El Helalyaالمؤسسة
تاريخ التسجيل : 08/08/2008
| موضوع: الفعل وأقسامه السبت 15 أكتوبر 2011 - 14:25 | |
| الفعل وأقسامه علامة كل
(ا) فهم الطالب. سافر الرحالة. رجع الغائب. كل كلمة من الكلمات: "فَهِمَ" "سَافَر" "رَجَع"، ... تدل بنفسها مباشرة (من غير حاجة إلى كلمة أخرى)... على أمرين. أولهما: مَعْنى ندركه بالعقل؛ وهو: الفهْم، أو: السفر، أو الرجوع، ويسمى: "الحَدَث"، وثانيهما: زمن حصل فيه ذلك المعنى (أىْ: ذلك الحدث) وانتهى قبل النطق بتلك الكلمة؛ فهو زمن قد فات، وانقضى قبل الكلام. (ب) وإذا غيرنا صيغة تلك الكلمات فقلنا: "يَفهم". "يُسافر". "يرجع"... دلت الكلمة فى صيغتها الجديدة على الأمرين أيضًا؛ المعنى (الحدَث) والزمن. ولكن الزمن هُنا لم يكن قد فات وانقضى؛ وإنما هو زمن صالح للحال، والاستقبال. (حـ) وإذا غيرنا الصيغة مرة أخرى فقلنا: "افهمْ"، سافِرْ"، "ارجعْ"... دلت كل واحدة على الأمرين؛ المعنى (الحدَث) وهو: طلب الفهم، أو: طلب السفر، أو: طلب الرجوع. والزمن الذى يتحقق فيه الطلب. والزمن هنا مقصور على المستقبل وحده؛ لأن الشىء الذى يطلبه إنسان من آخر لا يحصل ولا يقع إلا بعد الطلب وانتهاء الكلام؛ أى: لا يقع إلا فى المستقبل... فكل واحدة من تلك الكلمات وأشباهها تسمى: "فعلا". فالفعل: كلمة تدل على أمرين معًا؛ هما: معنى (أىْ: حدث) وزمن يقترن به وأقسامه ثلاثة: ماض، وهو: كلمة تدل على مجموع أمرين؛ معنى، وزمن فات قبل النطق بها. ومن أمثلته قوله تعالى: {تَبَاركَ الذى جَعَل فى السماء بُرُوجًا، وجَعَلَ فيها سِرَاجًا؛ وقَمَرًا مُنِيرًا}.
ومضارع: وهو: "كلمة تدل على أمرين معًا: معنى، وزمن صالح للحال والاستقبال. كقوله تعالى: {قوْلٌ معْروفٌ، ومغْفِرةٌ خيْرٌ من صَدَقَة يتْبَعُها أذًى}، ولا بد أن يكون مبدوءاً بالهمزة، أو النون، أو التاء، أو الياء... وتسمَّى هذه الأحْرف: "أحرف المضارعة". وفتحها واجب، إلا فى المضارع الرباعىّ فتضمّ، وكذا فى: المضارع المبنى للمجهول. أما المضارع: "إخال" فالأفصح كسر همزته لا فتحها. وأمر، وهو: كلمة تدل بنفسها على أمرين مجتمعين: معنى، وهذا المعنى مطلوب تحقيقه فى زمن مستقبل: كقوله تعالى: {رَبِّ اجْعلْ هذا البَلد آمِنًا}، ولا بد فى فعل الأمر أن يدل بنفسه مباشرة على الطلب من غير زيادة على صيغته؛ فمثل "لِتخْرجْ"، ليس فعل أمر؛ بل هو فعل مضارع، مع أنه يدل على طلب شىء ليحصل فى المستقبل؛ لأن الدلالة على الطلب جاءت من لام الأمر التى فى أوله، لا من صيغة الفعل نفسها. وقد اجتمعت الأفعال الثلاثة فى قوله تعالى: {وَلاَ تُطِعْ الكافرينَ والمنافقين، ودَعْ أذاهم، وتَوكَّلْ على الله، وكَفَى باللهِ وَكيلاً}، وقول الشاعر: *أحْسِنْ إلى الناس تَسْتَعْبِدْ قلوبهُمُو * فطالما استَعْبَدَ الإنسانَ إِحْسَانُ* ولكل قسم من هذه الثلاثة علامات خاصة تميزه عن غيره؛ فعلامة الماضى: أن يقبل فى آخره التاءين؛ "تاء التأنيث الساكنة" مثل: أقبلتْ سعادُ. وصافحتْ أباها، أو: "التاء المتحركة" التى تكون فاعلا؛ مثل: كلمتُكَ كلامًا فرحتَِ به، (وتكون مبنية على الضم للمتكلم، وعلى الفتح للمخاطب المذكر، وعلى الكسر للمخاطبة). وليس من اللازم أن تكون إحدى التاءين ظاهرة فى آخر الفعل الماضى؛ بل يكفى أن يكون صالحًا لقبولها، وإن لم تظهر فعلا. مثل: أقبل الطائر؛ فنزل فوق الشجرة؛ فكلمة: "أقبل" و "نزلَ" فعل ماض، لأنه - مع خلوه من إحدى التاءين - صالح لقبول واحدة منهما: فتقول: أقبلتُ ... نزلتُ...
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل الماضى ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل ماضى، وإنما هى: "اسم فعل ماض". مثل: هيهات انتصار الباطل، بمعنى: بَعُد جدًّا... ومثل: شتَّان المنصف والباغى؛ بمعنى: افترقا جدًّا. أو: هى اسم مشتق بمعنى الماضى؛ مثل: أنت مكرمٌ أمسِ ضيفك. ومما تقدم نعلم أن كلمتى: "نِعْم" (وهى: كلمة للمدح) "وبئس" (وهى: كلمة للذم) فعلان ماضيان؛ لقبولهما تاء التأنيث الساكنة؛ تقول: نعمتْ شهادة الحق، وبئست شهادة الزور، كما نعرف أن "ليس" و "عسى" فعلان ماضيان؛ لقبولهما التاءين. زيادة وتفصيل: (ا) تاء التأنيث التى تلحق الفعل للدلالة على أن فاعله مؤنث إن كانت ساكنة لحقت بآخر الماضى، وإن كانت متحركة اتصلت بأول المضارع، مثل: هند تصلى وتشكر ربها. أما تاء التأنيث التى تلحق الأسماء فتكون متحركة؛ مثل: الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة، عظيمة النفع. وقد تتصل التاء بآخر الحروف؛ مثل، (رُبّ، وثمّ، ولا...) تقول: رُبَّتَ كلمة فتحت باب شقاق، ثُمَّتَ جلبت لصاحبها بلاء؛ فيندم ولات حين نَدم. (ب) هناك أفعال ماضية لا تقبل إحدى التاءين بحسب استعمالاتها الحالية، لا بحسب حالتها التى قبل هذا؛ مثل: "أَفْعَلَ" للتعجب، و"حبذا" للمدح. ومثل: (عدا، وخلا، وحاشا)، من أفعال الاستثناء. والسبب أن تلك الأفعال حين استعمالها فى الموضوعات المذكورة تصير أفعالا جامدة، تلازم حالة واحدة لا تتغير؛ كالأمثال العربية التى تلازم حالة واحدة، لا يطرأ على حروفها تغيير بالزيادة، أو النقص، أو تغيير الضبط؛ لهذا لا يمكن زيادة التاء فى آخرها ما دامت تؤدى هذه المعانى، ولكنها بحسب أصلها السابق على هذا تقبل التاء.
(حـ) يقول النحاة: إن تاء التأنيث الساكنة تظل ساكنة إذا وليها متحرك، مثل: حضرتْ زينب. فإن جاء بعدها ساكن كسرت - غالبًا - مراعاة للأصل فى التخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: كتبتِ البنتُ المتعلمة. إلا إذا كان الساكن ألف اثنتين فتفتح. مثل: البنتان قالتا إنا فى الحديقة. هذا، وقد عرفنا فى ص 42 - حكم التنوين إذا جاء بعده حرف ساكن. وبقى حكم عام؛ هو أن كل حرف ساكن صحيح فى آخر الكلمة فإنه يحرك بالكسر إذا جاء بعده - مباشرة - ساكن آخر؛ نحو: خذ العفو، ولا تظلمِ الناس. إلا فى موضعين، أحداهما: أن تكون الكلمة الأولى هى: "مِنْ" والثانية: "أل" فإن الساكن الأول يحرك بالفتح؛ مثل: أنفق منَ المال الحلال. والآخر: أن تكون الكلمة الأولى منتهية بميم الجمع؛ فإنه يحرك بالضم؛ مثل: لكمُ الخير. فإن كان آخر الكلمة الأولى حرف مَدّ، أو واو الجماعة، أو ياء مخاطبة، حذف نطقاً. لا كتابة؛ للتخلص من التقاء الساكنين؛ مثل: نحن عرفنا العلوم النافعة - الطلاب سألوا المولى أن يوفقهم - اسألى المولى الهداية. ويجوز تلاقى الساكنين فى الوقف، وعند سرد بعض الألفاظ، نحو: كاف - لام - جيم - (راجع هذا بمناسبة أخرى فى جـ 4 عند الكلام على ما تختص به نون التوكيد)، أما فى غيرهما فيجوز بشرطين: أحدهما: أن يكون الساكن الأول حرف مدّ، يليه حرف مدغم فى نظيره، (أى: حرف مشدد). والآخر: أن يكونا فى كلمة واحدة. مثل عامة، خاصة، الضّالين، الصّادون عن الخير. وهذا متفق عليه. ويرى آخرون أن مثله ما هو فى حكم الكلمة الواحدة. على الوجه المشروح فى مكانه. المناسب من جـ 4 ص 139 م 143 باب: نون التوكيد. وللمسألة بقية هامة فى "حـ" من ص 88 و 162 و 255. (د) عرفنا أن كل فعل لا بد أن يدل - فى الغالب - على شيئين؛ معنى "حدث" وزمن. فالماضى له أربع حالات من ناحية الزمن:
الأولى: (وهى الأصل الغالب) أن يتعين معناه فى زمن فات وانقضى - أى: قبل الكلام - سواء أكان انقضاؤه قريبًا من وقت الكلام أم بعيدًا. وهذا هو الماضى لفظًا ومعنى. ولكن إذا سبقته: "قد" - وهى لا تسبقه إلا فى الكلام المثبت - دلت على أن انقضاء زمنه قريب من الحال؛ فمثل: "خرج الصاحبان" يحتمل الماضى القريب والبعيد، بخلاف: "قد خرج الصاحبان؛ فإن ذلك الاحتمال يمتنع، ويصير زمن الماضى قريبًا من الحال؛ بسبب وجود: قدْ، وإذا وجدت قبله "ما" النافية كان معناه منفيًا، وكان زمنه قريبًا من الحال؛ كأنْ يقول قائل: قد سافر علىّ، فتجيب: ما سافر علىّ؛ فكلمة: "قد" أفادته فى الجملة الأولى المثبتة قربا من الزمن الحالى، وجاءت كلمة: "ما" النافية فنفت المعنى، وأفادته القرب من الزمن الحالىّ أيضًا، ولا سيما مع القرينة الحالية السابقة. وكذلك يكون زمنه ماضيًا قريبًا من الحال إذا كان فعلا ماضيًا من أفعال "المقاربة"؛ (مثل: "كاد فإنه زمنه ماض قريب من الحال؛ بل شديد القرب من الحال، ليساير المعنى المراد - كما سيجىء فى باب أفعال المقاربة-. الثانية: أن يتعين معناه فى زمن الحال (أى: وقت الكلام). وذلك إذا قصد به الإنشاء؛ فيكون ماضى اللفظ دون المعنى؛ مثل: بعت. واشتريت، ووهبت، وغيرها من ألفاظ العقود التى يُراد بكل لفظ منها إحداث معنى فى الحال، يقارنه فى الوجود الزمنى، ويحصل معه فى وقت واحد. أو كان من الأفعال الدالة على "الشروع". مثل: "طفق وشرع" وغيرهما مما سيجىء الكلام عليه فى باب: "أفعال المقاربة" الثالثة: أن يتعين معناه فى زمن مستقبل (أى: بعد الكلام)؛ فيكون ماضى اللفظ دون المعنى - كالذى سبق - وذلك إن اقتضى طلبًا؛ نحو: ساعدك الله، ورفعك الله مكانًا عليًّا، وأمثال هذا من عبارات الدعاء. ومما يفيد الطلب: عزمت عليك إلا سافرت، أو: عزمت عليك لمَّا سافرت؛ بمعنى: أقسمت عليك ترك كل شىء إلا السفر فى المستقبل.
أو تضمن وعدًا؛ مثل: {إنا أعطيناك الكوثر}. فالإعطاء سيكون فى المستقبل، لأن الكوثر فى الجنة، ولم يجئ وقت دخولها. أو عُطِف على ما عُلم استقباله، مثل قوله تعالى: {يَقْدُم قومِهَ يومَ القيامة فأوْرَدَهم النارَ}، وقوله تعالى: {يومَ يُنفَخُ فى الصور ففزعَ من فى السموات...} أو تضمن رجاء يقع فى المستقبل، مثل: "عسى وأخواتها" من أفعال الرجاء الآتية فى باب: "أفعال المقاربة"، نحو: "عسىِ الله أن يأتى بالفتح...". أو يكون قبله نفى بكلمة: "لا" المسبوقة بقسم، مثل: والله لا زُرتُ الخائن، ولا أكرمتُ الأثيم. أو يكون قبله نفى بكلمة "إنْ" المسبوقة بقسم، مثل قوله تعالى: {إنّ الله يُمسك السمواتِ والأرضَ أنْ تزولا، ولَئِنْ زالتا إنْ أَمْسَكَهُما من أحدٍ من بعده}. "أى: ما يُمسكهما!"... أو يكون فعل شرط جازم، أو جوابه؛ مثل: إن غاب على غاب محمود، لأن جميع أدوات الشرط الجازمة تجعل زمن الماضى الواقع فعل شرط أو جواب شرط مستقبلا خالصًا... فالفعل الماضى فى كل الحالات السالفة ماضى اللفظ دون المعنى. الرابعة: أن يصلح معناه لزمن يحتمل المضى والاستقبال، ويتعين لأحدهما بقرينة وذلك إذا وقع بعد همزة التسوية؛ نحو: سواء علىّ أقمت أم قعدت. فهو يحتمل أنك تريد ما وقع فعلا من قيام أو قعود فى زمن فات، أو ما سيقع فى المستقبل. ولا فرق فى التسوية بين أن توجد معها "أم" التى للمعادَلة، كما مُثل، وألا توجد؛ مثل: سواءٌ علىّ أىُّ وقت جئتنى. فإن كان الفعل بعد "أم" المعادلة مضارعا مقرونًا "بلم" تعين الزمن للمضى بسببها؛ مثل: سواء عليهم أأنذرتهم أم لَم تنذرهم؛ لأن الثانى ماضى معنى؛ فوجب أن يكون الأول ماضى الزمن كذلك؛ لأنه معادل له. أو وقع بعد أداة تحضيض؛ مثل: هَلاّ ساعدت المحتاج. فإن أردت التوبيخ كان للمضى، وإن أردت الحث على المساعدة كان للمستقبل.
أو بعد: "كُلّما"، نحو قوله تعالى: {كُلَّما جاء أمةً رسولُها كذَّبوه} فهذا للمضى؛ لوجود قرينة تدل على ذلك، وهى الأخبار القاطعة بحصوله. وقوله تعالى عن أهل النار: "كلما نَضِجت جلودُهم بدَّلناهم جلودًا غيرها؛ ليذوقوا العذاب". فهذا للمستقبل؛ لقرينة تَدل على ذلك؛ وهى أن يوم القيامة لم يجئْ. أو بعد حيث، نحو: ادخل الهرم من حيث دخل بانيه. فهذا للمضى؛ لأن الاستقبال يناقض صحة المعنى؛ إذ لا يعقل أن يدخل بانيه فى المستقبل وقد مات منذ آلاف السنين... بخلاف: حيث سرت راقب الطريق لتأمن الخطر؛ فهو للمستقبل. أو وقع صلة؛ مثل: الذى أسس القاهرة هو: المعز لدين الله؛ فهذا للمضى، بخلاف: سيفرح الطلاب عقب ظهور النتيجة غدًا بنجاحهم إلا الذى رسب. فهذا للاستقبال لوجود كلمة: "غدا". أو وقع صفة لنكرة عامة، نحو: رُب عطاء بذلتُه للمحتاج فانشرحت نفسى. فهذا للمضى، - لوجود: رُبّ - بخلاف قوله عليه السلام: "نضّر الله امرَأ سمع مقالتى فوعاها، فأدّاها كما سمعها". فهذا للاستقبال أى: يسمع؛ لأنه ترغيب لمن أدرك الرسول فى أن يحفظ ما يسمعه منه ويؤديه... "ملاحظة": قد يراد من الزمن فى الفعل: "كان" الدوام والاستمرار الذى يعم الأزمنة الثلاثة، بشرط وجود قرينة تدل على هذا الشمول؛ نحو: كان الله غفورًا رحيما... هذا تفصيل حالات الزمن فى الفعل الماضى. * * * وأما علامات المضارعة فمنها: أن يُنصَب بناصب، أو يجزم بجازم، مثل: لم أُقصِّر فى أداء الواجب... ولن أتأخر عن معاونة البائس. ومنها: قبوله "السين"، أو: "سوف" فى أوله، مثل: سأزورك، أو: سوف أزورك . . و . .، ومثل قول الشاعر: *سيكثُر المالُ يومًا بعد قلَّته * ويكتسى العُودُ بعد اليُبْس بالوَرق*
فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه الفعل المضارع ولكنها لم تقبل علامته فليست بمضارع؛ وإنما هى: "اسم فعل مضارع"؛ مثل: "آه"، بمعنى: أتوجع شدة التوجع، "وأف" بمعنى: أتضجر كثيرًا. و"وَيْكَ" ماذا تفعل؟ بمعنى أعجبُ لك كثيرًا !! ماذا تفعل؟ أو: هى اسم مشتق بمعنى المضارع؛ مثل الطائرة مسافرة الآن أو غدًا. زيادة وتفصيل: (ا) للمضارع من ناحية الزمن أربع حالات؛ لا تتعين حالة منها إلا بشرط ألا تعارضها قرينة تعينها لحالة أخرى. الأولى: أن يصلح للحال والاستقبال إذا لم توجد قرينة تقيده بأحدهما، وتَقْصره عليه. وحين يصلح للحال والاستقبال يكون اعتباره للحال أرجح؛ لأن الزمن الماضى له صيغة خاصة تدل عليه، وللمستقبل صيغة خاصة أيضًا، (هى: الأمر)، وليس للحال صيغة تخصّه، فجعلت دلالته على الحال أرجح، عند تجرده من القرائن؛ جبرًا لما فاته من الاختصاص بصيغة مقصورة عليه (كما يقولون). هذا إلى أن اللفظ إن كان صالحًا للزمن الأقرب والزمن الأبعد؛ فالأقرب أوْلى، والحال أقرب من المستقبل؛ فهو أحقّ بالاتجاه إليه. فإن كان المضارع من أفعال المقاربة، مثل: "يكاد" فإنه يكون للزمن المستقبل، مع شدة قربه من الحال. الثانية: أن يتعين زمنه للحال، وذلك إذا اقترن بكلمة تفيد ذلك؛ مثل: كلمة: الآن، أو: الساعة، أو: حالا، أو: آنفا. أو: وقع خبرًا لفعل من أفعال الشروع؛ مثل: "طفق"، و "شرع"، وأخواتهما؛ ليساير زمنه معناها. أو: نُفى بالفعل: "ليس" أو بما يشبهها فى المعنى والعمل؛ مثل الحرف: "إن" أو: "ما"... فكل واحد من هذه العوامل التى تعمل عملها يشبهها أيضًا فى نفى الزمن الحالى عند الإطلاق... مثل: ليس يقوم محمد -، إنْ يخرجُ حليم -ما يقوم علىّ- أو دخل عليه لام ابتداء، مثل: إنّ الرجل الحقّ ليَحْسُنُ عملُهُ.
أو: وقع مع مرفوعه فى موضع نصب على الحال - فيكون زمنه حالاً بالنسبة لزمن عامله، فى الغالب -، مثل: أقبل الأخ يضْحك. وإذا دخلت "ما المصدرية الظرفية" على المضارع كان زمن المصدر المؤول للحال فى الغالب. الثالثة: أن يتعين زمنه للاستقبال؛ وذلك إذا اقترن بظرف من ظروف المستقبل؛ مثل "إذا..."، سواء أكان الظرف معمولا للمضارع، أم كان المضارع معمولا للظرف - بأن يكون الظرف مضافًا، والجملة من الفعل المضارع وفاعله هى المضاف إليه فى محل جر -؛ مثل: أزورك إذا تزورنى؛ فالفعلان المضارعان هنا للمستقبل، والأول منهما هو العامل الذى عمل النصب فى الظرف. "إذا" و "إذا" مضاف، وجملة المضارع مع فاعله بعدها فى محل جر مضاف إليه، فيكون المضارع الثانى مع فاعله معمولا للظرف. وكذلك يتعين للمستقبل إذا كان مسندًا إلى شىء متوقع حصوله فى المستقبل، مثل: يدخل الشهداء الجنة مع السابقين؛ إذ لا يعقل أن يكون زمن المضارع للحال، ومعناه - وهو دخول الجنة - فى المستقبل؛ لما يترتب عليه من سبق الفعل للفاعل فى الوجود والوقوع، وهو محال. أو: سبقته: "هل"، نحو: هل تقاطعُ مجالس السوء؟ وكذلك إذا اقتضى طلبًا؛ سواء أكان الطلب يفهم منه وحده، أم كان بمساعدة أداء أخرى؛ فالأول كقوله تعالى: {والوالداتُ يُرضِعْن أولادَهن}. فالله يطلب من الوالدات إرضاع أولادهن، وهذا لا يكون إلا فى المستقبل، ومثال الثانى قوله تعالى: {ليُنفِقْ ذُو سَعةٍ من سَعته}، وقوله: {ربنا لا تُؤَاخِذْنا..}، فإن طلب الإنفاق فى: {لينفق} وطلب عدم "المؤاخذة" فى: {لا تؤاخذنا}، مفهوم من المضارع، بمساعدة "اللام" و "لا". وزمن المعنى فى الفعلين هو المستقبل. إذ لا يمكن تحقيق ما تطلبه من غيرك وإنفاذه إلا فى المستقبل. أو: اقتضى وعدًا أو وعيدًا، كقوله تعالى: {يُعذّب مَنْ يشاءُ، ويَغْفرُ لمن يشاء} - لما سبق -، وقول الشاعر:
*من يُشعِلْ الحرب لا يأمنْ عواقبها * قد تُحرك النار يوماً موقِد النار* أو: صحب أداة توكيد؛ مثل: "نون التوكيد" الخفيفة أو الثقيلة؛ لأن التوكيد يليق بما لم يحصل، ويناسب ما لم يقع؛ نحو: أتُكْرِمَنْ صديقك؟ وهل تساعدنّ البائس؟ أو: لام القسم عند فريق من النحاة؛ لأنها فى معنى التوكيد؛ مثل: "والله لعَلى عملِك تُحَاسَبُ". ومثلها: "لا" النافية غير العاملة عمل: "ليس" عند ذلك الفريق؛ مثل: لا أترك الصديق فى مواقف الشدة. ويفهم من كل ما سبق أن الجوازم جميعها - ما عدا "لم، ولما" - تخلصه للاستقبال أو: أداة رجاء؛ مثل: لعل الغائب يحضُر. أو: أداة شرط وجزاء، سواء أكانت جازمة؛ نحو قوله تعالى: {إنْ تنْصُروا الله ينصرْكمُ}.... أم غير جازمة، ومنها "لو" و "كيف" الشَّرْطيتان، مثل: ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم لأسرع فى إهلاكهم. ومثل: كيف تصنعُ أصنعُ. أو: "حرف نصب" سواء أكان ظاهرًا أم مقدرًا. وقد اجتمعا فى قوله تعالى: {لن تنالوا البرّ حتى تُنفقوا مما تُحبون}. أو: "حرف تنفيس"، وهو: "السين" و "سوف"، وكلاهما لا يدخل إلا على المضارع المثبت، ويفيده التنفيس؛ أى: تخليص المضارع المثبت من الزمن الضيق، وهو: "زمن الحال"؛ - لأنه محدود -، إلى الزمن الواسع غير المحدود، وهو: "الاستقبال"، وهما فى هذا سواء، وَرَدَا معًا فى معنى واحد، كقوله تعالى: {كَلاّ سيعلمون ثم كلاّ سيعلمون}، وقول الشاعر: *وإنَّا سوف نَقهَرُ من يُعادِى * بحدّ البِيض تَلتَهب التهابا* وقول الآخر: *وما حالةٌ إلا سيصرَف حالُها * إلى حالة أخرى، وسوفَ تزولُ* إلا أن "سوف" تستعمل أحيانًا أكثر من "السين" حين يكون الزمن المستقبل أوسع امتدادًا؛ فتكون دالة على: "التَّسْويف" ثم هى تختص بقبول اللام: كقوله تعالى: {ولسوف يُعطيك ربك فترضى}، كما تختص بجواز الفصل بينها وبين المضارع الذى تدخل عليه بفعل آخر من أفعال الإلغاء؛ نحو:
وما أدرى، وسوف - إخالُ - أدرِى * أقومٌ آلُ حِصْن أمْ نساءُ* والأمران ممتنعان فى "السين" لدى جمهرة النحاة ... كما أن "السين" تختص بمعنى لا تؤديه "سوف"، فالعرب إذا أرادت تكرار الفعل وتأكيد وعدم التنفيس فيه (أى: عدم جعله للمستقبل البعيد) أدخلت عليه السين، ومنه قول الشاعر: *سأشكرُ عمْرًا ما تراختْ مَنيتى * أيادَى لم تُمْنَنْ وإنْ هىَ جَلَّت* الرابعة: أن ينصرف زمنه للمضى؛ وذلك إذا سبقته "لم"، أو: "لما". الجازمتين. مثل: قوله تعالى عن نفسه: {لم يلدْ، ولم يُولدْ، ولم يكنْ له كُفُوًا أحَدٌ)، وقول الشاعر: *لَم يَمُتْ مَنْ له أثَرْ * وحياةٌ من السِيَرْ* فزمن المضارع هنا ماضٍ. ومثل: لما يحضْر ضيفنا. أما فى مثل: *إذا أنتَ لم تَحْمِ القديمَ بحادثٍ * من المجْدِ لم ينْفَعْكَ ما كانَ من قَبْلُ* فزمن المضارعَيْن هنا ماض، بسبب وقوعهما بعد "لَمْ" قبل مجئ "إذا" الشرطيَّة، ثم صار مستقبلا محضا بعد مجيئها - طبقًا لما سَلف. أو: "إذا"؛ نحو: أطربنى كلامك؛ إذ تقول للغنىّ: تصَدقْ، بمعنى: قُلتَ. أو: "ربما"، نحو: فاتنى القطار فتألمت؛ فأدركنى صديق بسيارته، فوصلنا قبل القطار؛ فالحمد لله؛ رُبما أكره الأمر وفيه خيرى ونفعى، أى: ربما كرهت. أو: "قد" التى تفيد التقليل بقرينَة؛ كأن تقول لمن حملك على السفر كرْهًا: قد أسافر مُكرهًا؛ فماذا عليك لو تركتنى بعيدًا عن المشقة التى صادفتها؟ بخلاف "قد" التى للتكثير.
أو: وقع المضارع مع مرفوعه خبرًا فى باب "كان" وأخواتها الناسخة، إذا وقع الناسخ فى هذا الباب بصيغة الماضى، ولم توجد قرينة تصرف زمنه عن المضى إلى زمن آخر؛ مثل: كان سائق السيارة يترفق بركابها حتى وصلوا... أى: ترَفقَ. ولا يدخل فى هذا ما عرفناه من النواسخ التى تدل على "الحال" فقط؛ كأفعال الشروع - مثل: طفق، وشرع - أو التى تدل على "الاستقبال" فقط؛ كأفعال الرجاء. وسيجئ البيان فى الباب الخاص بهما وهو: باب "أفعال المقاربة". * * * ملاحظة: إذا عطف فعل مضارع على نظيره فإن الفعل المعطوف يتبع حكم الفعل المعطوف عليه فى أمور، يتصل منها بموضوعنا: "الزمن" فيكون المعطوف مثله؛ إما للحال فقط، أو للمستقبل فقط، أو للماضى فقط، أو صالحًا للحال والاستقبال... فكل ذلك يجرى فى المضارع المعطوف؟ تبعًا لنظيره المعطوف عليه حتما؛ لوجوب اتحاد الفعلين المتعاطفين فى الزمان. فإذا قلت: أسمعُ الآن كلامك؛ وأبصرُك، كان زمن الفعل "أبْصر" للحال، كزمن المعطوف عليه؛ وهو أسمع؛ لوجود كلمة: "الآن"، التى تَقْصِره على الحال. وإذا قلت: إن يعتدل الجو أطرَبْ، وأخرجْ للرياضة - فإن الفعل: "أخرج" للمستقبل فقط؛ لعطفه على: "أطرَبْ" المقصور على المستقبل، لأنه جواب شرط جازم؛ وزمن الجواب مستقبل، كما عرفنا. وإذا قلت؛ لم تتأخر عن ميعادك، وتؤلمْ صاحبك.. فإن الفعل: "تؤلم" هو للماضى فقط، تبعًا للمعطوف عليه: "تتأخر"، الذى جعلته "لم" للزمن الماضى وحده. وإذا قلت: يكتب حامد ويتحرك، فالفعل المضارع "يتحرك" صالح للحال والاستقبال، تبعًا للفعل: يكتب. على أن ما سبق ليس مقصورًا على عطف المضارع على نظيره، وإنما يشمل عطف المضارع على الماضى؛ كقوله تعالى: {ألم تر أن اللهَ أنزلَ من السماء ماء فتصبح الأرضُ مخْضرة} أى: فأصبحت. وقد يكون المعطوف عليه تابعًا فى زمنه للمعطوف، بسبب قرينة تدعو لذلك؛ كقول الشاعر:
*ولقد أمَرُّ على اللئيم يَسبُّنى * فمضَيت، ثُمَّتَ قلت: لا يَعنينى* أى: مررت. * * * وأما علامة الأمر فهى: أن يدل بصيغته على طلب شىء، مع قبوله ياء المخاطبة. فلا بد من الأمرين معًا؛ أى: أن علامته مزدوِجة؛ مثل: ساعدْ من يحتاج للمساعدة، وتكلمْ بالحق، واحرصْ على إنجاز عملك. وتقول: ساعدى.. وتكلمى... واحرصى... ومن الأمثلة قوله تعالى للرسول الكريم: {خُذِ العفْو، وأمُرْ بالعُرْف، وأعْرِضْ عن الجاهلين} - وتقول: خُذى... -وأمْرى... -وأعْرِضِى... ومن فعل الأمر كلمة: "هاتِ" و : "تعالَ" لقبولهما علامته. تقول: هاتى يا شاعرة ما نَظمتِ، وتعالىْ نقرؤه. فإن دلت الكلمة على ما يدل عليه فعل الأمر ولكنها لم تقبل علامته فليست بفعل أمر؛ وإنما هى: "اسم فعل أمر"؛ مثل: "صَهْ"، بمعنى: اسكت. و"مَهْ" بمعنى: اترك ما أنت فيه الآن، و "نَزَالِ" بمعنى: انزلْ. و "حيَّهَلْ" بمعنى: أقبلْ علينا. وهناك علامتان مشتركتان بين المضارع والأمر. الأولى: نون التوكيد خفيفة وثقيلة، فى نحو؛ والله لأجْتهدَنْ. واجتهدنَ يا صديقى... بتشديد النون أو تخفيفها فى كل فعل. الثانية: ياء المخاطبة، مثل: أنت يا زميلتى تُحْسنين أداء الواجب، ومؤاساة المحتاجين؛ فداومى على ذلك. فقد اتصلت ياء المخاطبة بآخر المضارع؛ وهو: "تحسنين" وآخر الأمر؛ وهو: دوامى... زيادة وتفصيل: زمن الأمر مستقبل فى أكثر حالاته؛ لأنه مطلوب به حصول ما لم يحصل، أو دوام ما هو حاصل. فمثال الأول: سافرْ زمن الصيف إلى الشواطئ. ومثال الثانى قوله تعالى: {يا أيها النبى اتقِ الله...} لأن النبى لا يترك التقوى مطلقًا. فإذا أمِر بها كان المراد الاستمرار عليها.
وقد يكون الزمن فى الأمر للماضى إذا أريد من الأمر الخبر، كأن يصف جندى بعد الحرب موقعة شارك فيها، ؛ فيقول: صرعت كثيرًا من الأعداء. فتجيبه: "اُقتُلِ ولا لوم عليك... وافْتِك بهم؛ فإن الله معك"... فالأمر هنا بمعنى: قتلتَ وفتكتَ... والمعوّل عليه فى ذلك هو: القرائن، فلها الاعتبار الأول دائمًا فى هذه المسألة، وغيرها.
المصدر:كتاب النحو الوافى الموضوع : الفعل وأقسامه المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya |
|