موضوع: مــــــوت الفجئــــــة الأحد 21 مارس 2010 - 13:47
أيها الأحبة في الله
كم يسعى الإنسان ويجهد في هذه الحياة الدنيا ، قد ملأ قلبه بالطموحات ، وغره طول الأمل ، وغفل عن كثرة العلل ، فانطلق كالسهم يركض خلف مبتغاة ، يعرق ليجمع ، ويجمع لينفق أو ليبخل ، قد أطغاه حب الجاه ، وأرهقه التطلع للمنصب ، وأشغله هم الأولاد ، وقصم ظهره اللهث وراء الأموال ، فيفلح حينًا ، ويعثر حينًا آخر ، وينهض مرة أخرى لا يبالي بتعب ، ولا يفكر في جهد ، فقط أن يصل إلى ما وصل غيره بل يزيد على ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، ومن أصدق من الله قيلا :{إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} .
يالله كم للدنيا من فتن مغرية تأخذ بلب المرء وقلبه ، وتهد من جسده وقوته ، يظن أنه سيبلغ غايته ، وينال مبتغاة ، وفي لحظة من اللحظات لم يحسب لها حسابًا ، قد انغمس في عمله ، يدقق حساباته الدنيوية غافلاً عن حساب الآخرة الشديد ، وفي لحظة من اللحظات وهو في غمرة السعادة بين أهله وذويه ، أو بين أصحابه وأحبابه ، وفي لحظة من اللحظات يعيش نشوة الأموال ، وكثرة الأولاد ، واستقرار الصحة والجسد ، في تلك اللحظة التي يبصر بها من حوله ، ويسمع من يحدثه ، ويحدث من يسمعه ، ويحرك فيها جسده ، لا مرضًا يشكو ، ولا علة يعالج ، ولا طبيبًا يزور ، قوة في جسمه تركب فوق قوة ، ونشاطًا في عقله تختصم فيه الأفكار بالأفكار. لحظة رهيبة ، ومفاجأة غريبة ، فيها توقف كل شيء ، ماذا جرى للجسم الصحيح ، ماذا حصل للعقل المدبر ، ماذا وقع لصاحب الأموال والمنصب والجاه ، ما هذه الصفرة التي سرت في جسده ، أين سافرت نضرة هذا الجسم المترف .
عجبًا ..
أرى عينين كانتا جميلتين بالبصر ، مالهما قد زاغتا لا لفت أو نظر ، قم يا رجل ، انهض ، فوراءك حياة مليئة بالعمل ، أتترك أعمالك ، أموالك ، جاهك و منصبك ، تحرك !! لقد ارتخى اللسان السليط ، وخفت الصوت الصارخ ، فلا حس أو خبر . حينها تَنادَى الأحباب ، وتعالت الأصوات ، أحضروا الطبيب ، حركوا الأموال ، اتصلوا بأصدقاء الجاه والمراتب العالية ، أخبروهم بالمفاجأة ، علهم يجدوا الخلاص ، والنجاة من المصيبة .
لقد انتهى كل شيء ، وجاء الوعد الحق ، لتنسل به الروح من الجسد ، وتقلع منه حثيثا، ومن أصدق من الله حديثا : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} .
يا لها من مفاجأة يباغت فيها الإنسان ، فيؤخذ على غرة ، تعددت أسبابها ، وتلونت أشكالها ، واختلفت أعمارها ، وتنقلت أوقاتها ، لا تميز بين الطفل والشاب والشيخ ، كل له أجله المكتوب ، وعمره المحسوب ، عند رب رحيم حليم غير أنها الغفلة التي تقتل القلوب عن هذه الساعة المملوءة بالفاجعة ، المقرونة بالبكاء والصراخ ، الممزوجة بالدموع ، المتلونة بالحسرة واللوعة ، على مَنْ ؟!! .. علي أنا وأنت وكل مولود كبير أو صغير يا غافلاً عـن سـاعـة مقـرونـة بنـوادي وصـواريـخ وواكــــل.. قدِّم لنفسك قبل موتك صالحًا فالموت أسرع من نزول الهاطل.
عباد الله..
اعلموا رعاكم الله أن من علامات الساعة الصغرى كثرة موت الفجأه، فعن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي قال : «إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة» ، رواه الطبراني وحسنه الألباني .عجبًا لنا : كيف نجرأ على الله فنرتكب معاصيه ، وأرواحنا بيده ، وكيف نستغفل رقابته ، والموت بأمره يأتي فجأة ، أما سأل أحدنا نفسه : لماذا لا يستطيع أحد أن يعلم متى سيموت ، إنها حكمة بالغة ، ليبقى المؤمن طوال حياته مترقبًا وداع الدنيا ، مستعدًا للقاء ربه .
روي أن ملك الموت دخل على داود عليه السلام فقال : من أنت ؟ فقال ملك الموت : أنا من لا يهاب الملوك ، ولا تمنع منه القصور ، ولا يقبل الرشوة ، قال : فإذًا أنت ملك الموت ، قال : نعم ، قال : أتيتني ولم أستعد بعد ! قال : يا داود أين فلان قريبك ؟ أين فلان جارك ؟ قال : مات ، قال : أما كان لك في هؤلاء عبرة لتستعد ؟!
اين العيون الباكية من خشية الله ، أين القلوب الوجلة من لقاء الله ، ألا نعود أنفسنا على توديع هذه الدنيا كل يوم ، فنحاسب أنفسنا قبل أن يحاسبها الله ، ألا نعزم على مضاعفة الأعمال الصالحة من صلاة واستغفار وذكر وبر وصلة ، ألا نفكر بجدية مقرونة بعمل أن نقلع من معاصينا ، ونتوب من تقصيرنا في حق الله تعالى،ألا نجعل ساعة الموت هذه واعظًا لنا في هذه الدنيا الفانية من الغفلة عن الله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} .
اللهم ارحم ضعفنا ، وآنس و حشتنا ، وذكرنا بك ما حيينا ،