فلو قلت كان ردها عن طريقها ممكنا له مقدورا أصبت وإن قلت لم يبق في هذه الحال بيده من أمرها شيء ولا هو متمكن أصبت -*أشارة هنا يُفهم معنى قوله : "ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم " والواقع يشهد بتوبة متجبرين وإسلام كافرين فالندم توبة كما يقول رسول الله ( ص ) ويقول التوبة تجب ماقبلها لذا فكأن من تاب بدأ من أول الطريق السليم والندم أصلا علامة خير وعدم عناد ولذا أيضا يستتاب المرتد فى الردة التى تستوجب الإستتابه فيُرى وكأنه يسير بدبر الفرس فينصح ويرشد ليعود على الصراط السوى - بل قد حال بينه وبين ردها من يحول بين المرء وقلبه ومن يقلب أفئدة المعاندين وأبصارهم وإذا أردت فهم هذا على الحقيقة فتأمل حال من عرضت له صورة بارعة الجمال فدعاه حسنها إلى محبتها فنهاه عقله وذكره ما في ذلك من التلف والعطب وأراه مصارع العشاق عن يمينه وعن شماله ومن بين يديه ومن خلفه فعاد يعاود النظر مرة مرة ويحث نفسه على التعلق وقوة الإرادة ويحرض على أسباب المحبة ويدني الوقود من النار حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ورمت بشررها وقد أحاطت به طلب الخلاص قال له القلب هيهات... فكان الترك أولا مقدورا له لما لم يوجد السبب التام والإرادة الحازمة الموجبة للفعل فلما تمكن الداعي واستحكمت الإرادة قال المحب لعاذله ,,,يا عاذلي والأمر في يده .. هلا عذلت وفي يدي الأمر - راجع هنا احذر فالذنوب وفيه
الذنوب:مرض خبيث يتسلل إلى عقلك وقلبك وعملك ويدك وقدمك ولسانك وكل جسمك حتى، ورويداً رويدا يقضي على كل خير وإيمان وإسلام حقيقي فيك كالنار حين تنتشر لا تبقى ولا تذر.... فكان أول الأمر إرادة واختيار ومحبة ووسطه اضطرارا- تمكنت منه شر نفسه رغم مايعرض أمامه من خير وما يسمع من حق - وآخره عقوبة وبلاء
ومثل هذا برجل ركب فرسا لا يملكه راكبه ولا يتمكن من رده وأجراه في طريق ينتهي به إلى موضع هلاك فكان الأمر إليه قبل ركوبها فلما توسطت به الميدان خرج الأمر عن يده - بتتابع السيئات ونسيان النفس وأسباب سعادتها فسيئة تجر أخرى - فلما وصلت به إلى الغاية حصل على الهلاك ويشبه هذا حال السكران الذي قد زال عقله إذا جنى عليه في حال سكره لم يكن معذورا لتعاطيه السبب اختيارا فلم يكن معذورا بما ترتب عليه اضطرارا وهذا قول من لم يوقع طلاقه والقول الأفقه من قال أنه لا يقع طلاقه لأنه لا وطر له - أى حاجة وأرب -
وقد عذر سبحانه من اشتد به الفرح بوجود راحلته في الأرض المهلكة بعدما يأس منها فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك ولم يجعله بذلك كافرا لأنه أخطأ بهذا القول من شدة الفرح فكمال
رحمته وإحسانه وجوده يقتضي أن لا يؤاخذ من اشتد غضبه بدعائه على نفسه وأهله وولده ولا بطلاقه لزوجته وأما إذا زال عقله بالغضب فلم يعقل ما يقول فإن الأمة متفقة على أنه لا يقع طلاقه ولا عتقه ولا يكفر بما يجري على لسانه من كلمة الكفر ...
هذا هو الباب الثامن عشر ملخصا ومنسقاً قدر المستطاع مع إشارات بسيطة تفيد رواد المنتدى وطبيعة الحوار وإن شاء الله قد ألقى الضوء على أحد أبواب الكتاب الأخرى أو فصوله مستقبلاً ونراجع معاً هذا الباب
تنزيه القضاء الإلهي عن الشر ، ودخوله في المقضي - من كتاب (شفاء العليل ) لابن القيم
وجزاكم الله خيراً .
الموضوع : في فعل وافْعَل في القضاء والقدر والكسب وذكر الفعل والإنفعال المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya