بَعِيرٌ يشكو .. وذِئبٌ يشهد
من المعجزات والآيات التي أُعطاها الله نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ تأييداً لدعوته، وإكراماً له، وإعلاءً لقدره، شكوى الحيوان إليه، وشهادته بالنبوة له ـ صلى الله عليه وسلم ـ، الأمر الذي ترك أثره في النفوس، ولفت انتباه أصحابها نحو دعوته التي جاء بها ..
نعم لقد شكا الجمل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وشهد الذئب بنبوته ورسالته، إنها آيات ومعجزات للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ حدثت له في حياته، ورآها أصحابه، وثبتت في صحيح الأخبار، فيجب تصديقها والإيمان بها ..
شكوى البعير
لقد سجد البعير وشكى ـ رغم ما يُعرف من شدته ـ لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إيماناً به، وإقراراً ببعثته، وبياناً لعلو قَدْره ومنزلته ..
فعن أنس ـ رضي الله ـ عنه ـ قال: ( كان أهل بيت من الأنصار، لهم جمل يَسْنون(يسقون) عليه، وإن الجمل استصعب عليهم، فمنعهم ظهره، وإن الأنصار جاؤوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقالوا : إنه كان لنا جمل نسني عليه، وإنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه: قوموا، فقاموا، فدخل الحائط (البستان)والجمل في ناحية، فمشى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نحوه، فقالت الأنصار: يا رسول الله، إنه قد صار مثل الكَلْب الكَلِب(داء يصيب الكلب)، وإنا نخاف عليك صولته، فقال: ليس علي منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقبل نحوه حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بناصيته، أذل ما كانت قَطُّ ، حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله، هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن نعقل، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده، لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة، تنبجس (تتفجر) بالقيح والصديد، ثم استقبلته فلحسته، ما أدت حقه )( أحمد ).
وعن عبد الله بن جعفر ـ رضي الله عنهما ـ قال: ( أردفني(حملني) رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذات يوم خلفه، فأسر إلى حديثا لا أخبر به أحدا أبدا، وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل(مجموعة)، فدخل يوما حائطا(بستانا)من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر وذرفت عيناه، قال بَهْز وعفان : فلما رأى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ حَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سَرَاته وذِفْراه(ظهره وأذنيه) فسكن، فقال: من صاحب الجمل؟، فجاء فتى من الأنصار فقال: هو لي يا رسول الله، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ أما تتقى الله في هذه البهيمة التي ملككها الله، إنه شكا إلىَّ أنك تجيعه وتدئبه(تتعبه) )( أحمد )..
شهادة الذئب
من عجيب المعجزات والأخبار أن الله ـ عز وجل ـ أنطق الذئب فتكلم وأقر بنبوة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بل ودعا الناس إلى الإيمان به ..
فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: ( عدا الذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعَى الذئب على ذَنَبِه(ذيله)، وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ؟، فقال: يا عجبي! ذئبٌ مقع على ذَنَبِه يكلمني بكلام الإنس؟ فقال الذئبُ: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟: محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق . قال: فأقبل الراعي يسوقُ غنمهُ حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره . فأمر رسول الله فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم . فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ(طرف)، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، ويخبره فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أهلهُ بعده ) ( أحمد ) ..
وفي رواية أخرى من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عندما كلم الذئب راعي الغنم فقال الرجل: ( .. تالله إنْ رأيتُ كاليوم ذئبا يتكلم، قال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين(المدينة) يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم . وكان الرجل يهوديا فجاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأسلم وخبَّرَه، فصدقه النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ .. ) ( أحمد ).
فسبحان من أنطق لنبيه الحيوان، فجعله شاهدا على صدقه، ودليلا من دلائل نبوته، ومعجزة من معجزاته، تزيد القلوب تعظيما وتوقيرا واتباعا له ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
[b]