على كل ؛ هذه الآية إذا أردنا أن نفسرها في ضوء المعطيات الحديثة ، وفي ضوء العلم الحديث في بعض النظريات الحديثة جداً في الفيزياء ، إشارة إلى أن الطاقة يمكن أن تتحول إلى ضوء ، وأن الضوء أساسه المادة ، لذلك هذه المواد المشعة إذا استمرت في إشعاعها تنقص كتلتها ، فالجسم إذا سار بسرعة الضوء صار ضوءًا ، والذي يعرفه الطلاب الذين يدرسون الفيزياء والكيمياء أن المادة مؤلفة من نواة ، ومن كهارب ، فإذا حطمت كانت إشعاع ، وهذا الإشعاع يستهلك كتلة المادة ، فالمادة يمكن أن تكون نورا ، فهذا الكون العظيم هو من خلق الله عز وجل ، هو من نور الله عز وجل .
لذلك : ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[، هذه النظرية النسبية التي تقول : إن الزمن هو البعد الرابع للأشياء تعني أن الزمن له علاقة بالحركة ، والحركة إذا زادت عن حد معين تجعل هذا الجسم نورا صرفا ، لذلك يكون نور الكون كله مبعثه نور الله عز وجل ، فهذه الآية يمكن أن تفسر في ضوء المعطيات العلمية الحديثة بشكل دقيق جدا على شيء مبسط ، مصباح الزيت ، هذا الزيت يصبح في النهاية نورا ، فتيل الزيت يضيء ، ويبدد الظلام على حساب هذه الكمية من الزيت ، فإذا انتهى الزيت انتهى النور ، كيف تحولت هذه الكمية من الزيت إلى نور؟
إذا قلنا: ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[، أي أن الله سبحانه وتعالى هو موجد السماوات والأرض ، وهو منور السماوات والأرض ، لكن الآية في بعض معانيها تشير إلى أن العلم نور ، أي أن الإنسان أحيانا حينما يجري عملية جراحية الطبيب يكون قد درس دراسة مفصلة كل مراحل العملية ، كيف يخدر المريض ، كيف يفتح البطن ، كيف يغلق الشرايين ، كيف يبدأ بشق المكان ، كيف يستأصل المنطقة المرضية ، فهذه المراحل الدقيقة التي يجريها الطبيب كيف عرفها ؟ بالعلم فكأن العلم الذي تعلمه نور يكشف له طريقه في إجراء العملية ، لذلك قالوا : العلم نور ، فالإنسان العالم مستنير ، هذه المعاني كلها بدءًا من المعاني المادية ، إلى المعاني المجازية ، إلى تلك المعاني الروحية كلها آيات دالة على ذاته ، وعلى وحدانيته ، وعلى أسمائه الحسنى ، وعلى آياته الفضلى ، فكأن الآيات الكونية والقرآنية بشكل أو بآخر نور أنزله الله في الإنسان ، الإنسان لولا النور الإلهي كيف يهتدي ، وكيف ينطلق في طريقه ، وكيف يعرف الخير خيرا ، والشر شرا .
يقول ربنا سبحانه وتعالى : ]أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[.(سورة الأنعام : الآية 122)كان ميتا ، والله الذي لا إله إلا هو هذا الذي لا يعرف الله عز وجل ، ولا يتصل به هذا في حكم الميت ، وفي هذا يقول بعض الشعراء :
ليس من مات فاستراح بميت إنما الميت ميت الأحياء
هذا الذي يمتلأ حيوية ونشاطا ، ولكنه مقطوع عن الله عز وجل ، هذا في حكم الميت ،لذلك سيدنا علي يقول : (يا بني العلم خير من المال ، فإن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، مات خزان المال ، وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة)[حلية الأولياء (1/79-80)]
إذا العلم هو الذي يشيع في الحياة السعادة ، بسبب أن العالم مستنير بنور الله ، يفعل ما أمر الله ، ويجتنب ما نهى عنه الله ، وبذلك يقبل عليه فيسعد ، فعلى كل مسلم أن يكون عالماً بأوامر الله ، ونواهيه ، بحكمته ، بقرآنه ، بتفسير كتابه ، بأحكام شرعه ، وهكذا ، ]أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا].(سورة الأنعام : من الآية 122)
وفي آية أخرى يقول الله عز وجل : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا[ .(سورة الأنفال : من الآية 29)
والفرقان نور تفرقون به الخير من الشر ، وفي آية أخيرة في الآيات التي تتبع هذه الآية : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ[ .(سورة الحديد : من الآية 28)
أيْ في الدنيا ، وكفل في الآخرة ، يضمن لكم دنيا تسعدون بها ، ويضمن لكم آخرة تسعدون بها إلى الأبد ، ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ[، فالذي يعرف الله عز وجل يعرفه عن طريق الاتصال به ، ويعرفه من خلال شرعه ، هذا له في كل مقام موقف ، له في كل عرض موقف ، له مع كل ضغط موقف ، له مع كل إغراء موقف ، له في علاقته موقف ، هذا الموقف نابع من رؤيته الصحيحة التي تنور بها من قبل الله عز وجل ، أحيانا يقولون : فلان نور الحي ، أي كل من زاره ، وعرض عليه مشكلة أشار عليه بالخير ، ووجهه الوجهة الصحيحة ، ودلّه على الطريق الصحيح ، علمه الحكمة البالغة ، فهذا الإنسان بوعيه ، وإدراكه ، واستنارة قلبه ، واتزانه ، واتصاله بالله عز وجل صار في هذا الحي نورا .
لذلك الأنبياء نوروا مجتمعاتهم بالحق ، والفضيلة ، والمنهج ، والله سبحانه وتعالى منبع هذا النور ، ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[، موضوع النور الإلهي ربما يأتي في آيات كثيرة مقترنا بتقوى الله سبحانه وتعالى يقول : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ .(سورة البقرة : الآية 183)
الآن آيات التقوى لها علاقة وشيجة بآية النور ، متى يتقي الإنسان ؟ متى يتقي الخطأ ؟ متى يتقي الشر ؟ متى يتقي المعصية ؟ متى يتقي الموقف اللاأخلاقي ؟ متى يتقي ألا يأكل ما ليس له ؟ متى يتقي أن يعتدي على أعراض الناس ؟ متى يتقي ذلك ؟ إذا كان مستنيرا ، لذلك أكثر آيات التقوى تقترن بآيات النور ، فالصيام من أجل التقوى : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ .(سورة البقرة : الآية 183)
الآن نحن بحاجة إلى بيان مراحل دقيقة لوصول الإنسان لهذا النور، الإنسان في الأساس كائن فيه شهوات ، وفيه رغبات ، وفيه مطامح ، وفيه صراعات ، وفيه دوافع ، وفيه حوافز ، الإنسان أعقد ما في الكون ، أودع الله فيه شهوة جنسية ، وفي الطريق نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات ، وظروف الزنى متاحة ، والظروف متاحة لأي انحراف أخلاقي ، ويوجد اختلاط ، وأودع في نفسه حب المال ، ويوجد أموال ، يمكن أن تؤكل حراما ، ويمكن أن تؤخذ عدوانا ، يمكن أن تؤخذ اختلاسا ، يمكن أن تؤخذ سرقة ، يمكن أن تؤخذ غشا وخداعا ، فأودع فيه حب المال وحب المرأة ، والمرأة والمال متاحان للناس ، فكيف يستطيع الإنسان أن يتقي الله ؟ كيف يستطيع أن يقاوم هذه الإغراءات ؟ وكيف يستطيع أن يستجيب لله خالق السموات والأرض ؟ الأساس في اكتساب هذا النور أن ينهج الإنسان المنهج التالي :
أولا: لابد أن يفكر في خلق السموات والأرض ، لأنه إذا فكر في خلق السموات والأرض ، وتوصل من خلال البحث الدقيق البحث الذاتي إلى أن لهذا الكون خالقا عظيما ، ربنا عز وجل يأمرنا ، ويقول : ]انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ[ .(سورة يونس : الآية 101)
ويقول: ]فَلْيَنْظُرْ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ[.(سورة عبس : الآية 24)
ويقول : ]فَلْيَنظُرْ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ*خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ[ .(سورة الطارق : الآيات 5-6)
ويقول : [أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ*وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ*وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ*وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ].(سورة الغاشية : الآيات 17-20)
هذا النظر ، وهذا التدقيق ، وهذا التأمل ، وهذا التفكر في خلق الإنسان ، في أعضائه ، في أجهزته ، في يديه ، في رجليه ، في سمعه ، في بصره ، في أنفه ، في دماغه ، في معدته في أمعائه ، لو فكر الإنسان في المريء ، فقط لو أن الإنسان علق من رجليه ، وأُعطي كأسا من الماء ، وشربه يصعد الماء نحو الأعلى بخلاف الجاذبية ، كيف أن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في أحسن تقويم ، كيف أنه سبحانه وتعالى زود المريء بعضلات دائرية ، تنقبض تباعا ، حيث تنقل الطعام والشراب إلى الأعلى ، فيما لو كان الإنسان متجها نحو الأسفل ، أليست هذه آية ؟ أليس هذا البلعوم الذي يعمل ثمانين عاما دون كلل أو ملل ، ليلا ونهارا ، يغلق الطريق بإحكام ، يغلق المريء بإحكام في أثناء التنفس ، هذا التفكر ينقله بالتدريج إلى قناعة تامة أكيدة قطيعة إلى أن لهذا الكون إلها عظيما ، الإنسان يسأل هذا السؤال : هذا الإله العظيم الذي خلق الكون لماذا خلقه ؟ بعضهم يقول : خلقنا ليعذبنا ، وهذا محض افتراء على الله عز وجل الله ، وهو الذي يقول : [إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ].(سورة هود : من الآية 119)
الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليرحمه ويسعده ، فالإنسان إذا توصل من خلال بحث دقيق ذاتي إلى أن لهذا الكون إلها عظيما ، له أسماء حسنى ، وصفات فضلى ، فلابد أن يسأل هذا السؤال : لماذا خلقنا الله عز وجل ؟ إذا عرفت من خلال التأمل ، ومن خلال القرآن الكريم أن الله سبحانه وتعالى خلقك ليسعدك ، وما جاء بك إلى هذه الدنيا إلا لتستعد بدخول جنة عرضها السموات والأرض ، عندها تعرف طبيعة الحياة الدنيا ، وتعرف أن لهذا الإله العظيم شرعاً لابد أن تطبقه ، فإن طبقته شعرت بثقة عارمة أن الله راض عنك ، فإن شعرت أن الله راض عنك أقبلت عليه ، فإن أقبلت عليه ألقى في قلبك نورًا ، فكان هذا النور فرقانًا لك بين الحق والباطل ، والخير والشر ، وهذا النور الذي وصفه النبي بقوله :((...الصَّلاَةُ نُورٌ...)) .
يأتيك في أثناء الصلاة ، فكلما استقمت قبل الصلاة ، وأحكمت علاقتك مع غيرك قبل الصلاة جاءت الصلاة عروجا للمؤمن ، فالله سبحانه وتعالى جعل الصلاة قرباً ، يقول تعالى : [كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ].(سورة العلق : الآية 19)
وجعل الصلاة ذكرا : ]وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي[ .(سورة طه : من الآية 14)
وجعل الصلاة وعيا ، قال تعالى : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[ .(سورة النساء : من الآية 43).
وجعل الصلاة مناجاة ،فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى)).[البخاري(508)]
وجعل الصلاة عروجا ، قال عليه الصلاة والسلام : ((الصَّلاَةُ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِنِ)) .[شرح سنن ابن ماجه(1/313)]
الصلاة هي الفرض الإسلامي الذي لا يسقط ، بخلاف حال الصيام ، فقد يسقط عن المريض أو المسافر ، والحج قد يسقط على من لا يستطيع ، والزكاة تسقط على من لا يملك النصاب ، ولكن الصلاة لا تسقط بحال ، لذلك قالوا : الصيام من أجل الصلاة ، والحج من أجل الصلاة ، والزكاة من أجل الصلاة ، والصلاة من أجل الصلاة ، والصلاة من أجل أن يقذف الله في قلبك نورًا ترى به الخير خيرا ، والشر شرا ، والصلاة من أجل أن يكون الله نور السموات والأرض ، أن يكون لك نور تهتدي بهديه ، لأن الشيطان ينقل الإنسان من النور إلى الظلمات ، لكن الرحمن سبحانه وتعالى ينقل الإنسان من الظلمات إلى النور .
لذلك فالإنسان حينما يجلس مع ربه جلسة ، ويفكر في خلق السموات والأرض تمتلئ نفسه عظمةً لله عز وجل ، وخشية له ، وتوقيراً لجنابه ، عندئذ تندفع إلى طاعته ، وتطبيق أمره ، والبعد عن نهيه ، إذا أطعته ، وطبقت أمره ، وابتعدت عن نهيه أقبلت عليه ، فإذا أقبلت عليه قذف الله في هذه النفس نورًا ، وهذه حقيقة التقوى .
لذلك يقول ربنا سبحانه وتعالى : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ].(سورة الحشر: من الآية 18)أي أن التقوى مرتبة فوق الإيمان ، بل إن الإيمان درجات : [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ].[النساء: من الآية 136]]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ[ ، والتقوى درجات ، قال عزوجل : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ] .(سورة آل عمران : الآية 102)هذه الآية التي جاءت في سورة النور هي القرآن كله ، لأن القرآن كله نور ، في هذا البيان بيان خلق السموات والأرض ، وتوجيه الإنسان إلى بعض الحقائق ، بيان ما حل بالأقوام السابقة ، بيان ما سيكون مما أنبأ به القرآن الكريم ، رسم المنهج الدقيق في العلاقات الاجتماعية ، أحكام البيوع ، أحكام الزواج ، أحكام الطلاق ، أحكام الميراث ، هذا القرآن كله نور ، بمعنى أنه علم ، وإذا أقبلت على الله عز وجل قذف الله في قلبك نورًا ، النور الإلهي الذي تفرق به بين الخير والشر ، لذلك كانت هذه الآية التي في سورة النور : ]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ[.فإما أن تكون على شيء من نور إلهي يهديك سواء السبيل ، وإما أن يكون الإنسان ضالا مضل .
أيها الإخوة الأكارم ، الإنسان عنده شرع ، ونور في قلبه ، لو فرضنا أن النور لم يكن متألقا كما يجب ، فهناك حدود حدها الإسلام ، حينما يدرس الإنسان الشريعة يعرف أن هذا حلال ، وهذا حرام ، هذا واجب هذا فرض ، هذا مندوب ، هذا مستحب ، هذا مكروه ، فكل شيء في الأرض لابد أن ينطبق عليه حكم من الأحكام الشرعية ، فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل نشأت عنده أذواق ، وهذه الأذواق تتطابق مع أحكام الشرع ، وما ينهى عنه الشرع يترفع المؤمن عنه ، يترفع من باب أن الله عز وجل ألقى في قلبه النور ، فرأى ما فيه من انحراف ، وانحطاط ، ترفع عنه ، فأنت إما أن تنصاع للشرع ، وتعرف أحكامه التفصيلية ، وإما أن تقبل على الله عز وجل فيلقي في قلبك النور ، هذا الشيء مجرب ، فالإنسان أحيانا يبتعد عن شيء ، ولم يبلغ علمه أن هذا الشيء محرم ، ولكن من قبيل الذوق والنور الذي ألقاه الله في قلبه لذلك عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ : إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)) ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ قَالَ لِلْمُتَفَرِّسِينَ.[الترمذي(3127)]
نحن هذا الذي يلقيه الله في قلب الإنسان لابد أن يقابله شرع منضبط تمام الانضباط ، الشيء الذي تحبه إذا كنت مستنيرا يؤكده الشرع ، والشيء الذي تكرهه إذا كنت مستنيرا يؤكده الشرع ، إذاً هناك شرع فيه تقنين لكل العلاقات ، وكل الحالات ، وهناك اتصال بالله عز وجل ، هذا الاتصال إذا تكامل بالاتصال مع العلم بحقيقة الشرع كان الإنسان قد جمع المجد من طرفيه .
على كل ، نحن نريد في هذه الآية أن يكون للإنسان صلة بالله عز وجل ، هذه الصلة لا يعرفها إلا من ذاقها ، بالاتصال بالله تكون في عين الله ، أنت في حفظ الله ، أنت في رعاية الله ، وكأن الله سبحانه وتعالى ينور لك الطريق فترى به ملابسات هذه الطريق ، ويمحو به وحشة الحياة ...
]اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ[، ما هي المشكاة ؟ هي كوة في حائط ، وبعضهم قال : هي كصدر المؤمن ، كوة في حائط ، كوة غير نافذة ، النافذة نافذة ، لكن المشكاة نافذة غير نافذة ، يعني كوة ، أيْ حفرة في حائط ، وبعض علماء التفسير قالوا : هي صدر المؤمن ، ]مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ[، فيها مصباح متألق ، هذا المصباح في زجاجة ، هذه الزجاجة كأنها كوكب دري .
وفي درس قادم إن شاء الله تعالى سوف نفصل في هذا التشبيه الرائع الذي مثل الله نوره ، وهو في صدر المؤمن ، كأنه كوكب دري ، يوقد من شجرة مباركة ، زيتونة لا شرقية ولا غربية ، وماذا يعني ربنا سبحانه وتعالى بأن هذه الشجرة لا شرقية ولا غربية ، هذا أيضا نتناوله في درس قادم إن شاء الله تعالى .
والحمد لله رب العالمين
~~~~~~~~~~~~~~~~
اللهم اجعل في قلوبنا نورا وفي لساننا نورا وفي سمعنا نورا وفي بصرنا نورا
واجعل من فوقنا نورا ومن تحتنا نورا ومن خلفنا نورا ومن أمامنا نورا
وعن يميننا نورا وعن شمالنا نورا وأعظم لنا نورا
اللهم آميــــــــــــــــن
~~~~~~~~~~~~~
الموضوع : * الله نور * افتح قلبك لهذا النور ،، المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: د-محمد سالم توقيع العضو/ه:د-محمد سالم |
|