س14 :
فضيلة الشيخ لو أصاب المعتكف مرض فهل يخرج من اعتكافه ، وإذا خرج فهل يقطع
خروجه التتابع ، أم أنه لا يزال معتكفا ، وما هو الضابط في ذلك . وجزاكم الله
كل خير ؟
المرض على قسمين :
القسم الأول : أن يكون مرضا يسيرا يمكن الصبر عليه ، مثل : الصداع ، مثل : أذى
الأسنان كما ذكر العلماء في بعض أحواله ، فهذا يصبر، ويحتسب عند الله - تعالى -
الأجر وهو مثاب .
النوع الثاني من المرض : المرض المزعج المقلق ، أو المؤذي للمسجد ، مثلا أن
يكون معه استطلاق في البول - أكرمكم الله - أو استطلاق في العذرة الغائط ، فهذا
لا يمكنه أن يجلس في المسجد ، فإذا كان المرض مضرا خرج من المسجد ولم يقطع ذلك
التتابع ، وعلى هذا يفصل في المرض. والصحيح أنه إذا خرج أثناء خروجه يتقيد بقدر
الحاجة والضرورة ، ولا يفعل شيئا يخل بالاعتكاف . والله تعالى أعلم .
س15 :
هل الصعود إلى سطح المسجد للصلاة فيه يبطل الاعتكاف أو لا ، وهل الأفضل في
المسجد الحرام الصلاة في الدور الأرضي أو الدور العلوي ، مع ذكر الدليل في هذه
المسألة والتفصيل فيها . وجزاكم الله كل خير ؟
الصعود إلى سطح المسجد فيه تفصيل :
إذا كان من داخل المسجد أو السلالم المرتبطة بداخل المسجد لم يؤثر، أما إذا كان
في صعوده يحتاج أن يخرج من باب المسجد حتى يصعد من باب خاص من المصاعد فهذا
يؤثر؛ ولذلك ينبغي أن يفصل في مسألة الصعود بهذا التفصيل؛ لأنه يكون في هذه
الحالة قد خرج من المسجد ، والأصل في المعتكف أن لا يخرج .
وأما مسألة : هل الدور الأول أفضل أو الثاني أو السطح ؟ فالأفضل الدور الأول ،
والأقدم أفضل؛ لأن الله تعالى يقول :{ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى
مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فيه رجال} .
فالمسجد القديم أفضل وأحق بالقيام به ؛كما نص الله - تعالى - ، ثم بعد ذلك
الأقرب فالأقرب، فإذا حصل ازدحام أو في أحوال خاصة مثلا في شدة الزحام الطواف
يصعد إلى الدور الثاني حتى لا يؤذوه الناس بذهابهم ، والطائفون لا يمرون بين
يديه ويزعجوه ويؤثر على خشوعه ؛ فحينئذ هذه أحوال خاصة ، لكن الأصل العام أن
القديم مقدم على الجديد . والله تعالى أعلم .
س16 :
يتشدد البعض في اعتكافه إلى درجة يلتزم فيها الصمت ولا يكلم أحدا ، ولا يختلط
بأحد ، ويتساهل البعض في اعتكافه فيدمن الجلوس مع الآخرين ، ولا يبالي باغتنام
الوقت في ذكر الله . نرجو التوجيه وجزاكم الله كل خير ؟
الوسط من الإنسان يعطي العبادة حقها ،
ويعطي الأنس حقه ؛ فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان على هذا
الوسط ، ولذلك جاءته صفية - رضي الله عنها - فحدثها وحدثته - رضي الله عنها - ،
ولم ينقض ذلك اعتكافه ، ولم يؤثر في الاعتكاف ، وسن رسول الله - صلى الله
عليه وسلم - بهذا التوسعة على المعتكف ، وخرج بهذا عن ضيق الرهبانية ؛
ولذلك كان يدني رأسه إلى أم المؤمنين عائشة فترجله وهو معتكف بالمسجد - صلوات
الله وسلامه عليه - .
فالوسط أن الإنسان يصلي ، أوقات الجد ، أوقات العبادة عبادة ، في بعض الأوقات
يريد الإنسان أن يروح عن نفسه ، يستجم بعض الشيء ، يجلس مع أخيه ، يستفيد منه
يفيده ، يذهب إلى حلقة يسمع فيها الشيء يذكره بالله - تعالى - ، يستمع إلى قارئ
يقرأ القرآن ، يستمع إلى أخيه يتكلم في أمر فيه فائدة ، هذا بقدر .
وأما بالنسبة للإفراط في الغلو والتشدد والتساهل أيضا كلاهما مذموم ، وينبغي
للمسلم أن يتوسط بينهما . والله تعالى أعلم .
س17 :
فضيلة الشيخ الاعتكاف يحتاج إلى مجاهدة عظيمة لكي يخرج المسلم منه بفوائد ،
فهلا ذكرتنا بالحال الأفضل في الاعتكاف ، حتى تشحذ همتنا للخير، وما هي الطاعات
المستحبة والمرغّب فيها لكي يجد المسلم أثر اعتكافه . وجزاكم الله كل خير ؟
الوقت يضيق ، لكن ما يشحذ همتك ، وأحيلك على مليء ، ومن أحيل على مليء فليتبع ،
ليس هناك شيء يشحذ الهمم في طاعة الله - تعالى - ومحبة الله ومرضاته مثل كتاب
الله - تعالى - ، فطوبى ثم طوبى لمن أكثر من تلاوة القرآن في الاعتكاف ، وطوبى
ثم طوبى لمن شغل وقته بالقرآن في الاعتكاف ، وهل الاعتكاف إلا مدرسة القرآن ،
هل هو إلا أخلاق القرآن وآداب القرآن وشمائل القرآن وعلوم القرآن ومدارسة
القرآن ، هذا هو الاعتكاف .
أقبل على القرآن ، وأكثر تلاوته ، وقف عند كل آية فضلا عن سورة ، وعند كل كلمة
فضلا عن جملة ، لكي تنظر ما الذي أمرك الله بها ؟ وما الذي نهاك عنه ؟ ولكي
تنظر ماذا قال الله لك؟ وماذا وصاك الله به ؟ وثق ثقة تامة أنه لن تشحذ همتك
بشيء أبْرك ولا أفضل من كتاب الله - تعالى - { أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ
فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي
لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ } .
فأكثر من سماع القرآن ومن تلاوة القرآن وأبشر بكل خير، وقد سبق وأن ذكرنا آداب
المعتكف مع ربه ، مع الناس ، مع نفسه ، طبق هذه الآداب ، وستخرج من الاعتكاف
بنفس غير النفس التي دخلت بها ، وتحرص كل الحرص على أن تراقب الله مراقبة تامة
كاملة، وتركز على حقوق الله - تعالى - عليك في اعتكافك ، وأبشر بكل خير، وأرجو
لك خيرا في أمرين :
أولهما : أن تحرص كل الحرص على كف نفسك عن شيء حرّمه الله عليك ، بمجرد ما تدخل
في اعتكافك احرص على أنك لا تصيب ذنبا ، لا في قولك ، ولا في عملك ، ولا في
نظرك ، ولا في سمعك ، ولا في جوارحك ، فإذا حفظت جوارحك من معاصي الله- تعالى -
وطهرتها من الذنوب، وكنت حفيظا محافظا ؛ رزقت البركة في سمعك وبصرك وجوارحك .
ثانيا : أن تحرص كل الحرص على العبادات الخفية ، التي هي بعيدة عن نظر الناس
وعلم الناس ، وإذا قمت تصلي كأنه لا يراك أحد إلا الله وحده ، ولو كنت أمام
الناس كلهم ، لا تبالي بالناس، إذا أردت أن تكون معتكفا حقا كأنك في غرفتك لا
يراك أحدا إلا الله - تعالى - ، ولا تبالي بالناس ،كثروا أم قلّوا ، إذا الله -
عز وجل - فتح عليك بهذا القلب السليم الذي يستشعر أن الله يسمعه ويراه ، ومتوجه
إلى الله بكليّته في صلاته ، وفي ذكره ، وفي إنابته ، وفي إخباته لله - تعالى -
فأبشر بكل خير، ستشحذ همتك ما سلمت من معاصي الله - تعالى - وستشحذ همتك ما
تغذيت بالقرآن وآداب القرآن وعلوم القرآن ومنافع القرآن ، هذا من أعظم الأسباب
، وإلا الحديث عن شحذ الهمم في الاعتكاف واسع وطويل .
وآخر شيء القدوة الصالحة ، انظر إلى عالم أو طالب علم أو إنسان صالح ديّن محافظ
في اعتكافه على حقوق الاعتكاف ، والتزمه إذا وجدته ، فاشدد يديك عليه دون أن
تجلس معه ، ودون أن يحدثك ، من الناس من يحدثك منظره قبل أن يحدثك مخبره ، يمكن
تجد من كبار السن من المعتكفين من هو أصدق في اعتكافه ، ربما تقتدي به وهو لا
يدري ، إن من الناس من جعله الله مباركا أينما كان ، وقال الله عن نبيه يحي –
عليه السلام -: { مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ } من الناس من يدعو وهو لا يتكلم
، في سمته ودله ، فمثل هؤلاء القدوة الذين إذا رأيتهم في بيوت الله قد عظموا
بيوت الله - تعالى - تأدب بآدابهم من العلماء وطلاب العلم والصالحين، وأبشر بكل
خير . والله تعالى أعلم .
س18 :
فضيلة الشيخ متى يسن للمعتكف أن يدخل معتكفه إذا نوى أن يعتكف العشر الأواخر
كاملة ، ومتى يسن له الخروج مع ذكر الدليل ، وإذا نوى اعتكاف ليلة كاملة فمتى
يبدأ بدخول المسجد ومتى يخرج منه . أفتونا مأجورين ؟
في العشر يدخل إذا غابت الشمس من يوم العشرين ، قبل غروبها بيسير يدخل حتى تصبح
ليلة الحادي والعشرين تامة كاملة ؛ لأنك ما تستطيع أن تُمسك إلا بإمساك جزء
يسير من المخالِف، وهذا أصل في العبادات ؛ كقوله تعالى : { Jð ثُمَّ
أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } .
على أن { إلى } بمعنى ( مع ) الشاهد من هذا تدخل قبل غروب الشمس باليسير، غروب
الشمس يوم العشرين حتى تصيب ليلة الحادي والعشرين كاملة ، وتصيب العشر الأواخر
تاما.
متى تخرج ؟ تخرج بغروب شمس آخر يوم من رمضان ، فإذا غاب الشمس يوم الثلاثين
تخرج. وكذلك أيضا إذا كانت ليلة شك إذا تبيّن أن الهلال رؤي ، تخرج بمجرد علمك
، هذا هو الأصل في استتمام المدة ، فإذا فعل ذلك فقد اعتكف العشر تامة كاملة ،
وهكذا إذا نوى اعتكاف ليلة يدخل قبل غروب الشمس من النهار قبلها ، ويخرج بعد
طلوع الشمس من صبيحتها ، هذا إذا نوى الليلة ، وإذا فعل ذلك فقد استتم ما نواه
. والله تعالى أعلم .
س19 :
تواترت الأدلة والنصوص في الكتاب والسنة في فضل ليلة القدر، وأنها في العشر
الأواخر، فما هي أرجى ليلة تكون فيها . وجزاكم الله كل خير ؟
بالنسبة لليلة القدر ثبتت النصوص في كتاب الله وسنة النبي - صلى الله
عليه وسلم - ، وأجمع المسلمون على شرفها وفضلها .
هي ليلة القدر من الشرف ، القدر أصله : الشرف والمنزلة ، فلان له قدر يعني إذا
كانت له منزلة وشرف .
وصفت بذلك ؛ لعظيم شرفها وفضلها ، ولعِظم شرفها وفضلها أنزل الله فيها أفضل
كتبه ، ونبّأ فيها أفضل رسله - صلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين - ؛ فقال
تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } {وَمَا أَدْرَاكَ مَا
لَيْلَةُ الْقَدْرِ } ، ولما أورد هذا السؤال ؛ أورده تعظيما لها وتشريفا ،
فإذا ورد الشيء بصيغة السؤال والاستفهام إشارة إلى علو مكانته ، وعِظم شرفه ،
وهي كذلك ، وقيل : ليلة القدر ؛ لأنه تقدّر فيها الأشياء ، وتكتب فيها المقادير
، في صحف الملائكة ، وينسخون المقادير من العام إلى العام ، كما بيّنت ذلك
النصوص ؛ كما قال تعالى : { تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا
بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ } على القراءة على الوجه الأول من كل أمر
أي ما فيها من أوامر للعام القادم فيكتب فيها ، سعادة السعداء ، وشقاء الأشقياء
، والأقوال والأعمال ، والأعمار، فتنسخ بإذن الله - تعالى - .
قيل : ليلة القدر من القَدْر ، وهو التضييق ، قال تعالى : { وَقَدِّرْ فِي
السَّرْدِ } يعني ضيّق في حِلق السرد ، وهذا أصله يعني في لغة العرب : القدر
والتضييق ، وهو معروف في لسان العرب ، كما قال تعالى : { يَبْسُطُ الرِّزْقَ
لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ } يعني يوسّع ويضيّق ، { وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ
رِزْقُهُ} يعني ضُيّق عليه ، قالوا : وصفت ليلة القدر بالتضييق ؛ لأن الأرض
تضيق من كثرة الملائكة التي تتنزل فيها ، { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ
إِلَّا هُوَ } .
والبيت المعمور يطوف به في كل يوم سبعون ألف ملك ، لا يعودون إليه أبدا ، من
أنت إذا سبحت وحمدت أمام هؤلاء الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ؟! ما
أغفل الناس عن الله ! وما أجهلهم بقدر الله - عز وجل - ! من كثرة نزول الملائكة
تضيق الأرض ، ولذلك الملائكة إذا تنّزلت نزلت السكينة ، ومن هنا كان من علامات
ليلة القدر أنه لا يرمى فيها بشهاب ؛ لأن الشياطين لا يجدون مجالا لكي يركب
بعضهم على بعض ، فمن أماراته أنه لا يرمى فيها بشهاب ، والشياطين تفر من
الملائكة ، { إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ } .
قال ابن عباس : رأى جبريل والملائكة ففر عدو الله ونكص على عقبيه .
وليلة القدر ليلة عظيمة ، أعطاه الله - تعالى - لهذه الأمة ، فسبقت من قبلها ،
ونالت بهذا فضلا عظيما ، ولذلك جبر بها كسر هذه في نقص الأعمار ، فأعمار أمة
محمد - صلى الله عليه وسلم - ما بين الستين إلى السبعين ، وجبر
الله هذا النقص مع أن الأمم قبلنا أعطوا طول الأعمار ، ولكن أعطيت هذه الأمة
بفضل الله - تعالى - قصر العمر مع الزيادة في الأجر في العمل .
فقيام هذه الليلة إيمانا واحتسابا ليس كألف شهر، بل أفضل من ألف شهر ، قيل :
صياما وقياما . وهذا مذهب بعض السلف : أن الفضل في ليلة القدر شامل لليل
والنهار، وهو اختيار الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي – رحمه الله –
وطائفة من السلف .
ومن هنا قالوا : أعطي فيها هذا الفضل خير من ألف شهر ، أي عبادة أكثر من أربع
وثمانين سنة ، وهذا فضل عظيم ، يناله الإنسان في ليلة واحدة ، فهذه الليلة ثبت
فضلها في كتاب الله وسنة النبي – صلى الله عليه وسلم - ، قال
صلى الله عليه وسلم : (( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما
تقدم من ذنبه )) .
فهي الليلة التي يقومها القائمون ، فإذا أصبحوا غفرت ذنوبهم فرجعوا كيوم ولدتهم
أمهاتهم .
(( من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا )) : إيمانا بالله ، واحتسابا للثواب عند
الله - تعالى - ، يحتسب الأجر والمثوبة عند الله - تعالى - .
(( غفر له ما تقدم من ذنبه )) : وظاهر الحديث صغائر الذنوب وكبائرها ، حاشا
حقوق الناس ، هذه لا تغفر إلا بمسامحة صاحب الحق ، وهذا يدل على عظم فضلها ،
فيجتهد الإنسان في قيامها.
قال بعض السلف : (( من صلى العشاء في جماعة ليلة القدر ، وصلى الفجر في جماعة
أدرك حظه من ليلة القدر )) . وهو قول سعيد بن المسيب – رحمه الله - ؛ ولكن هذا
ضعيف ؛ لأنهم استدلوا بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( من
صام العشاء في جماعة كان كمن قام نصف الليل ، ومن صلى الفجر كان كمن قام الليل
)) وفي بعضها : (( كتب له قيام ليلة )) .
والحقيقة الحديث يقول : (( كان كمن )) ما قال : كتب له قيام ليلته ، لو قال
ليلته بالتخصيص لقوي قولهم إنه ينال فضيلته ؛ فحينئذ يصبح الأمر - يعني الله
أعلم - كيف يكون ! إذا كان يصلي العشاء ثم ينصرف كأنه قام ليلة القدر، لكن
الواقع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( كتب له قيام ليلة
)) وهذا هو الذي نقول ينبغي الدقة في فهم الأحاديث والنصوص إذا وردت ؛ لأنه
ربما يأتي بعضها يوهم في ظاهره ، فكانوا يقولون : من صلى العشاء في جماعة
والفجر في جماعة أدرك حظه من ليلة القدر، والواقع أنه لا يدرك الحظ إلا إذا
قامها ؛ لنص النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك .
وفي فرق بين الفضيلة المطلقة والفضيلة المقيدة ، فلو كان قيّد بنفس الليلة لكان
الشأن آخر، المهم أنه إذا صلى العشاء يجتهد في قيام ليلة القدر.
اختلف العلماء - رحمهم الله - :
قال بعض العلماء : إنه يقوم الليلة كاملة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه
وسلم - لما دخلت عليه العشر شد مئزره، وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ، وفي
بعضها : (( طوى فراشه )) صلوات الله وسلامه عليه كناية عن اعتزال النساء ،
فقالوا لابد أن يصلي من العشاء إلى الفجر، يصلي ويذكر يكون في ذكر الله - تعالى
- ولا يصدق عليه أنه قائم إلا إذا لم ينم ، أما إذا نام فقد ضيّع ، بقدر ما
ينام من فضل القيام .
وقال بعض العلماء : لا بأس أن ينام بعض الليل ، مادام أنه قد قام أغلبه ؛ لأن
عائشة - رضي الله عنها - قالت : (( ما قام ليلة حتى أصبح )) . صلوات الله
وسلامه عليه ، وهذا يقولون : يدل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم
- ما كان يحي الليلة كاملة ، ومن هنا رخصوا من كونه إذا تعب أو كذا أن يستجم
بالنوم .
وقال بعض العلماء : أنه لو نام اليسير، ثم قام فالأجر أعظم ؛ لأنه في هذه
الحالة يترك النوم ويرغب في العبادة ؛ وهذا أصدق كما قال تعالى : { تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } .
فيقولون : إنه إذا ذاق لذة النوم ثم صلى فهذا أبلغ اجتهادا من شخص يستمر في
صلاته فإنه لا يصل إلى آخر الليل وهو منهك متعب .
والحقيقة ظاهر النصوص أنه أحيا ليله ، وهذا يقتضي أنه أحيا الليل كاملا ،
والمطلقات تقيد، وعائشة - رضي الله عنها - معروف أنها تحكي الذي كان في بيتها ،
فاعتكافه - عليه الصلاة والسلام - كان في قبته ، وكان خاليا في عبادته لربه ،
كما في الحديث الصحيح أنه كان تضرب له القبة ، فلذلك ظاهر النص في الإحياء أنه
يبقى على ظاهره ، ويجتهد الإنسان ، لكن لو أنه لا يستطيع أن يحي الليل ، ويجد
التعب ، فينام أول الليل ، ثم يقوم آخره ؛ طلبا لهذه الفضيلة ، ونسأل الله
العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا الإخلاص ، وأن يجعلنا وإياكم ممن صام الشهر،
واستكمل الأجر، وأدرك ليلة القدر . إنه ولي ذلك وصلى الله على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين .
المصدر موقع الشيخ محمد الشنقيطي
الموضوع : أسئلة حول الاعتكاف الشيخ محمد المختار الشنقيطي المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: أبوعلي