فينبغي على المؤمن أن يستثمر وقته في طاعة الله يسعى في استغلاله في الأمور النافعة والبرامج المفيدة من عبادة وذكر وتعلم وتعليم ووعظ ودعوة وحضور مجالس الإيمان ونشاط في وجوه الخير والإحسان إلى الخلق واجتهاد في تعلم وتدرب كل جديد نافع من الدورات العلمية والبرامج التطبيقية التي تطوره وترفع مستواه الفكري والسلوكي والمهني.
ولا حرج أحيانا في ترويح النفس مع الأهل والأصحاب وادخال السرور عليهم والتنزه والتفكر والتأمل في آيات الله الكونية ومزاولة الرياضة فهذه أمور مباحة ونافعة وتكون عبادة إذا أحسن العبد فيها النية واستعان بها على طاعة الله ولكن ينبغي أن تكون على قدر الحاجة ولا تؤثر على حياته الجادة المثمرة. قال معاذ رضي الله عنه : (أما أنا فأنام وأقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) . رواه البخاري.
إن أعظم ما يجعل المؤمن مهتما بالوقت معظما لشأنه التأمل والتفكر في حقيقة الوقت في كونه إذا انقضى وذهب لا يرجع أبدا. وفي سرعة انقضائه وانتهاءه. قال ابن عمر: (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك).رواه البخاري. وكذلك اليقين بأنه محاسب يوم القيامة على نعمة الوقت والقيام بشكرها وفيما شغله بخير أو شر بحق أو باطل كما يحاسب على المال والصحة وغيرها من النعم كما روى معاذ بن جبل رضى الله عنه قال : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه ماذا عمل به). رواه الترمذي.
وكذلك النظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأحوال أهل الهمم العالية والعزائم الكبيرة ودراسة سيرهم وتراجمهم يورث المرء نشاطا كبيرا في اغتنام الوقت ويوقظ فيه الهمة ويجعله يشعر بالأسى والندم على كل وقت ضاع بلا فائدة. قال حماد بن سلمة: (ما أتينا سليمان التيمي في ساعة يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعا إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصليا وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئا أو عائدا مريضا أو مشيعا جنازة أو قاعدا في المسجد. قال :فكنا نرى أنه لا يحسن أن يعصي الله عز وجل). وكان الخطيب البغدادي يمشي وفي يده جزء يطالعه. وكان ابن عساكر رحمه الله كما يقول عنه ابنه: (لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتسمية حتى في نزهته وخلواته، يصطحب معه كتب العلم والمصحف يقرأ ويحفظ). وكان أبو الوفاء علي بن عقيل رحمه الله يقول: (إنني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن المذاكرة وتعطل بصري عن المطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منصرف، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره). وقال الربيع بن سليمان: (كان الشافعي قد جزأ الليل ثلاث أجزاء الثلث الأول يكتب والثلث الثاني يصلي والثلث الثالث ينام). ولما حضرت أبا بكر بن عياش الوفاة بكت أخته فقال: (لا تبكي وأشار إلى زاوية في البيت فقد ختم أخوك في تلك الزاوية ثمانية عشر ألف ختمة).
ومما يورث العبرة والعظة في هذا الباب التفكر في أحوال أهل الغفلة والبطالة الذين أمضوا حياتهم في اللهو والباطل والمنكرات ويظنون أنهم في سعادة وهم في الحقيقة قوم مفاليس يسعون وراء سراب لا حقيقة ومتعة زائلة كما قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا). وإن تعجب منهم فعجب زعمهم أنهم يحييون الليالي بالمعازف والرقص واللهو المحرم والأحق أن فعلهم إماتة وإفساد للوقت وإهدار لقيمته وإنما الإحياء المحمود هو قضاء الليالي بالصلاة والذكر والاستغفار والثناء والدعاء والعلم. قالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله إذا دخلت العشر شد مئزره و أحيا ليله و أيقظ أهله). متفق عليه. وقال تعالى: (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ).
إن الأسرة الصالحة والوالدين لهما أثر عظيم في تربية الأولاد على الاهتمام بعنصر الوقت وإدراك قيمته من خلال النصائح وإشغالهم بالأنشطة والبرامج المفيدة ومتابعتهم في ذلك وتعزيز قدراتهم على تنظيم الوقت واستثماره في أفضل الأعمال ووضع الحوافز المعنوية والمادية في سبيل تحقيق ذلك.
وأخيرا لو تأمل أحدنا وراجع حساباته كم من الساعات أضاع وكم من الليالي فرط وكم من الشباب أهدر في أمور لا فائدة فيها ولا خير يرجى منها لشعر بالحزن على تفريطه وتضييعه لهذه النعمة التي يتمناها من حرمها بسبب المرض أو الشقاء أو الحبس أو غير ذلك من المصائب التي تمنعه من الاستمتاع بالوقت وتجعله محروما من متعة الحياة. ومن فرط يمكنه التدارك وإحسان العمل قبل فوات الفوات وانقطاع الأجل والخروج من الدنيا. قال ابن مسعود رضي الله عنه : (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي).
الموضوع : الكنز الضائع المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya