هذا هو نعيم بن مسعود رضي الله عن نعيم، ذلكم الفدائي البطل الذي جاء للمصطفى في وقت عصيب رهيب كادت القلوب أن تخرج من الصدور في غزوة الأحزاب، أحاط المشركون بالمدينة من كل ناحية من حول الخندق و في لحظات حرجة قاسية نقض يهود بني قريظة العهد مع رسول الله وشكلوا تهديداً داخلياً خطيراً على النساء و الأطفال و تعاهدوا مع المشركين أن يحاربوا محمداً معهم و هذا هو فعل اليهود و هذه هي صفة اليهود… اليهود لا يجيدون إلا غدر و نقض العهود… نقضوا العهد مع رسول الله في وقت حرج، و لك أن تتصور الحالة النفسية التي مر بها المصطفى مع أصحابة و قد وصفها الله في القرآن وصفاً دقيقاً بليغا .. تدبر معي قول الله في هذه الحالة " و إذ زاغت الأبصار و بلغت القلوب الحناجر و تظنون بالله الظنونا هنالك ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالاً شديدا و إذ يقول المنافقون و الذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا" تصور هذه الحالة من الصف مع رسول الله من يقول ما وعدنا الله و رسوله إلا غرورا!! …
المشركون يحيطون بنا و اليهود نقضوا العهد و سيدمروننا من الداخل و يقتلون نسائنا و أطفالنا .. حالة قاسية حتى قام المصطفى ليتضرع إلى الله …اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم و زلزلهم… تصور معي هذه الحالة و في هذا الوقت الحرج جاء نعيم بن مسعود رضي الله عنه! … لماذا ؟ أقبل على النبي و النبي يصلي بين المغرب و العشاء فالتفت إليه المصطفى و قال ما جاء بك يا نعيم ؟!
قال: جئت أشهد ألا إله إلا الله و انك رسول الله و أن ما جئت به هو الحق!!!…. ابسط إلي يدك لأبايعك يا رسول الله فبايعه المصطفى و شهد نعيم شهادة التوحيد و على الفور في التو و اللحظة قال نعيم : يا رسول الله مرني بما شئت!! فوالله لا تأمرني بشيء إلا قضيته فإنه لا يعلم أحد من القوم بإسلامي ، فقال له النبي يا نعيم : إنما أنت فينا رجل واحد فخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة…. فانطلق نعيم ، لم يضع النبي له تفاصيل خطة!.. لا… بل أمره أمراً عاما: خذل عنا ما استطعت، و انطلق نعيم الذي استشعر مسئوليته تجاه هذا الدين ، الرجل في مأزق! ، في فتنة الإسلام يتعرض لخطر، فلماذا لا أبذل؟!.. لماذا لا أقدم؟!… فكر هذا الفدائي الذي لم تمض عليه إلا دقائق في دين الله، و لكنه يستشعر مسئوليته في دين الله… الأحزاب يحيطون بالمدينة و رسول الله في فتنة خطيرة.. فليبذل دمه.. فليبذل روحه.. ــ و ها أنتم ترون الآن الإسلام و المسلمين في محنة و لكن منا والله من لا يفكر في أن يبذل شيئاً لدين الله لا في ليل أو نهار!!.. حتى لو دعونا الناس لمجرد الإنفاق ترى التقاعس ! هذا مسجد مثلأً لله جل و علا ترون فيه الطابق الثاني منذ متى و نحن نشيده؟ منذ متى و نحن ندعو لتشييده و بنائه و الناس يقفون الآن في الشمس! و مع ذلك سيسمع كثير منا هذا اللقاء و في جيبه الأموال من فضل الله و سيمضي و لن يساهم ولو بالقليل و كأن الأمر لا يعنيه! .. لماذا ؟.. لأن قضية العمل لهذا الدين أصبحت تتمثل في حسه في الخطبة و المحاضرة و الندوة هذا هو العمل لدين الله … لا أبداً لا ينتهي العمل لدين الله عند خطبة الجمعة أو عند محاضرة لشيخ أو عند ندوة لعالم بل إن الدين يحتاج إلى كل جهد و لو كان هذا الجهد قليلا ــ …. نعيم بن مسعود انطلق يفكر كيف يعمل لدين الله؟…
فتدبروا معي يا شباب حتى لا يأتي شاب يقول ماذا أفعل! … ما دوري ؟…لا مانع من أن تستأنس و أن تسأل إن استشكلت عليك مسالة لكن فكر لدين الله كيف تعمل.. كيف تبذل ، انطلق نعيم إلى يهود بني قريظة فقال : لقد جئتكم أبذل لكم النصيحة، فاكتموا عني!، فقالوا قل يا نعيم ، قال : تعلمون ما بيني و بينكم ، قالوا : لست عندنا بمتهم و أنت عندنا على ما نحب من الصدق و البر فقال نعيم : إن أمر هذا الرجل بلاء ـ يقصد النبي عليه الصلاة و السلام فقد استحل نعيم من رسول الله أن يقول ما شاء ،فقال له المصطفى قل! فأنت في حل ـ فقال : أنتم ترون يا يهود بني قريظة ما فعل بيهود بني قينقاع و بني النضير و لستم كقريش و كغطفان فإن قريشاً و غطفان قد جاءوا من بلادهم و نزلوا حول المدينة فإن رأوا فرصة إنتهشوها و إن كانت الأخرى عادوا إلى بلادهم و ديارهم و أموالهم و انفرد بكم محمد ليفعل بكم ما فعل بيهود بني قينقاع و بني النضير، فأنا جئت لكم اليوم أبذل لكم النصيحة، قالوا : ما هي يا نعيم ، قال : لا تقاتلوا مع قريش و غطفان حتى تأخذوا سبعين رجلاً من أشرافهم! تستوثقون به منهم أنهم لن يبرحوا المدينة حتى يقتلوا محمدا و حتى يريحوكم من شره … قالوا: نعم الرأي يا نعيم، قال : اكتموا عني هذا فإني ناصح لكم، قالوا: نفعل… فتركهم نعيم الفدائي البطل و ذهب إلى قائد جيوش الشرك أبي سفيان، وقال: يا أبا سفيان تعلم الود الذي بيني و بينك، قال: نعم يا نعيم، قال: لقد جئتك الآن بنصيحة، قال ابذلها ، قال : ألا تعلم يا أبا سفيان أن يهود بني قريظة قد ندموا على نقدهم للعهد مع محمد بن عبد الله و ذهبوا إليه و قالوا أننا لا نقاتل مع قريش ضدك و لنثبت لك صدقنا سوف نرسل لك سبعين رجلاً من أشراف قريش و غطفان لتقتلهم لتعلم أننا ندمنا على نقضنا للعهد معك ؟…ففزع أبو سفيان ، فقال نعيم : إياك أن تسلم اليهود رجلاً واحداً من أشرافكم قال : أفعل يا نعيم… و شكر له هذه النصيحة الغالية و تركهم و ذهب إلى غطفان و قال لهم مثلما قال لأبي سفيان و في الوقت ذاته أرسل اليهود إلى قريش و غطفان ليقولوا لهم: ادفعوا لنا سبعين رجلاً من أشرافكم لنستوثق بهم أنكم لن تبرحوا المدينة حتى تقاتلوا معنا محمدا و لن تدعونا لينفرد محمد بقتالنا!.. فقالت قريش و غطفان صدق والله نعيم، كذب اليهود عليهم لعائن الله… و لما رفض القرشيون أن يسلموا اليهود الأشراف و عاد الرسل لليهود قالوا صدق والله نعيم! إنهم يريدون أن ينصرفوا لينفرد محمد بقتالنا… فخذل الله عز و جل بين قريش و غطفان و بين اليهود على يد نعيم بن مسعود رضي الله عنه.. و يئس هؤلاء من نصر هؤلاء و يئس هؤلاء من نصر هؤلاء و استراح قلب النبي داخل المدينة لأن اليهود قد نقضت العهد مرة أخرى مع قريش و غطفان و قد انشغل قلبه و قلوب أصحابه على ذويهم و نسائهم و أطفالهم داخل المدينة وهم قد خرجوا ليحاصروا المدينة من الخارج في مواجهة الصف المشرك الذي خندق حولها …على يد رجل ثبت الله جيشاً ما وضع النبي له بنود هذه الخطة بل فكر و على قدر الإخلاص و على قدر الصدق يكون التوفيق من الله جل و علا… أيها الشباب… أيها الشباب… قد يرد علي الآن رجل من آبائنا أو شاب من أحبابنا أو أخت من أخواتنا و هذا سؤال مثار و يقول يا أخي ولكني والله استحي أن أتحرك لدين الله و أنا مقصر، أنا مذنب، أنا عاصي أنا أعلم حقيقة نفسي أقول : لو تخاذلت عن العمل لدين الله فقد أضفت إلى قائمة تقصيرك تقصيراً!!، و إلى ذنوبك ذنبا، و إلى بعدك بعدا، فلا يمنعك ذنبك من ترك العمل لدين الله ولا يمنعك تقصيرك، و لا يمنحك إجازة مفتوحة من العمل للإسلام.. لا!..
الموضوع : ماذا قدمت لدين الله ؟؟ المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya