لكن رسول الله صلي الله عليه وسلم ظل محافظاً علي رباطة جأشه رغم إستشهاد خيرة رجاله وحدد لأصحابة نقطة إزدلاف ( تجمع )
وكانت الشٌعب في الجبل ، واتجه إليها الرسول صلي الله عليه وسلم ومعه أبو
بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وجماعة من المسلمين بلغوا الثلاثين وراح
يقاتل ومن معه قتال المستميت ، وقد إلتف حوله أصحابه وأخذوا يتساقطون
شهداء دونه ، وجرح رسول الله صلي الله عليه وسلم في وجنته ( أعلي الخد )
ودخلت حلقتين من حلق المغفر ( وهو درع علي الرأس يتقي به في الحروب ) في
وجنته ، وكذلك رمي عتبة بن أبي وقاص رسول الله صلي الله عليه وسلم فكسر
رباعيته اليمني السفلي ، وشقت شفته وأخذ الدم يسيل علي وجهه الكريم وهو
يقول ( كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلي ربهم ) فأنزل الله عز وجل في ذلك ( ليس لك من الأمر شئ إن يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) ومص مالك بن سنان أبو أبي سعيد الخدري الدم عن وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم إزدرده ( إبتلعه ) فقال صلي الله عليه وسلم ( من مس دمه دمي لم تصبه النار )
وعلم المسلمون المتششتون في أرض المعركة بأن رسول الله لم يمت ، فبدأوا
التجمع حوله وطلب صلي الله عليه وسلم من جنوده التراجع نحو جبل أٌحد وعدم
السماح للمشركين بالإلتفاف حولهم ثانية ، وعندما حاول المشركين ذلك ثانية
منعهم عمر بن الخطاب ، فأدرك المشركين أنه ام يعد بإمكانهم القضاء علي
المسلمين ، وكان التعب قد أنهك المشركين أيضا وكثر فيهم الجرحي فقرروا
الإنسحاب ، فوقف أبو سفيان علي مرتفع وقال " أنعمت فعال ، أن الحرب سجال ،
يوم بيوم ، أعل هٌبل" ، فقال صلي الله عليه وسلم لعمر فأجبه وقل " الله أعلي وأجل لا سواء قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار "
فسأل أبو سفيان أفي القوم محمد ؟ فقال صلي الله عليه وسلم لا تردوا عليه -
ثم قال أفي القوم بن أبي قحافة ؟ فلم يتمالك عمر نفسه وقال ( إنهما ليسمعان كلامك الآن ) فانصرف أبو سفيان وهو ينادي ( موعدكم بدر العام القادم ) فقال الرسول صلي الله عليه وسلم لعمر : قل ( نعم هو بيننا وبيمكم )
وهكذا إنفصل الجيشان ووقف القتال وقد خسر المسلمين أكثر من سبعين شهيداً ،
بينما لم يزد عدد قتلي المشركين عن ثلاثة وعشرون رجلاً . وكان علي القائد
أن يتأكد من رحيل عدوه ( فأصدر أوامره لعلي بن أبي
طالب أن يخرج في آثار القوم فينظر ماذا يفعلون فإن راكبوا الخيل وساقوا
الإبل فهم يريدون المدينة ، وإن إمتطوا الإبل وجنبوا الخيل فإنهم يقصدون
مكة ) ولما جاء علي بالخبر إنهم ركبوا الإبل تنفس رسولنا الحبيب
صلاة الله وسلامه عليه الصعداء وأيقن أنهم توجهوا إلي مكة وفي اليوم
التالي أراد القائد صلي الله عليه وسلم أن يعيد المسلمين معناويتهم ويرهب
أعداؤه ، فنادي مناديه بالناس أن يتهيئوا لملاحقة عدوهم وأن لايخرج أحد لم
يشترك في المعركة أمس ، وإنطلق الجيش حتي منطقة ( حمراء الأسد ) علي بعد ثمانية أميال من المدينة ، بينما كان جيش المشتركين قد بلغ ( منطقة الروحاء )وعندها
أدرك المشركون خطأهم ،وتداولوا أمرهم وقرروا العودة للقضاء علي المسلمين
واستئصالهم ، إلا أن مناورة إظهار القوة التي قام الرسول صلي الله عليه
وسلم فعلت فعلها وجعلت المشركين يعدلوا عن قرارهم وتابعوا طريقهم إلي مكة
ورجع الرسول القائد بقواته إلي المدينة .
(( نتائج هذه المعركة والدروس المستفادة ))
إن لهذه المعركة نتائجها الثابتة والتي أصبحت مقاييس للجهاد في سبيل الله ومن أهمها :
(1) إن المقاتل إن كان همه إعلاء كلمة الله حقق الله له ماوعده من نصر .
(2)
إن مخالفة أمر الرسول صلي الله عليه وسلم تٌعرض المسلم لعقاب عاجل من الله
كما وقع للمسلمين في هذه المعركة بسبب مخالفة الرماة أمر رسول الله صلي
الله عليه وسلم بل وأمر قائدهم عبد الله بن الجبير .
(3) عاد المشركين
إلي بلادهم وهم علي يقين بأنهم لم ينتصروا كما يتضح ذلك من سؤال أبو سفيان
عن حياة محمد وأبو بكر وشعوره بالغيظ عندما تيقن من حياتهما .
(4)
الإشاعات لها خطرها البالغ يوجب الحظر منها كما ظهر ذلك الإشاعة التي
أطلقها إبليس اللعين بأن محمد قتل حتي أصاب المسلمون بالذهول وتفرقوا .
(5)
مطاردة العدو بعد إنتهاء المعركة تزرع الخوف في قلبه كما فعل النبي صلي
الله عليه وسلم حين طارد المشركين بمنطقة حمراء الأسد صبيحة غزوة أحد كما
إن ذلك يٌقوي عزيمة الجيش بعد ما أصابه بعد هذه المعركة لم تفكر قريش في
غزو المسلمين بمفردها أما غزوة الخندق فلم تجرؤ عليها قريش إلا بعد إنضمام
هوازن وغطفان ويهود خيبر ويهود بني قريظة بالمدينة إليهما . ........... فصلاة وسلاما عليك ياسيدي يارسول الله .
(( نماذج من التضحيات في غزوة أٌحــــــــــــــــــــــــــد )) .
*
إصابة رسول الله صلي الله عليه وسلم في الغزوة في وجهه الشريف وشٌقت شفته
وكٌسرت رباعيته صلي الله عليه وسلم وغارت حلقتين من خوذة رسول الله صلي
الله عليه وسلم في وجنتيه فقام أبا عبيدة بن الجراح بنزع الحلقة الأولي
بسنته فنزعها وخٌلعت سنته ونزع الحلقة الثانية بسنته الثانية فنزعها
وخٌلعت سنته الثانية وصار أهتماً .
* إستشهاد مصعب بن عمير علي يد بن
قمئة لشبهه الكبير برسول الله صلي الله عليه وسلم فظل يدافع عن رسول الله
صلي الله عليه وسلم حتي إستٌشهد .
* إستشهاد حنظلة بن أبي عامر الذي
نادي فيه منادي الجهاد يوم عرسه فاستعجل عن غٌسل جميع بدنه وأجاب المنادي
وقاتل حتي إستشهد ، فرأي رسول الله صلي الله عليه وسلم الملائكة تغسله
فقال صلي الله عليه وسلم " مابال حنظلة تٌغسله الملائكة "
؟ فقال الصحابة يارسول الله ماعلمنا عليه سوء فلما سألوا عنه عرفوا
إستعجاله في الغٌسل من الجنابة فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " هو ذلك أن الجنة لا يدخلها جٌنب " وذهب الأنصار يبحثون عن حنظلة بعدما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم وجدوه شهيداً ورأسه يتقاطر منه الماء إثر غٌسل الملائكة له .
* عمرو بن الجموح الشيخ الكبير الأعرج ، عندما خرج للقتال قال له صلي الله عليه وسلم أما أنت فقد عذرك الله ( ليس علي الأعمي حرج ولا علي الأعرج حرج ولا علي المريض حرج ) فقال : يارسول الله أريد أن أطأ الجنة بعرجتي هذه " وضرب عليها بيده " فحقق الله له أمنيته واستشهد وقال صلي الله عليه وسلم " لقد رأيت عمرو بن الجموح يصعد فخراً بعرجته في الجنة "
*
إستشهاد حمزة بن عبد المطلب الذي إعتبره المشركين عدوهم الأول لما فعلهم
في بدر بهم - وحزن الرسول صلي الله عليه وسلم عليه إلي أن نزل جبريل عليه
السلام وقال له إن حمزة بن عبد المطلب في أهل السموات السبع أسدٌ الله
ورسوله ، وصلي عليه الرسول ودٌ فن مع بن أخته عبد الله بن جحش في قبر واحد
وظلا في قبرهما حتي سنة 46 هـ في خلافة معاوية فجرف السل القبر فنقلا إلي
ساحة الشهداء حيث هما الآن ، وورد أنه عند نقلهما تحركت يد إحداهما عن
جرحه فسال منه الدم كأنما جرح الآن وكأن صاحبه حي لم يمت ، وقيل أن ذلك
وقع منهما معاً .
(( رواية وحشي في مقتل سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب )) .
عن
جعفر بن عمرو بن أٌمية الضمري قال خرجت أنا وعبد الله بن الخيار أخو بني
نوفل بن عبد مناف في زمن معاوية بن أبي سفيان ومررنا بحمص - وكان وحشي قد
سكنها وأقام بها - فجلسنا إليه ، فقلنا له : جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة
وكيف قتلته ؟ فقال أما أني سأحدثكما كما حدثت رسول الله صلي الله عليه
وسلم حيث سألني عن ذلك ؟ كنت غلاما لجبير بن مٌطعم وكان عمه طعيمة بن عدي
قد أصيب يوم بدر فلما صارت قريش إلي أٌحد قال لي جبير : إن قتل حمزة عم
محمد لعمي أنت عتيق ، قال : فخرجت مع الناس وكنت رجلا حبشيا أقذف بالحربة
فلم أٌخطئ بها شيئا ، فلماإلتقي الناس خرجت أنظر حمزة وأتبصره ، حتي رأيته
في عرض الناس مثل الجمل الأورق ( أي الذي لونه بين الغبرة والسواد ) يهد
الناس بسيفه هدا مايقوم له شئ ، فوالله إني لأتهيأ له أريده وأستتر منه
بشجرة أو حجر ليدنو مني إذا تقدمني إليه سواع بن عبد العزي فلما رآه حمزة
قال له : هلم إلي يابن مقطعة البظور قال : فضربه ضربة كأنما أخطأ رأسه ،
قال : وهزرت حربتي حتي إذا رضيت منها دفعتها عليه ، فوقعت في ثنيته ( أسفل
البطن ) حتي خرجت من بين رجليه وذهب لينوء نحوي فغٌلب وتركته واهيا حتي
مات ، ثم أتيته فأخذت حربتي ثم رجعت إلي المعسكر فقعدت فيه ولم يكن لي
بغيره حاجة وإنما قتلته لأٌعتق ، فلما قدمت مكة أٌعتقت ، ثم أقمت حتي فتح
رسول الله مكة هربت إلي الطائف ولما خرج وفد الطائف إلي رسول الله صلي
الله عليه وسلم فقلت ألحق بالشام أو اليمن ، فوالله إني في ذلك من همي إذ
قال لي رجل : ويحك إنه والله مايقتل أحداً من الناس دخل في دينه وتشهد
شهادة الحق فقدمت علي رسول الله صلي الله عليه وسلم المدينة ، فلما رآني
قال " أوحشي " قلت نعم يارسول الله ، قال صلي الله عليه وسلم " أٌقعد فحدثني كيف قتلت حمزة " ؟ قال فحدثته فلما فرغت من حديثي قال صلي الله عليه وسلم " غيب عني وجهك فلا أرينك "
قال فكنت أتنكب رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث كان لئلا يراني حتي قبضه
الله ، فلما خرج المسلمون إلي مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم وأخذت
حربتي وتهيأ له رجل من الأنصار من ناحية أخري كلانا يريده فهززت حربتي حتي
إذا رضيت منها دفعتها عليه فوقعت فيه وشد عليه الأنصاري فضربه بالسيف ،
فربك أعلم أينا قتله ، فإذا كنت قتلته فقد قتلت خير الناس بعد رسول الله
صلي الله عليه وسلم وقتلت شر الناس أيضاً .فرضي الله عن صحابة رسول الله إلي يوم الدين وصلي اللهم وسلم وبارك عليك ياسيدي وسيد العالمين يارسول الله
الموضوع : ( غزوة أٌحـــــــــــــــــــــــــــد ) المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: عمر شكري