قال شيخنا المحدث علي حشيش - حفظه الله - في كتاب (( تحذير الداعية من القصص الواهية )) ص 270
قصة الراوي الذي صام سنة
ليتحمل قصة الحديث الذي جمع فأوعي
هذه القصة التي اشتهرت بين الناس ، وانتشرت انتشارًا واسعًا ، نتيجة طبع هذه القصة في أنحاء البلاد ، وتوزيعها على الناس ، بأعداد كثيرة ، وصورمختلفة .
وفي هذه القصة يأتي أعرابي إلى رسول الله صلي الله علية وسلم ، ويسأله أربعة وعشرين سؤالا ، هذا بالنسبة للمتن .
وبالبحث عن القصة التي جاء بها هذا المتن ، وجدنا أن للسند أيضًا قصة عجيبة وغريبة سنبينها للقارئ الكريم عند تحقيق هذه القصة .
والتي يقولون فيها :
ثم ذكر الشيخ القصة كاملة ثم قال :-
أولا : التخريج وقصة أخرى بالسند
بالبحث في مصنفات الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - لم أجد الحديث الذي جاءت به هذه القصة ذات الأربعة والعشرين سؤالا، وإن تعجب فعجب قولهم : " رواه الإمام أحمد " تلك العبارة التي يختمون بها هذه القصة، وهذا افتراء على الإمام رحمه الله تعالى .
وبالبحث وجدنا أن هذه القصة بهذه الأسئلة العديدة أوردها الإمام على بن حسان الدين عبد الملك ابن قاضي خان الشهير بالمتقي الهندي البرهان فوري المتوفي سنة خمس وسبعين وتسعمائة في كتابه " كنز العمال " ( 16 / 127 ، 129 ) ح (44154) : مع قصة السند.
قال الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى :
وجدت بخط الشيخ شمس الدين بن القماح في مجموع له ، عن أبي العباس المستغفري قال قصدت مصر أريد طلب العلم من الإمام أبي حامد المصري ، والتمست منه حديث خالد بن الوليد ، فأمرني بصوم سنة (!) ، ثم عاودته في ذلك ، فأخبرني بإسناده عن مشايخه إلى خالد بن الوليد ، قال جاء رجل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عمَّا في الدنيا والآخرة ، فقال له : سل عما بدا لك ، قال : يا نبي الله أحب أن أكون أعلم الناس ..." الحديث.
ثانيا " التحقيق "
هذه القصة واهية ، والحديث الذي جاءت به منكر جداً ، وهو مروي وجادة ، وسنبين للقارئ الكريم معنى هذا المصطلح " الوِجادة ".
فهو قسم من أقسام طرق تحمل الحديث ، ومجامعها ثمانية أقسام ، قال الإمام النووي في " التقريب " (2 / 60 تدريب) :
" القسم الثامن : الوِجادَةُ ، وهي مصدر لِوَجَدَ مُوَلَّدٌ غير مسموع من العرب ، وهي أن يقف على أحاديث بخط راويها ، لا يرويها الواحد عنه - بسماع ولا إجازة - فله أن يقول : وجدت أو قرأت بخط فلان أو في كتابه بخطه ، حدثنا فلان . ويسوق الإسناد والمتن ، أو قرأت بخط فلان عن فلان، هذا الذي استمر عليه العمل قديما وحديثا وهو من باب المنقطع " . اهـ.
قلت :
1- من هذا يتبين أن الرواية بالوِجادة حكمها: أنها من باب المنقطع .
2- السند الذي رواه السيوطي وجادة من ابن القماح إلى خالد بن الوليد يدل على أنه سند تالف .
3- قوله : وجدت بخط ابن القماح عن الحافظ المستغفري . يدل على أن الحديث مردود بالسقط في الإسناد ، وهو سقط ليس بالهين لوجود إعضال بين ابن القماح هذا والحافظ المستغفري المتوفي سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة .
والمعضل اصطلاحا : " ما سقط من إسناده اثنان أو أكثر على التوالي " .
4- وأبو حامد المصري مجهول.
5- رحلة الإمام المستغفري إلى مصر لطلب العلم من أبي حامد المصري ، وأنه التمس هذا الحديث من أبي حامد المصري فأمره بصوم سنة ، فلينظر القارئ الكريم إلى هذه البدعة " طلب حديث بصوم سنة " .
6- وإن تعجب فعجب قول المستغفري : التمست من أبي حامد حديث خالد بن الوليد فأمرني بصوم سنة ، ثم عاودته في ذلك. فأخبرني بإسناده عن مشايخه إلى خالد بن الوليد .
من هذا يتبين أن سائر الإسناد مجهول ، فلا يعرف أبو حامد المصري هذا ولا من هم رجاله إلى خالد بن الوليد.
7- لذلك قال الإمام الكتاني في " الرسالة المستطرفة " ص (39) :
أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز بن محمد بن المستغفر ( المستغفري ) نسبة إلى المستغفر ، وهو جده المذكور ، يروي الموضوعات من غير تبين .
8- قلت : وهذا الحديث ظاهرة عليه علامات الوضع في السند من قصة مكذوبة منكرة وفي المتن الملفق من أحاديث كثيرة ، فيها الثابت والواهي .
9- قولهم في نهاية الحديث رواه الإمام أحمد عن خالد بن الوليد .
أ- وهذا افتراء على الإمام أحمد - رحمه الله - وانظر مسند أحمد( 4 / 88 ) لم يوجد به على سعته إلا ثلاثة أحاديث لخالد بن الوليد ح ( 16858 ) ، ( 16859 ) ، ( 16860 ) الأول والثاني حول حكم أكل لحم الضب ، والثالث " من عادى عمارا... " .
ب- ويظهر هذا الافتراء أيضا من البحث في الكتب الستة في مسند خالد بن الوليد الذي أورده الإمام المزي في " تحفة الأشراف " ( 3 / 111 ) رقم ( 123 ) حيث لم يوجد في الكتب الستة من مسند خالد إلا سبعة أحاديث ح ( 3504 ) ، ( 3505 ) ، ( 3506 ) ، ( 3507 ) ، ( 3508 ) ، ( 3509 ) ، ( 3510 ) ولم يوجد بها هذا الحديث المنكر بما يحمله من قصص منكرة .
ج- وكذلك بالبحث في مسند أبي يعلى من حديث خالد بن الوليد ( 13 / 138 - 149 ) فلم نجد إلا عشرة أحاديث من ح ( 7183 )حتى ( 7192 ) ولا يوجد بها هذا الحديث .
د- وكذلك بالبحث في معجم " الطبراني الكبير" من حديث خالد بن الوليد ( 4 / 103 - 115 ) فوجدنا به ثلاثة وأربعين حديثا من ح ( 3798 ) حتى ح ( 3840 ) ولا يوجد بها هذا الحديث .
هـ - ثم تتبعنا باقي السنن والمسانيد فلم نجد قصة الأعرابي الذي جاء يسأل الرسول صلي الله عليه وسلم أربعة وعشرين سؤالا ، ولا قصة طلب حديث بصوم سنة .
10- بهذا يتبيَّن أن هذا الحديث بما فيه من قصة سنده ، وبما فيه من قصة الأعرابي الذي يسأل والرسول صلي الله عليه وسلم يجيب ، لا يصح .
والحديث مكذوب مختلق ليس هو في شيء من كتب السنة المعتمدة ، لا الصحيحين ولا السنن ولا المسانيد ، ومن علم أنه كذب على رسول الله صلي الله عليه وسلم ، لم يحل له أن يرويه عنه أو يكتبه .
11- وعليه فإن الذين يقومون بطبع هذا الحديث وتصويره وتوزيعه على الغافلين الذين لا دراية لهم بالحديث ، ويصدقون كل أحد ، قد بيَّنا لهم حقيقة هذا الحديث ، لعلهم عن طبعه وتصويره يرجعون ، حيث أنهم كانوا يظنون أنهم بفعلهم هذا إلى الله يتقربون فهم فيما مضى معذورون ، والآن بعد إقامة الحجة عليهم ببطلان الحديث ليس أمامهم إلا قول رسول الله صلي الله عليه وسلم في الحديث رقم ( 109 ) في " صحيح البخاري " من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول : " من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " .
12- فالذي كذبه واختلقه جمعه من أحاديث بعضها كذب وبعضها ملفق المعنى ، والحديث في مجموعه حديث منكر جدا كما بيَّنا .
" بدعة صيام سنة لطلب حديث "
قول الإمام المستغفري : " قصدت مصر أريد العلم من الإمام أبي حامد المصري ، والتمست منه حديث خالد بن الوليد فأمرني بصوم سنة ... " .
وإن تعجب فعجب كيف يطلب المستغفري الحديث من رجل فيأمره هذا الرجل أن يفعل ما لم يفعله رسول الله صلي الله عليه وسلم :
1- فقد ثبت في " صحيح البخاري " ح ( 1969 ) من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :
" ما رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان " .
2- وثبت في " صحيح البخاري " ح ( 5063 ) ومسلم ح ( 1401 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلي الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلي الله عليه وسلم فلما أُخبروا بها كأنهم تقالوها ، فقالوا : وأين نحن من النبي صلي الله عليه وسم ؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم : أما أنا فأنا أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر : أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا . فجاء رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال : " أنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني ". اهـ.
قال الحافظ في " الفتح " ( 719 ) :
" قوله ( فمن رغب عن سنتي فليس مني ) : المراد بالسنة الطريقة ، لا التي تقابل الفرض . والرغبة عن الشيء : الإعراض عنه إلى غيره ". اهـ.
الموضوع : حديث : مكذوب جاء أعرابي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله جئت أسألك المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya