده هنا قد ترد عليه مؤاخذات شرعية أو حركية ، ففي النهاية نعلم أن مآل تلك البدائل هو الإهمال لأن البدل لا يمكن أن يدوم ، بل إن اسمه البدل مؤذن بسرعة تحوله . وسأفترض المبادرة السريعة التي يجب أن يقوم بها شباب الصحوة لتجمع الطاقات تحت لواء واحد على النحو الآتي : 1- رفع كفاءة الصفوف القيادية الحالية لتكون قادرة على تحمل العبء في حالة اصطلام الدعاة كلهم . 2- التركيز على المناهج العلمية والتربوية والجهادية ونشرها عبر وسائل الإعلام المتاحة وخاصة عبر المؤلفات والكتب والمقالات في الصحف وفي الإنترنت . 3- تنمية روح التضحية عند شباب الصحوة عبر تعويدهم على بذل المال والوقت في سبيل الدعوة . 4- إيجاد صيغة إدارية دقيقة تكفل تنمية الروابط الدعوية بين الملتزمين والمنتمين للصحوة ، بحيث تتحقق روح الأخوة والتعاون والتكاتف في الأزمات . 5- إيجاد ميادين دعوية بديلة عن المساجد والمحاضرات فيها ، مثل الإنترنت والبيوت والميادين العامة ، مع ضمانة وجود أساليب حركية تضمن الأمن والسلامة لممارسي الدعوة بهذه الطرق غير التقليدية . 6- تقوية الروابط الأخوية ، باعتبارها البديل عن المساجد المغلقة والمحاضرات الممنوعة ، وذلك عبر إفطارات في البيوت وقيام ليل مع الحرص على تقليل العدد درءا لأعين الطغاة . 7- تحريك العمليات الدعوية في أصعدة مهجورة مثل الجامعات والمدارس والكليات والمعاهد والمصالح الحكومية والمراكز التجارية ، وكل إنسان يستطيع أن يساعد في الدعوة ونشرها بالقدر المتاح له ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها . 8- الاستعانة بالملصقات وجعلها طريقة حرب دعائية واسعة بحيث تعجز قوى الكفر والعناد عن ملاحقة وصد تلك الحرب الدعائية . 9- الاستعانة بأجهزة الاتصال الحديثة في الدعوة إلى الله ومتابعة الأعمال الدعوية ، مثل الهاتف ( العادي والجوال ) والإنترنت ، وذلك عبر توزيع الأدوار في متابعة الحالات الدعوية وجعل الهاتف بالذات وسيلة أصيلة في الدعوة إلى الله تعالى . 10- تنمية المهارات الفردية الدعوية حتى تكون جاهزة في حالة اشتداد الخطوب وارتفاع وتيرة تجفيف المنابع التي تمارسها قوى الطغيان . تلك بعض الاقتراحات الكلية التي أقترحها على شباب الصحوة لمواجهة موجة اصطلام الدعاة ، وكحل عملي مقترح أعرض على الأخوة هذا النموذج الدعوي لمنطقة كانت تحوي مسجدا نشيطا في الدعوة فتم إغلاقه أو تأميمه أو اعتقال الدعاة الكبار الذي يعملون فيه . البداية تكون باليقظة من الصدمة وعدم الاستغراق في آثار المصيبة والالتهاء بها عن التصرف والمبادرة السريعة وتكوين جبهة سريعة تعمل على تدارك العمل الدعوي في أقرب فرصة ، وذلك بأن يتولى التنسيق بين بقية الأخوة في المنطقة من يعرف بالعقل والروية والبذل ، ومهمة هذه الجبهة استعادة التوازن ، وتحقيق الأمان النفسي للبقية الباقية من الملتزمين في المنطقة . تبدأ تلك الجبهة في تكوين المناهج العلمية والتربوية والجهادية ، واقتراح الصورا لبديلة للعمل الدعوي في المنطقة ... الأفضل تقسيم مستويات الدعوة إلى مستويات مختلفة ، مثل دعوة الشباب والعامة والصغار ونحو ذلك . المهم هو إيصال رسالة لجميع الملتزمين بشرع الله أن دين الله تعالى باق وإن كره الكافرون ، ثم إيصال رسالة إلى قوى الكفر أن اصطلام الدعاة ليس حلا لتجفيف المنابع ، فلو وصلت هذه الرسالة إليهم بوضوح فإنهم سيعيدون التفكير في طريقة حل مشكلاتهم عن طريق الاعتقال . يجب أن تكون هناك أنشطة واضحة جلية في المنطقة ، والزيارات خير وسيلة لتحريك السواكن ، وإشاعة جو من الدفء الدعوي في كل أنحاء المنطقة . تقسيم المنطقة إلى أقسام وتولية المسئولية الدعوية لأحد الشباب في كل منطقة وقسم . في النهاية يجب أن نشير إلى أن المواجهة الأمنية واردة في أي جهد دعوي لذلك لا بد أن يوطن الشباب أنفسهم على مواجهة مثل هذه المصاعب ، والتضحية بالمال والنفس تتضمن ضرورة التعود علىمثل هذه المواجهات ، ولا توجد دعوة خالية من مثل هذه المصائب والمحن ... وأذكر إخواني بضرورة السمع والطاعة لأولي الأمر ممن تصدر لقيادة الجموع حال اصطلام الدعاة ، وضرورة تقديم رأيهم والأخذ بمشورتهم وعدم الصدور إلا عن توجيههم ففي ذلك خير وبركة ونفع عام متعد إن شاء الله تعالى . وختاما ... ففي هذه المبحث بجانبيه النظري والعملي يستطيع المنتمي لهذه الصحوة أن يكون صورة كاملة عن هذا النسيج المعقد الذي تعيشه صحوتنا ، كما يستطيع أن يكون تصورا واضحا لما يجب أن يعمله في حالة ما لو حيل بين الشباب وبين علمائهم ودعاتهم ، فالتصدر في مثل هذه الحالة لازم متعين ، والواجب أن نختزل كل المشكلات ونعالجها بأكبر سرعة في سبيل تدارك المواجهة المستعرة مع الطغيان وملاحقة الاستباق الحركي مع أعداء الصحوة .... هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا المبحث خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به كل من بحث عن طريق الأمان والشرف والكرامة ... في الدين والدنيا والآخرة ... والحمد لله رب العالمين ...وصلى الله على نبينا محمد وعلىآله وصحبه وسلم .
| بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة |
| رضا أحمد صمدي
| الموضوع : بغية الوعاة في مواجهة اصطلام الدعاة المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: ام ابراهيم |
|
كفاني مسلمةعـضـو برونزي
تاريخ التسجيل : 15/06/2009
| |