السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
اهدى هذة الكلمات
إلى من
تكالبت عليه الأيام.. وقلب له
الدهر ظهر المجن.
إلى من ادلهمت
السماء فوقه تنذر
بالخطوب.. وأغلقت في وجهه المسالك والدروب فإذا به
صابر محتسب.
ما اهتز له قلب
وما رف له جفن
***
إلى
من نامت قريرة العين برضا الله
وقدره.. متوسدةً عاصفة هوجاء.. تتخطفها
الأسنة وتنالها الرماح..
ما عرف الحزن إلى قلبها مدخلا
وما استقرت
الدمعة في عينها زمنا
***
إلى من فقد الأبناء
والأحباب.. والآباء
والأصحاب
إلى كل مؤمن مهموم.. وكل مبتلى مغموم
***
عظم
الله أجرك.. ورفع درجتك.. وجبر
كسرك.
إن
العبد في تنقلاته في
هذه الحياة وأطواره فيها لا يخلو من حالتين: إما أن
يحصل له ما يُحب
ويندفع عنه ما يكره, فوظيفته في هذه الحالة الشكر
والاعتراف بأن ذلك من
نعم الله عليه, فيعترف بها باطناً ويتحدث بها ظاهراً,
ويستعين بها على
طاعة الله وهذا هو الشاكر حقاً..
الحالة الثانية.. أن يحصل للعبد
المكروه أو يفقد المحبوب, فيُحدث له,
هماً وحزناً وقلقاً فوظيفته الصبر
لله, فلا يتسخط ولا يضجر ولا يشكو
للمخلوق ما نزل به, بل تكون شكواه
لخالقه سبحانه وتعالى, ومن كان في الضراء
صابراً وفي السراء شاكراً
فحياته كلها خير وبذلك يحصل على الثواب الجزيل
ويكتسب الذكر الجميل
والبلاء الذي يصيب
العبد لا يخرج عن أربعة أقسام: إما أن يكون في
نفسه, أو في ماله, أو في
عرضه, أو في أهله ومن يحب, والناس مشتركون في
حصولها, فغير المؤمن التقي
يلقى منها أعظم مما يلقى المؤمن كما هو
مشاهد ورأيت جميع الناس ينزعجون لنزول البلاء انزعاجاً
يزيد على الحد,
كأنهم ما علموا أن الدنيا على ذلك وضعت, وهل ينتظر الصحيح
إلا السقم,
والكبير إلا الهرم
ولا بد أن يعلم المصاب أن الذي ابتلاه
بمصيبته
أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين, وأنه سبحانه لم يرسل البلاء ليُهلكه
به
ولا ليعذبه, ولا ليجتاحه, وإنما افتقده به ليمتحن صبره ورضاه عنه
وإيمانه,
وليسمع تضرّعه وابتهاله وليراه طريحاً على بابه لائذاً بجنابه,
مكسور
القلب بين يديه رافعاً قصص الشكوى إليه قال تعالى:
}
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ
الْأَمْوَالِ
وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{
وقال
تعالى: }
إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ
حِسَابٍ{
وقال تعالى: }
وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ
وَالصَّابِرِينَ
وقد ذكر الله الصبر في
القرآن في نيف وتسعين موضعاً وأضاف أكثر الدرجات
والخيرات إلى الصبر
وجعلها ثمرة له, وجمع للصابرين بين أمورٍ لم يجمعها
لغيرهم فقال تعالى:
} أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ
صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ{
والصبر -أخي الكريم- مقامٌ من مقامات
الدين
ومنزل من منازل السالكين
وقد قال أبو
الدرداء:
ذروة الإيمان الصبر للحكم والرضاء بالقدر
وفي حديث عن النبي : "الصبر من
الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد"
والحسن -رحمه الله- يقول: "الصبر كنز
من
كنوز الخير لا يعطيه الله - عز وجل - إلا لعبد كريم عنده"
وقال رسول
الله : "عجباً لأمر
المؤمن إن أمره كله له خير, وليس ذلك لأحد إلا
للمؤمن إن أصابته سراء شكر
فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان
خيراً له"
والخير الحاصل للشاكرين هو الزيادة: } وَإِذْ تَأَذَّنَ
رَبُّكُمْ لَئِنْ
شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ{.
والخير الحاصل
للصابرين هو الأجر
والثواب والمغفرة والرحمة
قال الفضيل: إن
الله -عز وجل- ليتعاهد عبده
المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله
بالخير
وقال رحمه الله: لا يبلغ العبد حقيقة
الإيمان حتى يُعد
البلاء نعمة والرخاء مصيبة, وحتى لا يحب أن يُحمد على
عبادة الله
وسأل
رجلٌ الإمام الشافعي فقال: يا أبا
عبدالله, أيما أفضل للرجل أن يُمكن
أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يُمكن حتى
يُبتلى, فإن الله ابتلى نوحاً
وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمداً صلوات الله
وسلامه عليهم أجمعين, فلما
صبروا مكنَّهم, فلا يظن أحد أن يخلص من الألم
البتة
وجعل الإمامة في
الدين موروثة عن الصبر
واليقين } وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ
أَئِمَّةً
يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا
يُوقِنُونَ{
والمصائب
-أخي الكريم- تتفاوت ولكن
أعظمها المصيبة في الدين, فهي أعظم مصائب
الدنيا والآخرة, وهى نهاية
الخسران الذي لا ربح معه, والحرمان الذي لا
طمع معه
إذا أبقت الدنيا على المرء دينه
ه
فما فاته منها فليس بضائر
وأصل كلمة الصبر
هو المنع والحبس, فالصبر حبس النفس عن
وعلاج المصائب بأمور
منها:
الأول: أن يعلم بأن الدنيا دار ابتلاء, والكرب لا
يرجى منه
راحة.
الثاني: أن يعلم أن المصيبة ثابتة.
الثالث: أن يقدر وجود ما هو أكثر من تلك المصيبة.
الرابع: النظر في حال من ابتُلي بمثل هذا البلاء, فإن
التأسي راحة عظيمة.
الخامس: النظر في حال من
ابتُلي أكثر من هذا البلاء,
فيهون عليه هذا.
السادس: رجاء الخلف إن كان من مضى يصح عنه الخلف
كالولد
والزوجة.
السابع: طلب الأجر بالصبر في فضائله
وثواب الصابرين
وسرورهم في صبرهم, فإن ترقى إلى مقام الرضا فهو الغاية
الثامن:
أن يعلم العبد كيف جرى القضاء فهو خيرٌ
له.
التاسع: أن يعلم أن
تشديد البلاء يخص
الأخيار.
العاشر: أن يعلم أنه
مملوك,
وليس للمملوك في نفسه شيء.
الحادي عشر: أن هذا
الواقع, وقع برضى المالك, فيجب على العبد أن يرضى بما رضي به السيد.
الثاني عشر: معاتبة
النفس عند الجزع, أن هذا الأمر لا بد
منه فما وجه الجزع مما لا بد منه؟
الثالث عشر:
إنما هي
ساعةٌ فكأن لم تكن
أخي الحبيب:
متى ما أصابك مكروه
في بدنك أو مالك أو حبيبك فاعلم أن
الذي قدره حكيم عليم لا يفعل شيئاً
عبثاً ولا يُقدر شيئاً سدى, وأنه
تعالى رحيم قد تنوعت رحمته على عبده,
يرحمه فيعطيه, ثم يرحمه فيوفقه
للشكر, ويرحمه فيبتليه, ثم يرحمه فيوفقه
للصبر, فرحمة الله متقدمة على
التدابير السارة والضارة ومتأخرة عنها,
ويرحمه أيضاً بأن يجعل ذلك
البلاء مكفراً لذنوبه وآثامه ومنمياً لحسناته
ورافعاً لدرجاته
وهنا توجيه نبوي
كريم
بكتمان المصيبة وعدم التحدث بها قال رسول
الله صلى الله وعليه وسلم:
"من البر كتمان المصائب والأمراض والصدقة".
وإذا كانت
المصيبة مما يمكن كتمانها,
فكتمانها من نعم الله عزّ وجل الخفية ..
وهذا سر من أسرار الرضا وعدم
التضجر والانزعاج.
قال الأحنف: لقد
ذهبت عيني منذ أربعين
سنة, ما ذكرتها لأحد
ولما نزل في إحدى عيني
عطاء الماء, مكث
عشرين سنة لا يعلم به أهله
رحمه الله لو رأى زماننا
لعجب من كثرة
الحديث في المصائب.. بل إن البعض حتى قبل أن تسأله عن
صحته وحاله.. يبادر
بالشكوى.. ويكثر التسخط.. يحدثك بما فيه من
الأمراض.. وبما في أبنائه
وأهله.. حتى ليخيل إليك أن هذا الإنسان ما مر
به خيرٌ ونعمةٌ ورخاءٌ قط..
ووالله لو نظر بعين الرضا لرأى الخير في
حياته يحف به من جميع الجوانب..
نعمٌ لا تحصى ولا تعد.
قال رسول
الله : "من كنوز البر كتمان المصائب, وما صبر من بث"
وحين سأل يونس بن
زيد ربيعة بن أبي عبد الرحمن: ما منتهى الصبر؟ قال أن
يكون يوم تصيبه
المصيبة مثله قبل أن تصيبه
وقال بكر بن عبدالله المزني: كان يقال
من
الاستكانة الجلوس
في البيت بعد المصيبة
وقال خالد بن أبي
عثمان: مات ابن لي فرآني سعيد بن جبير
مقنعاً, فقال لي: إياك والتقنع فإنه
من الاستكانة
وليس الجزع -أخي
الحبيب- أن تدمع العينان ويحزن القلب,
ولكن الجزع القول السيء والظن السيء.
ومن
آداب الصبر
استعماله في أول الصدمة وحين وقوع الفاجعة لقوله صلى
الله
وعليه وسلم :
"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"
ومن الآداب سكون
الجوارح واللسان, فأما البكاء فجائز.
قال بعض الحكماء:
الجزع لا يرد الفائت ولكن يسر الشامت.
ومن حسن الصبر أن لا يظهر أثر المصيبة على المصاب
وأما البكاء والحزن
من غير صوتٍ ولا كلامٍ محرمٍ, فهو لا
ينافي الصبر والرضا.
قال تعالى حكايةً
عن
يعقوب -عليه السلام-: }
وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ
كَظِيمٌ{
منقول من كتاب اصبر واحتسب
للشيخ عبد الملك القاسم
الموضوع : اصبر..... واحتسب المصدر :منتديات تقى الإسلامية الكاتب: El Helalya