الحمدُ للهِ وحدهُ، والصلاةُ والسلامُ على من لا نبيَّ بعدهُ، وبعدُ..
من بينِ زحمةِ الحياةِ التي ابتُليَ بها كثيرٌ منّا،أضف إلى ذلكَ تشابكَ الأحداثِ التي تأخذُ بألبابنا أخذَ السباعِ الساغبةِ بفريستها،لم يعد للذهنِ متنفسٌ ينطلقُ فيهِ إلى آفاقٍ إيمانيةٍ، ومعانٍ نورانيةٍ، تسمو بروحهِ إلى عنانِ السماءِ، وتعيدُ إلى نفسهِ ما اندرسَ من معانٍ سطرها رجالٌ بمدادِ الدماءِ.
وعلى صوتِ الشيخِ المنشاوي رحمهُ اللهُ تعالى وهوَ يصدحُ بسورةِ ( المؤمنون) بصوتٍ يزيدُ الخشوعَ، ويسيِّلُ الدموعَ، لا سيما والتسجيلُ قد سُجِّلَ في رحابِ المسجدِ الأقصى المبارك مما يزيدُ من نزيفِ جروحنا التي لمّا تلتئم!
على صوتهِ أنقلُ إليكم هذهِ الخاطرة..
" معًا على طريقِ الجنةِ " .. شعارٌ سمعتهُ كثيرًا، لا سيما بعدَ أن جعلهُ الشيخ ياسر برهامي شعارًا لموقعهِ، لكن لم أنتبهُ إلى ما فيهِ من معانٍ بديعةٍ إلا من وقتٍ قريبٍ..
هل سافرتَ يومًا ما إلى مكانٍ بعيدٍ واستمرَّ السفرُ لفترةٍ طويلة؟؟
إن سافرتَ فإنهُ منَ الضروريِّ أن تكونَ قد كوَّنتَ علاقاتٍ طيبةٍ مع بعضِ الرفقاءِ؛ حتى يهونَ عليك سفركَ الطويلُ، وينسيكَ الحديثُ ألمَ السفرِ الذي هو قطعةٌ من العذابِ.
بل إن المرء ليُفَضِّلُ الرفقةَ وإن كان فيها ما فيها!
يفضلها على الوحدةِ التي هي أقربُ إلى الشيطانِ.
هذا في سفر لا تطولُ مدتهُ عن يومٍ أو يومينِ، ومع رفاقٍ قد لا تلقاهم أبدَ الدهرِ، وقد لا يكونُ بينكَ وبينهم أيُّ رباطٍ يُذكرُ، ومع هذا أَنِستَ بهم!
فكيفَ بسفرٍ يطولُ – في الأغلبِ – إلى ما بينَ الستينِ إلى السبعين عامًا، والرفاقُ فيهِ بينكَ وبينهم رباطٌ جمعَ اللهُ تعالى بهِ بينَ الأعداِء، رباطٌ بهِ قاتَلَ الآباءُ الأبناءُ!
رباطٌ بهِ عُصِمَ الدمُ، ووجبتِ الأُخوةُ، وأصبحتَ كفئًا للزواجِ من أهلِ هذا الدربِ، رباطٌ يمتدُّ حتى بعدَ موتكَ، فَفَرَضَ عليهم تغسيلكَ وتكفينكَ والصلاة عليكَ ودفنكَ؛ بل حتى بعد أن يواروكَ الثرى لم تنتهِ الرابطةُ بعدُ فيُشرعُ لهمُ الدعاءُ لكَ، ويحرَّمُ عليهم إيذاؤكَ أو إهانتكَ فلا يطأنَّ أحدٌ على قبركَ، و لا يعبثنَّ أحدٌ بعظامكَ ورفاتكَ.
يا الله!!!
إنهُ لرباطٌ طويلٌ فشتانَ بينهُ وبينَ الرباطِ الذي انتهى في يومٍ أو يومينِ!
فَلِمَ مَلَّ بعضنا من هذا الرباطِ ولم يملّ منَ الأول؟!
أَلِطولِ الطريقِ؟!
فمن أدراكَ أنهُ طويلٌ؟
الوصولُ في هذا السفرِ غير محددٍ فكن مستعدًا للوصولِ في أيِّ لحظةٍ، ثمَّ إنَّ طولَ الطريقِ أدعى للتشبثِ بالرفقاءِ، فسفرُ الساعاتِ واليومِ واليومينِ يُتَحَمَّلُ، أما سفرُ السنينِ فأنّى لأحدنا أن يسيرهُ دونَ الصحبِ؟!
واعلم يا عبد اللهِ أنَّ على الطريقِ قُطّاعًا، فهؤلاءِ شياطينُ الإنسِ والجنِّ، وهناكَ نفسكَ التي بينَ جنبيكَ التي قد تكونُ أشدُّ عليكّ مما سواها، وهنا كافرٌ معادٍ ومنافقٌ غادرٌ، والأدهى والأمرُّ هناكَ من رفاقكَ من سيُوَجِّهُ إليكَ نبالهُ وظُلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضة!
فكلُّ هذهِ العقباتِ تجعلُ الواحدَ منّا يلوذُ – بعدَ اللهِ تعالى – بإخوانهِ الذينَ يسيرونَ معهُ على هذا الطريقِ المستقيمِ، وأن يصبرَ على أذىً بدرَ منهم، أو عثرةً من أحدهم، وليعلمَ عِلمَ اليقينِ أنَّ كدرَ الجماعةِ خيرٌ من صفوِ الفردِ، وأنَّ المرءَ ضعيفٌ بنفسهِ، قويٌّ بإخوانهِ.
وإذا ما لاحت لنا بذورُ الفُرقةِ فلنتذكر هذا الطريق، ولنتذكر محطةَ الوصولِ!
نتذكرُ الجنةَّ التي إليها شمرَ المشمرونَ، وفي سبيلها مُنِع الكرى العابدونَ، وعلى طريقها علا الشهداءُ المرابطونَ.
فيا أخي! يا من تسيرُ معي على نفسِ الطريقِ، ويا من بدتْ بيننا البغضاءُ، تعالّ إلَـيّ..
ألسنا جميعًا نسيرُ إلى محطةٍ واحدةٍ؟!
تعال نتدبر يومَ الرحيلِ...
ألستَ ستحزنُ لفراقي؟
ألست ستندمُ أني مِتُّ ولم تَصْفُ نفوسنا؟
أليس التمنّي سيبلغُ بكَ مبلغًا كبيرًا وتقول يا ليتنا صَفَتْ نفوسنا قبلَ رحيلهِ؟!
فها قد تحقَّقَ أملكَ، وبلغتَ مُرادكَ، فامدد يدَ الإخاءِ إلى كلِّ إخوانكِ فلا تعلم متى الرحيل!
تعالَ نتدبرُ يومَ البعثِ على اللهِ تعالى.... هل سيرضيكَ أن نصفيَ حقوقنا في هذا اليومِ العبوسِ القمطريرِ؟!
هل يرضيكَ أن نُحبسَ في قنطرةٍ عن محطتنا التي نهفو إليها؛ حتى يصطلحَ كلٌّ منّا على حقهِ؟!
إذن فهيا نصطلحُ اليومَ، هيا نقابلُ ربّنا وليسَ لأحدٍ علينا شيءٌ، فيكفينا الحسابُ عما جَنَتْهُ نفوسنا وكفى بذلكَ!
تعالى نتدبر وأنا وأنتَ قد دخلنا الجنة – اللهمَّ حقِّقْها لنا – ونحنُ على الأسِرَّةِ العاليةِ، والقطوفُ منا دانيةً، والأذنُ مشنفة فلا صوتَ للاغيةٍ، فإذا بي أشتاقُ إليكَ، وأنتَ تشتاقُ إليَّ، فيُقَرِّبُ اللهُ تعالى أسِرَّتنا، فنتذكرُ الدنيا ولحظاتِ الإيمانِ التي عشناها معًا، نتذكرُ عبادتنا معًا، وجهادنا معًا، وطلبنا للعلمِ معًا....إلخ
أليست هذهِ اللحظة خيرًا من الدنيا وما فيها؟!
أفٍّ لدنيا توقِعُ بيننا، نحنُ نرنو إلى بعيدٍ جدًااا، فمالي أرى كثيرًا منّا قد تعلّقَ بالسفاسفِ؟!!!
ضعِ الهدفُ نُصبَ عينيكَ، وإيّاك أن تشغلكَ زحمةَ الحياةِ عنهُ، فنسيانهُ ضلالٌ مبينٌ.
فلنعاهد ربنا على الموالاةِ للمسلمينَ، وألا يكونَ في صدورنا غِلاً للذينَ آمنوا...
وصلَّى اللهُ على سيدنا محمدٍ، وعلى آلهِ وصحبهِ والتابعينَ.
الموضوع : على صوت المنشاوي أكتب إليكم......معًا على طريق الجنة. المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya